الحياة الزوجية شراكة بين طرفين هما الزوجان(رجل وامرأة)، وليست كأي شراكة عادية، فقوامها المودة وعمادها الاحترام المتبادل، والوفاء أساس بنيانها المشيد الذي لا تبليه السنون أو تزعزعه تقلبات الزمن والمحن.. إنها تعني الكثير والكثير، ومهما أفضنا أو استرسلنا لتبيان هذه الرابطة نكون مقصرين في وصف قدسيتها وتفسير كينونتها لاسيما وأنها المكون الأول للأسرة عبر إنجاب الأولاد والبنات، بل والمنهل الوحيد للإنجاب المشروع الذي تباركه العناية الإلهية، فقد شرعها المولى سبحانه وتعالى لتكاثر الناس، ليحافظوا على إنسانيتهم - لا أن يكونوا كالأنعام والبهائم - وبذا يحفظون النسل والأنساب ويصونون النوع البشري من الانحطاط والضياع، ليكون الإنسان - إذا ما نبت نباتاً حسناً ونشأ وترعرع في كنف أسرة صالحة وأبوين على قدرٍ من المسؤولية والاحترام المتبادل- فاعلاً في مجتمعه ومحيطه، معطاءً في هذه الحياة فيسهم في عمارة الأرض وبذل الخير على الوجه الذي يرضي الله (جل ثناؤه). وكما أن للحياة الأسرية جانباً مشرقاً، فلا يعني الأمر ألا منغصات أو محن أو سلبيات تشوبها ومن الممكن أن تلازمها على مر السنين دونما حائل أو خلاص، ومنها على الصعيد الصحي: اللامبالاة في تحقيق مستوى الرعاية الجيدة للأولاد على الوجه الذي يستحقونه صحيا ونفسيا وغذائيا.. فبسبب كثرة الإنجاب يعجز الأبوان عن تقديم وتحقيق ما يعد مرضيا لهم من الأسباب المعيشية والمتطلبات ليحيوا حياة كريمة، وقد يجهز الفقر وتردي الأحوال الاقتصادية على الأحلام فتصير من الماضي ليغدو الأولاد لا أمل لهم حتى في نيل أيسر مقومات الحياة الكريمة، بل وحتى التعليم قد يحرمون منه أو لا يجدو بدا من ترك الدراسة للبحث عن لقمة العيش، والشواهد كثيرة من حولنا وبوسع أيٍ منا أن يرى من حوله الكثير من الصغار بؤساء يكدون في البحث عن لقمة العيش بدلا من الالتحاق بالمدرسة كأقرانهم، لاسيما مع تردي الأحوال الاقتصادية في اليمن وما يفرزه من تداعيات أدت ولا تزال تؤدي إلى اتساع رقعة الفقر والفاقة وسوء أحوال المعيشة بين الأسرة وتلاشت معه - إلى حد كبير- الطبقة المتوسطة ليصير جزءا كبيرا من الأسر إلى العوز والفقر. بالتالي لا تتحقق سعادة الأسرة ويطيب عيشها بكثرة الأولاد والإنجاب المتكرر دون ترك فواصل زمنية بين المولود والآخر القادم من سنتين على أقل تقدير وكحد أقصى خمس سنوات، فالتنظيم على هذا النحو سيجنب الأسرة المنغصات التي ذكرتها وأسباب الشقاء المعيشي، كما يهيئ للأم نيل الراحة الكافية والمفيدة لصحتها بدلاً من تتابع الأحمال الذي يشكل بابا لإصابتها بأمراض منهكة تأتي على صحتها، ومن الممكن أن تؤدي بها كثرة وتتابع الأحمال دون فواصل زمنية مناسبة إلى مآزق مرضية خطيرة أو قاتلة سواء أثناء الحمل أو الولادة كالإجهاض غير الآمن، تعسر الولادة، النزف الدموي أثناء الولادة أو عقبها، وانسمام الحمل الذي يطلق عليه أيضا (تسمم الحمل): وهو مرض يؤدي إلى الوفاة أثناء الحمل نتيجة ارتفاع ضغط دم الأم الحامل، وبمعزلٍ عن التدخل الطبي المناسب في الوقت المناسب يؤدي هذا الارتفاع في ضغط الدم إلى وفاة الأم وجنينها، حيث أن أبرز أسبابه الأحمال المتكررة والمتتابعة..وهناك الكثير من المآلات والاعتلالات الخطيرة المهددة للأم وجنينها أو وليدها من جراء الأحمال المتكررة والولادات المتلاحقة بمعزل عن التنظيم الصحي للإنجاب تضاف إلى ما سبق ذكره، وأبرز ما أوردته المصادر الطبية من هذه الاعتلالات: - انفجار الرحم . - هشاشة العظام . - تعرض الأم للأمراض المزمنة، كأمراض الكلى، الكبد، القلب، والأوعية الدموية.- ولادة أطفال ناقصي الوزن أو قبل الأوان. - تشوه الجنين أو موته.إذن تنظيم الأسرة مصطلح يوحي بالمسؤولية والأمان، ويُعبر به عن تأجيل الإنجاب بأيٍ من الوسائل الصحية إلى وقتٍ تكون فيه الأم مهيأة صحياً ونفسياً لحملٍ آخر، وهو خط الحماية الأول للأمهات، يفرض على المجتمع - لأهميته- التزود بالمعلومات والمعرفة الكافية.وأبرز ما يعود به من منافع وفوائد صحية، تقليل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة، وإعطاء الأم فرصتها لإرضاع طفلها رضاعة طبيعية واستعادة صحتها بعد الحمل السابق، وكذا إعطاء الطفل حقه من الرضاعة الطبيعية والتربية السليمة، وتجنب الحمل غير المرغوب فيه.وبالتالي لا بد على الزوجين الاتفاق والتشاور فيما بينهما لاختيار وسيلة تنظيم الأسرة الملائمة مع أخذ المشورة من مقدمة خدمات تنظيم الأسرة لاستخدام المنتفعة ما يناسبها دون موانع صحية، والخيارات هنا كثيرة، منها التقليدية: كالرضاعة الطبيعية التي تعطي حماية لمدة ستة أشهر كاملة بعد الولادة، شرط أن يتم إرضاع الطفل من الثديين يومياً دون انقطاع طيلة تلك الاشهر الستة، فهكذا يوصي الأطباء المختصون من أجل منع نزول الدورة الشهرية مهما قل الدم، فبتلك الكيفية لا يقع الحمل، لكن الرضاعة الطبيعية بعد الشهر السادس على الولادة حتى مع استمرارها وتواصلها يومياً تكون اقل كفاءة في منع الحمل، ولا تعتبر آمنة ليتم الاعتماد عليها.ومن الخيارات الأخرى لوسائل تنظيم الأسرة وتأجيل الإنجاب - سنورد ما تؤمنه المرافق الصحية المقدمة خدمات الصحة الإنجابية، من وسائل مأمونة في عموم محافظات الجمهورية، وهي :- العازل الذكري.- اللولب.- الغرسة.- الحقن العضلية.- الحبوب الفموية: وهي على قسمين:1 - حبوب خاصة بالمرضعات.2 - حبوب لغير المرضعات.إذن لا يتأتى الاختيار عشوائيا لوسيلة تنظيم الأسرة من قبل المنتفعة، تلافياً للخطأ عند الاستخدام أو عدم ملاءمة الوسيلة المختارة للمنتفعة، وإنما لا بد من مشورة طبية وأن تلتمسها المنتفعة من مقدمة الخدمة (طبيبة- قابلة مؤهلة ومدربة)، لأن العمر له حكمه وأيضاً الإصابة بالأمراض، ولأجل أن تطلع المرأة على مبررات وموانع الاستعمال لكل وسيلة. فالمشورة أو الاستشارة هنا تساعد على الاختيار الموفق للوسيلة المناسبة لتأجيل الإنجاب وشرح طريقة الاستخدام أو التعامل، وتوضيح- كذلك- نسبة نجاح وفاعلية الوسيلة ومشاكلها والأعراض الجانبية المترتبة على الاستخدام. ولو وجدت المنتفعة في وسيلة تأجيل الإنجاب مشكلة أو ظهرت لديها مضاعفات فيجب عليها وقف استخدامها والتوجه مباشرة إلى الطبيبة.ويبقى التأكيد على المنتفعة لدى استخدامها لوسيلة تنظيم الأسرة المناسبة أن تلتزم بقواعد وشروط الاستخدام بما يحقق أقصى درجات الحماية والأمان.ولكل أسرة منا - ولكل أمٍ على وجه الخصوص- كل الأمنيات القلبية بالصحة والسعادة.
تنظيم الأسرة.. وصحة دائمة
أخبار متعلقة