إذا أردنا أن نتحدَّث عن مرحلة الستينيّات - التي يصفها الإسلام السياسي- بأنها قد كانت مرحلة إخفاق؛ سنجدها - ورغم شُح مُدخلات تلك المرحلة - باتت من أفضل مراحل تاريخ مصر الحديث نهضةً، ورخاءً؛ وأكثرها إمساكًا بلجامِ الأمورِ في مصر؛ وأقواها تَخلُّصًا من التبعية الغربية للبلادِ. تُذكِّرنا أسطورة الطوفان، بفترة الملكيَّة في مصر؛ والتي عانت فيها البلاد من الاستبدادِ، والقهرِ، والتبعيَّة؛ وعبر ما وصفه الغرب بالأحلام، والتي طرحها الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، استطاعت مصر التخلُّص من هذا الاستبداد، وذلك القهر، وتلك التبعيَّة؛ ومرَّت البلاد آنها على جِسرٍ من التحدي، والتخطيط ، وعلى رأسها الإرادة. لقد قاد ناصر، ما هو جدير بأن نُشبِّههُ بسفينة نوح، التي اعتلى بها فوق الطوفان، وغدا يداً بيد مع كل أجهزة الدولة، ومع الشعب، ومع باقي البلدان العربية، إلى حريَّة حقيقية، واشتراكية مدروسة، ووِحدة يُقتدى بها سياسيًا. وعلى أن سفينة نوح؛ أو فُلك نوح حسب الديانة الإسلامية، واليهودية، والمسيحية، هي سفينة صنعها النبي نوح عليه السلام، لحماية عائلته، وجميع الكائنات الحية من الطوفان العظيم، بعد أن فاض شر الناس - وكما جاء بالآية 40 من سورة هود، فقد صنع النبي نوح عليه السلام، سفينة بوحيٍ من الله، حمل فيها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى، وأهل بيته «إلا من سبق عليهم القول ممن لم يؤمن بالله، ليهلك جميع من تبقى من المفسدين من قومه الذين كذبوا رسالته بقدوم طوفان عظيم» - فقد جسَّد ناصر - مع فارق التشبيه - دور المُنقِذ، والمؤسِّس لسفينة نجاة مصر، والوطن العربي، عبر مشروع نهضته؛ ومشروعه القومي القويم؛ الذي جاء في عهودٍ من الرِدَّة، والفساد، والتبعيَّة. كما بات مشروع ناصر للنهضة، مشروعاً حقيقياً؛ شاملاً؛ له استراتيجية كاملة، ومتكاملة؛ قاد به مصر، وكامل الأمة العربية، بمنتهى السرعة، والجدِّية، والإصرار، قبل أن تُدرِك الامبريالية ماذا عليها أن تفعل، لمواجهة هذا المشروع العفي، الشاب، المُتأهِّب للتوجُّه نحو الغد. لقد قام مشروع ناصر للنهضة، على إرادة قيادة، وإرادة شعب، تبعتها إرادة وطن؛ فكانت الإرادة على قمَّة أولويات دعائمها؛ وعَبَرت على هول الطوفان شامِخة كسفينة نوح، صامِدة صمود الجبال، مؤمنة بعدالة جميع خطواتها. كان مشروع ناصر مجرَّد حُلم، يَهذي عند ذكره السامعين، فغدا حقيقة ناجحة، وقائدة، ورائدة؛ بفعل رجاحة فِكر، ووِحدة صف؛ يتقدَّمهم إرادة قوية، مثابِرة، ووطنيَّة؛ قادت الحُلم إلى نهضةِ أمة، بكل معاني النجاح، والتقدُّم.
الإرادة العربية... سفينة نوح في عصورِ الرِدة
أخبار متعلقة