لاشك أن من لا يعير اهتماماً كافيا بأطفاله ولا يأبه بتنشئتهم التنشئة الحسنة، ثم لا يحافظ عليهم أو لا يدفع عنهم الضرر طالما كان أقدر على تجنيبهم إياه،يرتكب أموراً مزرية لا تليق بمسلم سوي متمسك بهدي الإسلام وتعاليمه القويمة، ويعد مفرطاً بأمانته الأبوية في حماية أبنائه من الأمراض المهددة صحتهم وسلامتهم، بل ومستهتراً متمرداً على مسؤولية تقلدها على عاتقه أمام الله سبحانه وتعالى.كيف لا؟ وقد هيأ الله للعلم سبلاً مكَّنته من التوصل عبر التجارب العلمية والمعملية المُحكمة إلى لقاحات تقيهم من أمراض مدمرة للصحة وقاتلة قد يستعصي علاجها أو يستحيل تماماً، كمرض شلل الأطفال الفيروسي الذي بات اليوم بفعل التحصين المستمر ينحسر ظهوره ويتقلص انتشاره حول العالم بفعل اللقاح المضاد وجرعاته المتعددة التي يتلقاها الأطفال دون العام والنصف من العمر عبر التحصين الروتيني المعتاد بالمرافق الصحية وكذا عبر حملات التطعيم المستهدفة للأطفال دون سن الخامسة، فبهذه الوتيرة المؤمنة جرعات متعددة من اللقاح يُضاف لمناعة الأطفال رصيد مناعي مع مزيدٍ من مقومات الوقاية، مما لا يعطي أي مبررٍ للاكتفاء بما تلقوه من جرعات تطعيم في الحملات السابقة أو من خلال مرحلة التحصين الروتيني بالمرافق الصحية، فكلما تعددت جرعات التحصين ضد شلل الأطفال، كانت فوائدها أفضل لصحة الطفل وتعززهم بالمزيد من مقومات الوقاية وصولاً إلى رصيدٍ مناعي مستمر أكثر فاعلية.إننا على موعدٍ مع حملة تحصين وطنية ضد شلل الأطفال في الفترة من (27-29يناير 2013م) من منزل إلى منزل لثلاثة أيامٍ متتالية ستشمل جميع محافظات الجمهورية، وستتولى مهمة تطعيم الأطفال دون سن الخامسة فرق متنقلة تجول القرى وحتى المدن لتصل إلى الأطفال المستهدفين؛ واضعةً عنهم وعن أبائهم عناء قطع المسافات الطويلة لبلوغ المرافق الصحية من أجل تحصينهم.أضف إلى أن المرافق الصحية في الحملة ومواقع كثيرة مستحدثة تتخذها فرق التطعيم مؤقتة تتهيأ لتكون على أتم الجاهزية خلال الحملة لتقوم بالمهمة ذاتها.كل ما هو مطلوب من الآباء والأمهات عندما يحين موعد الحملة أن يحرصوا على تطعيم فلذات أكبادهم المستهدفين بلا استثناء، مهما قلت أو كثُرت الجرعات التي تلقوها في السابق، وهي جرعة إضافية لا تغني - بالطبع - عن استمرار الأطفال في التحصين الروتيني المعتاد، وقد دعت إليها الحاجة لتكون سنداً لصحتهم يمد مناعتهم الجسدية بأسباب الوقاية والحماية على السواء.ومخطئ من ينقاد إلى الأقاويل المشوهة للتحصين ويصغي للشائعات فيصدقها، وأياً كان ما قيل أو يقال من تشويه للقاحات فلا أساس له من الصحة، والعلم يرفضها جملةً وتفصيلاً وكذلك العقل وديننا الإسلامي الحنيف. وفي الأدلة الشرعية ما يؤكد ضرورة وحتمية طلب الشفاء ودرء الأمراض أو منعها عن الجسم، ومنها ما روي عن الصادق المصدوق/ محمد(صلى الله عليه وسلم) من قوله: « تداووا فإن الله ما جعل من داء إلا وجعل له دواء»، وقوله(صلى الله عليه وسلم): «لا ضرر ولا ضرار».بالتالي، ما من شائعةٍ مشوهة للتحصين إلا محض افتراء وزيف غرضه النيل من حاضر ومستقبل الطفولة وتدمير عافية فلذات الأكباد بترك أجسادهم منالاً للإعاقة والعجز.ولا أحقية- البتة- لأحدٍ في رفض التحصين وقد أنعم الله به على أولادنا ليقيهم ويلات الإصابة، ومهما ضؤل أو قل الحارمون أطفالهم من التحصين؛ فبمواقفهم السلبية منه وإعراضهم عن تطعيم أطفالهم يضعون عراقيل وصعوبات على طريق الجهود الرامية إلى منع فيروس شلل الأطفال من التسلل والدخول إلى اليمن مجدداً، مُشكلين دروباً شائكة أمام تأمين الصحة والسلامة للأجيال تُضعف مساعي الحفاظ بقوة على نقاء وصفاء بيئتنا من دنس فيروس الشلل البشع.وكأنما يسرهم أن يكونوا في موقع يتيح فرصة لاحتضان فيروس المرض والتمكين له في الانتشار إذا ما تهيأت الظروف للفيروس وواتت.لا بد أن يكون الجميع- آباء وأمهات وأسراً وكل العناصر والمؤسسات الفاعلة في المجتمع اليمني- مستشعراً للمسؤولية التي على عاتقه، فيحرص على تلقي الأطفال الذين لم يتجاوزوا العام والنصف من العمر جرعات التحصين الروتيني كاملةً، مع الالتزام بمواعيدها المدونة في كرت التطعيم، إلى جانب تطعيم من هم دون سن الخامسة في الحملة الوطنية للتحصين ضد فيروس شلل الأطفال، حيث تنفيذها سارياً في الفترة من (27-29 يناير الجاري).فواقع الحال يفرض أن نهتم بالجانبين معاً.. بالتحصين الروتيني وبحملة التحصين هذه، بغض النظر ما إذا كان الطفل تحصن مرراً في السابق أم لا.ولا داعي للخوف من تطعيم الطفل المريض بأي ٍ من الأمراض الشائعة، مثل الإسهال الطفيف أو نزلة البرد أو الحصبة أو الحمى العادية. ويجب في حال أن كان الطفل يعاني من الإسهال خلال الحملة - ولو كان متزايداً- ألا يُحرم من التطعيم، شريطة أن يُعاود تحصينه مرة أخرى بعد توقف الإسهال مباشرة تعويضاً له عن الجرعة السابقة التي ربما لم يستفد منها؛ وحتى تؤدي الجرعة الجديدة دورها الوقائي المنشود. وفي حال أن ظهرت أعراض سلبية على الطفل المحصن فلا تعتبر بسبب اللقاح، وإنما ناتجة-على الأرجح- عن مرضٍ غير متوقع لا علاقة له بالتحصين.وأعود لأؤكد على ضرورة حصول جميع الأطفال دون سن الخامسة على جرعات متعددة من اللقاح الفموي كلما تجددت الدعوة إلى تحصينهم؛ كي تكسبهم مناعة كاملة ضد الفيروس المسبب للشلل، فالمزيد من حملات التحصين التي تنفذها وزارة الصحة ضد شلل الأطفال ينم عن حرصها الكبير على ديمومة وقايتهم من هذا المرض وعدم ترك أي فرصة لعودة ظهور وانتشار فيروس شلل الأطفال إلى اليمن قادماً من بلدان موبوءة في أفريقيا أو آسيا. إن أسوأ ما تواجهه فرق التطعيم في الميدان من صعوبات تعيق كثيراً خط سيرها أثناء قيامها بتحصين الأطفال خلال الحملات، ما يبديه قلة من الناس من مخاوف - لا أساس لها- من اللقاح، إذ قد يلجأ البعض إلى الكذب أو التضليل أو يعمد إلى إخفاء أطفاله قائلاً: « ليس لدينا أطفال»، أو يماطل فيعطي الموعد تلو الموعد.. وهذا- في واقع الأمر- يسبب إرباكاً للمطعمين ويؤخرهم عن تأدية عملهم بالوتيرة المطلوبة، وبَدل أن يسير المطعمون في خط سير معين يضطرون- بسبب هذا الإرباك- إلى الـتأخر أو تعديل خط السير.أي مرض أو وباء- أياً كان- متى بدأ بالظهور لا سمح الله- يأخذ بالانتشار متجاوزاً تلك الحدود فيبلغ محافظات أخرى ثم يتسع انتشاره أكثر وأكثر ليعم- بمرور الوقت- كافة المحافظات، وأكثر من يرزح تحت طائلة هذا التهديد هم الأطفال دون سن الخامسة ضعيفو المناعة الذين منعوا تماماً من التحصين وكذلك من لم يحصلوا على جرعات متعددة من لقاح شلل الأطفال ومن يعانون من سوء التغذية.ولأن التحصين الروتيني بما فيه من جرعات يمنح وقاية للأطفال من فيروس الشلل، فليس كافياً في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن لأجل وقاية الأطفال الصغار إذا ما ظهر المرض مجدداً لا سمح الله، الأمر الذي يفرض استمرار تنفيذ حملات تطعيمٍ من حينٍ لآخر في البلاد؛ لاسيما وأنها ليست بمنأى من دخول المرض وتسلله إلى أراضيها مرة أخرى من البلدان الموبوءة الواقعة في أفريقيا أو إقليم شرق البحر المتوسط.لذا اقتضت الظروف إقامة حملة تحصين وطنية احترازية للتحصين ضـد شـلل الأطفال من منزلٍ إلى منزل؛ تشمل كافة محافظات الجمـهورية في الفترة من(27- 29يناير الجاري)؛ مستهدفةً بالتطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة.فمن فاته أو لم يفته الحصول على جرعات التحصين الروتيني كاملةً أو مجتزئة وكذلك جرعات اللقاح خلال حملات التحصين ضد شلل الأطفال السابقة، إلى جانب المواليد حديثاً الذين لم يحصلوا مسبقاً على جرعات تقيهم هذا المرض الخطير، بل وكل طفل- على السواء- على طول البلاد وعرضها ما دام لم يتجاوز بعد سن الخامسة، أياً كان في الريف أو الحضر.. لزم على والديهم أو ذويهم اغتنام الفرصة بالتوجه بهم جميعاً إلى أقرب مركز أو وحدة صحية أو مستشفى يقدم خدمات التطعيم أو أي مرفق أو مكان تتواجد فيه فرق التطعيم خلال فترة تنفيذ حملة التحصين الحالية، أو البقاء- أثناء تنفيذها- في انتظار قدوم فرق التحصين المتنقلة من منزلٍ إلى منزلٍ.نأمل من الجميع التعاون مع مقدمي خدمة التحصين وتسهيل مهام العاملين منهم في الميدان وعدم الإبطاء عليهم أو تأخيرهم عند طرقهم الأبواب خلال تنقلهم من منزلٍ إلى منزل.وعلى أولياء الأمور الوثوق بأن القائمين على التحصين ومن يقدمون الخدمة يسعون لأجل صحة وسلامة الأطفال كحرص أبائهم وأمهاتهم عليهم، وأن يرفضوا كل الشائعات والأقوال المنددة بالتحصين، كونها مجرد إدعاءات زائفة وأكاذيب مضللة.ولا أحسب كثيراً ممن يصدقونها إلا قد غلب عليهم الظن بألا أهمية وألا ضرورة لتحصين أطفالهم؛ لحصولهم مسبقاً على جرعات كثيرة من لقاحه المضاد لفيروس الشلل.. عليهم تصحيح هذا الخطأ مادامت الفرص لا تزال مهيأة والتحصين مستمراً.
التحصين .. حصن وقاية للطفولة ضد داء الشلل
أخبار متعلقة