لم يشعر المصريون بأى تحسن حقيقي بعد الثورة في مستوى المعيشة أو تحقيق العدالة الاجتماعية، بل على العكس تدهورت الأوضاع الاقتصادية بالمقارنة بالأوضاع ما قبل الثورة، فقد تراجع الاحتياطي النقدي إلى مستويات لا تكفي فاتورة الاستيراد والمدفوعات بالعملة الاجنبية إلا لمدة شهرين أو ثلاثة على الأكثر، كما أن الحكومة قامت برفع أسعار أكثر من خمسين سلعة برفع الضرائب عليها رغم تأجيل تنفيذ القانون الذي صدر إلا أن آثاره حققت ارتفاعا في أسعار السلع، وبدأت التساؤلات عن جدوى الثورة والتغيير، إذ لم تأت بالخير أو بتحسين الأوضاع، بل ذهب البعض إلى التأسي بالنظام السابق، وأن المقارنة للأسف تأتي في كثير من الأحيان لصالحه، والسؤال هل ضلت الثورة الطريق؟ أم أن هناك من تآمر على الثورة بإبعاد الثوار عن المشاركة في صناعة القرار، وانشغل بتمكين حزبه وجماعته على حساب أهداف الثورة ومطالب الثوار.من قرأ تاريخ الثورات يجد أنها ترجمت أهدافها في وثائق دستورية أو حقوقية، فالثورة الفرنسية التى تسمى بالثورة الكبرى وضعت حقوق الإنسان في إعلان أصبح نبراسا للحقوق والحريات، فالجمعية التأسيسية أكدت أن «يولد الناس أحرارا متساوين فى الحقوق ولا تمييز بينهم»، وعرف الحقوق بأنها الحرية، والملكية، والأمن، ومقاومة الظلم وأن الأمة مبدأ كل سيادة وأصل كل سلطة، وأن القانون هو مظهر إرادة العامة، وأهل البلاد جميعا لهم حق الاشتراك فى وضعه، والناس سواء أمام القانون، وأمام الوظائف العامة وحرية الرأى والتفكير والاعتقاد والفصل بين السلطات الثلاث فى الدولة وأهم مبدأ أن السلطة العامة منشأة لمصلحة المجموع، لا لمن يوكل إليهم إدارتها ونضع تحت هذا المبدأ أكثر من خط.ولم تختلف الثورة الأمريكية عن الثورة الفرنسية فى تقرير حقوق الإنسان الأساسى فى دستور الاستقلال، وجاءت فى مقدمة إعلان الاستقلال تقرير للحقوق فى صياغة بليغة «نحن نؤمن بهذه الحقائق البديهية وهى أن جميع الناس قد خلقوا متساوين، وأن خالقهم قد وهبهم جميعا حقوقا لا يملكون هم أنفسهم النزول عنها، ومن هذه الحقوق الحياة، الحرية، ابتغاء السعادة، وأن الحكومات إنما تقوم بين الناس كى تصون هذه الحقوق، وأن الحكومات إنما تستمد سلطانها المشروع من رضاء المحكومين فإذا انتوت أية حكومة، مهما يكون شكلها محو هذه الحقوق، فإن للشعب أن يغيرها، أو أن يمحوها، ويقيم مكانها حكومات أخرى تستند على هذه المبادئ وتنظم سلطاتها على نحو يكفل للشعب سلامته وسعادته.هذه هي مبادئ الثورة المستمدة من الثورات الكبرى أن الشعب يثور من أجل أن يحقق أهدافه في السعادة والسلامة والعيش بكرامة. ومهمة الحكومات هى أن تعمل على تحقيق هذه الأهداف فإن فشلت فله أن يغيرها.هذه المبادئ استلهمتها شعوب العالم من أجل تغيير حكوماتهم المستبدة، التي تفشل في خدمة الشعب بل تضع نفسها وحزبها فوق الشعب والحقوق، فمن يقرأ الدستور المصرى يجد أنه جاء ليضع كل السلطات تقريبا فى يد الرئيس كما كان الوضع سابقا، ولم يذكر حقوق الإنسان إلا بصياغات ضعيفة ومطاطة، وجعلها تعرف فى حدود رؤيته هو وليس الشعب، ليس هذا فحسب ولكن مبدأ الفصل بين السلطات أطيح به فسيطرت السلطة التنفيذية على الحكومة والبرلمان، وتم تقييد سلطة القضاء وسلطة المحكمة الدستورية العليا، لذلك رأى الناس فى بلادنا أن الثورة قد انحرفت عن مسارها. لذلك فله أن يقيم إعوجاجها، فالثورة ملك الشعوب وهى حق لا يملك أحد مصادرته، وكما قال الرئيس إبراهام لنكولن أعظم رجال الولايات المتحدة عام 1861 «هذه البلاد ملك للشعب الذى يقطنها. وكلما ضاق هذا الشعب بأخطاء الحكومة القائمة أو مساوئها فله أن يستعمل حقه الدستوري في تعديلها، أو حقه الثوري فى هدمها». نعم هذه هى الحقيقة، فالشعب مصدر كل السلطات وله أن يغير حكومته إذا فشلت أو كانت تقود البلاد إلى الهاوية والحق فى الثورة حق أصيل للشعوب.لم نر أي تقدم والشعب يشعر بثقل الهموم التى تزيد يوما بعد يوم، فهل تتوقف عملية الاستيلاء على السلطة والثروة والنفوذ فى مصر ومحاولة تركيزها فى يد حزب وجماعة على حساب الشعب، أم أن وقت الإصلاح قد فات وآن الأوان للثورة من جديد.
الثورة من جديد
أخبار متعلقة