قصور فرنسي في فهم المجتمعات الإسلاميةيتساءل الباحث الفرنسي جيل كيبل عن مدى قدرة باريس على أداء المهمة التي تتصدى لها في مالي، منتقدا ما يعتبره عزلة غير مقبولة وتراجعا لفرنسا خلال السنوات الأخيرة في فهم المجتمعات العربية الإسلامية.وفي مقاله بصحيفة «لوفيغارو» يرى كيبل، الأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس وعضو المجلس الأعلى لمعهد العالم العربي، أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بإرساله الطيران الفرنسي لقصف أرتال الجهاديين المتوجهة إلى باماكو، ثم إرسال قوات برية لسد عجز الجيش المالي، إنما يعالج قبل كل شيء الآثار الضارة لضربة سلفه نيكولا ساركوزي لأرتال مدرعات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي التي كانت متوجهة إلى بنغازي في 19 مارس/آذار 2011. وهي أضرار مصدرها عدم تعبئة المعارف العميقة المتوفرة عن المجتمعات العربية.[c1]قصر نظر[/c]فما يعرف حتى الآن في ليبيا بـ«ضربة ساركو» قد أدى دون شك لإنقاذ آلاف المدنيين في بنغازي وسمح للثورة بأن تأخذ المنعرج الذي أدى إلى سقوط الطاغية. ولكن بسبب نقص المواكبة السياسية، ونظرا لعدم تعبئة المعارف العميقة المتوفرة عن المجتمعات العربية الإسلامية، فإن تدخل فرنسا وحلف الناتو في ليبيا قد أدى إلى تحول هذا البلد إلى عدد لا متناه من المجموعات المحلية والإثنية والأيديولوجية والكتائب التي ليس للدولة عليها أي سلطان.مهما كانت نتيجة المعارك الحربية في مالي، فإن الاختبار الحقيقي على الأرض سيتعلق بمدى القدرة على الدفع نحو انتقال سياسي ديمقراطي، وتجنب الأخطاء التي أعقبت عمليات الناتو في ليبيا، وتدخل الولايات المتحدة في العراق والتحالف الدولي في أفغانستانونظرا لقصر نظر الساسة والمنظرين الإستراتيجيين، فإن كل المنطقة غرقت في موجة من التسلح مصدرها نهب الترسانة العسكرية الليبية الهائلة، وهو ما مثل فرصة سانحة للجماعات السلفية المتشددة.ويرى الكاتب أن اختطاف الرهائن الغربيين في جنوب شرق الجزائر، على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود الليبية، ردا على إذن الجزائر للطائرات الفرنسية باستخدام مجالها الجوي في عملياتها في مالي، يظهر حجم تهديد يبدو مقلقا بقدر ما هو متشابك ومتعدد المراكز.فمهما كانت نتيجة المعارك الحربية، فإن الاختبار الحقيقي على الأرض سيتعلق بمدى القدرة على الدفع نحو انتقال سياسي ديمقراطي، وتجنب الأخطاء التي أعقبت عمليات الناتو في ليبيا، وتدخل الولايات المتحدة في العراق والتحالف الدولي في أفغانستان. ومن هنا فإن العزلة الفرنسية، في رهان يتعلق بأوروبا كلها ومسرحه واجهتها الجنوبية، ليست مقبولة إلا إذا كانت تعني إفراغ الوحدة الأوروبية من أي معنى.ولكون ضحايا احتجاز الرهائن في «عين أميناس» هم في الأغلبية الكاسحة من رعايا دول أنجلوساكسونية وإسكندنافية، ولكونه حصل في موقع لاستخراج الطاقة -التي تمثل مفتاح اندماج العالم العربي في الاقتصاد العالمي- فإنه بالقوة سيشرك دولا جديدة في النزاع، حتى لو كانت مكرهة. ولهذا فإن من الحاسم لنجاح العملية معرفة الأرض والتشعبات الإقليمية، والتداخل بين منطقة الساحل وبين عالم عربي تتناوشه الثورات، فضلا عن علاقة المنطقة بأبنائها المقيمين في فرنسا.[c1]طابع عالمي[/c]ففي سياق بات فيه الإرهاب الإلكتروني مصدرا للحرب، وحيث تستخدم الصور المروعة على مواقع مشاركة مقاطع الفيديو كوسيلة لابتزاز المجتمع، وحيث لا تزال قضية محمد مراح عالقة بكل الأذهان، فإن كل نزاع يأخذ فورا طابعا عالميا ومحليا في آن واحد.كما أن تعقيد وتعدد الرهانات المتداخلة يجعل من الحرب على «جهادية ما بعد الحداثة»، التي تحظى تقريبا بحضور عابر للأمكنة، تحديا حقيقيا أمام المجتمع. فهي، من ناحية، تتطلب وئاما واسعا داخل المجموعة الوطنية، ومن ناحية ثانية إتقانا للمعارف والعلوم حول العالم العربي والإسلامي الحديث. وفي هذا المجال فإن فرنسا، رغم أنها كانت لوقت قريب رائدا عالميا، تسجل تراجعا معتبرا منذ السنوات الخمس الأخيرة.
عالم الصحافة
أخبار متعلقة