أخيراً استطاع المشير/ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية أن يحسم الجدل الدائر منذ عامين بشأن هيكلة القوات المسلحة، وأغلق تماماً وكما يفترض الباب على كل الأعذار التي كانت تتفرع بها وترفعها أحزاب المشترك وفي مقدمتها حزب الإصلاح المعروف بـ(إلاخوان المسلمين) للتنصل من التزاماتها التي وقعت عليها في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والمتمثلة في إنهاء مظاهر الأزمة ورفع الساحات ووقف التصعيد بأشكاله المختلفة (ميدانياً وسياسياً وإعلامياً)، كما أن الرئيس هادي تمكن فعلاً بإصداره لقرارات الهيكلة من سد جميع الذرائع أمام أطراف العملية السياسية سواءً التي وقعت على المبادرة الخليجية أو غير الموقعة عليها مثل قوى الحراك الجنوبي وكذا الحوثيون وذلك لتصفية الملعب السياسي أمام الجميع وبصورة متكافئة للانخراط في عملية الحوار الوطني المرتقب دون قيود أو شروط مسبقة. ولعل روزنامة القرارات التي أصدرها الرئيس هادي مؤخراً بشأن هيكلة الجيش والتي استندت كما بدا من ديباجتها على توصيات ومقررات (ندوة هيكلة القوات المسلحة) أنهت عملياً ما كان يصفه السياسيون بمسألة (انقسام الجيش).. رغم أنه على الواقع لم يكن انقساماً بل تمرداً لجزء بسيط منه ووضعته الهيكلة تحت قيادة موحدة تنفيذاً لأحد بنود المبادرة الخليجية التي تنص على هيكلة القوات المسلحة والأمن وإعادة تنظيمها وفق أسس مهنية ووطنية حديثة.ولو لا سوء توقيت إصدار تلك القرارات وما بدا رضوخاً من القائد الأعلى للقوات المسلحة لأطراف سياسية خرجت تهدده قبل أسابيع بمسيرات جمعة (الإنذار الأخير) وكذا ما بدا أنه استقواء بالخارج والمجتمع الدولي من قبل الرئيس التوافقي في إصدار هذه القرارات لصفق الجميع لها وباركوها.ومع ذلك يمكن وصف القرارات التي أصدرها الرئيس هادي بمثابة مرحلة أولى من عملية إعادة هيكلة وتنظيم القوات المسلحة (مرحلة التفكيك) والتي ستليها بالضرورة مرحلة أخرى ثانية وهي (إعادة التركيب) وتوزيع المهام والتي يفترض أن تكون متوازنة. وبالعودة إلى موضوع المقال فإنه وخلال بدء الأزمة السياسية التي شهدتها بلادنا وأشعلت نيرانها أحزاب اللقاء المشترك في فبراير 2011م جعل الإخوان المسلمون الجيش اليمني هدفهم الإستراتيجي والذي ينبغي من وجهة نظرهم تحطيمه وتدميره وإحلال البديل عنه. وقد لمس الجميع ذلك من خلال الهجوم الإعلامي المكثف والممنهج والمستمر الذي سخر له الإخوان المسلمون كافة الطاقات الهائلة والماكنات الإعلامية الضخمة والمستعينة بقنوات فضائية عربية ومشبوهة لا تريد لليمن الاستقرار ومنها قناة (الجزيرة) الفضائية والتي تبث من دولة قطر وذلك بهدف ضرب معنويات الجيش اليمني وإدخال منتسبيه في دائرة من الإرباك والغموض السياسي والتي يعجز من خلالها قادة الجيش عن تحليل الموقف والهدف المقصود من الأزمة في حين تم توضيح الرؤية لأفرادهم، ولما أصبح رهانهم قاب قوسين أو أدنى من الفشل، صبوا جام غضبهم على الجيش واستحلوا دماء منتسبيه، بل وذهبوا أيضاً إلى تكفيرهم وإجازة قتلهم في وقت سابق عند بدء الأزمة لمجرد مساندتهم للشرعية الدستورية أو الدفاع عن نظام صالح، كما فتحوا للجيش العديد من الجبهات المعادية وعلى كافة المحاور العملياتية بدأت نيرانها في الحصبة ثم الجوف ومأرب حتى امتدت إلى الفرضة وأبين وشبوة وتعز والضالع.. ومع ذلك استطاع الجيش بكامل وحداته العسكرية والأمنية أن يسجل أروع المواقف والملاحم البطولية.. تلك المواقف الوطنية الصادقة والشجاعة لقواتنا المسلحة والتي جعلت تيار المشترك وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون يرضخون قهراً للحوار وللعملية السياسية القائمة اليوم ويقبلون بالتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. وبعد عملية التوافق بين فرقاء السياسة كان يفترض بل ويجب أن يحظى الجيش الوطني بكل معاني الاحترام والتقدير، وتحظى أسر شهدائه وجرحاه بكل الرعاية والعناية والاهتمام من قبل الأطراف السياسية المتصارعة، ولكن للأسف الشديد أصبحت تلك المواقف الوطنية والبطولية التي سطرها الجيش خلال الأزمة للدفاع عن السيادة الوطنية والشرعية الدستورية لا ترقى لدى حزب المؤتمر بما يوصلها إلى درجة الاحترام والتقدير، كما لم تكن شفيعاً كافياً لدى الإخوان المسلمين يجعلهم يتجاوزون فرص الانتقام من الجيش وأفراده.. وبالتالي نجد أن التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة كان بالنسبة للإخوان المسلمين في اليمن بمثابة وسيلة ضغط إداري ضد الجيش لجعله بكل وحداته العسكرية والأمنية في حالة خضوع وطاعة والتنفيذ دون السؤال عن المخاطر والأضرار، في حين كانت من ناحية أخرى بمثابة إبرة تخدير للمؤتمر الذي تمسك بعدها بالصمت المطبق وعدم الرد المؤثر خصوصاً في الشأن العسكري، عدا بعض الأمور والمسائل السياسية التي جعلها المشترك والاخوان المسلمون تحديداً من أهم العوامل الفاعلة لإشغال المؤتمر بها وجره بعيداً عن الجيش وشؤونه العسكرية بما يفسح المجال للإخوان المسلمين لتحقيق مطامعهم الإستراتيجية والتوسع على كافة المستويات وبكل ما يعينهم على الاستمرار في الضرب تحت الحزام وتسديد الضربات للانتقام من الجيش بأقل كلفة وخسارة، وذلك بالاعتماد على تحويل المعركة مع الجيش إلى أشبه بالحرب الباردة عبر تنفيذ سلسلة من الاغتيالات المتوالية لكبار قادة الجيش وجنوده ابتداءً باغتيال اللواء الركن الشهيد/ سالم علي قطن ومروراً بحادثة المجزرة البشعة لجنود الأمن المركزي في ميدان السبعين بصنعاء واستهداف قوات النجدة والشرطة العسكرية أمام كلية الشرطة بأمانة العاصمة وانتهاءً باغتيال العميد الشهيد/ فضل محمد جابر الردفاني قائد محور ثمود م/ حضرموت الذي اغتالته أيادٍ ليلة أمس الأول أمام بوابة وزارة الدفاع، فضلاً عن محاولات عدة ومتكررة لاغتيال وزير الدفاع اللواء الركن/ محمد أحمد ناصر وفي أكثر من محافظة يمنية إلا إن جميعها باء بالفشل، والغريب في الأمر أن كل تلك الجرائم الإرهابية البشعة وغيرها دائماً ما يتم التستر عن منفذيها وتقيد ضد مجهول ولم تستطع وزارة الداخلية حتى اليوم إلقاء القبض على عنصر واحد من أولئك الجناة لينال جزاءه العادل. والأغرب في الأمر بأن جميع هذه الاغتيالات التي تستهدف كبار قادة الجيش وأفراده تأتي بعد نجاح عملية عسكرية نوعية تنفذها قواتنا المسلحة البطلة على بعض الجماعات الإرهابية في هذه المحافظات اليمنية أو تلك!!.لقد عمل الإخوان المسلمون على الاستمرار في التدمير المعنوي للجيش وبكل الوسائل الممكنة لديهم ومازالوا مستمرين حتى الآن على الرغم من التوقيع على المبادرة الخليجية، ودون أن يكون لحزب المؤتمر أي موقف معارض حيال ذلك، وفي ذات الوقت ظل الإخوان المسلمون يضغطون على الرئيس هادي عبر خروج أنصارهم إلى الساحات للمطالبة بتغيير اللواء/ محمد صالح الأحمر قائد القوات الجوية والدفاع الجوي حتى حققوا مطلبهم، ثم عملوا بكل الوسائل على إقالة قائد الأمن المركزي والنجدة والأمن القومي، دون أن يحتفظ المؤتمر - على الأقل - بهذه القيادات الأمنية.. وهذا ما أعطى للإخوان المسلمين عوامل ضاغطة وضامنة من عدم أي تحرك عسكري ضدهم في المستقبل وذلك بسبب الهجوم المعنوي المكثف والمستمر الذي قام ولايزال يقوم به الإخوان والذين يحاولون وعلى الدوام التشكيك في وحدات الجيش وقيادته وولائها الوطني مستغلين بذلك انتماءها أو صلة قرابة بعضها أو تحالفها مع الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح، ودون أن يكون ثمة رد إعلامي مماثل على الأقل من حزب المؤتمر، وكذلك حرمان الجيش من الغطاء الجوي بعد تجريده من قوات الدفاع الجوي وفي نفس الوقت قطع المعلومات العملياتية عنه من خلال فصله عن الأجهزة والوحدات الأمنية المشاركة والمساندة.. وهذه العوامل أو الأساليب الثلاثة (المعنوية، المعلوماتية، والدفاع الجوي) تشكل خطراً حقيقياً على الجيش ومعنوياته وتحركاته، بل وتجعله معاقاً عن الحركة المتسارعة على مسارح العمليات العسكرية والأمنية بما يجعل الإخوان على الأقل يستعيدون أنفسهم ويعملون على ترتيب صفوفهم للمواجهة من جديد، كما ضغط الإخوان من الناحية الإدارية في إقالة العميد/ طارق محمد عبدالله صالح من قيادة اللواء الثالث حرس ودفعوا بالقيادة للحليلي أقوى حليف لهم، وفي الوقت نفسه عملوا على الضغط لإقالة اللواء/ مقولة - قائد المنطقة الجنوبية بعد أن دفعوا باللواء (135) مشاة بري للسيطرة على قاعدة العند العسكرية التي جعلتهم يمتلكون قوة ردع تمنع أي تحرك ضدهم، وهو ما ساعدهم على الدفع باللواء/ الظاهري الشدادي لقيادة اللواء (31) مدرع، وقيادة المنطقة الجنوبية ليصبح الإخوان المسلمون - بهذا التعيين يسيطرون على أهم بقعة جغرافية من الناحية العسكرية والتجارية، ومن الناحية الميدانية ضغط الإخوان على نقل اللواء (25) ميكا من أبين إلى قاعدة عبس العسكرية الواقعة أقصى شمال الشمال ونقل اللواء (15) مشاة إلى أبين ونقل اللواء (32) مدرع من محافظة الضالع إلى محور تعز.ومن هنا نلاحظ أن تواجد اللواء (25) ميكا في قاعدة عبس العسكرية في محور حجة واللواء (32) مدرع في محور تعز وتمكينه من السيطرة على المنافذ البحرية سوف يساعد وبقوة على تقوية الإخوان عسكرياً وتجارياً، بل وسيجعلهم في مركز القوة المضادة التي تضغط بقوة في تمزيق الجيش وتدميره تحت مسمى الهيكلة، خصوصاً إذا ما تعاملنا مع القرارات الرئاسية الصادرة من المنظور الإستراتيجي.
|
آراء
هيكلة الجيش بين صمت المؤتمر ومطامع الإخوان!
أخبار متعلقة