فيما لا تزال التغطية بالخدمات متدنية مع تزايد الحاجة غير الملباة
تحقيق / بشير الحزمي ، ابتسام العسيري، هناء الوجيه، شوقي العباسيسميرة التي تبلغ من العمر25 عاماً امتنعت عن استخدام إحدى وسائل تنظيم الأسرة وهي إحدى ضحايا الشائعات المغلوطة لتلك الوسائل لتصبح مثقلة بثمانية أطفال اثر ولادات متتالية أنهكت صحتها وباتت تعاني من مشاكل صحية واجتماعية عديدة ..هذه القصة وغيرها كُثر جعلتنا ومن خلال هذا التحقيق نسلط الضوء على ما تواجهه وسائل تنظيم الأسرة في اليمن من شائعات ومفاهيم مغلوطة وسبل مواجهتها. الأخت س . ع 28 سنة متزوجة منذ 3 سنوات وأم لطفلين تؤكد رغبتها في الحصول على وسيلة تنظيم الأسرة غير أن لديها العديد من المخاوف حولها وهو ما نقلته إلى مسامعها بعض صديقاتها وقريباتها اللاتي أوضحن لها أن وسائل تنظيم الأسرة (الحبوب ) تجيب العصبية و(اللولب) يسبب الالتهابات للمرأة و (الغرسات ) جديدة وهناك خوف منها و(الابر ) تسبب النزيف أو انقطاع الدورة وبالتالي فقد ظلت هي وزوجها متخوفين وحائرين في الأمر بالرغم من حاجتهما الملحة إلى ذلك . لذلك فهي تقول: لجأت إلى جمعية رعاية الأسرة اليمنية كي أتأكد من الطبيبة المختصة مدى أمكانية استخدامي لأي من الوسائل واخذ المشورة حولها والبحث عن وسيلة مناسبة لي . وأضافت : لقد تبددت مخاوفي بعد أن جلست مع المختصة في العيادة التابعة للجمعية واستمعت منها إلى شرح كامل حول مأمونية استخدام هذه الوسائل وقررت استخدام أحداها وبما يتناسب مع وضعي كوني ارضع طفلي الذي لا يزال في الشهر الثالث . وقد عززت قناعتي بعض النسوة اللاتي قابلتهن في العيادة وأكدن لي أنهن يستخدمن هذه الوسائل منذ وقت طويل ولم يواجهن أي متاعب أو مشاكل صحية أو نفسية بل بالعكس لمسن فوائد عديدة .[c1]مأمونية الوسائل[/c]
وتحدثت الدكتورة نبيلة الابهر طبيبة نساء وولادة عن مأمونية استخدام وسائل تنظيم الأسرة قائلة أن هناك تهويلاً ومبالغة فيما يتعلق باستخدام وسائل تنظيم الأسرة من الجانب الصحي من حيث الأعراض الجانبية و الأضرار وفي الواقع أن وسائل تنظيم الأسرة لها عدة فوائد لصحة الأم والطفل أهمها أن المباعدة بين الولادات تساهم في خفض معدل المراضة والوفيات بين الأمهات والأطفال . وأكدت الابهر أن الشائعات المرتبطة باستخدام وسائل تنظيم الأسرة لا أساس لها من الصحة وأن استخدام الوسائل آمنة و لها نتائج ايجابية لصحة الأم.[c1]مشورة لمواجهة الشائعات[/c]القابلة زعفران الشوافي مسئولة المشورة بجمعية رعاية الأسرة اليمنية قالت إن النساء المنتفعات من خدمات الصحة الإنجابية التي تقدمها الجمعية يتلقين المشورة حول استخدام وسائل تنظيم الأسرة بحيث يتم إعطاء المنتفعة وزوجها المشورة الكاملة حول الوسائل وفوائدها ومميزات كل وسيلة وعيوبها وكيفية استخدامها ويتم من خلال ذلك خلق وعي كامل حول هذه الوسائل لدى المترددات وأزواجهن الراغبين باستخدام إحدى هذه الوسائل كل بما يتناسب معه.وأضافت أن هناك نساء يرغبن في استخدام وسائل تنظيم الأسرة غير أن مخاوف عديدة تكتنفهن نتيجة لشائعات سمعنها أو مفاهيم خاطئة تلقينها حولها وبالتالي فأن غرفة المشورة في الجمعية تقدم المعلومات الصحيحة للمنتفعات حول هذه الوسائل وتدحض بالحقائق العلمية كل تلك الشائعات وتخلق نوعاً من الثقة لدى المنتفعات بهذه الوسائل وفوائدها ..مؤكدة أن المشورة تشمل تعريف المنتفعة بحقوقها في تلقي خدمات تنظيم الأسرة من حيث سهولة الحصول عليها والمعرفة والسرية والاختيار والخصوصية والأمان والكرامة والراحة والاستمرارية والتعبير عن الرأي . وتترك للمنتفعة وزوجها الحرية في اختيار الوسيلة المناسبة لهما.[c1]احتياج كبير[/c]احمد المشرعي مدير إدارة الإمداد بقطاع السكان بوزارة الصحة العامة والسكان قال إن الوزارة ومكاتبها في المحافظات والمديريات استطاعت أن تغطي 28 % من الوسائل الحديثة على مستوى الجمهورية غير أن الاحتياج لازال كبيراً وأن توفير الوسائل الحديثة لتنظيم الأسرة ما زال يمول من قبل المانحين وقد هدفت الإستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية إلى تغطية 40 % من هذه الوسائل في عموم الجمهورية بحلول عام 2015 وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للوزارة خصوصا وأن الإمكانيات المادية والفنية والبشرية لا تزال محدودة .ويشير المشرعي إلى أن الوزارة تمكنت خلال النصف الأول من العام الجاري من توزيع 1779592 وسيلة تنظيم أسرة حديثة ، وتواجه الوزارة حاليا عجزا كبيراً في تأمين احتياجات النساء من هذه الوسائل. [c1]دراسة ميدانية[/c]مؤسسة يمان للتنمية الصحية نفذت دراسة ميدانية في ست محافظات حول استخدام وسائل تنظيم الأسرة وبحسب مؤشراتها اتضح أن الشائعات حول وسائل تنظيم الأسرة لعبت دوراً في تدني استخدام الوسائل لدى النساء في عمر الإنجاب . وأكدت الدراسة أن 42% من المبحوثين الرجال يعارضون استخدام تلك الوسائل لأسباب دينية . وأوصت الدراسة بضرورة تعزيز الوعي المجتمعي من خلال دور رجال الدين والإعلام في مواجهة تلك الشائعات والمفاهيم المغلوطة .[c1]دحض الشائعات[/c]ويؤكد الأخ مجاهد الشعب مدير عام الإعلام والتوعية السكانية بالمجلس الوطني للسكان أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام لمواجهة تلك الشائعات . مطالبا الإعلام بمختلف وسائله بتحمل المسئولية تجاه دحض تلك الشائعات وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية وسائل تنظيم الأسرة لمواجهة العديد من المشكلات السكانية.رؤية شرعيةالحديث عن الذرية كثرة أو قلة اكتسب على مر الزمان رواسب اعتقادية مختلفة، ربطها الناس بالدين وعقيدة القضاء والقدر، ولهذا كان لزاما أن نصحح هذه الرواسب ، ونعيد لمفهوم تنظيم الأسرة دلالته الواسعة العميقة ، التي تلفتنا إلى واجبات اجتماعية بناءة من جهة ، وتفيدنا في معالجة تضخم السكان من جهة أخرى، ولأن كلمة ( تنظيم ) واسعة الدلالة، وهي مرغوبة في كل شيء ، قال الله تعالى : (إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر / 49 وأما كلمة “الأسرة” فعريضة عميقة، بسلامتها يسلم المجتمع ، وهي تضم في الغالب : زوجاً ، وزوجة ، وأولاداً وأقارب ، وهؤلاء بمجموعهم يشكلون مجتمعاً صغيراً يعني النواة لمجتمع كبير .يقول الشيخ يحيى أحمد النجار عضو جمعية علماء اليمن، أن الشرع أقر استخدام العزل فقد أجمع جمهور العلماء أن الصحابة استخدموا العزل كوسيلة لمنع الحمل في عهد رسول الـله ( صلى الـله عليه وآله وسلم ) ولم يمنعهم الشرع من ذلك وفي ما رواه جابر} “كنا نعزل على عهد رسول الـله والقرآن ينزل” {والعزل كما عرفه شارح الحديث هو إراقة ماء الرجل خارج رحم المرأة.وأضاف” إن المقصد من العزل هو منع الحمل فإن استخدام الوسائل الحديثة بغرض المنع المؤقت للحمل والمباعدة بين حمل وآخر جائز شرعاً وهو أقرب لتحقيق اليسر الذي أراده الـله قال تعالى: (يُرِيدُ اللَهُ بِكُم اليسرَ وَلا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ )(البقرة :185) ويشرط استخدام هذه الوسائل وفقاً لقواعدها الصحية القائمة على المشورة الطبية لكلا الزوجين من صحي مختص لأن هؤلاء هم أهل الخبرة والـله تعالى يقول: ( ولا ينبِئُكَ مثلُ خبِيرٍ) (فاطر :14).وقال الشيخ النجار “ لا نرى أفضلية لوسيلة على أخرى في الحكم الشرعي ما دامت تحقق الغاية من استخدامها وهي جميعاً مقبولة شرعاً سواءً كانت الأقراص أو الحقن أو الغرسات أو اللولب أو الواقي الذكري أو غيرها من الوسائل الطبية الحديثة ولا مأخذ على أي منها ما دامت اُبتكرت وصنعت من قبل مختصين وبناءً على دراسات وأبحاث وتجارب علمية مدققة.ورأى أنه لا حرج من استخدام أي من الزوجين وسيلة لتنظيم الأسرة ولا حرج بالمعنى الشرعي على من يستخدم الوسيلة من الزوجين رجلاً أو امرأة،والأولى بالزوجين الاتفاق والتفاهم والتعاون فيما بينهما..مشيرا إلى أن وجود الأعراض الجانبية المعتادة ليس مدعاة لتحريم استخدام وسائل تنظيم الأسرة الحديثة ما دام معلومٌ سلفاً إمكانية حدوث هذه الأعراض وشأن هذه الوسائل شأن الأدوية التي لا تخلو أغلبها من أعراض جانبية.[c1]أقوال الفقهاء[/c]من ناحية أخرى أوردت عدد من الأحاديث الشريفة المبينة لحكم جواز العزل وإباحته ، ففي حديث أخرجه مسلم أن جابر بن عبد الله رو أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن عزله عن جارية لا يريد لها أن تحمل ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم:» اعزل عنها إن شئت ،فإنه سيأتيها ما قدر لها».ومن جانبه ذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار: « أنه لا خلاف بين العلماء في جواز العزل بشرط أن توافق الزوجة الحرة على ذلك، لأنها شريكةٌ في المعاشرة الزوجية ».وأورد الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد الأحاديث التي جاء فيها جواز العزل، ثم قال ثم ذكر أن القول بجوازه.ويؤكد الإمام الغزالي أن العزل مباح وأنه لا نص يصرح بتحريمه ، ولا نص ولا أصل يقاس عليه تحريمه ، بل ههنا أصل يقاس عليه إباحة العزل ، وهو ترك الزواج أصلاً . [c1]فوائد صحية[/c]صندوق الأمم المتحدة للسكان ومعهد غوتماخر ذكرا في نشرة صحفية نشرت في شهر يونيو الماضي أن هناك فوائد صحية كبيرة لاستعمال وسائل تنظيم الأسرة. فهي تمنع الحمل غير المرغوب فيه، وتحد من حالات الإجهاض، وتقلل من معدلات الوفيات والإعاقة المتصلة بمضاعفات الحمل والولادة. وهناك فوائد على الأجل الطويل تشمل زيادة فرص التعليم للمرأة وتوفير فرص صحية أفضل للطفل، وزيادة مدخرات الأسرة، وتقوية الاقتصادات الوطنية. وأشار تقرير الصندوق ومعهد غوتماخر إلى أن زيادة استعمال وسائل تنظيم الأسرة والحد من الاحتياجات غير الملباة من هذه الوسائل تعد أمراً جوهرياً لتحقيق ثلاثة من أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية - وهي تحسين الصحة النفاسية، وتقليل وفيات الأطفال، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) ، كما تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تحقيق جميع الأهداف الثمانية للألفية.[c1]إحصائيات دولية[/c]وأوضح التقرير أن استعمال وسائل تنظيم الأسرة الحديثة في البلدان النامية في عام 2012، سيؤدي إلى منع حدوث 218 مليون حالة من حالات الحمل غير المرغوب فيه، وسيؤدي بالتالي إلى تجنب 55 مليون حالة ولادة غير مرغوب فيها و 138 مليون حالة إجهاضمنها 40 مليون حالة غير مأمونة و 25 مليون حالة إجهاض عفوي إسقاط الجنين)، و 118حالة وفيات نفاسية. وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تجنب قرابة 1.1 مليون من وفيات المواليد)ممن يموتون في غضون 28 يوماً من مولدهم( و700 ألف من وفيات المواليد المتقدمي العمر)ما بين 28 يوماً وسنة).وأشار التقرير إلى أن من بين الأسباب الشائعة لعدم استعمال وسائل تنظيم الأسرة الشواغل المتعلقة بالصحة والآثار الجانبية، وتصور أن المرء ليس عرضة للحمل، والمعارضة من جانب الوالدين أو غيرهما، والافتقار إلى المعرفة الكافية بوسائل تنظيم الأسرة وصعوبة الحصول على اللوازم) لعوامل من قبيل المسافات، أو الكلفة، أو نفاد المخزون، أو ساعات العمل غير المواتية).خلاصة القولومن هنا نستخلص مما أوردناه من آراء مختلفة ضرورة تبني حملات توعوية لمواجهة الشائعات التي تواجه استخدام وسائل تنظيم الأسرة التي ما تزال تغطيتها في اليمن متدنية في ظل احتياجات كبيرة غير ملباة تشترك في تنفيذها وسائل الإعلام ومنابر المساجد والمؤسسات التعليمية وكافة قنوات التوعية على مستوى الحضر والريف.