قراءة/عمر العلوي(قال لي و مضى)،مجموعة لعبدالحميد الغرباوي، صادرة عن دار التنوخي للطباعة و النشر و التوزيع، في طبعتها الأولى، سنة، 2010، عبر مساحة 136 صفحة ، حيث تضم أزيد من 136 نصا..تعد مجموعة (قال لي و مضى) من أهم الأعمال الإبداعية في كتابة القصة القصيرة جدا، و علامة فارقة في هذا الفن الكتابي؛ لما تتميز به من رشاقة لغوية و عمق فكري و تناول جاد..منذ استلامي لها و أنا منكب على قراءة نصوصها تباعا، لم أتركها إلا حين فرغت من قراءتها؛ و الأمر يعود إلى كفاءة عبد الحميد التي مكنته من أن يسطر نصوصا جذابة للغاية..و القارئ للمجموعة، لاشك في أنه سينجذب لها و سيحس بالمتعة و الفائدة في آن معا، لدرجة أنه سيخال نفسه قادراً على الإتيان بمثلها..و هو ظن سرعان ما سيذوب، حين يجد صعوبة أكيدة في تحقيق المراد..ذلك أن الكتابة عند عبد الحميد الغرباوي، تدخل ضمن السهل الممتنع.. و ما كان بمكنة المبدع أن يحقق ذلك لولا تمرسه و تمكنه من أسرار اللغة العربية.. هذا التمكن الذي منحه سر تطويع اللغة و جعلها قادرة على تحميل مضامين ما يريد بيسر و فاعلية.ما يلفت الانتباه، هو أن عنوان الأضمومة، يتقاطع مع عنوان مجموعة أخرى، للمبدعة القديرة، السعدية باحدة، يظهر هذا التقاطع في ؛[c1]أولا، البنية الفعلية .[/c]ثانياً، كونه مستمداً من قفلة النص.إلا أن الملاحظ، هو أن العنوان القفلة، لم يكن مرتبطا بنص واحد، بل بنصوص عدة، جاءت مختلفة عن بقية نصوص المجموعة، تشكيلاً و لون الإطار..فالمجموعة اشتملت على العديد من النصوص التي تنتهي بالقفلة ذاتها، ما أهلها لتكون العنوان الأبرز للمجموعة..و ستقوم بالتوقف عند نصوص بعينها لاستجلاء بعض ما تتميز به..ألوان.نحن أمام شخصية واحدة تعيش حياة موزعة بين الحلم و الواقع..و ترسم الاختلاف البين بينهما، مما يؤكد الشرخ الذي يقبض بتلابيب البطل بدون بطولة.فإذا كانت أحلام الشخصية بالألوان، فإن واقعها على العكس من ذلك، إنه بالأبيض و الأسود و بذلك يعاكس الحلم و يركد المرارة.[c1]يقول السارد:[/c]حين يستيقظ، تريان الأشياء بالأبيض و الأسود.إن النص يقوم على ثنائية الحلم و الواقع، و يحقق مفارقته من خلال التعارض بينهما.أما نص ، الجرابان ، فينهض على الترسيمة التالية، و هي في نظرنا، ترسيمة تتحكم في الكثير من النصوص، فعل، رد فعل، فنتيجة.إننا أمام مشهد يتضمن رجلين، يأتيان الفعل ذاته، باختلاف مضمونه، هذا المضمون الذي سيولد رد الفعل الصاعق و القاتل.فإذا كان الرجل الأول قد تصور أن الآخر القادم من الاتجاه المعاكس يتضور جوعا، و قام بإدخال يده في جرابه، فإن الثاني رأى في فعل الأول إشارة عدوانية، حملته على إدخال يده في جرابه، لا ليخرج كسرة الخبز، و لكن ليخرج المسدس، و دون ترو، و بسرعة حكم جنونية، تكون الرصاصة أسرع..إننا أمام مشهد من مشاهد أفلام رعاة البقر، صراع بين شخصين، لكن،هنا، دون سابق معرفة و لا تحضير..تفجر الصراع من خلال الحكم على الأفعال، فتخيل الثاني أن اليد التي أدخلت إلى الجراب، لم تكن إلا من أجل القتل، تصور أدى بها إلى رد فعل قاتل..و بذلك تتفوق إرادة الموت على إرادة الحياة، و تذهب النية الحسنة هدرا..فعلان متشابهان من حيث الشكل مختلفان من حيث المضمون و الأبعاد، و النتيجة الموت. و هنا تحضر المفارقة الصادمة.لعل رسم الطريق المعاكس كان وراء التأويل المبيت للطرف الثاني بدل حسن النية..إنه الخوف و إرادة الحياة و لو على حساب الآخر..يقول السارد خاتماً نصه بالقفلة الصاعقة؛[c1]كانت الرصاصة أسرع من كسرة الخبز.[/c]و القارئ للنص أكيد ستفاجئه القفلة من حيث لا ينتظر، و من هنا نجاح النص في خلق الدهشة.أما نص ، حرية، ص 50، فالسارد يحدثنا عن شخص ألف السجن و لم يستطع التأقلم مع الحرية التي منح إياها..لأن الحرية تنال و لا تعطى..[c1]يقول السارد:[/c] لبرهة..لشهقة..أحس باختناق..و الملاحظ أن هذا النص يتقاطع مع قصيدة النثر، من حيث الشكل الكاليغرافي، و من حيث اعتماده نقط الحذف و الإضمار..و نكتفي بهذه النصوص كأمثلة دالة تؤكد توفر نصوص الأضمومة على كل خاصيات القصة القصيرة جداً..* قفلة مدهشة و مخيبة لتوقعات القارئ.* مفارقة مثيرة للأ سئلة، و مفجرة للتناقضات التي يحفل بها الواقع.* لغة رشيقة تبتعد عن الزوائد و الشحوم و كل العناصر التي تهدد النص بالتخمة.و قبل أن نختم هذه القراءة المتواضعة، للمجموعة القيمة، أريد أن أقدم أشارات دالة على شاعرية اللغة(جلس يفكر في أمر الأرض التي لم تتعب من الدوران..و لرغبة ، كطعنة خنجر، ندت بداخله صرخة أن تتوقف الأرض عن الدوران، فما عاد العالم يغري بالحياة و عليه أن ينتهي و يتلاشى كل ما فيه في السديم اللانهائي) نص رأس.فبالإضافة إلى التشبيه المعبر و الدال، نجد النص يحفل بمعجم يلعب دور الموجه لدلالة النص بدءا من العنوان..الرأس، الدوران، الخنجر، السديم، التوقف و لا إغراء..أنه معجم يدل على أن الشخصية تعيش وضعا متأزما يدفعها إلى المبالغة في الشرب كنوع من الانتحار..و لا نجازف بقول الانتحار، فالمعجم السابق يقود القراءة بهذا الاتجاه .مجموعة، قال لي و مضى، جديرة بالقراءة و المتابعة، تحقق المتعة و الفائدة، فهي متينة مبنى و معنى.
|
ثقافة
قراءة في مجموعة (قال لي و مضى) للأديب عبد الحميد الغرباوي
أخبار متعلقة