قراءة قصصية:
قراءة: دينا نبيل(عيون المها)يقولون إن اسمي مها، سمعتهم ينادونني مها، فقدت ذاكرتي، اعتصرت جبيني، من أنا؟؟؟ولم أنا هنا، على أريكة منسية؟قلبت الهوية بين أصابعي، البيانات بها كاذبة، ثمة انتحال لشخصيتي، لوثة أصابتني بمس .ذرعت المكان ألف مرة ، أبحث عني.هاك صندوق الصور، بعثرته، لا شيء يشبهني بها، لم أجدني.أمزقها تباعا، المزق تتناسل أمام خاطري ملامح تزداد اغترابا، وابتعادا، تعربد في داخلي بلا رحمة.من هذه التي تقف أمام عدسة التصوير؟؟ تطلق ببلاهة ضحكة مزيفة، تواري خلفها الدموع ؟؟قلبها مبرمج النبض، وغناؤها جنائزي اللحن، ورقصها فوق الجراح!! العينان فيها تنظران لحدود ضوء اللقطة لا أبعد من ذلك؟ أين عيون المها؟؟ أين البؤبؤ المحلق الذي يركب ألف موج؟؟إنه منطفئ، والشعر خامد الأنفاس، في ليل بارد العتمة، وغصن البان يتعكز على أعمدة من دخان الوقت..لم أر إلا أطياف ألوان، في سيرك استعراضي، يصفقون له بدهشة، لروعة إتقانه.كان اسمي مها، هذا ما أذكره، أملأ الدنيا صخبا، وحيوية، كنت الأجمل، أين أنا؟؟؟رميت الصندوق جانبا، بعد أن حطمت غطاءه بيدي.مهلا ..وجدت هنا صورة تشبهني، صبية حلوة تتأبط كراساتها بثقة، رأسها مرفوع، عيناها الواسعتان تنغرسان في المدى بثبات، تمشي فاتحة يديها للسماء، تحت المطر، على رأسها قبعة صوفية زرقاء.شددتها إلى صدري، بكت طويلا: كنت أبحث عنك، لم ابتعدت، لم تجبني.من لطخ ملامحك بألوان خريفية؟؟ من جعل عينيك ترشحان سحائب مطر أسود ...؟؟؟ ....طال صمتك.حسنا سأستدعي خوافي ذاكرتي من رماد الأيام، لأعرف من كان سببا في قتل بريقك، ها أنا أعود إلى الوراء، أطوي بساط العمر ...أراك أمامي ترتجفين، تمدين يدك بانكسار لمعلمتك، تلقيت من مسطرتها ضربات موجعة، لذنب لم تقترفيه، لم يشفع لك صوتك المتقطع بشهقة البكاء، بدفع التهمة عنك، بأنك لست أنت من كسر قلم صديقتك.ورأيتك تنظرين إلى السماء بخوف، فقد حكت لك عمتك عن عذاب حريقها، وعن حياه القبر التي تلف الجسد المتهالك، بعد أن شربت الماء خلسة، في يوم قائظ من رمضان، وأنت برعم فتي شققه العطش.ألمح الآن قصاصات أوراق انتثرت أمام وجهك، من يد أبيك، لقصيدة حب عذري كنت قد كتبتها خلسة، فاستحالت إلى بينة، تستحقين الرجم عليها والقصاص، والحد.نعم ..أشاهدك الآن وأنت تنكمشين في زاوية السرير، حائرة ترتعدين، لما احمرت وردتك، و تقاطرت ندى على الملاءة البيضاء، خبأتها مرتجفة الأضلاع، تسألين أمك عنها بصوت مخنوق، فتخفيك خلفها وراء جدران من الثلج.و بدأت تاريخا جديدا، كأن دربك قد تحول إلى نفق مرعب، تخافين ألغامه كلما تحركت.ولما زفتك إلى فارسك، طلبت إليك أن تبدلي جلدك على عتبة داره، لتلبسي ظله، أما أهدتك إلى أمه جارية، أما قالتها لها تقربا وعلى مسمعك ؟؟ أما أعادتك إلى بيتك ذات ليلة عاصفة بالثلج والدموع، وجسدك المتورم يئن من سطوة يده، أما أرجعتك بذل قائلة: بيتك هو قبرك، لن تغادريه إلا بعد الموت، وكيف نظر بشماتة مفضوحة إلى انهيار آخر خط لمناعتك!!!أنت تصغين الآن لي باهتمام، تتشبثين بيدي، و لكنك تصمتين..آه ...يبدو بأني بدأت أتذكر كل شيء:هناك أطياف من النساء كانت تطوف في عالمك، لها ملامح مستنسخة، من قطيع يتشابه في طقوس النوم، والحمل، والولادة، تقطع الزمن وفكرها مشغول بالموائد، والشموع الخافتة، تثرثر مع ارتشاف القهوة، عن فوارسها المتغطرسة، مستبكيات من هجرتها ووحدتها، وعدم جدوى وصفات السحر، والتجميل في إمالتهم لها.مهلا ...لا تخافي صغيرتي، أعرف أنه قد فتح باب غرفة النوم، أعرف نداء الضوء الأحمر الخافت لشهريار، لن أتركك الآن، سوف أتشاغل عنه، وأعد كوبا من الشاي لي ولك، نحتسيه معا على الشرفة، لقد اشتقت إليك، لن أغادرك، انتظريني..يده الخشنة امتدت إلي تسحبني، انتزعتها مذعورة من على كتفي، دعني لا أشتاق لنزفي الليلة.لكزني، هذا حقي يا مجنونة، ورشقني بأشواك لسانه، المزروع بالصبار، أصابني في مقتل، صرخت أدفعه عني كمسخ :الحرائر لا تستباح في مخادعها، لن ألبس بعد اليوم ثوب الغانية، التي تتضرج بألوانها حد الغثيان.يده القاسية تزداد ضراوة:ـ ابتعد ...لن أستجيب إلا بما يليق بكرامتي، نعم أنا مجنونة، انظر . ورحت أمزق أثواب نومي التي بللتها دموعي، بكلتا يدي، وأنا أضحك بهيستيريا.. انتقلت إليه لوثة جنوني، حطم ما طالته يده من أشياء، لم أكترث، لم أعد أسمعه، تلاشت أصواته حد السكون المطلق.وفتحت الباب، لبست جلدي من جديد.طفلتي الحلوة ما زالت تنتظرني، تبتسم بوداعة لي، عيناها تشعان ببريق عجيب،تضع القبعة الزرقاء على رأسها، تفتح يديها على اتساعهما لحبات المطر.ـ يا حلوتي: اصرخي، لا تمدي يدك لمسطرة المعلمة، شقي الفضاء قائلة ..لا ...أنا لم أفعل هذا ..لا أقبل الظلم.قولي لعمتك: أنا طيبة ، لم أؤذ أحدا، و رحمة الله واسعة، وسأهتدي لخالقي بقلبي، من غير وصاية.املئي أدراجك بقصائد الحب والوطن، وسأنشدها معك بثقة، على المنابر في الأيام القادمة، سيصفقون لنا طويلا، كما فعلوا يوما بباحة المدرسة.سنجمع كل النساء المتشابهات، المستبكيات، من ظلم أسيادهن، في قفص الحريم، ونبعدهن عن مجالستنا.قولي لطيف أمك، لن أبدل جلدي، ودمي، لن ألتفت لقزم في ثوب رجل لا يحترم الأمانة التي أوصلتني داره بميثاق غليظ.هزت رأسها تومئ بالموافقة، وتعانقنا، وتسامحنا، وتصالحنا، مزقنا معا الستائر الكالحة التي حجبت عنا ضوء الحياة.عدت إلى الصورة، أصيح... أصيح...ــ هذي أنا ...هذي أنا ..ــ إني ألمح فيها عيون المها ...ـــ أنا اسمي مها ...أنا اسمي مها..[c1]مقدمة :[/c]كثيراً ما طرح مصطلح (الأدب النسوي أو النسائي) كصدى لحركات التحرير النسائية التي اجتاحت أوربا منذ عدة قرون إلا أنها كانت واضحة الظهور في أواخر الستينات من القرن المنصرم، وكان ظهور هذا النوع من الأدب يشبه إلى حد كبير أدب الزنوج الذي نشأ نتيجة ما يعرف بحركة الزنوج ، أو أدب الطفل الذي نتج عن حركة رعاية الطفل ؛ فكذلك الأدب النسوي مثله كأي أدب نشأ عن حركة لها جذورها الاجتماعية والثقافية . إلا أن هناك من يعارض هذا المصطلح بشدة باعتبار أن (الأدب أدب، سواء أكان كاتبه رجلا أم امرأة. فإذا جاز لنا استعمال هذا المصطلح وجب علينا استعمال المصطلح المقابل له، وهو (الأدب الرجالي، أو: أدب الرجال)، ورغم التردد بين القبول والرفض إلا أن هذا المصطلح الحديث قد صار يطرح نفسه وبقوة، ويمكن النظر إليه على أنه الأدب الذي تنتجه المرأة وتمثل فيه قضايا بنات جنسها، فليس أقدر من المرأة على تجسيد مشاعرها ومعاناتها وأفراحها منها، إلا أن هناك الأدب الذي يتناول قضايا المرأة بقلم الرجال المدافعين عن حقوقها ضد تعنت المجتمع وأعرافه ،فيمكن النظر لهذا الأدب أيضا بالأدب النسوي رغم أن من أنتجه رجل.وقد كان نتيجة إلى ذلك ظهور ما يعرف أيضا بــ( النقد النسوي أو النسائي )، والذي (يتحرك بصفة عامة على محورين الأول: دراسة صورة المرأة في الأدب الذي أنتجه الرجال ، والآخر: دراسة النصوص التي أنتجتها النساء ويلتقي المحوران في الواقع عند نقطة واحدة هي هوية المرأة أو ذاتها) ، فيركز هذا النقد على عدة سمات تعرف بالمرأة وما تكتبه من خلال ( كيفية اتصافه بالأنثوية (علاقة المرأة بالمرأة، علاقة الأم بالابنة، تجارب الحمل والوضع..) ، إرساء صيغة التجربة الأنثوية المتميزة (الذاتية الأنثوية) فكراً وشعوراً، وتقويماً وإدراكا للذات والعالم الخارجي ، وتحديد سمات لغة الأنثى ومعالمها، أو (الأسلوب الأنثوي) المتميز في الكلام المنطوق، والكلام المكتوب، وبنية الجملة، والعلاقات اللغوية والصور المجازية) ، ويعد هذا النوع من النقد حديثا نسبيا في مجتمعاتنا العربية إلا أنه صار يفرض نفسه على الساحة الآن طالما هناك أدب نسوي.وتعد قصة ( عيون المها ) للأديبة إيمان الدرع ، من القصص التي تنتمي إلى الأدب النسوي وبقوة، وذلك لأنها قد اعتمدت أسلوب السرد النسوي والذي تنضح زوايا النص بسماته، وهذا ما سيتم تناوله في هذا المقال .أسس وخصائص السرد النسوي:يعتمد السرد النسوي على عدة ركائز وخصائص تغلفه بطائع أنثوي، وهذه الركائز هي :( تقنيات السرد النسوي- أبجدية الجسد - اللغة والأسلوب )[c1]أولاً : تقنيات السرد النسوي: [/c]يمكن تلخيص فكرة تقنيات أو سمات السرد النسوي في تلك العبارة : ( الانحياز للصوت النسوي ، والقهر الذكوري للأنثى ، ومواجهة القهر الذكوري وأبجدية الجسد والسلطة الاجتماعية وكثافة الاسترجاع واعتماد الحلم والخرافة وشعرية السرد ومط السرد)، ومنها تقسم هذه الجملة للخروج بسمات السرد النسوي الأساسية وهي :( التدميرية والبنائية - النسبية- عبور الأنا النسوية إلى الجماعية - حرية الحركة - الأنثى تستأثر بالسرد)1 - التدميرية والبنائية:[/c]تدمير وتكوين ، تظهر هذه الثنائية في أغلب النصوص التي تتعرض لقضايا المرأة والمعتمدة على السرد النسوي، فمن خلال هذه التقنية يحدث التحكم في سير الأحداث وبناء الشخوص ؛ فتعمل هذه الثنائية على تحطيم الثنائية الكبرى التي قد أنشأها المجتمع : هيمنة الذكر وضعف الأنثى ، فيتم ( تدمير الواقع الثقافي القائم بكل أنساقه الظالمة للأنثى ، وإنشاء واقع جديد .. بقيم جديدة وعلاقات تعتمد التوازن والاعتدال ) ، فيتجه مسار السرد إلى تشويه الواقع الحالي التي قد أعلنت الثورة عليه حتى يظهر في شكل عبثي يرثى له ، ويراد التخلص منه !.وفي ( عيون المها ) تناولت الكاتبة هذه الثنائية في أكثر من موضع، حيث قامت في البداية بتدمير واقع البطلة (مها) والذي قد وصلت فيه البطلة إلى درجة كأشبه بالمريض العصابي الذي لا يعرف نفسه، وكأنما قد أصيب بانفصام في الشخصية(من أنا؟؟ .. قلبت الهوية بين أصابعي، البيانات بها كاذبة، ثمة انتحال لشخصيتي، لوثة أصابتني بمس.. من هذه التي تقف أمام عدسة التصوير؟؟تطلق ببلاهة ضحكة مزيفة، تواري خلفها الدموع ؟ .. قلبها مبرمج النبض، وغناؤها جنائزي اللحن، ورقصها فوق الجراح !! .. الشعر خامد الأنفاس، في ليل بارد العتمة، وغصن البان يتعكز على أعمدة من دخان الوقت)فهذه النفسية نفسية محطمة قد بدأت باستنكار واقعها الحالي قبل الشروع بالتدمير الأولي والذي يتمثل في تدمير الصندوق ، ذلك العنصر الدلالي - مفتاح التحول في هذا النص - يحوي جميع المتناقضات لشخصية البطلة من خلال صور فوتوغرافية لها في مراحل حياتها :(هاك صندوق الصور، بعثرته، لا شيء يشبهني بها، لم أجدني .. أمزقها تباعاً، المزق تتناسل أمام خاطري ملامحاً تزداد اغتراباً، وابتعادا، تعربد في داخلي بلا رحمة .. رميت الصندوق جانبا، بعد أن حطمت غطاءه بيدي).ثم ما لبث السرد أن ولج في عرض أسباب هذا الدمار الحاضر والذي كان شديد الارتباط بتنشئة هذه البطلة في الماضي ، فيظهر صوت البطلة المتقطع الذي لا يستطيع التعبير عن ذاته : (لميشفع لك صوتك المتقطع بشهقة البكاء، بدفع التهمة عنك .. قصاصات أوراق انتثرت أمام وجهك، من يد أبيك، لقصيدة حب عذري كنت قد كتبتها خلسة .. في زاوية السرير، حائرة ترتعدين، لما احمرت وردتك، و تقاطرت ندى على الملاءة البيضاء .. ( ليأتي بعد ذلك مشهد الزوج القاسي الذي قتل ما تبقى منها) الحرائر لا تستباح في مخادعها، لن ألبس بعد اليوم ثوب الغانية، التي تتضرج بألوانها حد الغثيان) .وبعد استقراء العقل الباطن لهذا الزخم من المشاهد، تبدأ مرحلة التدمير الحقيقية لهذا البناء ( ورحت أمزق أثواب نومي التي بللتها دموعي، بكلتا يدي، وأنا أضحك بهيستيريا .. انتقلت إليه لوثة جنوني، حطم ما طالته يده من أشياء .. لم أعد أسمعه، تلاشت أصواته حد السكون المطلق) .فتمزيق الأثواب التي كانت تقرن بينها وبين دورها في حياة زوجها راحت تمزقها وكأنها تدمر القوالب التي قد صيغت لها وصبت فيها صبا .ويأتي في النهاية التصالح مع النفس أولاً: (طفلتي الحلوة ما زالت تنتظرني، تبتسم بوداعة لي، عيناها تشعان ببريق عجيب ..).ليتم البناء النهائي بعد الدمار ليكون الشخصية التي كانت تحلم بها البطلة وتريدها أن ترسمها بنفسها: سنجمع كل النساء المتشابهات، المستبكيات..، ونبعدهن عن مجالستنا .. قولي لطيف أمك، لن أبدل جلدي، ودمي، لن ألتفت لقزم في ثوب رجل لا يحترم الأمانة التي أوصلتني داره بميثاق غليظ .. هزت رأسها تومئ بالموافقة، وتعانقنا، وتسامحنا، وتصالحنا، مزقنا معا الستائر الكالحة التي حجبت عنا ضوء الحياة. فهذه الشخصية في الأخير قد وهبت صوتاً يستطيع الصياح والكلام بعد أن مزق كل القيود التي كانت تحول دون تردده .[c1]2 - النسبية:[/c]مما لا شك فيه أن للمجتمع تأثيرا كبيرا على المنتوج الأدبي، فــ ( لكل نص خصوصيته إذ النص يرتبط بالأعراف والعادات لبيئة معينة )، فبغض النظر عن انتماء الكاتبة للبيئة العربية، فبفصلها عن النص ، يمكن أيضا أن يتضح انتماء النص للبيئة الشرقية، فعند مصافحة المتلقي للعنوان ( عيون المها ) ذلك الاسم العربي الذي كثيرا ما تغنى به الشعراء، فتغزلوا في جمال عيني المها وشبهوا المحبوبة بها، لأن عيون المها واسعة شديدة الحلكة وهي سمة عربية أصيلة، كقول الشاعر علي بن الجهم في الشعر الغزلي:عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدريليس العنوان فحسب ، وإنما طيات النص تطرح فكرة( البطريركية) أو (حكم الأب) التي تمثل ( السيطرة الذكورية في المجتمعات الإنسانية بوصف تلك السيطرة مصدرا للكبت المفروض على الأنثى .. المجتمعات أبوية النظام لا يسمح للمرأة فيها أن تتجاوز موقعها الثانوي أو الدوني ) ، فمثلاً :( هناك أطياف من النساء كانت تطوف فيعالمك، لها ملامح مستنسخة، من قطيع يتشابه في طقوس النوم ، والحمل ،والولادة ، تقطع الزمن وفكرها مشغول بالموائد، والشموع الخافتة، تثرثر مع ارتشاف القهوة، عن فوارسها المتغطرسة، مستبكيات من هجرتها ووحدتها،وعدمجدوى وصفات السحر، والتجميل في إمالتهم لها) ، تصور الكاتبة هنا كيف استحالت هذه النوعية من النساء والتي تمثل شريحة عريضة من المجتمع الشرقي إلى ما يشبه القطعان المساقة والتي لا هم لها سوى تلك الأعمال البدائية ، فتثور هذه البطلة و ( تخوض معارك كثيرة مع الأسرة ومع المجتمع ومع نفسها وتعارض كثيرا من عادات وتقاليد بيئتها .. ولذلك تسبح عكس التيار وتطير خارج السرب، مما يعرضها لرفض المجتمع لها ) . وهذا يفتح المجال أمام تساؤل المتلقي، لتترك الكاتبة المتلقي يتوصل بنفسه إلى الإجابة .. أي نوع من الحياة الحقيقية بإمكان المرأة أن تحياها في كنف زوجها ؟ .. فهذا النوع من الحياة لم تتطرق إليه معالجة القصة، ليدرك بنفسه أنها حتما ليست التي في النص، ويبقى سؤال أهم .. هل الحل في ترك البطلة للمنزل ؟، فكأنها انتقلت من نار إلى نار أخرى، ستكون بدورها المرأة المطلقة أو الناشز، والتي لن ترحم من سياط المجتمع الخارجي .. ليعود النص لنقطة البداية وهي الأيديولوجيا مسيطرة على المجتمع. [c1]3- عبور الأنا النسوية إلى الجماعية:[/c]عند تناول الأدب النسوي لقضايا المرأة ، فإن أحد أهم الأهداف ليس مجرد نقل حالة فردية في المجتمع، وإنما هي تعبر ذلك الجسر من أجل تخليص جماعتها من السلطة المزيفة ، فتكون ( الشخصية في النص تلخيصا للأنثى في المجتمع الشرقي بكل ما يحيط بها من أعراف وتقاليد حاصرتها وحاصرت وظيفتها الحياتية في جانب ضيق محدود ، لذلك فكان تمرد الأنثى داخل النص السردي النسوي انتقاما لملايين النساء المعذبات عبر القرون ، أو انتقاما لملايين النساء المخدوعات بالسلطة الذكورية المتعالية ) ، فبالتالي هي لا تبحث عن خلاصها الفردي وإنما هي أشبه بمن يقود حركة تبصرة غيرها من النساء بحقوقهن وأدوارهن في الحياة والأخذ بأيديهن إلى الطريق من جديد.وفي (عيون المها) تعتبر البطلة نموذجا شرقيا صميما منذ نعومة أظفارها حتى بلوغها ثم زواجها ، فتمثل بذلك تلك الفئة الغالبة التي قولبها المجتمع ورسم لها أطرا تعسفية ما أنزل الله بها من سلطان، بل وفيه أحيانا انتهاك لحرمة الشرع ، وحتى عند ظلمها والتجني عليها لم تجد من يسعفها أو يأخذ لها حقها حتى وإن كانت أمها شريكتها في المعاناة :(أما أهدتك إلى أمه جارية؟؟ أما أعادتك إلى بيتك ذات ليلة عاصفة بالثلج والدموع، وجسدك المتورم يئن من سطوة يده، أما أرجعتك بذلقائلة: بيتك هو قبرك، لن تغادريه إلا بعد الموت، وكيف نظر بشماتة مفضوحة إلى انهيار آخر خط لمناعتك!!!).فقد بدأت القصة بتسليط الضوء على فتاة نمطية خاضعة تماما لأعراف المجتمع، ثم ( فقدت الثقة والإيمان بالأطر الثقافية القديمة التي حصرتها بالهامش وضيقت عليها الخناق )، فعاشت الظلم والمعاناة.[c1]4 - حرية الحركة: [/c]يميل أسلوب السرد النسوي إلى التداعي الحر حيث لا يلتزم الكاتب بالتسلسل الزمني المنطقي للأحداث الذي يسير معتمدا على المقدمات والنتائج، فيتحرر السرد من القيود الزمنية بالتردد بين الوراء والخلف، ولا شك أن هذا أقرب إلى الواقعية إذ أن الأحداث في عقل الإنسان لا تسير بشكل مطرد متسلسل . وهذا يشبه ما يعرف بالمونتاج الزمني حيث ( يظل الشخص ثابتا في المكان على حين يتحرك وعيه في الزمان ) ، وهذه التقنية لا تؤثر على الحدث الرئيس بالقصة وإنما هي مساحة أكبر للشخصية للتحرك وأخذ عمقا أكبر .وفي (عيون المها) كان لتقنية الاسترجاع - ( أن يترك الراوي مستوى القص في الزمن الحاضر ويروي بعض الأحداث القديمة ثم يعود للحاضر )- الدور الكبير في التعريف بشخصية البطلة وتصوير مدى القهر الذي شعرت به والذي أدى لظهورها أشبه بالمغيبة عقليا في أول القصة :(حسنا سأستدعي خوافي ذاكرتي من رماد الأيام، لأعرف من كان سببا في قتل بريقك، ها أنا أعود إلى الوراء، أطوي بساط العمر..).فيرتب المتلقي الأحداث في ذهنه ثم يستقرأ من خلال التسلسل الزمني لها مقدار الظلم الذي وقعت تحته البطلة ، ولا شك أن لهذه التقنية في هذه القصة بالتحديد الدور الأكبر في استجلاب تعاطف المتلقي مع البطلة ، وبالتالي تنجح الكاتبة في إثارة مشاعر القارئ وتوجيهها ، ولا شك أن لهذه التقنية الدور الهام في خدمة القصة القصيرة حيث التركيز في الأحداث.[c1]5 - الأنثى تستأثر بالسرد: [/c]تستحوذ الأنثى في هذا النوع من السرد على إنتاج مسرودها ؛ فــ ( لا تترك لغيرها من الشخوص المشاركة في إنتاج السرد إلا بقدر محدود )، فلها السيطرة المطلقة على السرد ومن ثم على زاوية النظر إلى مجريات الأحداث والشخوص .وفي (عيون المها) تعتمد الكاتبة على المنولوج الداخلي ، وهو ( سرد تلتزم به كتابات روائية للكشف عما يدور في نفوس شخوصها خارج التراتبات ، مستغلا في ذلك التداعي والمناجاة)، فيأخذ السرد ( قطاعات مختلفة في أزمان مختلفة .. معتمدا على تداعي المعاني في الزمن ومقارنة المرء بنفسه في مختلف الفترات)، وقد كان رائد هذا الاتجاه هو مارسيل بروست في رائعته ( البحث عن الزمن المفقود ).لم أر إلا أطياف ألوان، في سيرك استعراضي، يصفقون له بدهشة، لروعة إتقانه.. كان اسمي مها، هذا ما أذكره، أملأ الدنيا صخبا، وحيوية، كنت الأجمل، أين أنا؟؟؟كذلك اعتمدت الكاتبة الرواية بضمير المتكلم على لسان البطلة المشاركة في الأحداث ، فتروي الأحداث من وجهة نظرها هي، ورغم ما قد ينسب من نسبية وضيق أفق لهذا المستوى من السرد إلا أنه يحمل مصداقية عالية لدى المتلقي وإذابة الفوارق بين المتلقي والشخصية، بل يكاد يكون قد ألغى المؤلف، وتلجأ إليه الكاتبة خاصة إن كان استثارة تعاطف المتلقي مع البطلة مطلوبا (أشاهدك الآن وأنت تنكمشين في زاوية السرير، حائرة ترتعدين، لما احمرت وردتك، و تقاطرت ندى على الملاءة البيضاء، خبأتها مرتجفة الأضلاع، تسألين أمك عنها بصوت مخنوق، فتخفيك خلفها وراء جدران من الثلج. و بدأت تاريخا جديدا، كأن دربك قد تحول إلى نفق مرعب، تخافين ألغامه كلما تحركت.ولما زفتك إلى فارسك، طلبت إليكأن تبدلي جلدك على عتبة داره، لتلبسي ظله).[c1]ثانياً : أبجدية الجسد:[/c]يمتاز السرد النسوي بتوظيف الجسد الأنثوي باعتباره الوجود المادي للمرأة، فلا أقدر على الحديث عن جسد المرأة إلا هي، ومن ثم ( عني السرد برصد الآثار النفسية المنعكسة على الأنثى سلباً أو إيجابا في كلا الحالتين)، فلا يهتم السرد بذكر تفاصيل شكلية جوفاء لا علاقة لها بالفكرة الرئيسة، وإنما التركيز على أثر النفسية على الجسم الخارجي. وفي (عيون المها) كان التركيز في بداية على القصة على الحالة النفسية المدمرة للبطلة وتأثيرها على جسمها، و( يلاحظ أن الأثر السلبي كان ارتباطه ألصق بالجسد البيولوجي الفطري وبخاصة في المراحل العمرية الفارقة في حياة الأنثى )،(من هذه التي تقف أمام عدسة التصوير؟؟ تطلق ببلاهة ضحكة مزيفة، تواري خلفها الدموع ؟؟).ثم لا تلبث أن تنقل الجانب الآخر والوجه الآخر الضاحك لها لما كانت صغيرة قبل أن يضيق عليها الخناق :”مهلا ..وجدت هنا صورة تشبهني، صبيةحلوة تتأبط كراساتها بثقة، رأسها مرفوع،عيناها الواسعتان تنغرسان في المدى بثبات، تمشي فاتحة يديها للسماء، تحت المطر، على رأسها قبعة صوفية زرقاء.فتطرح الحالتان ثنائية ( الكبت - الانطلاق) وكيف ربطت الكاتبة بينهما وبين تعرف البطلة على هويتها، فانطلقت من حالة أشبه بالضياع النفسي والتيه العقلي عن شكلها الحقيقي والذي أدى إلى فقدانها ذاتها حتى ظهرت أشبه بالمريضة العصابية، وما أن تعرفت على صورتها القديمة حتى وصلت إلى هويتها التي تاهت عنها.[c1]ثالثاً : اللغة والأسلوب: [/c]بعد أن زالت الحدود بين الأجناس الأدبية ؛ فصارت تحمل النصوص النثرية صفة شعرية، وصارت تحمل النصوص الشعرية صفة نثرية، إلا أن تركيز الأولى يكون على الحدث، بينما يكون تركيز الثانية على الصورة، وتتميز لغة السرد النسوي ( بانتقالها من التداولية إلى الشعرية، وتكثر هذه الدفقات في مواقف المشاعر والحوار العاطفي والتأمل )، فتركز على اللغة ذات المستوى المجازي ،فتنتقل من ( (اللغة المرآة) التي لا تتعدى مدلولاتها المعجمية إلى لغة مفجرة للدلالات تطرب النفس وتخدم القصر في القصة القصيرة )(قلبها مبرمج النبض، وغناؤها جنائزي اللحن، ورقصها فوق الجراح .. إنه منطفئ، والشعر خامد الأنفاس، في ليل بارد العتمة، وغصن البان يتعكز على أعمدة من دخان الوقت).فهنا استعارات موحشة الأطراف تنقل الدفق الشجي الذي اجتاح البطلة ، وهنا مهارة الكاتبة في نقل التصوير وبالتالي التحكم في مشاعر المتلقي ، فهي تعلم متى تجعله يضحك ومتى تجعله يبكي .وتعتمد اللغة في ذلك على القيمة البصرية ، فتحول المعنوي إلى حسي مرئي، مما يجعل الصور قريبة ملموسة لدى المتلقي خاصة وإن كانت الصور متوالدة(نكزني، هذا حقي يا مجنونة، ورشقني بأشواك لسانه، المزروع بالصبار، أصابني في مقتل، صرخت أدفعه عني كمسخ ).