بأنامل الفنانين التشكيليين ..
قيل كثيرا أن المعاناة تولـد الإبداع .. وربما جاءت هذه المقولة نتيجة معاناة كم هائل من المبدعين - ومن مختلف نواحي الإبداع - منذ فترات طويلة مضت على مر السنوات في بقاع متعددة من المعمورة .. وليس في هذا الحيز المتواضع مجالا لاستعراض عدد من المبدعين الذين اجتازوا مراحل صعبة للغاية في حياتهم ، ورافقتهم انجازات عظيمة على مستوى حياتهم الشخصية أو لخدمة البشرية منذ الحقـب والمراحل الزمنية الغابرة وحتى اليوم .. ولا يستطيع احد منا تناسي الإنجازات العلمية الكبرى التي ظهرت منذ عصور خـلـت وكانت هي النتاج الحتمي لحاجة المجتمعات بشكل عام ، وما اختمرت تلك الأفكار في مخيلة مبدعيها إلا وكانت قبل ذلك عبارة عن حاجة ملحـة يحلم بها الناس ويطمحون لتحقيقها ، فعـمل النابغة والمجتهدين منهم على وضع خطوطها الأولية ليتوالى تطويرها وتنفيذها على الواقع كمعجزة زمنية لم يسبق لأحد القيام بها .. فالمصباح الكهربائي مثلا كان نتاجا لجهود مضنية للبحث والعمل الدؤوب للخروج من معاناة الظـلـمـة ، وقبل ذلك العجلات والعربات والتي أخذت في التطور حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم سعيا من أجل راحة البشرية وتلاشي المسافات وتواصل المجتمعات ..ورغم كل الكوارث الطبيعية والحروب العظمى الطاحنة والأزمات الكبرى .. استمر أولئك النخبة من المبدعين في تقديم كل ما يمكنهم لمواصلة مشاوير من سبقوهم .. وفي رقعة الأرض هذه التي نتكافل معها في حمل همومنا اليومية، والتي نسميها وطنا، ونستميت في الدفاع عنها، حيث غـدت خطوط تضاريسها هي شراييننا، وهي الفؤاد النابض لضخ الوئام والمودة لكل كائن يستنشق جزيئات هوائها المعلــق كأسقف المحطات المزدحمة بالمسافرين ..على هذه الأرض المعطاءة بدأت تباشير الخير تلوح في الأفق .. وأنكب عدد من الفنانين التشكيليين لتكثيف جهودهم وإبداعاتهم لإنتاج فيض من الأعمال التي انطوت في عدد من المعارض الفنية المتتالية ، التي تم اقامتها مؤخرا في عدد من المحافظات .. وترجمـت هذه المعارض الفنية فعلا ان الفنانين التشكيليين هم المرآة الحقيقية لعكس معاناة الناس في ظل هذه الظروف العصيبة التي نمر بها . ليس ذلك فحسب بل أنهم القادرون أيضا على إعادة البسمة لشفاة كل المهتمين وبقية شرائح المجتمع وهاهم فنانينا يعاودون الهمس لنا بأنهم لازالوا كجزء من كيان الناس بل وجزء مهم لا يمكن مواصلة السير بدونه ، باعتباره ( ترمومتر المجتمع ) الذي من خلاله نعرف كم ارتفعـت درجة حرارة المعاناة الحياتية أو تدنت ، بل وحتى درجة الصقيع التي تجمـد كل فنان من فنانونا ليتوارى هنا أو هناك حتى تعاود الشمس غزل خيوط أشعتها لإذابة ذلك الجليد لتدب الحياة من جديد لمزاولة نشاطنا الإنساني ويعاود الجميع الإسهام في رسم لوحة الغد الجميل الذي نصبو إليه ..