د. عبد المنعم الحكمي- رئيس الهيئة العليا للأدوية لصحيفة « 14 أكتوبر »:
لقاء/ وهيبة العريقيلقد اجتمعت اختلالات تذهل لها العقول وتضيق منها النفوس.. ما عاد السكوت عنها مجدياً، فلطالما أفضت إلى الكثير من المعاناة وإلى مزيدٍ من التدهور في صحة المرضى على نحوٍ خطير. وما عنيته- بالطبع- أدوية غير آمنة مهربة ومزورة ومجهولة المصدر تتداولها وتبيعها بعض الصيدليات ومحلات بيع الأدوية بالجملة على طول وعرض البلاد، وهكذا حال لا يزال يخط أمام ناظرينا علامة استفهام كبيرة أمام ضبابية الأسباب الحائلة دون تفعيل الرقابة الدوائية المكثفة وحملات التفتيشٍ الدورية لاقتحام معاقل وأوكار المتلاعبين بأرواح البشر- تحت مظلة القانون- من أجل اجتثاث جذور هذه التجارة غير المشروعة من الأساس.وبقدرٍ من التفصيل سنسلط الضوء على الواقع والتحديات حيال قضية الأدوية المهربة والمزورة والمجهولة المصدر في اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/ عبد المنعم الحكمي- رئيس الهيئة العليا للأدوية بوزارة الصحة العامة والسكان، واضعين القارئ على المسؤوليات الجهوية والعراقيل والسلبيات على طريق اجتثاث ظاهرة تهريب الأدوية وتطبيق الإجراءات القانونية الصارمة ضد المنشآت الصيدلانية المخالفة والمزاولين لهذه التجارة القبيحة.[c1]رقابة غير فعالة الأدوية المهربة تشكل عقبة كأداء لا سبيل لتجاوزها ما لم تفعل الرقابة ويفعل التفتيش على الصيدليات، فأين -إذن- دور الهيئة العليا للأدوية في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة؟[/c]* سؤال جميل، فالهيئة العليا للأدوية، ينظر إليها الناس وكأنها الجهة المسؤولة عن التفتيش أو عن الرقابة على الأدوية في الصيدليات، وهذا المفهوم قاصر إلى حدٍ كبير، لأنها هيئة تنظيمية بموجب التشريعات واللوائح، أي أنها تنظم كيفية تدوال الدواء في الجمهورية اليمنية، وهي من تضع المواصفات والشروط اللازمة لإقامة مصنع أدوية ومعايير صناعة الدواء التي يجب أن تتبعها مصانع الدواء اليمنية. كما يتم من خلال الهيئة تسجيل الأدوية بناء على شروط معينة، إذ يجب أن تتأكد من مأمونية الأدوية وفعاليتها وجودتها، وكذلك تتولى مراقبة نقل الأدوية المستوردة من بلد المنشأ إلى موانئ الجمهورية، ومن ثم الرقابة على تخزينها حتى تضمن وصولها إلى المستهلك سليمة بكامل جودتها.قيود قانونية[c1] نفهم من هذا ألا علاقة للهيئة العليا للأدوية بما يباع بالصيدليات من أدوية أياً كان مصدرها؟[/c]* مع الأسف، تظل الصيدليات تخضع تماماً لقانون السلطة المحلية على مستوى كل محافظة وكل مديرية، ولكي يتم ضبطها وضبط مخازن الأدوية التي تبيع أدوية مهربة أو مجهولة المصدر أو مزورة لا بد من تفعيل دور الرقابة الدوائية ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية الجزائية في حقها.فالهيئة العليا للأدوية لا تزال تخضع لتشريعات ولوائح قاصرة لا تمنحها مطلقاً أي دورٍ في التفتيش والرقابة على الصيدليات، إنما أعطتها سلطة تنظيمية تنتهي مع وصول الأدوية المرخصة إلى وكلاء الدواء المعتمدين رسمياً.ولها - كما ذكرت- دور رقابي وإشرافي على التصنيع الدوائي بما يضمن إنتاجها بالجودة والمواصفات المعتمدة المطلوبة، ورقابة- أيضاً- على نقل وتخزين الأدوية بشكلٍ رسمي يضمن سلامتها وعدم تلفها.وثمة حلول عملية تكمن في مشروع قانون الصيدلة والدواء الجديد الذي سيناقشه مجلس النواب، فبعد مراجعة للقرار الجمهوري الخاص بتنظيم الهيئة العليا للأدوية في الإشراف والرقابة على الدواء؛ خلصنا إلى مشروع هذا القانون الذي يجسد الكثير من الحلول للقضايا السلبية ذات العلاقة بتهريب الدواء والتي برزت واتسعت بسبب ضعف التشريعات الحالية.وبموجبه سيفعل دور الهيئة بشكلٍ أوسع ليشمل الصيدليات، بما من شأنه الحد من شراءها لأدوية مهربة أو مجهولة المصدر أو مزورة من الباعة المتجولين (تجار الشنطة) أو من موزعي الأدوية الذين يعملون لحساب محلات بيع الأدوية بالجملة. فالدور الذي تؤديه مكاتب الصحة والمجالس المحلية بالمحافظات وفروعها بالمديريات في الرقابة والتفتيش ضئيلاً بل وغائباً إلى حدٍ كبير إذا ما قيس بحجم الخطر الذي يشكله تهريب الأدوية على اقتصاد البلاد وصحة مستخدمي هذه الأدوية وإذا ما قيس - أيضاً - على رواج هذه التجارة وتمددها بين الحين والآخر.ويعزز المشكلة قصور التشريعات الحالية باعتبارها لا تتضمن عقوبات وجزاءات صارمة ضد المهربين ومزاولي مهنة بيع الأدوية من غير أصحاب مهنة الصيدلة ذوي المؤهلات العلمية، في حين لا ُتعطي الهيئة أي سلطة في ممارسة الرقابة على الصيدليات والدخول إليها للتفتيش من أجل ضبط الأدوية المخالفة. لذلك يجب إلزام جميع الصيدليات بعدم الشراء إلا من مصادر مصرح بها؛ بشراء الأدوية فقط من الوكلاء المعتمدين رسمياً، فعنها تتحمل الهيئة مسؤولية الجودة بالشروط والمعايير المطلوبة.قانون جديد منتظر[c1] ما ذكرت يدخل في إطار احتواء مشكلة تهريب وتزوير الدواء، فماذا عن العقوبات الرادعة التي يمكن تطبيقها على المخالفين؟[/c]* على الرغم من أن الهيئة العليا للأدوية في اليمن كانت أولى الهيئات في الوطن العربي لكنها عانت طويلاً من غياب التشريعات فلا يضمن فيها عقوبات رادعة لمهربي ومزوري الأدوية.ولكن لدينا قانون جديد مطروح للنقاش أمام مجلس النواب في الوقت الراهن ليقر في النهاية، وسيحقق طموحنا ويضع عقوبات رادعة لمهربي ومزوري الأدوية ولو عند الحد الأدنى، فمن خلاله يفترض أن نعالج المسائل الأساسية العالقة التي تمس صحة ومصلحة المواطنين، فهذه الإشكالية التي ذكرتها ستحل- بإذن الله تعالى- مع صدور القانون ومن ثم تفعيله بما يخدم المصلحة العامة ويحد من الاختلالات.تمييز الأدوية المعتمدة[c1] ما أوجه الشبه والاختلاف بين الأدوية المهربة والأدوية المصرح بها؟[/c]* الدواء الرسمي يظهر عليه ختم الوكيل الدوائي الرسمي وعليه التسجيل الصادر عن الهيئة العليا للأدوية مع التسعيرة الخاصة به في الجمهورية اليمنية، لا يعني أن بعض المهربين لا يقوموا بتزوير هذه الختم وما فيه من بيانات.وتهيب بالأخوة في الصيدليات بألا يشتروا أي أدوية إلا من مصادرها المعتمدة عبر الوكيل الرسمي المعتمد، وذلك تفادياً لبيعهم أدوية للمواطنين قد تكون مهربة وموضوع عليها ختم مزور لختم الوكيل.بعض الأطباء - للأسف الشديد- يتحملون جزءاً من المسؤولية عندها يقررون للمرضى دواء يعلمون أنه لا يوجد في الأسواق بطريقة مشروعة، ومسؤولون- كذلك- عن التأكيد على المريض الذي وصف له الدواء بالعودة مرة أخرى بعد شرائه من أجل التأكد من أنه المطلوب وليس مهرباً أو مزوراً أو مجهول المصدر.التكاتف لمكافحة التهريب[c1]طالما توجد جهات شريكة في مكافحة تهريب الأدوية.. هلا ذكرت هذه الجهات والدور الذي يجب أن تضطلع به من أجل الحد من هذه الظاهرة؟[/c]* الجهات المسؤولة عن التهريب ومكافحته جهات متعددة، ووزارة الصحة ممثلة بالهيئة العليا للأدوية إحدى هذه الجهات، وهي بطبيعة الحال تنظيمية.لكن خفر السواحل وحرس الحدود والقوات المسلحة -على صعيدٍ واحد- سلطات مسؤولة - بشكلٍ عام- عن مكافحة التهريب، ولأن التهريب في معظمه لا يأتي من منافذ رسمية كالمعابر البرية والموانئ البحرية والجوية إنما يقتصر دخول جزء منه على هذه المنافذ من خلال تجار الشنطة، وغالباً ما يتم ضبطها، ويخضع الدواء المهرب لمسؤولية وسلطة مصلحة الجمارك، فعلى السلطات المختصة التي ذكرتها أن تكون يقظة لمتابعة تحركات المهربين ومنع كل محاولة لهم لإغراق البلد بأدوية يشكل البعض منها سموماً قاتلة أو مدمرة للصحة. [c1]بدائل الأدوية ودور الطبيبيضطر الطبيب أحياناً إلى وصف دواء ويكون منقذاً للحياة وليس له وجود في بعض الصيدليات باستثناء المهرب.. لماذا لا توفر مثل هذه الأدوية رسمياً لتلافي هذه الإشكالية؟[/c]* لست مبالغاً إذا ما وصفت اليمن بالدولة التي تتوافر فيها الأدوية، أي أن كل الأدوية موجودة، وليست المشكلة تكمن المشكلة في دواء معين غير متوفر في السوق طالما يوجد له بديل آخر لشركة مصنعة أخرى ويحوي المركب الدوائي المطلوب، وعلى الطبيب تحمل المسؤولية - مادام الدواء الذي بصدد وصفه للمريض من المحتمل عدم توافره في الصيدليات- بأن يرشده إلى دواء بديل لكي لا يضطر المريض إلى شراءه مهرباً ولا خيار له إلا ذلك!ولأن ضعفاء النفوس ممن يمارسون بيع أو تجارة الأدوية المهربة أو المزورة أو المجهولة المصدر لا يعنيهم توفير الدواء من عدمه بقدر ما يتطلعون إليه من أر باح، فالدور مُناط بالطبيب المعالج، إذ يفترض به متابعة نتائج الدواء الذي يقره أو يصفه للمريض، وفي حال ثبت له أنه غير فعال تعين عليه إبلاغ الجهة المسؤولة في الهيئة العليا للأدوية- سواءً كان الدواء معتمد رسمياً أو لم يكن كذلك- لأن الهيئة العليا للأدوية هي المعنية بتسجيل الأدوية بناءً على تحليل وفحص يتم في مختبرات الرقابة الدوائية.بعض الأدوية أو بعض مركباتها قد لا يكون لها فاعلية، وإذا ما تم إبلاغنا من قبل الأطباء أو العاملين الصحيين بمن فيهم الصيادلة أو حتى الممرضين بأنها غير فعالة؛ سنكون عندئذٍ حريصين على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ولكن بعيداً على الالتباس نظراً لأن بعض الأدوية تتطلب درجة حرارة معينة للحفاظ على بقاءها فعالة، وإذا لم ينقل الدواء أو يحفظ من قبل المريض بشكلٍ ملائم تتأثر فعاليته أو يتلف بينما قد يكون من مصدر ممتاز.وبالتالي، يخسر المريض أو القائم على رعايته مبالغ مالية كبيرة بينما الدواء لم يؤدي النتائج الطبية المرجوة.الدخلاء على الصيدلة[c1]الدخلاء على مهنة الصيدلة كثيرون ويمارسون بيع الأدوية في الصيدليات، فلماذا لا تضعون حداً لهذا الاختلال؟[/c]لنرجع إلى نقطة البداية، إلى قضية التشريعات، فهناك- حتماً- قانون الصيدلة والدواء قد أفرد فصل خاص بمزاولة المهنة، تحدد فيه من يحق له مزاولتها ومن يحق له الحصول على ترخيص فتح منشأة صيدلانية، فلا يحق ممارسة الصيدلة إلا لصيدلي حاصل على شهادة بكالوريوس في الصيدلة من كلية الصيدلة من جامعة معترف بها، ولا يحق للصيدلي أن يستعين بمساعد صيدلي يعمل في صيدليته ولكن تحت إشرافه ويتحمل المسؤولية المباشرة حيال أي أخطاء في صرف الدواء.إن القانون يمنع منعاً باتاً مزاولة مهنة الصيدلة لغير الصيادلة، وفي حال مخالفة هذا هناك عقوبات أفردت فيه وقد تغلق بموجبه الصيدلية المخالفة، ويتضمن جزاءات تطال الصيدلي المخالف لهذه المادة من القانون.التوعية مطلوبة[c1] تمتع المواطن بقدرٍ من الوعي حيال الأدوية ومصادرها الآمنة أليس- بالضرورة- يستدعي توعيةٍ وإرشادٍ سواء من الطبيب أو عبر وسائل الإعلام حتى لا يقع في فخ الأدوية المهربة؟[/c]* هذا بالطبع ما ننشده، لا أن يتركز اهتمام وسائل الإعلام بالسياسة تاركين ما يفيد الناس من أجل سد الفجوة المعرفية السائدة والتي جعلت الكثيرين لا يعرفون الفرق بين الدواء المعتمد الآمن والدواء المهرب أو المزور أو المجهول المصدر وما قد يترتب على استخدام الأدوية غير المرخصة من عدم فاعلية أو أضرارٍ بصحة مستخدميه بدلاً من علاج المرض وتحقيق الشفاء.ولأن المريض أمانة في عنق الطبيب والصيدلاني يفترض أن يتلقى النصيحة منهما أومن أحدهما، كونه لا يستطيع التفريق بين الدواء ما إذا كان مزوراً أو مُهرباً أو أنه ليس كذلك.وذلك أشدد على أصحاب الصيدليات بعدم قبول أي أدوية تعرض عليه لا تحمل ختم وبيانات الوكيل الدوائي المعتمد رسمياً، باعتبار الصيدلية المنفذ الأخير للدواء وإذا أحضر المهرب الدواء من أي مكان ففي الأخير يباع في صيدلية للمواطن وليس من أي مكان آخر.وأقول للمرضى أو القائمين على رعايتهم أو المسؤولين عن شراء الأدوية لهم بأنه يفترض بهم التدقيق عند شراء الدواء عبر التأكد من مصدره الأساسي بالنظر إلى ختم الوكيل الدوائي المعتمد،ثم التأكد مرة أخرى من مصدر الدواء بعرضه على الطبيب الذي وصفه أو أي صيدلاني متخصص، فلعله يحمل ختماً مزوراً شبيهاً بختم الدواء المعتمد المطلوب، وذلك لأن الدواء المعتمد رسمياً مضمون الصنع وفق المعايير الدوائية المطلوبة والمتعارف عليها عالمياً، ودخوله للبلاد جاء بطريقة رسمية ونقل وخزن بطريقة سليمة. وبالتالي فإن استخدامه آمن وفعال ويتمتع بجودة عالمية.عدا ذلك لا يمكن ضمان جودة أي دواء، والتوعية هنا يفترض أن تبدأ من الصيدلي والطبيب وعليه أن يعمل على توعية المريض أو المواطن بتحري شراء دواء سليم مصرح به.الجانب الآخر، موضوع السعر، فنحن في الهيئة العليا للأدوية نقوم بتسعير الأدوية ونضع نصب أعيننا دخل المواطن، ولذلك نطلب الكثير من المعلومات عن تسعيرة الدواء في جميع الدول المسجل فيها مثل دول الجوار والمنشأ حتى نعطيه سعراً أقل، ويفترض أن يكون سعر الدواء في اليمن أقل، ولا يقبل المواطن أي زيادة في سعره خلافاً للتسعيرة المدونة على ختم الوكيل الدوائي المعتمد.* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكانيبوزارة الصحة العامة والسكان