قصة قصيرة
سلمى فتاة جميلة جداً، ذكية، مثقفة، متزنة، سموحة، من أسرة عريقة وكريمة، أصيلة النسب والحسب، وتتمتع بسمعة طيبة بين الأهل والجيران والخلان وكثر خطابها الأثرياء الذين تمنوا الاقتران بها، ولكن وقع اختيارها على فارس أحلامها من قريب لها، بعد أن عرفت عنه الكثير من المآثر الخالدة والبطولات الشجاعة من خلال روايات أهلها عنه، والإشادة به والثناء على دماثة أخلاقه، لقد أرادت سلمى أن تكمل نصف دينها، فهي تكره أن تظل عانسة، بعد طول انتظار، والدخول في القفص الذهبي، فقد ظلت تحلم أحلاماً وردية، وبالرفاه والبنين، والعيش الكريم والحياة الهنيئة الآمنة.وجاءت لحظة الفراق عن أهلها يوم أن زفت فيه إلى زوجها الحبيب، في موكب زفافي مهيب يفوق كل وصف، لم يشهد له مثيل في التاريخ، حضره الأهل وجموع الناس من كل حدب وصوب، مباركة ومهنئة بهذا الحدث الزفافي السعيد، ودموع الفرحة والابتهاج تنساب من مآقيهم مدراراً.دخلت سلمى عش الزوجية برباط مقدس، وعاشت حياة زوجية سعيدة في السنوات الأولى من زواجها، كان زوجها يوفر لها كل أسباب الراحة والبذخ والعيش الهنيء، ويغدق عليها بالمال الوفير، ولا يرفض لها طلباً مهما غلى ثمنه، فقد كان رهن إشارتها في السراء والضراء.وكانت سلمى بالنسبة له كنزاً ثميناً، بل فلتة من فلتات الطبيعة، ظل يحلم ويطمح إلى الاشتهاء بها طوال حياته، حتى تحقق مراده منها، وبدت زوجته حائرة، مستغربة لما يبدده من أموال هنا وهناك دون حساب، مع أنها - أي زوجته - تدرك تمام الإدراك “الكيس ورباطه” وأن زوجها ميسور الحال ليس إلا.وبدأت سلمى تساورها الشكوك، وتفيق من صحوتها، وأخذت تضرب أخماساً في أسداس، في أمر زوجها وسطوته القوية على كل شؤون الحياة الزوجية، وهذا النعيم المتدفق الذي لا ينضب له معين.وتمر الأيام والسنون كلمح البصر، وتدور عجلة الزمن سريعة، فإذا بالزوج ينكشف على حقيقته، وتتكشف مراميه الخفية، وألاعيبه الخادعة التي أراد أن يتستر وراءها لاستمالة زوجته إليه، وبدأ الزوج يدرك ببصيرته البعيدة أن زوجته ليست ساذجة أو سهلة بحيث يمكن استمرار الخداع عليها، وتمرير كل شيء من فوق رأسها، لذا أخذ يتعامل معها بحذر شديد، ويعامل أبناءها معاملة صارمة وحازمة حتى ينصاعوا لأوامره باعتباره هو الآمر والناهي في البيت.ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد ازداد الأبناء تمرداً على أبيهم نتيجة سوء معاملته لهم، وعدم العناية الكافية بهم، وإحساسهم بأن أباهم أصبح أنانياً، متغطرساً، ولا يعاملهم بحب وحنان، ولم يعد يلتفت إلى تلبية طلباتهم كالمعتاد.وهكذا دب الخلاف بين الزوج والزوجة، وتفاقمت الخناقات بينهما، وازدادت سوءاً يوماً عن يوم، وتكدرت صفوة العلاقات الزوجية، وانقلبت حياتهما إلى جحيم لا يطاق.وأخذت الزوجة الذكية، المخلصة تفكر.. وتفكر في حل مناسب لهذه العقدة يرتضي به الطرفان، بحيث يحفظ ماء الوجه لعشرتهما الزوجية، ويصون لملمة شمل الأبناء من الضياع والتمزق، ولذا سمحت للأهل والجيران والخلان بالتدخل وبذل كل مسعى خير يؤدي إلى إصلاح ذات البين واستئصال شأفة النزاع وإزالة أسبابه كاملة حتى تعود المياه إلى مجاريها الصحيحة.