في بيان لهيئة قضاة مجلس الدولة بمصر:
القاهرة / متابعات :تعقد اليوم الثلاثاء الجمعية العمومية لنادي القضاة في جمهورية مصر العربية اجتماعا لتحديد موقف النادي من الاشراف على الاستفتاء ، فيما حددت الجمعيات العمومية لفروع نادي القضاة في الاسكندرية واسيوط والمنوفية والسويس والاسماعيلية مواقفها التي أعلنت فيها رفض الاشراف على الاستفتاء المقرر يوم السبت القادم 15 ديسمبر الجاري .في هذا السياق حددت هيئة قضاة مجلس الدولة وهي أعلى هيئة قضائية مسؤولة عن عمل المحاكم والقضاة موقفا مرتبطا بتوافر عدة شروط لمشاركة القضاة في الاشراف على الاستفتاء من بينها إنهاء أسباب الاقتتال بين المواطنين ، ووقف سيل الدماء بين أبناء الشعب الواحد ، و إنهاء حالات الحصار لمؤسسات الدولة ومقار المحكمة الدستورية العليا من قبل مؤيدي الرئيس ، وتمكينها من البدء فوراً في مباشرة مهمتها المقدسة بحرية واستقلال دون إرهاب أو ترهيب تحقيقاً لمبادئ استقلال القضاء واحترام سيادة القانون ، وإعلان ذلك لجموع الشعب المصري صاحب السيادة .كما فندت هيئة قضاة مجلس الدولة بيان رئاسة الجمهورية التي تقول ان موعد 15 ديسمبر الزامي ونهائي وغير قابل للتأجيل ، حيث أوضحت هيئة قضاة مجلس الدولة ان موعد الاستفتاء ليس إلزاميا ومن الممكن تأجيله دون أن يترتب على هذا التأجيل أي عوار دستوري أو قانوني .وفيما يلي تنشر صحيفة (14 اكتوبر) النص الكامل لبيان هيئة قضاة مجلس الدولة :في الواحد والعشرين من نوفمبر فوجئ قضاة مجلس الدولة وقضاة مصر والشعب المصري بصدور ما سمي بالإعلان الدستوري الذي جاء غصباً للسلطة التأسيسية، وتضمن إعلاناً عن غياب دولة القانون، وقضاءً على مبادئ المشروعية، واعتداءً جسيماً على حصانات واستقلال القُضاة، وسلباً لاختصاصات السلطة القضائية ومحاكمها، وتحصيناً لما يصدر عن رئيس الجمهورية من قوانين وقرارات، وإلغاءً لأحكام قضائية صادرة من جهات قضائية مستقلة، وتقريراً بانقضاء دعاوى قضائية منظورة أمام تلك الجهات، وهو ما مثَّل عدواناً صارخاً على مبادئ الشرعية الدستورية والقانونية لم يقبله قضاة مجلس الدولة في حينه، كما لم يقبله شعب مصر العظيم الذي انتفض ثائراً من أجل مجتمع العدالة وسيادة القانون.وطالب قُضاة مجلس الدولة في جمعيتهم العمومية من قبل وبياناتهم الصادرة عنها وعن مجلس إدارة النادي رئيس الجمهورية بأن ينصاع لأحكام الشرعية الدستورية والقانونية، وأن يسحب هذا القرار المنعدم وأن يحترم القضاء ويولي الأحكام القضائية الواجبة النفاذ عنايته، وقد ثمن مجلس الإدارة غاليا موقف الشعب المصري وغضبته، ودعمه لقضاته وقضائه، ولم يكن ذلك مستغربا لإدراك الشعب بأن استقلال القضاء يعد أهم ضمانة للمتقاضين قبل القضاة أنفسهم، وأن ذلك أهم ما تهدف إليه ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة.كما تابع مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة بقلق بالغ وحزن عميق، ما شهدته البلاد ولازالت تشهده من انقسام وفرقة، حيث عاشت مصر أياماً حزينة حالكة السواد في سجل القضاء المصري حين حاصرت الجموع الحاشدة من المواطنين المدافعين عن الإعلان الدستوري المنعدم مقر المحكمة الدستورية في الثاني من ديسمبر 2012 مما حال بين المحكمة، ودخول القضاة مقر المحكمة ودفعها إلى إعلان عدم استطاعتها مباشرة مهمتها المقدسة في ظل الأجواء المشحونة بما وصفه بيان المحكمة بالغل والحقد والرغبة في الانتقام، ومن ثم علقت المحكمة جلساتها إلى أجل غير مسمى وهو ما عوق قضاء مجلس الدولة عن مباشرة نظر الدعاوى محل النظر أمام المحكمة الدستورية، ومن ثم صار التحصين لدعاوى بعينها تحصيناً مزدوجاً: أوله بالإعلان الدستوري المنعدم وثانيه بحصار مقر المحكمة ومنعها من التصدي لما تنظره من أقضية وباستخدام أساليب الرد لقضاة مجلس الدولة بغير سند وإهانة المحكمة حال تصديها لنزاع حول ذلك الإعلان، وسالت خلال تلك الأيام دماء المصريين بين مدافع عن قرار رئيس الجمهورية الصادر بمسمى الإعلان الدستوري، وبين مدافع عن الشرعية الدستورية والقانونية ورافضاً للاعتداء على السلطة القضائية وتقويض أركانها، ولم ينهض من المسؤولين من يمنع محاصرة مقر المحكمة أو يوقف نزيف الاقتتال بين الشعب المصري الواحد. وأدرك الرئيس أن غضبة الشعب المصري والقضاة تستوجب عدولاً عن ذلك القرار المشؤوم، فصدر بتاريخ 8 من ديسمبر 2012 ما سمي كذلك بالإعلان الدستوري متضمناً في مادته الأولى نصاً قضى بإلغاء الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012 اعتباراً من اليوم (8 ديسمبر 2012)، وأن يبقى صحيحاً ما ترتب على ذلك الإعلان من آثار، ونص في المادة الرابعة منه على أن “الإعلانات الدستورية، بما فيها هذا الإعلان، لا تقبل الطعن عليها أمام أية جهة قضائية، وتنقضي الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم».وجاء هذا الإعلان الدستوري الجديد قاصراً عن الإحاطة بطموح القُضاة والشعب، مشوباً كذلك بعيوب جسيمة: أولها، أن الإعلان الدستوري الأخير الصادر في الثامن من ديسمبر 2012، ولئن قضت مادته الأولى بإلغاء الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012 إلا أنه جاء مشوباً بالالتفاف على ما لاقاه من انتقادات، والإبقاء على مجموعة من الاعتداءات على اختصاصات السلطة القضائية، فهو يكرر ذات النهج المتبع في إصدار الإعلان الملغي، حيث صدر من غير مختص بإصدار أي إعلان دستوري، ذلك أن حدود سلطات الرئيس التنفيذية تقررت له بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011 . وثانيها، أن نص المادة الرابعة من الإعلان الدستوري الجديد جاء معتدياً من جديد على الدعاوى المقامة أمام مجلس الدولة طعناً على الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012 والمنظورة بالجلسات بالفعل، فقضت بانقضاء الدعاوى المرفوعة بشأن الإعلان الدستوري أمام جميع المحاكم وهو ما تستقل بالفصل فيه المحكمة المقامة أمامها تلك الدعاوى.وثالثها، أن إلغاء الإعلان الدستوري المنعدم جاء مرتبطاً بتحديد يوم الخامس عشر من ديسمبر 2012 تاريخاً لدعوة المواطنين للاستفتاء على مشروع الدستور بذريعة مقتضاها القول بأن ميعاد عرض مشروع الدستور على الشعب للاستفتاء خلال خمسة عشر يوماً هو ميعاد إلزامي وهو ما ما يتعارض والمعنى المقصود عن الميعاد وغايته وهدفه، ذلك أن المواعيد إما مواعيد سقوط أو مواعيد تنظيمية، والأولى لا يصح الإجراء بفواتها بسبب ما يرتبه القانون من جزاء على عدم الالتزام بها، أما الثانية فلا يترتب على فواتها أي أثر قانوني فهي مواعيد لحث المسؤول على اتخاذ الإجراء في الميعاد، وميعاد الخمسة عشر يوماً اللازمة لعرض مشروع الدستور على الشعب للاستفتاء ليس إلا ميعاداً تنظيمياً يصح إتخاذ الإجراء بفواته، وإلا ترتب على فوات الميعاد أن تظل البلاد بلا دستور وهو ما لا يمكن ترتيبه على فوات الميعاد المذكور. وإذا كان ما تقدم هو حال الإعلان الدستوري المنعدم ومحاولات تحسين صورته بإلغائه وتقرير استمرار كافة آثاره بموجب الإعلان الدستوري الأخير، وكان رئيس الجمهورية أصدر القرار رقم 397 لسنة 2012 بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء على مشروع دستور جمهورية مصر العربية يوم السبت الموافق 15 من ديسمبر 2012 ، وكان مجلس الإدارة قد ارتأى ـ قبل صدور هذا الإعلان الأخير ـ أن الاستفتاء حول دستور الثورة الجديد بما له من جلال وسمو يتأبى أن يكون استفتاءً مصوناً إذا ما جرى وظلال كثيفة مظلمة تخيم عليه تتمثل في بقاء إعلان دستوري سالب لسلطة القضاء ومكبل لها من جهة، ومناخ تتناحر فيه قوى الشعب، ومخاطر تحيط بالقضاء وهو على منصته العالية فكيف وهو يؤدي واجب الإشراف القضائي المقدس محاطاً بالجرأة المفرطة على إهانة كرامة القضاء والقُضاة، ومحاصرة محاكمهم ودور قضائهم الشامخة، ومن ثم فقد كان الأولى تنقية أجواء الاستفتاء بإزالة أسباب الاعتداء على السلطة القضائية وتهدئة الأجواء بين أبناء الوطن الواحد، في ضوء أن الإشراف القضائي على الانتخابات والاستفتاء هو واجب وطني بغير شك، إلا أنه وفي غياب الكثير من الضمانات الملاصقة لضمانة الإشراف القضائي كغيبة حماية وتأمين القُضاة والمواطنين والتناحر والعداء الذي أنتجه الإعلان الدستوري في صفوف الشعب الواحد، فإن الإشراف القضائي يصبح شكلاً بلا مضمون بما يعرض سلامة الاستفتاء على الدستور الوليد لمخاطر تفرق الأمة ولا توحدها، وبالتالي يجعل إقدام قُضاة مجلس الدولة على خوض غماره محفوفاً بالمخاطر التي تمس أمنهم وسمعتهم في ظل التناحر المجتمعي القائم، ولعل هذا هو ما دفع مجلس الإدارة من قبل إلى اتخاذ قراره برفض الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد . ولما كان الواقع الجديد الذي تكشف متمثلاً في الإعلان الدستوري الجديد الذي صدر بتاريخ 8 /12 /2012 ، ورغم ملاحظاتنا الكثيرة علي هذا الاعلان بدءًا من أن مصدره لا يملك أصلا حق إصداره، وما انطوى عليه من مساس باستقلال واختصاص القضاء، فإن مجلس الإدارة وقد وجد تعديلا وعدولاً محدوداً في حال الإعلان الدستوري الملغي مع بقاء آثاره السابقة، كما تبين له أن واقعاً مفروضاً صار واجب التعامل معه وهو إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد ولا مناص أو قدرة لقضاة مجلس الدولة على تغييره في إطار الشرعية، وفي ضوء أن ديباجة مشروع الدستور، قد ورد بالبند “سادسا” منها الإيمان بمبدأ مفاده أن “سيادة القانون أساس حرية الفرد، ومشروعية السلطة، وخضوع الدولة للقانون، فلا يعلو صوت على قوة الحق، والقضاء مستقل شامخ، صاحب رسالة سامية في حماية الدستور وإقامة موازين العدالة وصون الحقوق والحريات”، وهو ما يتعين أن يؤمن به الحاكم قبل المحكوم، كما تبين لمجلس الإدارة أن جموع المواطنين المدعوين للاستفتاء في حاجة ماسة لرقابة وإشراف القُضاة على صناديق الانتخاب، وأن ترك الساحة لغير القُضاة فيه من التفريط بحق الشعب صاحب السيادة ما لا يليق بقضاة الشرعية حماة الحقوق والحريات بعد أن قالوا ما يملكون قوله وهي كلمتهم من خلال جمعيتهم العمومية وبياناتهم المتعددة، ومن ثم فقد احتسبوا عند الله الشرعية الدستورية بعد أن نالها ما نالها، أملاً في أن ترتفع شامخة في المقبل من الأيام، وارتقوا فوق جميع الخلافات وتباين الرؤى في المجتمع، بين مؤيد ومعارض لكل منهما كامل التقدير والاحترام، ناظرين إلى إعلاء وجه مصلحة مصر العليا وشعبها العظيم، واحترام من يحضر الاستفتاء ليقبل مشروع الدستور وكذا من يحضره ليرفضه، فضلاً عن شعور قُضاة مجلس الدولة بحاجة جموع المواطنين إلى حماية القاضي أمام صندوق الانتخاب وعدم تنصله من دوره الدستوري بعد أن دوره في الذود عن المشروعية وبعد أن أقسم على الاستمرار في الذود عن استقلال القضاء، دون أن يكون ذلك منه مساندة أو معارضة لأي رأي أو تدخل في صحة أو عدم صحة الموضوع المستفتى عليه سوى أداء واجبه، ومن ثم فقد آثر أن يضطلع قُضاة مجلس الدولة بدورهم في الإشراف على الاستفتاء “بغير تقاضي أي أجر عن ذلك”، وبشروط تكفل الدولة تحقيقها قبل السبت المحدد للاستفتاء تهيئة للمناخ الذي تجري فيه عملية الاستفتاء تتحصل فيما يلي: 1 - إنهاء أسباب الاقتتال بين المواطنين بعضهم البعض ، ووقف سيل الدماء بين أبناء الشعب الواحد . 2 - إنهاء حالات الحصار لمؤسسات الدولة ومقار المحكمة الدستورية العليا وتمكينها من البدء فوراً في مباشرة مهمتها المقدسة بحرية واستقلال دون إرهاب أو ترهيب تحقيقاً لمبادئ استقلال القضاء واحترام سيادة القانون ، وإعلان ذلك لجموع الشعب المصري صاحب السيادة. 3 - تأمين اللجنة العليا للاستفتاء لإجراءات الاستفتاء على الدستور ومنع الترويج للآراء أمام اللجان ، وحماية المواطنين المستفتين على الدستور من الاعتداءات المتبادلة . 4 - قيام الدولة بالتأمين على حياة القُضاة المشاركين في الاستفتاء بوثائق تأمين. 5 - تمكين قُضاة مجلس الدولة من مباشرة واجبهم الإشرافي على النحو الذي كفله القانون، وحقهم في الانسحاب من لجانهم متى تعرضوا لما يمس كرامتهم واستقلالهم دون أن يلقوا المعاونة الواجبة من القائمين على تأمين اللجان .لكل ما تقدم، فقد قرر مجلس الإدارة الانحياز إلى حماية إرادة الشعب والمحافظة على صحة تصويته، وتأدية واجبهم الوطنى وأمانة الاشراف على الاستفتاء على الدستور الجديد بحيادية تامة على نحو ما عهده عنهم الشعب المصري، على أن يتم تهيئة المناخ لإجراء الاستفتاء وفقاً للضمانات السالف بيانها والتي يتعين توفيرها قبل تاريخ الاستفتاء، راجين من الله عز وجل أن تصل بلدنا الحبيب مصر إلى ما تصبو إليه وتستحقه وأن تغفر لأبنائها جرم ما اقترفوه في حقها.حمى الله مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن.