الأديب أمين الريحاني
نجمي عبدالمجيدمن رواد الأدب والثقافة في عصر النهضة في الفكر العربي المعاصر، يأتي الأديب والمفكر والأستاذ أمين الريحاني (24 تشرين ثاني 1876 - 13 أيلول 1940م) كمرحلة أدبية تميزت بإسهامات جددت في الأسلوب والقراءة والتعامل ليس فقط مع الثقافة كإرث تاريخي في مرجعية العرب، والاتصال مع حضارة الغرب عبر المعاصرة، بل هو الأديب والمفكر العربي الرائد الذي أدرك أن لهذه الأمة تاريخاً يجب أن يستعاد عبر رجال الفترة التي عاصر أزماتها وصراعاتها، وعرف أن القومية في السياسة لا تنفصل عن النهضة الفكرية.يقدم لنا تراث أمين الريحاني رؤية عن معنى الفكر القومي عند أدباء تلك المرحلة، وهو في هذا المجال أكثر حضوراً وأوسع تجربة، فالنظرة عنده لا تقف عند مستويات قراءة أمجاد ماضي العرب، ولكنه سلك سبلاً عدة في التواصل مع وضع العالم العربي والاقتراب من عوامل تراجع دوره وهو القادم من الغرب، أمريكا، حيث قضى سنوات عديدة تعلم وعرف الكثير وميز الفرق بين أمم عرفت العدل والحرية وأسست لها وجدانها الفكري والحضاري، وبين العرب الذين كانت حياتهم في ذلك الوقت قد توقفت عند أدنى درجات الحياة.في عام 1903م وقف أمين الريحاني على جسر بروكلين في أمريكا مخاطباً تمثال الحرية قائلاً: (متى تحولين وجهك نحو الشرق أيتها الحرية).بالعودة إلى مؤلفاته نتعرف على الاتجاهات والأفكار التي خلفها للثقافة العالمية، فهو قد عرف عالمياً عبر كتاباته الإنجليزية وعربياً عبر إصداراته العديدة بهذه اللغة التي كان يعتز بها ويرى فيها لغة فكر وحضارة وتاريخ وأدب، ومن هذه الرؤية ترسخت لديه قناعة بالقيام بعدة رحلات إلى بلاد العرب نتج عنها مؤلفات عربية وإنجليزية، حيث تحقق حلمه الأكبر في معرفة الإنسان العربي في تلك المرحلة التي تعد منعطفاً أساسياً في التاريخ المعاصر وبالذات بعد الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918م).يقول البرت الريحاني (شقيقه) عن بدايات الفكر القومي عند أمين: (في الوقت الذي تركز فيه الاهتمام في نيويورك حول أدب عربي حديث، كان الريحاني قد بدأ يوسع اهتماماته لتشمل الإنسان العربي الحديث، فكراً وأدباً واجتماعاً وسياسة.فمرحلة التجديد الأدبي التي أعلنها دستور الرابطة، سبق وأعلنها أمين منذ عقود ونيف في ريحانياته ومحالفته الثلاثية وفي المكاري والكاهن وشعره المنشور وسواها من مؤلفاته الباكرة.ففي الفترة التي ظهرت فيها الرابطة كان حلم أمين في اكتشاف الإنسان العربي في الجزيرة المغلقة قد ظهر هو أيضاً فظهرت بداية الاتجاهات المتباينة بين أمين والرابطة، لا من حيث مبدأ التجديد، بل من حيث الأبعاد الإنسانية والقومية لهذا التجديد).تلك الرحلات أنتجت عدة مؤلفات، منها: ملوك العرب عام 1924م، تاريخ نجد وملحقاته عام 1927م، قلب العراق عام 1922م، فيصل الأول عام 1934م، قلب لبنان عام 1947م.أما في الجانب السياسي والقومي والتاريخي، فقد أسهم بمؤلفات ماتزال من مرجعيات تلك الحقبة في الفكر العربي المعاصر ومنها، النكبات عام 1928م، التطرف والإصلاح عام 1928م، القوميات عام 1956م، رسائل بينه وبين الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1923م نبذة في الثورة الفرنسية عام 1902م.في عام 1922م منحه الملك حسين شريف مكة لقب أمير غير أنه أعتذر عنه فكان البديل خنجر الإشراف براءة الإمارة وبأثر نفيس من ستار الكعبة المشرفة، فاعتبره أمين شرفاً كبيراً له وقد يكون أمين الريحاني المسيحي الوحيد الذي قدم له ملك مكة ذلك الأثر المقدس.يقول البرت الريحاني في كتابه (أين تجد أمين الريحاني) الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 1979م ورحلته إلى الجزيرة العربية عام 1922م: (سافر الريحاني من الحجاز إلى عدن في طريقه إلى اليمن وبصحبته الشيخ قسطنطين بني وزير المملكة الهاشمية، فحاولت السلطة البريطانية في عدن إقناع الريحاني بالعدول عن زيارة اليمن فلم تفلح.وعند وصوله إلى صنعاء اليمن، أنزله الإمام يحيى بن حميد الدين حاكم اليمن مع صديقه الشيخ قسطنطين بني في بيت حكومي وتركهما أسيري الرقابة لعشرة أيام، وذلك لريبه وشكه باغراض الريحاني.وبعد أن تبين عكس ما ظن أجرى معهما عدة مقابلات باحثاً مع الريحاني القضايا العربية. ثم تطرق الريحاني إلى معاهدة سياسية بين الإمام والملك حسين في الحجاز والسيد الإدريسي في عسير.ففاوض بالنيابة عن الملك حسين شريف مكة، الإمام يحيى حاكم اليمن والسيد الإدريسي حاكم عسير لعقد المعاهدة بينهم فوافق الاثنان واعتذر الملك.كان الريحاني في بغداد على اتصال وثيق بجلالة الملك فيصل الأول وعقد مع رجالات الدولة من وزراء ونواب ورجالات الأدب والشعر والصحافة أحاديث حول الأدب والاجتماع والسياسة، وكانت الخاتون غرترودبل ورجالات الإنجليز في بغداد لا يقلون اهتماماً عن العراقيين بالريحاني وبما يبحثه في القضايا العربية وعلاقة العرب بالإنجليز خارج المملكة البريطانية.وكما كان في عدن كذلك كان في العراق، فقد حاولت السلطة الإنجليزية في بغداد خلق العراقيل للحؤول دون سفر الريحاني إلى نجد، وكانت الخاتون غرترودبل القوة الفعالة في هذا الأمر فلم تفلح.وعندما وصل الريحاني إلى نجد التقى جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في صحراء الهفوف لعقد مؤتمر العقير فطلب جلالته إليه أن يكون مستشاره لعقد معاهدة بينه وبين الوفد العراقي برئاسة السير برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق وذلك لتحديد التخوم بين نجد والعراق، فقام الريحاني بالمهمة وأسهم في وضع مشروع المعاهدة باللغتين العربية والإنجليزية.التقى الميجر فرنك هولمس، بينما كان الميجر يحاول الاجتماع بجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في مؤتمر العقير في الحساء للحصول على امتياز البترول في السعودية، وفي الرياض أنزله جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود جناحاً من القصر بجانب إقامة جلالته، حيث كان يجتمعان يومياً ويناقشان القضايا العربية ومنها الاتحاد العربي، وأهداه سيفه الخاص الذي استرد به ملك أجداده من بيت الرشيد.عهد إليه الملك عبدالعزيز آل سعود وأمير الكويت الشيخ أحمد آل جابر الصباح مخابرة شركات النفط لمصالح السعودية والكويت، فاتصل بشركات النفط المستقلة عن السياسة، من إنجليزية وأميركية، معتبراً أنه يسهم مساهمة فعالة في تحقيق الوحدة العربية.عام 1924م جاء الميجر فرانك هولمس، رئيس شركة نفط (النقابة الشرقية المحدودة) إلى الفريكة للبحث مع أمين ثانية في قضية النفط في المملكة العربية السعودية وفي الكويت، وذلك بعد أن التقاه في مؤتمر العقير، بادية نجد، في رحلته العربية سنة 1922م.1926م زاره الأمير فضل عبدالكريم فضل العبدلي، ولي عهد سلطان لحج، خابر الفرنسيون في عهد المندوب السامي هنري ده جوفنيل لتولي رئاسة الجمهورية في لبنان، فاعتذر.عام 1930م صدر كتابه حول الشواطئ العربية وفي عام 1931م أصدر كتابه الإنجليزي جبال العرب وصحراؤهم، موضوعه اليمن وهو القسم الثالث من رحلته العربية.عام 1932م زار بغداد مرة ثانية للإطلاع على معلومات أوسع لكتابة كتابه الإنجليزي (العراق في عهد فيصل الأول) وفي الوقت نفسه زار كركوك والسليمانية والموصل والضواحي المجاورة لكتابة كتابه الإنجليزي الآخر، الأكراد في العراق.عام 1927م قدم لفريكة لزيارة أمين الريحاني أمراء البحرين: أحمد بن الشيخ محمد آل خليفة ومحمد بن الشيخ عبدالله آل خليفة وعلي بن الشيخ محمد آل خليفة للبحث معه في قضايا النفط في البحرين.دعي من الملك حسين، شريف مكة، أن يتوسط بين جلالته وجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في الحرب الحجازية النجدية، فوافق الملكان على تكليف الريحاني واختاراه من بين الشخصيات المصرية والعراقية والهندية والإنجليزية التي تقدمت تعرض خدماتها للصلح، وأما الاتصالات والمباحثات التي أجراها الريحاني مع جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود بواسطة حسين بك العويني فقد لاقت قبولاً منه وكاد الصلح يتحقق لولا مداخلات سياسية معارضة، عندها واصل جلالته الحرب واحتل الحجاز).من خلال سجل هذه الأحداث وغيرها العديد في حياة هذا العلم البارز في تاريخ الأدب العربي الحديث، نجد منزلته في عالم الدراسات والبحوث التي كتبت عنه في الشرق والغرب، قد تناولت الجانب القومي - العربي في إنتاجه.والقراءة لكتب الرحلات التي وضعها بعد ترحاله في بلاد الشرق، لم يكن غرضها الكتابة عن ما شاهده في تلك البلدان، بل ذهب في أمره إلى التلاقي بين التاريخ والسياسة ومستويات الوعي عند حكام العرب، فعلى سبيل المثال يقدم لنا كتابه فيصل الأول رؤية تاريخ عن فترة من تاريخ العراق، تلك الحقبة التي تأسس فيها العراق الحديث وهو تحت الانتداب البريطاني في عام 1921م بينما كانت بريطانيا قد احتلت العراق بكامله، حيث دخل القائد البريطاني الجنرال مود بغداد في شهر آذار عام 1917م.في هذا الكتاب لم يسطر أمين الريحاني تاريخ الملك فقط، بل شارك بالفكر والرأي في كتابة ذلك التاريخ، وفيه من المعلومات والتصورات ما يجعله يتواكب مع ما مر على العراق من أحداث حتى اليوم.وهذا يدل على أن الوعي القومي عنده لا يتبع حماس المرحلة، فهو رؤية تبتعد مسافة عن الاندفاع الغير مدرك لجوهر الأمور، حتى يقدم قراءة تقيم الحدث من جوانبه الموضوعية، وفي ذلك ما يعطي لكتابه منزلة الاستمرار مع تقادم الزمان، فالكتابة هنا لا تصبح فقط في دائرة الوصف، بل الفعل المشارك الذي يصبح حال استمراره في المشهد أحد ركائز الفكرة، وتلك خاصية عالية في الإبداع الثقافي عند أمين الريحاني الذي جعل من مؤلفاته في هذا الجانب مرجعيات وأدبيات تتعامل معها الأجيال ليس لمعرفة الحقائق، بل لإدراك المراكز ومقدرتها على تحريك الأحداث وكيف تعمل الظروف في صناعة الرجال ومواقفهم. حول السياسة البريطانية في رسم حدود الدول ووضع مسارات المراحل يذكر في كتابه فيصل الأول ما كان من خلاف بين العراق والسعودية، وكيف أدارت بريطانيا لعبة الأمم في منطقة الشرق الأوسط، حيث يقول: (كان السير برسي كوكس يومئذ في العقير عاملاً وابن سعود في تصفية الجو المتعكر بين نجد والعراق وتسوية العلائق النجدية البريطانية، فيبرزها كلها جلية صافية في معاهدة أو معاهدتين ولاسيما أن مدته كمندوب سام كادت تنتهي، فكره أن يترك مسائل متوقدة، ومشاكل معقدة، إن في العراق أو في نجد، لذلك كان جاداً في إطفاء النار، وفي حل العقد هنا وهناك فيستطيع إذ ذاك أن يحمل إلى لندن النبأ السار أن كل شيء هادئ في الميدان العربي.ومما هو جدير بالذكر أن مهمته كانت كثيرة العقبات، شديدة المشقات، خصوصاً وقد كان عليه أن يرضي العرب، والحكومة البريطانية وعصبة الأمم، وحتى الولايات المتحدة، فمهما قيل في المعاهدة والدور الذي مثله على مسرحها ووراء مشاهده فمما لا ريب به أنه كان من المشيدين للملك الجديد، ومما هو دون كل ريب أنه وضع أسس السلم والولاء بين البلدين نجد والعراق، لك أن تقول في سوى ذلك أنه ماهر في الترقيع، ولك أن تقول كذلك أن قطباته في الرتق غير محكمة، يبدو عليها أثر السرعة والتعب، هذا صحيح، وهو نفسه عالم به. وقد كان مدركاً ما في المعاهدة من الغبن للعراق، وغير راض بأن تستمر عشرين سنة.عاد من العقير يحمل في صدره، وفي مذكراته من المعلومات الخاصة بنجد والعراق ما لا يستطيع أن يرسله بالبرق أو بالبريد إلى وزارة المستعمرات، فوجب عليه أن يسافر إلى لندن قبل أن تنتهي مدة وظيفته، وقد وعد الملك فيصلاً أنه سيبدل كل ما في طاقته ليجعل مدة المعاهدة خمس سنوات بدل العشرين.بيد أن الأمور في وزارة المستعمرات تجري في مجاريها الخاصة المحددة، وأن للعقل القانوني فيها قوالب لابد منها، فهي إذا تكارمت مثلاً تختار لكرمها القالب الذي يليق ظاهراً به، ضيقاً كان أو واسعاً ومن هذه القوالب الألفاظ الشرطية والاحتياطية.فقد قررت تلك الوزارة بعد أن سمع رئيسها المستر تشرشل إلى السر برسي أن تعدل المادتين 6 و18 في ملحق للمعاهدة، وهذا الملحق يقول: إن المعاهدة تنتهي عندما يصير العراق عضواً في عصبة الأمم، وفي كل حال لا تتجاوز المدة أربع سنوات من تاريخ إبرام الصلح مع تركيا.هو العقل القانوني بتنطعه وتحوطه، فقد أبدل بوعد غير مقيد بشرط، وأن بعد يوم تحقيقه وعداً محدداً ومقيداً بشروط، ومن هذه الشروط أن المعاهدة لا تنتهي إلا بموافقة عصبة الأمم، المادة 18، فإن تم الصلح وتركيا ومرت بعد ذلك الأربع سنوات، ورفضت عصبة الأمم أن تعترف بانتهاء المعاهدة، ظل العراق مكانه، بل عاد إلى الجهاد حيثما بدأ منه.ومع ذلك فقد رحب الملك فيصل بهذا الملحق، وأذاع بلاغاً على الأمة قال فيه أن الحكومة تمكنت أن تخطو خطوة كبيرة أخرى في سبيل تحقيق أماني العراق، وذلك بعقدها الملحق الجديد للمعاهدة العراقية البريطانية، وكان من جملة الأسباب الرئيسية المبني عليها الملحق تلك الخطوة السريعة التي خطتها حكومتنا في سبيل التقدم والاستقلال.كلام الملوك - مثل كلام الوزراء! ولكن الأمة وإن كانت لا تدرك ما يدركه الملوك والوزراء تقرأ ما في قلبها، قبل أن تقرأ ما في البلاغات الرسمية).تلك هي بعض الصور من السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وكيف كانت تحرك عجلة الأمور وتصنع الأحداث، أما شخصية المقيم السياسي البريطاني السر برسي كوكس (1864 - 1937م) فقد لعبت عدة أدوار في منطقة الخليج العربي أثناء الحرب العالمية الأولى، خدم في الهند والصومال ثم عين مقيماً سياسياً وقنصلاً في مسقط عام 1899م وتلك هي بداية صلته بالخليج العربي والعراق، حيث أصبح بعد ذلك مقيماً سياسياً في الخليج العربي وقنصلاً عاماً في بوشهر، وكون علاقات هامة مع الشيخ خزعل حاكم المحصرة والشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت وعبره دخل في علاقات مع عبدالعزيز آل سعود والذي أدرك بأنه سوف يصبح له شأن كبير في الجزيرة العربية، وفي بداية عام 1914م عين سكرتيراً للشؤون الخارجية لحكومة الهند، ثم سافر إلى العراق مع قوة عسكرية هندية بصفة ضابط سياسي، أرسل عام 1915م وزيراً مفوضاً إلى طهران ثم عين مندوباً سامياً في العراق بعد إعلان الانتداب البريطاني، وكان هو من ساعد على صعود فيصل ملكاً على عرش العراق من عام 1921م حتى عام 1933م.يقول الدكتور محمد رضا الشبيبي عن الوعي القومي في أدب أمين الريحاني وإسهامات فكره في يقظة العرب عند تلك الفترة من التاريخ، وما سطر قلمه في كتابه (قلب العراق) الصادر عام 1922م ما يلي: (كان الشعب العراقي قبيل تلك الفترة التي زار فيها العراق من الشعوب الفتية الرازحة تحت أعباء ثقيلة من احتلال المحتلين الغالبين، وقد تملكت هذا الشعب رغبة صادقة في التحرر والانعتاق والتخلص من استرقاق المستعمرين، كان الشعب يستجيب لكل دعوة في إيقاظه وحفزه واستثارته لإنقاذ بلاده من براثن الغالبين، فكان لكتب الريحاني وأحاديث الريحاني وقع لا يستهان به في نفوس أدباء العراق إذ ذاك.لأن كتبه حافلة بالآراء والأفكار الثورية كما رأيت، أضف إلى ما تقدم أنه من الكتاب والمؤلفين الذين أوقفوا ذكاءهم وأقلامهم ومواهبهم على نصرة العرب وسلخوا أعمارهم في الكتابة والخطابة والرحلة دفاعاً عن قضيتهم وهي قضية حقة قامت على أساس احترام مبادئ العدل والحرية والمساواة، ويلاحظ أن الثقافة الغربية لم تؤثر في نزعة بعض السوريين واللبنانيين المتأمركين المهاجرين إلى الغرب بقدر ما أثرت فيهم الثقافة الإسلامية التي درسوها قبل الرحيل فتطوع شعراؤهم للدفاع عن العرب والإسلام في بلاد لا تدين بالدين الحنيف، لا تحدو أولئك الأدباء والشعراء رغبة أو منفعة خاصة ولا تثنيهم رهبة، وكان الريحاني منهم في الطليعة، بل هو مؤسس أدب المهجر والمهاجرين).في تلك العقود التي خلت من الزمن، وما هو قادم منها، يظل أدب وفكر أمين الريحاني من معالم الحضارة الإنسانية التي تعرف منزلة الثقافة ودورها في قيادة الشعوب.