محمد حسنين هيكل في أول حـــــديـــــــــــــث له بعد الانتفاضة المصرية الجديدة
لأنه الشاهد الأوحد تقريباً على كل تحولات مصر المعاصرة من الملكية إلى الناصرية إلى الساداتية إلى المباركية إلى «25 يناير» وما تلاها، يبدو الأستاذ محمد حسنين هيكل أحد القلائل القادرين على قراءة مشهد الوطن، ليس فحسب بسبب خبرته العريضة ومخزونه التاريخى والمعرفى الهائل، ولكن أيضاً لأنه يمتلك الرؤية، رؤية الطائر حين يحلّق من أعلى فيرى المشهد مكتملاً بكل التفاصيل التى لا يستطيع الغارقون فى أرض الأحداث أن يلموا بها.وخلال حديثه الممتد، مساء أمس الأول الخميس ، مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة «سى بى سى» المصرية المستقلة، حاول الكاتب الكبير أن يشخص مرض مصر ليصل إلى موضع العلة بأبسط الطرق من خلال مد الخطوط، تارة على استقامتها للأمام وتارة أخرى عبر الزمن، بهدف تفسير ما يحدث حالياً من تشابه فى الظروف وتشابك فى السياق. ولعل الذين تابعوا المقابلة لاحظوا حرص هيكل على تجنب محاولات الاعلامية لميس الحديدي إجتذابه للدخول في مناطق حمراء، حيث كان يكتفي برصد وتحليل تفاصيل المشهد السياسى فى مصر، والضغوط التى تعرضت ولا زالت تتعرض لها مصر من الخارج ، وحالة الانقسام الدائرة بين طرف ظهر إلى النور ويجلس على مقعد السلطة ويخشى العودة إلى ما كان عليه من قبل ، وجيل ثائر اكتشف أن ثورته قد اتعزضت للاختطاف ، وان المستقبل مشوه الملامح بفعل ما وجده فى الدستور. ونظرا لأهمية هذا الحدبث تعيد 14 اكتوبر نشره كاملاً :[c1]- أستاذ هيكل، أهلاً بك، وأولاً، أشكرك على أنك سمحت لنا بهذه الفرصة.[/c]-- أولاً، أشكركِ على المقدمة ولكن عندى أسباب كثيرة جداً تجعلنى أبدأ بالاعتذار، أولاً، أنا رجل قادم من خارج السياق، أنا من خارج سياق هذا الزمن وأنتمى إلى زمن آخر ولست بحاجة لشخص يخبرنى أننى، بحسابات العمر، خارج السياق. أنا أقول من البداية إننى خارج السياق ومن خارج التليفزيون، لكننى فى الحقيقة منذ 6 أشهر لم أتحدث مطلقاً، وأدرك أن أهل هذا الزمن أولى بأن يتقدموا لحل مشاكله. ثانياً، كنت أشعر أنه ليست لدىّ بشارات لتطمين أى إنسان، لأن كل ما حولنا مزعج، فإذا كان ما لدىّ أن أضيف قلقاً إلى قلق فلا بأس من إعفاء الناس منه دونما داع، وأنا سعيد باللقاء.فى واقع الأمر، كان هناك جزء موفق فيما قلتِه على الشاشات حول لحظة ديسمبر الخطرة، وأنا أعتقد أن هذه اللحظة مهمة، وأريد أن أتوقف أمام 3 أيام وأقول كيف تبدت الأزمة أمامى، لو قلت لكِ من موقع صحفى قديم مهتم بالمتابعة وبما يجرى بالبلد وبالمستقبل ويرى حركة أجيال زاحفة ويتمنى أن تنجح، أنا أرى أن هذه اللحظة خطرة جداً لكنها لا تدعو لليأس.[c1]- خطرة لكنها لا تدعو لليأس؟[/c]-- ليس فيها ما يدعو لليأس لأنها طبيعية، مثل هذا طبيعى فى حياة الأمم فى أوقات الأزمات.[c1]- كيف ونحن فى حالة اكتئاب؟[/c]-- كلنا فى حالة اكتئاب، مثلاً الحيوان عندما يقع فى مأزق يفكر فى خطوة واحدة؛ يهرب أم يقاتل، الإنسان يفكر على الأقل فى 4 أو 5 خطوات، الأمم تنظر فى 10 أو 12 خطوة لو تقدر، كل رجل يملك أن يستقيل، يملك أن ينعزل لكن الأمم لا يمكنها ذلك، ما دام الإنسان قرر أن يعيش فى هذا العالم وهذا العصر، وأن يتقدم، الشعوب لا تستقيل ولا تنتهي ولا تنتحر. نحن أمام ضرورة أن نجد حلاً، وعندما نجد أنفسنا أمام ضرورة أن نأتى بحل فالخطوة الأولى ننتظر الأمل، لو بصيتِ على أوروبا على سبيل المثال غداة الحرب العالمية الثانية، كانت كلها مدمرة والشعوب كلها فى حالة لا يتصورها أحد، بصى وشوفى أوروبا بعد كام سنة لو الشعوب قالت الحالة تدعو للاكتئاب وسوف نعتزل مش ممكن.تعالي نتكلم على الأسبوع الحالى. أول هذا الأسبوع، أنا أعتقد أن هذه الأيام الخمسة من ديسمبر موحية ودالة وحافلة وهاقولك بتجربة شخصية لأننى بدأت هذا الأسبوع مثلى مثل كل الناس قرأت مشروع الدستور وصدمت من أول مادة.[c1]- من أول مادة؟[/c]--من أول مادة، فى تحديد الهوية، لكنى أريد أن أقول إن الخطأ والصواب وارد، لكن أول مادة تصدمنى لأننى أعتقد أنها متعارضة مع الجغرافيا والتاريخ، وهذا موضوع آخر سنتحدث فيه، توقفت عندها وقرأت مواد الدستور، وجدت أشياء كثيرة أخرى لا تعجبنى، وقرأت لخبراء كثيرين، واستطلعت آراء خبراء كثيرين، ووجدت أن مخاوفى لها ما يبررها، وتابعت إقرار الدستور فى الجلسة الأخيرة ولا بد أن أعترف أن عملية إقرار الدستور أقلقتنى أكثر من أى شيء آخر، ففى الأسبوع السابق مباشرة قال الرئيس مرسي بنفسه فى الإعلان الدستورى إنه سيعطي شهرين إضافيين للجمعية لتكمل عملها، وهذا بالتأكيد عن علم لديه بأن الجمعية لم تفرغ من عملها ولديها الكثير لتؤديه، فجأة نرى الدستور يتم إقراره فى نفس اليوم، وللإنصاف ناقشوه طويلاً واستقروا على أشياء، وبعض ما استقروا عليه فى رأيى خاطئ، لكن جلسة الإقرار النهائى بدت بالنسبة لى أقل جداً من قيمة دستور دائم أستطيع من خلاله أن أطمئن إلى تنظيم المستقبل لأن الدستور هو تصميم مستقبلى لأمة. أنت لا تضع دستوراً للماضى ولا للتاريخ بل تضع دستوراً للمستقبل.[c1]- هل صحيح أن الدساتير يجب إقرارها فى جلسة واحدة؟ [/c]-- هناك مدرستان فى هذا الشأن، ولا بد أن نفرق بين جلسات مستمرة لمناقشة الدستور طالت تقريباً 4 أشهر، وبين أن يجرى إقراره فى جلسة واحدة، هناك مدارس تأخذ بالإقرار فى جلسة واحدة تطول أياماً. وآخر نموذج كان الدستور الإيطالى 1946 الذى استغرق 6 أيام متواصلة لأنهم يخشون من وقوع ضغوط على واضعى الدستور إذا أخذوا انقطاعات طويلة وذهبوا إلى مكاتبهم وبيوتهم، فربما تأتى ضغوط من خارج السياق وتؤثر على نظرتهم فيما يفعلون، وهنا التوافق يأخذ وقتاً طويلاً ولا يتحقق.ليس عندى اعتراض، اعتراضى على الطريقة والأسلوب وعلى المناخ السائد فى الجلسة ثم على ما سبق ذلك من إقصاء، وناس دخلوا وناس خرجوا. ففى الجلسة الأخيرة تقرر اعتبار المنسحبين مستقيلين، وهذا بالنسبة لى يحتاج وقفة أكثر من ذلك، لكن على أى حال قراءة النصوص إلى جانب المناخ الذى أقرت فيه مواد الدستور بطريقة نهائية أزعجتنى، فى الحقيقة صباح هذا اليوم اتصلت بأحد أقطاب النظام ولا أريد ذكر اسمه، لأننى لم أستأذنه، لكن إذا أذن لى مستقبلاً سأذكره، هذا الرجل تكرم وهو من خيرة هذا النظام وألمعهم وأنا شخصياً أطمئن إلى رأيه، أيقظته من النوم وشرحت له مخاوفى.[c1]- هذا يعنى أنك كنت قد وصلت إلى مرحلة قلق شديدة؟ [/c]-- مش أنا بس، مصر كلها بدت قلقة، بل إنها لم تنم، هذا القطب البارز من أقطاب النظام قال لى: «أستاذ هيكل، أنا متأسف لأنى نمت 4 الصبح»، الرجل قال لى إنه سيمر علىّ قبل أن يذهب إلى مكتبه وقد كان، قلت له إننى لأول مرة بدأت أشعر بقلق، وهنا أقصد أننا طوال الفترة الانتقالية كنا نشعر بمزيج من الأمل فى المستقبل والتخوف من أننا غير قادرين على الإمساك بمفاتيح حل، وده طبيعى، شعرت بقلق الرجل وعرضت عليه قلقى وطلبت منه أن يخرج من عندى ويذهب إلى الرئيس مرسي مباشرة ولو حتى دون موعد، الرجل أنا أعرفه وسبق لى أن رأيته ووجدت فيه ما يمكن الحوار معه وهو معقول جداً، وينقل له ما أقوله.قلت له إن البلد دخل فى نفق فظيع، الدستور ليس قانوناً، هو عقد طوعى لجماعات مختلفة تريد أن تحيا حياة واحدة مشتركة على أرض واحدة، فى القوانين هناك أقلية وأغلبية وهناك حاضر وغائب، لكن وضع الدستور يقتضى وجود كل القوى الطبيعية فى المجتمع، وقلت له إذا غابت الكنيسة وهى غائبة، وإذا غاب عدد كبير من المثقفين وقد غابوا، والمفكرون وقد غابوا، إذا اقتصر عمل الدستور على فئة واحدة فى المجتمع مع احترامى لقيمتها، إذن أنا من حقى أن أقول إن هذا خطر، قال لى إن ما حدث من دواعى السرعة، قلت له إن دواعى السرعة مطلوبة فى كل شىء إلا وضع الدستور، لأن الدستور هو بناء مستقبل، مثل بناء البيت، إذا أردت أن تبنى بيتاً بسرعة ولا تملك أسمنتاً ولا حديداً ولا حجراً، ورغم ذلك أريد البناء سريعاً لأن أولادى فى العراء فهذا معناه أن تأتى بأولادك فى بيت دون أساس كافٍ ودون أى شىء لكى أضع الأولاد فى هذا البيت لكى ينهار عليهم أول ما يدخلوا يسكنوه، قلت له إن ما يقلقنى أن هذا الدستور سوف يؤخذ فى اجتماع خاص يسلم فيه إلى الرئيس. وقلت له أنا متصور إن الرئيس إذا أراد أن يعرض هذا المشروع على الناس مثلاً يتسلمه فى الميدان إذا أراد أو أمام المحكمة الدستورية التى حلف أمامها اليمين، أو اجتماع عام إذا أراد، أنا سامع هتافات فى المظاهرات أمس أن الشعب يريد إسقاط النظام وأنا ضد هذا الكلام لأننى أعتقد أنه عبث ولا يؤدى إلى أى شىء، هذا النظام موجود وله شرعية معينة وهى شرعية واضحة وينبغى أن يستوفي مدته، وقلت له إن شرعية النظم تسقط بالجرائم ولا تسقط بالأخطاء، الأخطاء تستوجب المسئولية، إنما لما حد يقول يسقط النظام هذا كلام لا يليق فى هذا التوقيت، أنا فاهم الدواعى الجامحة إليه لكنه ليس منطقياً، مش معقول، احنا قلنا فى الفترة اللى فاتت «ارحل» كم مرة، قلنا ارحل لمبارك ورحل، وقلنا ارحل للمجلس العسكرى ورحل، وقلنا ارحل لـ3 وزارات جاءت، وفى الواقع هم أكثر من ذلك، شفيق شكل وزارتين فى ظروف الثورة وعصام شرف شكل وزارتين والجنزورى شكل وزارتين ثم هشام قنديل، ارحل تطارد كل الناس، فى ظرف سنتين كم «ارحل» قيلت وكم «يسقط»، لا بد مثل البشر العاقلين والشعوب المستنيرة أن يكون لديك خطوة واثنتين وثلاث وأربع، وقلت إن الحيوان تكفيه خطوة واحدة.[c1]- كيف استمع إليك هذا المسئول؟[/c]-- هو استمع إليّ وعارضنى فى بعض المواد وشرحت وجهة نظرى واقتنعت ببعض ما قاله لى، لكننى قلت له مهما كانت أسبابى وأسبابك والعقلانية فى طرفك والعقلانية فى طرفى نحن أمام حقيقة سياسية لا يمكن إنكارها. إن مواقف الناس تتأثر فى السياسة بالانطباع قبل الاقتناع، هذا الوضع الموجود والمناخ لا يساعد على شىء وهو خطر.[c1]- كان هذا قبل أن يتسلم الرئيس الدستور؟[/c]-- نعم، وهو قال لى الرئيس لا يمكنه أن يتراجع، وقلت له ولا أحد يطلب من الرئيس أن يتراجع، أنا أعرف هيبة الرئاسة وأعرف كيف تتعامل هيبة الرئاسة، هيبة الرئاسة تمنعه من التراجع لكن مسئولية الرئاسة تدعوه إلى أن يفتح مخارج جانبية يمكن أن يخرج البخار المحبوس أولاً ثم تدخل منها تصورات أكثر تعقلاً ثانياً.[c1]- هل قدمت بدائل؟[/c]-- نعم، قلت له فى هذه اللحظة لا يمكن للرئيس أن يتراجع لكن الرئيس بنفسه أعطى اللجنة التأسيسية شهرين لتكمل عملها، وأنا أقترح أن ينقل المسألة فى الشهرين إلى الناس بدلاً من أن يترك اللجنة تستغرق شهرين، يقول إن الاستفتاء بعد شهرين، المادة بتقول إن السوابق بتقول 15 يوماً وأنا باقول «وقّت» إعلانك كما تشاء، الرئيس من حقه وهو يتابع أعمال الجمعية أن يأتى بلجنة من مستشاريه يفحصون الدستور ويقدمون له تقريراً ليتبين بنفسه، رئيس الدولة ليس رجلاً يتلقى الدستور، صحيح يتابع المناقشات، حتى هو يقول إنه لم يتدخل فى عمل اللجنة وإنه تابع عملها، أرجوك شكّل لجنة من نائب الرئيس، وهو من أكثر القانونيين احتراماً، ومن وزير العدل المستشار أحمد مكى وأنا أعرفه وهو قاض مستقيم وأظن أن الرئيس ومعه عدد من مستشاريه قادرون أن يدرسوا فى مدة شهر هذا النص الذى قُدم إليهم، فإذا اقترحوا عليه تعديلاً يرسلونه إلى لجنة الدستور، ثم يطرح للاستفتاء فى مدة 15 يوماً.[c1]- هل استشعرت أنه متفهم لقلقك؟[/c]-- قد لا يكون من حقى أن أنقل مشاعره، لكن أنا شعرت أن الرجل تجاوب فكرياً مع ما أبديت من حجج خاصة لما قلت إن السياسة بالانطباع وليس بالإقناع وإنه مهما كانت حججك أمام الناس إذا شك الناس فيها فمن واجبك إيضاح شكوكهم والتغلب عليهم، الرجل كان متفهماً لكن عندما رأيت الجلسة مساء لم يعجبنى المنظر.[c1]-ما الذى لم يعجبك فيه؟[/c]-- أول شىء أن قاعة المؤتمرات تذكرنى بالنظام السابق، والكراسى المرصوصة بالطريقة دى، إذا الرئيس أراد أن يعلن عن الدستور يذهب إلى ميدان التحرير، أنت حلفت أمامة اليمين أول مرة، خذ الدستور إليه.[c1]- لكن ميدان التحرير يرفض الدستور؟[/c]-- الدستور فيه كثير جداً يُرفض، لكن أكثر شىء أخشاه فى حياة الأمم هو أن تأتى لحظة يتعثر فيها العقل ويشتط فيها الجموح، عايز أقول إن فيه شخص من أعز أصدقائى، جاءنى وقال لى انت هتتكلم، أنا عارفك، بلاش العقل الزائد، المشاعر جامحة فى الشوارع، وأنا شخصياً لم أذهب إلى ميدان التحرير ولا مرة.[c1]- ولا مرة؟[/c]-- لأننى شعرت أن هذه صيحة جيل عليّ أن أسمعها باحترام وأكبر خدمة أقدمها أو يقدمها جيلى كله أن نبتعد عنها، كل من تخطى السبعين يبتعد عنها، مش ممكن، أنا لم أر مجتمعاً من العواجيز مثل هذا.[c1]- رأيت المشهد على شاشة التليفزيون.. الرئيس يتسلم الدستور ويقرر الاستفتاء خلال 15 يوماً.. هل شعرت أن مافيش فايدة؟[/c]-- لفتت نظرى السرعة.[c1]- شعرت أنهم لم يستمعوا لنصيحتك؟[/c]-- حتى لا أظلم أحداً، ربما لم يتمكن من لقاء الرئيس أو أنه قدمها ورُفضت، لكن لما شفت الرئيس مرسي يقول دعوة إلى مؤتمر بدأت أتفاءل، لكن وجدت أن الدعوة بعد أمر واقع، هذا لا يصح، إذا كنت تريد أن تناقش شيئاً معى فلا تتصرف ثم تطلب منى الكلام. ما أخافنى هو أن السرعة بدت غريبة جداً وحركة الميدان التالية لها بدت غريبة، وتصورت، وأظننى لست مخطئاً فى تصورى، أننا أمام طرفين قلقين جداً؛ طرف قلق جداً يستعجل جداً لأنه يخشى جداً أن يعود به الحاضر إلى ماضٍ يعرفه ويذكره، الإخوان خايفين أو التيار الإسلامى خايف فبدا أنه يتصرف على عجل لأن ذكريات ما جرى له فى الماضى تخيفه.[c1]- أو أنه يخشى أن يفقد السلطة.[/c]-- أنا أقول إنه يخشى من ماضٍ هو يعرفه وقد تعب فيه بلا شك، وهناك طرف آخر يخاف من مستقبل لا يريده، الشباب من ناحية لا يريد أن يرى صورة المستقبل كما بدت فى الدستور، وواضعو الدستور أنفسهم قلقون جداً من أن يفشلوا فى مهمتهم أو يجدوا مقاومة فى مهمتهم فتعود بهم الأيام إلى الماضى. وبالتالى ناس قلقون من ذكريات الماضى، وآخرون قلقون من شكل المستقبل، هذا لا يبشر بأن تجلس لكى تخطط، المشهد التالى المهم فى ديسمبر، كان يوم الاثنين، أنا تحدثت مع أحد قضاة المحكمة الدستورية وهو المستشار حاتم بجاتو، لم يرد لكنه اتصل بعد عدة دقائق وكان صوته ثائراً ومنفعلاً جداً وقال لي إن المحكمة ما زالت تحت الحصار، سألته لماذا لم تدخلوا قال لى: هل ترضى أن يدخل رئيس المحكمة فى سيارة مصفحة؟ هذا الذى عرضه البوليس، ورئيس المحكمة يحاول الاتصال بوزير الداخلية ولا يرد عليه، أنا فى الحقيقة كنت أطلبه فى شىء آخر، خاص بالتصويت فى القاهرة فى انتخابات الرئاسة، لأن موقف القاهرة يهمنى. هى الكتلة التصويتية ودائماً أى عاصمة هى المعيار الحقيقى لما يجرى فى البلد، سمعت غيره من أعضاء المحكمة وبدت لى الصورة رهيبة جداً ودون أن يقصد أحد.[c1]- ما أكثر شىء أزعجك؟[/c]-- العواجيز دائماً يعود بهم التاريخ إلى ذكريات، المشهد استدعى داخلى صورة حريق «الريشستاين» البرلمان الألمانى سنة 1933 مع مجىء هتلر، وهذه كانت علامة دالة جداً لأن النازيين دخلوا الانتخابات فى هذه السنة وأخذوا أغلبية غير مريحة، وكانت المعارضة تضايقهم وبعدها أُحرق البرلمان ذات ليلة والأغرب من ذلك كان فيه صحفى واحد شاف المشهد مع هتلر اسمه سيفتن دولمر، أنا سمعت منه هذا الوصف، عندما حضر معى آية الله كيشانى أيام ثورة مصدق، حكى لى أن هتلر كان موجوداً معه، وقال له ده أحسن شىء حصل، هذا صوت لا يتكرر.[c1]- ما العلاقة بين هذا المشهد وما جرى فى مصر؟[/c]-- طبعاً لا الإخوان همه النازى ولا مرسى هو هتلر، لكن دائماً المشاهد تستدعى بعضها، لكن الناس تكرر أخطاء معينة دون قصد ودون حتى يكون القياس صحيحاً.[c1]-حصار دولة القانون؟[/c]-- هو أسوأ من الحصار، هو إلغاء دولة القانون، هذا هو المشهد. والأهم من ذلك ما حدث يوم الثلاثاء، وهو هذا الخروج الغريب للشباب، كان أكثر بكثير مما توقعت، وجدت هذا المشهد وثيق الصلة بـ25 يناير، أنا كنت قلقاً جداً على 25 يناير، من أن روح 25 يناير فيما بعد وبظروف وأسباب ليس لأحد ذنب فيها ولأنك لأول مرة فى العصر الحديث ومستجداته ترى ولادة على الهواء مباشرة، الثورة الآن بمثابة ولادة مباشرة، كنت أمر على الميدان مرات وأرى مناظر الباعة والمقاهى وأشياء أجدها إهانة لقيمة ميدان مهم جداً. الشباب عمل حاجة مهمة جداً يوم الثلاثاء، عمل وصلة لـ25 يناير وأحسن، وعمل شىء مهم وهو أنه أوضح أن القوى الحقيقية للثورة موجودة، وأظهر أنه ليس صحيحاً أن الإخوان كانوا العنصر الفاعل أو الرئيسى والحامى فى الثورة، لكى نعطى الإخوان حقهم كانوا عنصراً ضمن عناصر، أدوا دورهم، وكانوا الطرف الوحيد المنظم، فاستغلوا الفراغ الناشئ، إنك لأول مرة أمام حالة ثورية دون قيادة وبلا فكرة ودخلوا، لكن الشباب عمل فكرة لا تخطر ببال أحد لأنه أوصل 4 ديسمبر بـ25 يناير مباشرة، شال كل الفواصل وأظهر وجه الثورة أكثر تصميماً وأكثر شباباً وأكثر قوة، الرئيس كان مع مستشاريه، ويبدو أن الصورة لم تكن واضحة أمامه، وقال لهم عندما أبدوا قلقهم «همه 5 آلاف»، والحقيقة أن من خرجوا ليسوا 5 آلاف، ثم إنهم نقلوا مجال الثورة فلم يجعلوه فقط ميدان التحرير، أنا رأيت الزحف للاتحادية وشعرت أن الثورة التى حوصرت فى التحرير فتحت لنفسها مجرى واسعاً جداً ومتدفقاً جداً، وأنا كان نفسى -وما أزال- الرئيس يقرأ هذه الرسالة التى وصلته عن طريق الاتحادية وأظنه مطالباً بأن يقرأها جيداً، لأننى كشخص لست مستعداً لشعار يطالب بسقوط النظام، الشرعية تسقط بالجرائم كما قلت ولا تسقط بالأخطاء، والنهارده فيه أخطاء جسيمة جداً لكنى أخشى أن تتحول دون قصد إلى ما هو أكثر من الخطأ وهذا لا يغتفر.[c1]- قلتَ إن الشرعية لا تسقط إلا بالجرائم. أذكر أنك قلت أيضاً إن الجماهير عندما خرجت على السادات فى يناير شرخت شرعية أكتوبر..[/c]-- هناك فرق بين الشرخ والسقوط، فيه ناس بيتكلموا عن الحل، منهم من يقول «الإسلام هو الحل» ومن يقول «الديمقراطية هى الحل»، أو «الدستور هو الحل»، وأنا أقول إن كل هذه المقولات تحترم، لكنها تحتاج لمراجعات، ورأيى أن «المعرفة هى الحل»، الناس فى يناير خرجت لأسباب محددة تعرفها، ناس حاربت وتحملوا فى سبيل الحرب ما لا يحتمل لكنهم رأوا أن أرباح الحرب ونتائجها تذهب إلى طبقة مستفيدة، فخرجوا وشرخوا الشرعية ولم يسقطوها.[c1]- هل يصح نفس القياس؟[/c]-- الفرق كبير، إنك أمام أطياف كلهم ورثوا أكثر مما يطيقون تحمله، ومما استطاعوا أن يفهموه منه.-- هو نفس القياس، هؤلاء شباب وشعب خرج فى 25 يناير ولم تتحقق الأهداف، ثم خرجوا على الرئيس لرفض إعلان دستورى مستبد ودكتاتورى..-- الناس التى خرجت فى 1977 خرجت لتحتج على مشكلة معينة، لها توصيف ولها حل جاهز: الغى زيادة الأسعار هنرجع تانى.[c1]- هى نفسها.. الغى الإعلان الدستورى هنرجع تانى.[/c]-- لا، فيه فرق كبير قوى، نحن بعد سنتين لم نتمكن من توصيف مشكلة أو إيجاد حل، بمعنى لو الأمور كانت واضحة والسلطة تتحدى والرئيس يتحدى فى قضية هو يعرف جواباً لها كنت أتفق معك، لكن أنت أمام موقف ملتبس ومتعب، حتى على الذين يطالبون، لا يمكننا النظر إلى الإعلان الدستورى دون النظر إلى السياق كاملاً، السياق كله معقد، لدينا حالة ثورية فى غاية الصعوبة، تجرى على ملأ من العالم، كنت أتمنى أن مرسى يدى نفسه وقت يقرأ ملفاته، لكنه انتخب فى يوم وذهب إلى القصر فى اليوم الثانى، لم يكن عنده وقت يقرأ الملفات، نحن نتحدث عن ملفات معظمها غير مكتوب، أنا أتحدى أن نجد فى عصر مبارك أوراقاً أو وثائق كفاية تدل على ما قبله، ولكى أكون منصفاً فإن ملفات ثورة يوليو كانت قضية الاستقلال وقضية جلاء الإنجليز والملفات موجودة، ومن جاء بعد الثورة وجد ملفات المفاوضات، والإصلاح الزراعى، وقد درست وقيل فيها كل شىء وكذلك التنمية الاجتماعية، لكننا اليوم أمام رجل جاء فى مشهد لا يعرف عنه شيئاً، وليس هناك فى الدولة ما يسجله وأمام شباب يمتلك طموحاً عاماً وليس محدداً، الثورة الفرنسية والبلشفية وكل الثورات خرجت وعندها بشكل ما فكرة عما قبلها، حتى القيصريون وجدوا ملفات المخابرات.[c1]- ما هو قدّم مشروع النهضة وقال إنه يعرف؟[/c]-- كل الناس خارج التيار، وهمه قاعدين ع البر، مش بيقولوا «اللى ع البر عوام»، لكن تعالى سيبى مرسى، ماذا يعرف أى من مرشحى الرئاسة عن حقائق ما سوف يواجهه إذا أصبح رئيساً، أنا أزعم أنه ولا واحد منهم يعرف، أنت أمام شيئين، مشاكل تعقدت فى 30 سنة أكثر مما نتصور وعدم وجود ملفات ووثائق لدراسة الوضع بالضبط وبالدليل، هل ممكن تقوم ثورة بلا قيادة، أو دون برنامج، طيب كل من ذهب إلى ميدان التحرير، أليس فيهم من لديه خطة واضحة للعمل، كل الناس تكلمت عن مجموعة مبادئ عامة ما بين «الإسلام هو الحل» و«الديمقراطية هى الحل» و«الدستور هو الحل»[c1]- هل هذا هو القشة التى بينت الانقسام بين المصريين؟[/c]-- الانقسام بين المصريين ظهر من بدرى، كل كسر يظهر بعلامة صغيرة، ثم تتحول العلامة إلى خط، ثم إلى شق ثم إلى فلق، كل ما أخشاه أن يحدث الفلق، وهذا ما ينبغى أن نحول دونه جميعاً، ولذلك أنا سمعت «يوم النفير» و«أسبوع النفير» والكلام الفارغ الذى نسمعه، من فضلكم هناك شرخ لكن أرجوكم لا تحولوه إلى فلق.[c1]- وماذا عن الإعلان الدستورى؟[/c]-- مشكلة الإعلان الدستورى أنه قفزة فى الظلام، ساعة ما كل الناس تسير فى طرق مجهولة لم تختبرها من منطق نبنى بسرعة رغم أن البناء سيقع فوق رؤوسنا بعد بكرة، كلام مش معقول، وانت بصدد تأسيس دولة جديدة بعد فترة غابت فيها فكرة الدولة وليس الدولة، كيان الدولة كان موجوداً طول الوقت، ولو أنى خايف عليه الآن، فكرة الدولة المسئولة عن كل المجتمع والموجودة بإرادة كل المجتمع تحت فتح طريق مستقبل لكل المجتمع كانت فكرة معطلة..لما الذاكرة تتكرر، إذن هى تعبير عن قانون، أخبرينى لماذا خرج مبارك بهذه السهولة التى لا تتصورينها، طنطاوى كلم مبارك، قال له «الموقف بكرة صعب وممكن الحرس ما يقدرش ومش عايز القوات تشتبك مع الناس فيستحسن تكون بره فى حتة تانية»، قال له «أروح شرم الشيخ»، فراح شرم الشيخ، وكلمه على الساعة 10 الصبح يوم الجمعة 11 فبراير قال له المظاهرات فظيعة جداً، طيب إيه الحل؟ فقال له عمر سليمان «مع الأسف سيادتك تمشى»، وهذا كلام موثق، قبل الضهر كلمه عمر سليمان فقال له «خلاص حضروا البيان خلاص واعرضوه علىّ فى التليفون»، وغير فيه كلمتين بدل يتنحى خلاها يتخلى، تصور باعتباره عالم صياغة عظيم إن ما حدش أجبره على التنحى، كل ما طلبه شىء واحد «أجلوا الإعلان لحد ما تكون سوزى، حسب ما قال عن زوجته، والأولاد جم»، ومشى مبارك، السؤال: مبارك مشى بهذه السهولة ليه؟ نسأل سؤال آخر: المجلس العسكرى الذى جاء وأمسك بكل شىء فى البلد وكلنا شكينا سواء بمبرر أو دون مبرر، كيف تخلى عن السلطة بهذه البساطة، وأرجو أنك لا تقولى لى بمنتهى البساطة: الرئيس مرسى شال طنطاوى وشال عنان، مش صحيح، اللى شالهم بالدرجة الأولى هو استحالة البقاء لأنهم وجدو نفسهما أمام ما لا يستطيعان تحمل مسئوليته.الوزرات المتعاقبة لماذا فشلت؟ أنا شخصياً من الناس الذين يثقون فى الجنزورى، ويعتقدون أنه رجل كفء، كيف لم يستطع هؤلاء إلا أن يزيدوا من المشاكل عبئاً، بمعنى أن الجنزورى واراد أن يحل بعض المشاكل اضطر أن يصرف بزيادة العجز، لم يأتِ بموارد جديدة، ولم يستطع أن يفعل أى شىء، العنصر الخارجى والدولى كان فاعلاً، وهنا سأتكلم على مرتين أنا شاهدت فيهم طنطاوى، المرة الأولى وجدته يرسل لى اللواء حسن الروينى، جاء إلى مكتبى مشكوراً، وقال لى: المشير عايز يشوفك، ونزلت معه إلى مكتبه فى القيادة المركزية، كلمنى عن الوضع الاقتصادى وأنه سىء جداً والمعونات لا تأتى، وبعدين وجدته يقول: «يا أخى الأمريكان مش بس بيرفضوا المساعدة لكنه أسوأ من ذلك إنهم بيطلبوا من الآخرين عدم المساعدة، وهدفهم الضغط على المجلس العسكرى». نقطة مهمة أخرى أحب أن أضيفها فى السياق ونحن نتحدث عن الدستور أولاً أم الانتخابات، مع الأسف الشديد هذا لم يكن خيارنا، مع الأسف الشديد هذا ما كان من أول لحظة وفى واشنطن أُبلغ إلى من كان من العسكريين فى واشنطن.[c1]- أبلغ لمن كانوا من العسكريين أن «الانتخابات تأتى أولاً»؟[/c]-- الأمريكان وغيرهم وجدوا أن مبارك لم يكن يستطيع الاستمرار، وهو كان يقاوم ويعاند، وأريد أن أؤكد أن مبارك، ومن ضمن أسباب رضوخه لم نكن نحن، مع الأسف الشديد الضغوط الأجنبية والأمريكية بالذات، أو ما اعتبره خيانة من أوباما فى ظهره، وكلمه مكالمة استمرت نصف ساعة وتقريباً «تشاتما» فى المكالمة، والجنرال مولن، رئيس أركان حرب الجيش الأمريكى، قال لمن التقاهم من العسكريين فى واشنطن فى ذلك الوقت (Should can be eased out) «خليه يتزفلط بره» ما بقاش ينفع، القوى ما بتاخدش ناس عشان سواد عيونهم، حد يخدم، إذا فقدوا قدرتهم على الخدمة يمشوا، عموماً الجنرال مولن وهو يتكلم فى ذلك، بعد دراسات، لأن الحل كان يدرس قبلها فى واشنطن، قال له: الحل الطبيعى إنتوا عدلتوا 6 مواد انتخابات اللى كانوا مطلوبين للتوريث وشيلتوهم، دلوقتى تقدروا تعدلوا الدستور والحل هو الانتخابات، ولما قيل إن الانتخابات ممكن تأتى بعناصر من الإخوان قال لهم: «مش مهم، التيار الإسلامى موجود وقوى وهو يقدر يمشى الأمور بلا مشاكل».أنا ساعات أشوف طارق البشرى، وهو صديق، وأشعر أنه ظُلم، هذه هى التوجيهات التى جاءت إليه، وعلى أى حال لم يكن فى خيال أى شخص حاجة تانية، كلنا كنا نتحدث ما بين الدستور أولاً والانتخابات أولاً، لكن كلنا كنا نتحدث داخل الإطار الطبيعى، وفى سياق معين إعادة الترميم القانونى والدستورى للدولة، لكن الموقف كان يحتاج دولة جديدة خالص. لما يقال إن طارق البشرى هو من فعل «الانتخابات أولاً»، مع الأسف التدخل الخارجى وصل إلى هذه الدرجة.[c1]- خيار الانتخابات أولاً لم يكن خياراً طبيعياً فى سياقه ولكن بتوجيهات؟[/c]-- بلاش توجيهات.[c1]- برغبة؟[/c]-- ما أخافه مرات هو أننا نحاول أن نلبس الحقيقة صوت العقل بأثر رجعى، بمعنى أن الناس لما تتكلم وتتبادل الرأى، هذه ليست توجيهات ولا مؤامرات ولا أوامر، بمعنى أنك فى موقف القوات المسلحة وأرجو أن تضعى ذلك فى ذهنك، الأمريكان هم المصدر الوحيد للسلاح، والأمريكان أصبحت لهم كلمة عليا فى هذا البلد بأكثر مما هو ضرورى، وبأكثر مما هو صحى، لكن على أى حال هذه قضية ثانية، لكن لما يكون عندك حد مهم فى واشنطن، بعثة عسكرية فى واشنطن، وعندك الجنرال مولن، وعندك موقف فى مصر ملتهب والأمريكان مهتمون لأنهم يعتبرون مصر هى البلد القاعدى فى الشرق الأوسط، هو يتكلم معك وأنت لعجزك فى تصورك تقبلى التفكير، وأنت لا أحد يفرض عليكِ إلا إذا كنتِ عاجزة أو غير قادرة على التفكير، أنت أمام موقف لم يستعد له أحد والمؤسسة العسكرية أقصى ما فى ذهنها هو منع التوريث.[c1]-وتم ذلك؟[/c]-- دون ترتيب، المرة الثانية التى التقيت فيها طنطاوى كانت غريبة جداً بعد نتائج الانتخابات البرلمانية، وبدأ التيار الدينى يأخد الأغلبية الكبيرة، وكان معى الفريق سامى عنان، وكان فى صالون وزارة الدفاع فى الدور الأول، وحتى أنا فى الأول لقيت «الركن اياه اللى انتِ عارفاه ده والأعلام». المشير قاعد يمينى والفريق عنان شمالى وقلت له: سيادة الفريق ما تيجى جنب المشير بدلاً ما انا كأنى باتفرج على ماتش تنس، أنقل رأسى من هنا لهنا، وهو فعلاً مشكوراً استجاب، وطنطاوى وهو رجل طيب، قد واجه ما لم يكن يتصوره، ولم يكن يحتمله، ولم يكن مستعداً له على أى حال فى يوم من الأيام، والظروف ظلمته، قال لى: إيه العمل يا أستاذ هيكل؟ قلت له أنا مش شايف إن فيه مشكلة كبيرة إذا كان الوضع فيه أغلبية للإخوان؟ ابعت استدعى الدكتور مرسى وكلفه بتشكيل الحكومة باعتباره رئيس حزب الأغلبية (كان ساعتها فيه برلمان).. خبط على إيده كده وقال لى: «أسلم البلد للإخوان.. أخش التاريخ وأنا مسلم البلد للإخوان المسلمين؟»، قلت له: سيادة المشير، إنت ماتسلمش البلد للإخوان المسلمين، إنت بتسلم البلد لمن انتخبه الناس، ومع ذلك أنت لن تسلم البلد لهم لأنك عندك قضيتين مهمين جداً؛ انت هتسيب رئاسة الوزارة لأن فيه مجلس نواب اختار كده، ورئيس البرلمان يؤلف الوزارة ويواجه الأوضاع الموجودة ويقود، يبقى عندك أمران، باقى انتخابات الرئاسة وهى تحتاح إلى روية، ثم وضع الدستور، وأنا باقوله: «لسة قدامك الدستور ولسة الرئاسة» وأنا فاكر يومها بيقولى -ودى لفتت نظرى جداً- «والدستور والرئاسة أعمل إيه فى الضغط الدولى؟»، والمشير بيخبط بإيده، هو يشعر بضغوط حقيقية ولا يملك إلا أن يسير أو يمشى «يغادر»، فهو يومها حتى ماكنش حد قادر يقول هات رئيس الأغلبية، فى ضغوط أجنبية فاعلة طبعاً جنب الشارع.[c1]- فى أى اتجاه؟[/c]-- مرات بننسى قبل الإخوان ما يطلعوا بشعار «الإسلام هو الحل»، ارجعى لكتبى اللى أنا كتبتها أرجوكى وخصوصاً «the cairo documents» اللى طلع بره، وأول كتاب كتبته مع سلسلة الأهرام للعالم الخارجى، وكان هنا الأمريكان واصلين بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن هذه المنطقة كلها لا حل لها إلا الدين لأن «الدين» هو التيار الرئيسى الموروث والفاعل والمؤثر على حركتها، وينبغى أن تدخل فيه، أنا واصف فى كل ما كتبت مشهد زيارتى لأول مرة لواشنطن بعد الثورة، مع الأسف الشديد فى سنة 1952 -وبقول مع الأسف الشديد لأن فى 52 لازم تتخضى، كان قبل ما تتولدى يمكن- لكن أنا فى ديسمبر 1952 وأنا باغطى انتخابات الرئاسة شفت «جون فوستر دالاس» اللى بعد كده بقى وزير خارجية، والرجل بيقول لى إيه رأيكم؟ وبعدين العسكريين فى البنتاجون قالوا لى نفس الحكاية وكانوا مهتمين بزيارتى جداً لواشنطن فى ذلك الوقت، بعد ما قالوا لهم إنى قريب لمجلس قيادة الثورة وصديق لجمال عبدالناصر، فراح «جون فوستر» قال لى: الموروث الوحيد عندكو اللى له تقاليد مش الديمقراطية والكلام ده كله، إنما الموروث هو الإسلام «الدين»، وراح جاب لى الجنرال «ألفريد أولمستيد» وأنا فاكر اسمه وشكله، ونحن فى غرفته بالبنتاجون، فتح خريطة كان عليها ستارة، «وبدأ يشرح» وقال لى: هنا حلف الأطلنطى وأوروبا، وشايف انت الأعلام والقواعد، وشايف حلف جنوب شرق آسيا، وقال لى: عايزين نعمل عندكو حاجة تملأ الفراغ الموجود أمام الشيوعية، وأنا قلت له: فيه حركة القومية العربية والوطنية، قال لى: شوف ده كلام انت تقوله زى ما انتوا عايزين، لكن هذه المنطقة -وحطى دى فى ذهنك وما تنسيهاش- إحنا عايزين حلف يرتكز على إسطنبول أكثر بلد إسلامى التصاقاً بأوروبا، ومصر الأزهر الذى لا يزال المرجعية، وباكستان أكبر دولة إسلامية وأكبر جيش إسلامى، فالحل هو حلف إسلامى -وده كان قبل حلف بغداد بكلام كتير أوى- جنب حلف جنوب شرق آسيا وجنب حلف الأطلنطى، ففكرة حكم إسلامى يعتقده الأمريكان إنه أفضل جداً للمنطقة، أولاً لاتساقه مع طبائعها واتساقه مع مراحل التطور لأنه يحفظ مصالحهم أو هم يتصورون أنه يحفظ مصالحهم، من غير ما أتهم حد بالتواطؤ ولا حاجة من دى، لكن أرجوكِ لاحظى أن التيارات الوطنية والتيارات القومية وهذه الدعوات للحداثة والتقدم سوف تصطدم بالغرب، أما إذا لهيتى المنطقة إن الكل يخش الجوامع أو اتفضل زى ما انت عايز وخش الندوات ومواقع الوعظ، وقول اللى انت عايز تقوله، ده كله لا يخيف أحداً، فيه ثابت موجود فى ذهن الأمريكان إن هذه المنطقة بالتحديد الدين هو الفاعل الرئيسى فيها وبالتالى سيبها له.[c1]- أياً كانت مشاكل الحريات والأقليات؟[/c]-- عايز أقول لك حاجة، قضية الأقليات ممكن جداً يتكلموا فيها، وهى دى القضية الوحيدة التى تعنيهم، بالضبط هما قضيتان، قضية إسرائيل وأمن إسرائيل، ماحدش يتناقش فيه أبداً وماحدش يراجع فيه شىء أبداً، والحاجة التانية إنهم يشعروا هما وأوروبا -وأنا أعتقد أن هذه من المشاكل التى قد تصادفنى- أن هذا الموضوع وطريقة وضع الدستور والكلام ده كله، غياب الكنيسة سيعنى بالنسبة لى أننى أفتح ثغرة بكرة الصبح، الفاتيكان يطلع لى بيان وبكرة الصبح كنائس أمريكا تطلع لى بيان «ويبقى لهم حق»، عايز أقول إنه مافيش حد يقدر يضرنى لكن أنا أقدر أضر نفسى، وما يستطيعه أى طرف أن يقنعنى، أنا هاديكى وثيقة ادهالى كاتبها لورد كرومر (مش بتاعنا، لأ حفيده) وهو كان سفير لبريطانيا فى أمريكا، وهو المؤتمن فى نظام نيكسون على العلاقات بين إنجلترا وأمريكا، لأن أمريكا تتصور أن عندها علاقة خاصة مع إنجلترا بحكم اللغة، لكن هنا كسينجر بيقول للورد كرومر: «سياستنا هى طرد الروس من المنطقة.. لكننا لا نريد أن نفعل ذلك لأننا سوف نسىء إلى الوفاق، لكن أسلوبنا أن نقنع العرب أنفسهم أن يطردوا الروس»، عايز أقول إن فيه قوى كثيرة جداً، كل القوى الدولية، ولو تراجعى ملفات من أول «فلورانس» و«فينيس» المدن التجارية اللى كانت بتشتغل معانا طول العصور المملوكية، تلاقى إن كل اللى اتعمل هو استعمال أمراء ضد أمراء وتيارات ضد تيارات، باستمرار استغلوا التناقضات الموجودة سواء بين القوى أو حتى العصور المتناقضة، فهو مش عايز يعمل فيكِ حاجة، هو يسيبك تعملى فى نفسك كل حاجة، هو بس يوحى إليكِ واتصرفى زى ما انتِ عايزة.[c1]- طب نرجع تانى لطنطاوى، تحدثت عن أنه ذهب لاستحالة بقائه.. يعنى إيه؟[/c]-- عايز أقول لك إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تصرف فيما أظن فى موقف هو لا يستطيع أن يديره وأخذ مسئولية هو لم يكن مهيأً لها، وتطورت الأمور بحيث أصبحت المسافة واسعة جداً، لكن المجلس العسكرى عند لحظة معينة أدرك أنه لا يستطيع أن يستمر، بجانب أن ضعفه فيما أتصور وأخطاءه قد تكون غير مقصودة -ومعظمها فى الحقيقة غير مقصود- أدى إلى أن بقي فى موقفه، فى القوات المسلحة، وعندما كان فيه إحساس إنه حدثت إساءة للجيش وللمؤسسة العسكرية، بقي المجلس بشكل ما عايز يفوض حد من اللى فيه لكى يتولى المسئولية العسكرية، وواحد باقى فى الخدمة مش ع المعاش وقاعد موجود فى الخدمة بحكم سنه، ولا يزال مسئول ومقبول فى القوات المسلحة، لكى تترك له المسئولية وهما يمشوا، وإن فيه حد بقى حاول يزرجن وفى آخر لحظة مش عايز يطلع بسهولة مثلاً، وده مش طنطاوى على أى حال، وإنه يلاقى مطرح فى المستقبل الجديد وحاول، لكن أنا عايز أقول لك إنى سافرت من القاهرة إلى لندن يوم 26 يونيو وأنا أعلم أن المجلس العسكرى خارج، وهاقول لك شاهد على هذا، يعنى أنا سافرت من القاهرة وكان لسه قبلها بشهرين وبالصدفة وأنا فى جنوب فرنسا زارنى فى الفندق اللى أنا فيه أمير قطر الشيخ حمد، وهو صديق أنا باعتز جداً بصداقته، وبيقول لى إزاى واحد ممكن يتعامل مع 19 واحد؟ بيتكلم عن المعونات لمصر فبيقول لى وبأمانة: أنا عايز أساعد مصر فى مشروعات لكن لا أحد يطلب منى سد ميزانية، وأنا قلت له لك حق، فبيقول لى أنا رحت شفت المجلس العسكرى، أتعامل ازاى مع 19 واحد؟ قلت له أرجوك ده وضع مش هيستمر طويلاً، وسوف تجد عما قريب واحد بس موجود ونظام تانى موجود، قال لى فين هوّ الواحد ده؟ قلت له سمعت عمرك عن حد اسمه اللواء عبدالفتاح السيسى؟ قال لى لأ، قلت له هتسمع، (يضحك) أى حد متتبع الجارى كان يستطيع أن يدرك أن المجلس العسكري من داخله يعرف أنه لا يستطيع، وباقول لك لقاء الأمير حمد ده كان يوم 8 يوليو.[c1]- عندما جاء رئيس جديد.. لماذا لم يقدم استقالته ويقول أديت دورى اتفضل يا سيادة الرئيس؟[/c]-- أقدر أفكرك بنصف بيت شعرى «ومكلف الأشياء فوق طباعها»، انتِ عايزة تطلبى من البشر أن يكونوا ملائكة، يصعب على الناس أن يغادروا «هيلمان» الدولة المصرية، أنتِ لا تتخيلين كم هو قادر على الإفساد، أنا شفته، فى وقت من الأوقات كنت رئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس إدارة الأهرام، ووزير إعلام، ووزير خارجية.[c1]- يعنى لم تكن هناك صفقة بين طنطاوى والإخوان؟[/c]-- لا أظن، شوفى ممكن يكون بعض أعضاء المجلس العسكرى «بعض»، حاولوا بشكل ما أن يبحثوا عن دور فى المستقبل، فى منتهى الصعوبة أن يقول شخص ما بعد كل هذا وخلاص بكرة الصبح ماشى، إلا تحت قوة قاهرة، قوة ضاغطة محددة له توقيتات، الملك فاروق قالوا له: «قبل الساعة السادسة مساءً إذا لم تغاد فتحمل العقبات»، غادر، مفيش أجل محدود لكى يمشى فيه، لكن القرار كان واضحاً والصورة واضحة.[c1]- هل هناك فرصة للخروج من هذا المأزق؟[/c]-- باستمرار، ما دامت وُجدت الحياة وإيثار الحياة فهناك فرصة، وأعتقد أن هذه الفرصة ستوجد وستُفرض علينا غصباً عنا، لا أحد ييأس من حقه، أنا أقدر أستقيل لكن لا توجد أمة تستقيل، لكن مشكلتك لما تقولى ليه فشل المجلس العسكرى، وليه مشى مبارك بسرعة؟ أنا مستعد أقول لك إن فى هذا الموقف كله أذكى واحد كان مبارك، لأنه أدرك أنه وصل لطريق مسدود وهو مشفق على ابنه، ولما قال للأمير سلطان أنا هورّث ابنى خرابة كان يعرف الموقف.تعالى نأخذ حقائق: أول شىء أريدك أن تتذكريه أنك أكبر بلد فى الدنيا تتلقى مساعدات ومعونات وتدفقات أجنبية، وكان رئيس وزراء الهند كلما قابلنى يقول لى: يا بختكم.. عايز أقول لك إن 30 سنة مبارك جالك فيهم ما يقارب تريليون دولار مساعدات ومعونات، تعالى نشوف إنتِ عملتى إيه، أنا بقول لك الرقم ده عشان نعرف إن هناك من ساعدونا فيما مضى وضيّعنا هذه المساعدات، والآن لا نشتكى من عدم تقديمها، تستطيعين الفصل بين الماضى والحاضر، بمعنى أن تقولى: إنتو اديتوا للجماعة التانيين ودلوقتى ما ادتوناش، يقولوا لك احنا ادينا للبلد هىّ بقى سمحت بالتصرف فيه، تعالى أيضاً لنقارن بين هذا الوضع وبينه قبل 35 عاماً، كنا فى مراكز النمو الدولى رقم 30 أو 31، ثم وصلنا الآن إلى المركز 138 من 144، ناس جالها أكبر تدفقات ووصلنا من الدولة رقم 30 إلى 138، طيب حطى على ده المشكلة التى يواجهها كل مسئول -الجنزورى وطنطاوى وكلهم ناءوا بها- الدولة كل يوم بيجيلها إيراد الصبح 1100 مليون جنيه، على آخر النهار بتكون صرفت من 1650 إلى 1750 مليون جنيه، إذن كل يوم عندنا عجز بين 400 إلى 600 مليون جنيه، من يستطيع أن يعيش بهذه الطريقة؟طبعاً هذا يعنى وجود قصور كبير وفساد كبير، تعالي نرى ما أدى إليه هذا الوضع من نتائج فى مجموعات القيم، أول حاجة عشان نغطى الأمر احنا عملنا أكبر تزييف للتاريخ، انتِ صورتى هذا الوضع اللى كان موجود قبل 25 يناير، أقصد البلد، والنظام حاول يضع صورة مشرقة لمستقبل ممكن أن يستمر مع الابن بعد الأب، وهذا ليس صحيحاً، احنا عملنا تزييف فظيع، الحقائق صورت على غير ما هى عليه إطلاقاً، وهناك أناس كثيرون لن يعيشوا فى هذه الظروف، وانتِ مش عايزة هذا النوع من الناس، ونتيجة هذا أن بدأ التجريف للموارد والناس، فصار عندك بلد جرى «ترييفه» من الريف، البنادر زحفت على الحواضر، أى حد يعرف القاهرة ويفتكر كيف كان منظرها قبل 40 و50 سنة، ويبص لقلب القاهرة، يعرف ما هو الفرق بين مدينة تأخذ الريف وترفعه وهى رافعة الريف، وبين الريف يطغى على المدينة، ويمكن ده يجرنا للكلام عن الرئيس مرسى، وأنا أعتقد أنه يمثل الديمقراطية، صحيح، ولا أستطيع أن أنكر عليه شرعية هذا التمثيل، لكن أنا فاكر مرة وأنا باتكلم مع «نهرو» سألته: هتحلوا ازاى مشاكل الهند؟ وقتها كان عدد السكان 400 أو 500 مليون.. القادرون منهم نحو 50-40 مليون، قلت له: وأكثر ما يقلقنى على مستقبل الهند أنه إذا عجزت النخبة عن حمل الكتلة بعضلاتها، فإن الكتلة ستسقط على النخبة، وهو قال بالضبط: «تبطط النخبة والبلد كمان»، لما تتكلمى عن الديمقراطية ترين أنها عادة لا تأتى بالنخب، كل النخب فى المجتمعات لا تقترب من العملية الانتخابية، فى كل مجتمعات الدنيا تقريباً، تذكرى إن كل الحكومات المنتخبة تأتى بزعماء شعبيين، قادرين على إثارة المشاعر أكثر من تحريك العقول، وهذا معقول، ولكن يكون واجب زعامة الكتلة أن تلجأ مباشرة للنخبة لكى تساعدها فى رفع المجتمع، نحن لم نفعل ذلك، لأننا مش كنا فاضيين نعمل حاجة فى الـ30 سنة الماضية، احنا سبنا الكتلة تطغى على النخبة، وأنا لما افتكر أين وُلدت؟ أنا وُلدت فى سيدنا الحسين وفاكر بيت جدى اللى كنت موجود فيه وكان بيت عنده جنينة، وافتكر إنه كان هذا الحى بديع، وجنبى بيت الرزاز والرافعى وشايف الناس بتصلى ازاى وتخرج وتدخل، هذه هى القاهرة والحسين، بروح سيدنا الحسين، طبيعى أن أشعر بالحنين للمكان، وعندما ذهبت عدة مرات كنت أفزع، أشعر أننى غريب، والله اللى بشوفه هناك مش باشوفه فى معابد الهند، حيث معابد سيفا «إله الشر» عندهم اللى بيبقى قدامه قرابين وكل حاجة وتديله دهب عشان يرضى عليها، وإله الخير والخلق ماعندهمش حاجة، لكن الراغبين فى التوبة والغفران هناك كثيرون جداً لكن بتكون فوضى شنيعة، أنت يا سيدى تمثل شرعية وأنا أعرف أن الناس انتخبوك، وأعلم أن هناك مشاكل لكنك باقٍ، وعملية «ارحل» والكلام ده كله أنا لسه مش مقتنع بيه، إلا إذا ارتكبنا أخطاء دراماتيكية بشعة، ربنا يجنبنا إياها.[c1]- ألا ترى أن الدستور الجديد بداية الأخطاء؟[/c]-- أعتقد أن الرئيس خائف جداً من الدستور، خشية أن تكون بداية تحول الشرخ إلى فلق، وأنا أدعو الله حقيقة. لا ينبغى لهذا الموقف أن يستمر أو أن يتداعى بلا إدارة، وأنا أتصور إنه فى مهمة الديمقراطية أول حاجة أنا الأغلبية، فأنا أمثل إرادة البلد الحرة والمنتخبة، وعليها أن تستدعى نُخبه وعليها أن تأتى بأفضل ما فى البلد، متجيبليش أسوأ ما فيه.هناك أمر أقلقنى فى اللجنة التأسيسية، عندما نظرت فى الصورة، تصورت أننى أعيد قراءة تاريخ مصر فى أواخر العصر العثمانى قبل محمد علي، كأننا «كشطنا» كل موجات التقدم الذى حصل فى هذا البلد، وعدنا إلى القرن 19، وأنا مرعوب.[c1]- هل تعتقد أن الكتلة تستطيع أن تحكم دون النخبة؟[/c]-- لا بد أن نسلم بأن الكتلة لديها التفويض، لكن أرجو أن يكون لديها العقل، فهى لا تملك تفويضاً كبيراً، وهذا أيضاً مهم، بمعنى أن الفرق فى الانتخابات الرئاسية % 1، والملفت عندما كنت أحدثك عن «بجاتو» والمحكمة الدستورية، أن القاهرة صوتت لـ«شفيق»، وهذا أمر غريب جداً، ولو أن أحدهم رصد التصويت فى الانتخابات، لوجده من أغرب الظواهر فى التاريخ.[c1]- ولماذا تراه من أغرب الظواهر فى التاريخ؟[/c]-- لأن الناس صوتت بالرفض، بمعنى أن من صوتوا لمرسى لم يريدوا شفيق، ومن صوتوا لشفيق لم يريدوا مرسى. مع الأسف الشديد لأول مرة فى التاريخ تجدين أمامك مثل هذه الظاهرة، وهذه أيضاً توضح الأزمة، سواء كان بطلها المجلس العسكرى أو الوزارات، أو محمد مرسي، وهى «نحن نعرف ماذا نرفض لكننا لم نحدد بعد ماذا نريد، لأننا لم نوصف مشاكلنا»، ونقول إن الديمقراطية هى الحل، والحقيقى أن المعرفة هى الحل قبل ما حد يتكلم على حاجة، إذا لم تعرف ما أنت بصدده إذن فأنت تشطح فى الهواء الطلق.[c1]- قبل أن أسألك عن اقتراحاتك لحل الأزمة.. كيف ترى الصدام مع القضاء؟[/c]-- الصدام مع القضاء يجرى بسرعة بسبب العجلة؛ هناك الخائفون من العودة إلى ما كانوا عليه ولا يريدون هذه العودة، خصوصاً حجم التهديد للمعارضة، أو لعناصر فى التيار الإسلامى تشعر أن هناك من يريد إقصاءها وإعادتها إلى حيث كانت، ومن ثم فهى عصبية جداً، لا أحد يقول لى إن هذه تصرفات إدارة سياسية، هذه تصرفات «فعل ورد فعل»، وهذا الكلام لا يستقيم.[c1]-فيكون الحل هو إعلان دستورى يُحصن قرارات الرئيس؟[/c]-- لا تستبعدى أى شىء، فعندما يكون هناك من يتحدث عن إحساسه بالبقاء، فأنا أرجو ألا يتعمق هذا الشعور لدى أى طرف من الأطراف، طبعاً أنا عارف أن الأزمة الاقتصادية ضاغطة، والحاجة الفظيعة جداً إن كل الناس دايرة تتكلم وبننسى إن فيه ساعة بتدور وسوف تدق عقاربها منتصف الليل، وتصحى كل الناس، بعدها مافيش هزار، فأنتِ فى وضع اقتصادى لا يمكن أن تستمرى عليه، عندما ترين احتياطياتك تراجعت، وأن تصنيفك الائتمانى فى العالم وصل للدرجة «E»، أى أنك دولة عالية المخاطر، يُنصح المستثمرين بألا يقتربوا منها.[c1]- وكيف ترى الصدام مع الإعلام.. وأنا هنا أسأل الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل؟[/c]-- أعرف أن هناك تربصاً أو تحفظاً أو قلقاً من الفضائيات والصحف، وأنا أرجو من الرئيس مرسى حاجة واحدة، إنه يبعت يجيب تقرير موجود فى إنجلترا فى هذه اللحظة، بعد تحقيقات فظيعة جداً عن أحوال الصحافة فى إنجلترا، وهى بلد متقدم، وهو تحقيق «لورد ريفسون»، «ليفسون» لجنة على أعلى مستوى شافت تجاوزات الجرايد والفضائيات، ووصلت هذه التجاوزات إلى أنهم أجّروا «اسكوتلاند يارد» تجيب لهم أخبار، أجّروا البوليس، وتصنتوا على تليفونات الناس، اللجنة قررت أن تقترح على الحكومة مشروع قانون بوضع قيود على حرية التصرف، وذهب «كاميرون» أمام مجلس العموم، وأنا مش معجب بيه جداً لكن والله أعجبت به فى هذا الموقف، وقال: «أمامى توصية لجنة محايدة مستقلة على أعلى مستوى لمراجعة الإعلام»، وأنا عارف الإعلام الإنجليزى فيه إيه أكثر من أى حد، أنا أعرف كل الموجودين فى الإعلام هناك وأصحاب الصحف والمشاكل والفضائيات وما يدور فيها و(كونراد بلاك) كان صاحب التليجراف، وعنده 50 ألف حاجة، ومن يتصور أن هذه الوسائل معزولة عن المصالح يبقى بيغلط، فهذه طبيعة الأمور ومن حقائق الحياة، فقال كاميرون: «أرى أنه صحيح أن الإعلام تجاوز، وأرى أن «ريفسون» يعطينى المخرج القانونى لكنى أوثر أن أترك وسائل الإعلام لأنها ليست ملكى لكى تصحح نفسها وألا أقترب منها».وأنا أتمنى من الرئيس مرسى ألا يضيف مزيداً من المشاكل «دخلنا فى مشكلة مع الشباب ومع القضاء وبعدين الإعلام ومع العالم الخارجى»، على فكرة عايز أقول لك إننا داخلين على مشكلة واحتكاك كبير جداً، فهناك من يريد أن يوظف دورك كما كان أيام مبارك، وأن يحول الدور المصرى من دور إلى وظيفة وأن يستخدمك فيما يريد.[c1]- ما الإشارات إلى ذلك؟[/c]-- على سبيل المثال، ألا تعتقدين أن الأمريكان الذين يرون أن الرأى العام تحول إلى التيار الإسلامى، وزكوه باعتباره سيجلب الهدوء والاستقرار، وجدوا أنه لم يأت بهدوء. «هيلارى كلينتون» منذ يومين تكلمت فى معرض «سابان»، وقالت: لا نرغب فى هذا، ولمحت من بعيد إلى أقليات. فنحن سنواجه ضغوطاً من المجتمع الدولى، أنت تنتظرين من العالم العربى مساعدات لا تأتى، وحتى هذه اللحظة لم نتلق ما هو كافٍ، وللعلم الناس عندها عذر، أنا لما الشيخ «حمد» يقول لى أنا مستعد أمنح الشعب المصرى مساعدات فى شكل مشروعات ولكن لن أغطى عجز الميزانية، له حق، كما أن السعوديين راغبين فى إفشال كل الثورات لكى يذهبوا إلى شعوبهم ويقولوا: شوفتوا مفيش فايدة، أوعوا تثوروا، (يضحك)، لكن فيه ناس كتير جداً بيبصوا للى بيحصل فى مصر ومخضوضين، فالرئيس مرسى سيواجه ضغوطاً كثيرة جداً.وعن الحلول، أعتقد أن أول حل ينبغى التوجه إليه هو وقف حالة التوتر، لا بد أن تخفضى درجة الحمى فى هذا البلد، هذا البلد منقسم ولا بد أن تقوم مشاورات فوراً مع كل القوى السياسية والشباب، وأتمنى من الرئيس أن يؤجل موعد الاستفتاء، لأن أخطر حاجة فى السياسة إن أى زعيم أو رئيس يقول إن كلامى لا يمكن العدول عنه، أنا شفت الكلام ده على الشاشات، وهو بيقول «لن يتزحزح قيد أنملة»، الرئيس مسئول عن سلامة البلاد، وإذا وجد أن هناك خطراً عليه أن يتراجع، أنا مش عايزُه يتراجع لأنى حريص على هيبته، لكن أول حاجة «من فضلك أوقف هذا التوتر»، ليس سهلاً أن تذهب المظاهرات إلى الاتحادية ثم يضطر الرئيس إلى الخروج من الباب الخلفى، وليس صحيحاً وعيب أن يقال ده خلص جدوله العادى وانصرف فى موعده، وهذا موقف لا بد أن يتوقف عنده «لما يجيله الحرس الجمهورى ويقول له سيادة الرئيس لسلامتك لازم نمشى دلوقتى»، هذا كلام له معنى وينبغى أن يأخذه مأخذ الجد، لأن الرجل مؤتمن على مستقبل هذا البلد وعليه أن يصونه وعليه ألا يضع كبرياءه فى هذا الموضوع، وفى كل الأحوال أنا أريد أن أحتفظ له بكبريائه كاملاً، لذلك أول حاجة باطلبها منه إنه يخفف التوتر، بلاش الكلام بتاع النفير والرد على مظاهرة بمظاهرة. كما أطلب منه التراجع، ولكن أن يقبل ممن يقابلونه، مستشاريه وغير مستشاريه ومن يقابلهم فى الداخل والخارج أن يفتحوا منافذ، ومش عايزين نقول لازم تطلع ببيان تلغي الإعلان الدستورى، أنا أريد أن أحافظ على هيبته أيضاً، وأعتقد أن شرعيته موجودة برغم كلام كسر الشرعية.[c1]-كنت اقترحت تشكيل مجلس أمناء؟[/c]-- أتمنى أن يشكلوه، ولكن السؤال الآن هل الأجدر المجلس أم الدستور؟ فنحن فى حاجة إلى خطوات شجاعة، وليس ضرورياً أن ما كان صالحاً فى وقت يصلح لوقت آخر، لكن لو أن الرئيس دعا عقول ونخب هذا البلد وجلس ليستمع إليها بجد، وليس لكى تنفس عن المكبوت لديها فحسب. أريد أن أقول إن هناك خطراً كبيراً جداً، إنك ستستيقظين ذات يوم فلا تجدين نخباً، لسبب واحد؛ أن «الترييف» ماشى بسرعة، والحاجة التانية إن النخب لديها كفاءات معينة، والكفاءة فى هذا العصر عالمية، وأرجوك ألا يتصور أحد أن الموجودين فى مصر محبوسون، أنا أعتقد أن مصر فى العامين الأخيرين فقدت الناس الأكفاء الذين رحلوا. كنت أتحدث ذات مرة فى مؤتمر للطلبة العرب فى شيكاغو، وراعنى أنه موجود فى أمريكا 215 ألف رجل حاملين دكتوراه وماجستير، والدكتور مرسي عارف كده عشان عاش بره.[c1]- ما رأيك فى مطالبة جبهة الإنقاذ بإلغاء الإعلان الدستورى؟[/c]-- أنا مش عايز حد يطالب، أنا عايز الرئيس يصغي للطلبات ثم يقرر ما يستجيب له أو لا يستجيب له، أو يقترح بديلاً له، كل اللى عايزه ألا تضع هذا البلد أمام طريق مسدود، بحيث لا يجد البلد مفراً من التراجع إلى القرن الـ19، أو ينفلت إلى الفوضى ونروح فى مشكلة.[c1]- فى تصورك.. ما الرسالة التى وصلت للرئيس من الشباب أو الجماهير المصرية أمام الاتحادية؟[/c]-- أرجو أن تكون الرسالة واضحة وأن يكون قرأها بعناية، وأرجو أن يجلس مع نفسه ساعة واحدة فقط بدون مستشاريه، وعايز أقول: أنا فاكر -متأسف أحكى حاجات بالطريقة دى- إنى دخلت بيت «إدوارد هيث»، رئيس وزراء إنجلترا، وهو رجل فنان وبديع، وكان يسكن فى عمارات «بيكاديلى»، وكان بيته كله أبيض ولقيت بيانو أبيض فى وسط البيت سألته عنه -وأنا عارف إنه بيحب البيانو- قال لى «لما بالاقى نفسى فى وسط أزمة بالجأ له ومش عايز حد أبداً من المستشارين»، فى وقت الأزمات كان بيقول «باحتاج لنفسى مساحة»، أنا أقترح على الرئيس مرسي أن يعطي لنفسه مساحة بينه وبين نفسه، والرجل اللى أنا شفته يوم أن تفضل وزارنى مرة ألاقيه قاعد كما رأيته وحده بيفكر، لأنه رجل لم يكن يتصور ما وصل إليه، ويعرف أن المعجزة التى جرت له لها جانب آخر هو المسئولية.[c1]- هل تريد أن توجه رسالة أخيرة للرئيس وللناس؟[/c]-- الشيطان وحده يعظ.. مفيش حد من حقه يوعظ حد، أقول لك افتحى الكتاب الأحمر بتاع «ماو تسي تونج»، وأنا أعتبره من أعظم شخصيات وزعماء العالم فى الفترة الأخيرة، يقول «أمسكوا بنادقكم والزموا خنادقكم.. ثم أطلوا فيما حولكم وتصرفوا»، مفيش حد فينا من حقه يوعظ حد، لكن من فضلكم انتبهوا، نحن أمام عالم كل شىء يجرى فيه فى نفس اللحظة، ساعة ما بتتحركى العالم كله معاكى، على «الآى باد» والإنترنت وفى أى حتة.. «العالم كله يطاردك حتى لو هربت منه.. فأرجوكِ تبقى مع العالم بس».
الإعلامية لميس الحريري