كتب/ محمد الحمامصيشكلت رواية (يوم الدين) للكاتبة اللبنانية رشا الأمير منذ طبعتها الأولى العام 2002 عن دار الجديد، ثم طبعاتها التي توالت في أكثر من بلد عربي من بينها مصر والجزائر، علامة فارقة في الرواية العربية على مستوى بنيانها اللغوي والأسلوبي والموضوعي والتقني، حيث استخدمت الكاتبة جماليات التراث اللغوي والبياني والمجازي العربي المتصل والمتواصل مع جماليات الرؤية الحداثية، لتقدم لغة ثرية في دلالات مفرداتها وجملة سردية مفعمة بتوهج دلالي وإيحائي، ومعالجة فريدة لموضوع شائك يمثل جوهرا أساسيا في بنية المجتمع العربي، وهو الدين في تفاعلاته اليومية من خلال شيوخه، فنحن أمام رسائل ـ يوميات شيخ إلى أنثاه التي يلتقيها على مائدة الشعر ممثلا في أبي الطيب المتنبي، لتتجلى تمردات على المستتر الروحي والجسدي جماليا وفنيا في حوار جسدي، حوار ينكأ جراح المجتمع المتسلط باسم الدين.الرواية التي لا ينفك المرء يطلب قراءتها مرة بعد الأخرى لما تحمله من متعة، تشتبك مع العديد من القضايا الثقافية والمجتمعية والسياسية وما ترضخ فيه من تناقض وصراع وزيف، لتنسج أبعاد وملامح كثير مما يخفي من معاناة داخل مجتمعاتنا العربية.الرواية التي حظيت باهتمام نقدي واسع أفرد لها الناقد السوري إبراهيم محمود كتابه الصادر أخيرا عن دار الجديد بعنوان (قراءة في رواية يوم الدين)، كاشفا عن مفاتيحها ومحللا لجمالياتها اللغوية والأسلوبية والتقنية ورؤاها الإنسانية، بدءا من العنوان ومرورا بالاستهلال والغلاف وانتهاء بتجليات الشخصية والمكان والحوار والعلاقة الجسدية، مؤكدا أن الرواية / الكتاب (تشكيلة كاملة من الخبرات اليومية، تضع القارئ في تحد ذاتي، بحثا عن الجديد الصادم أحيانا والمثار من منظور ديني والذي يحويه عنوان الرواية دون أن يكون ما كتب مقاربة لأصول دينية أو عقيدية أو سجالا حول العقيدي أو العبادي أو كل ما ينعطف على مذهب معين). حيث تتضمن (تاريخاً من العلاقات وهذه لا تتوقف عند حدود شخصين ـ بطلي الرواية ـ إنه كتاب مجتمع وحراكه المتعدد الأبعاد، كما لو أن فصوله المعدودة هي ساعات الليل والنهار، وأن الخاتمة بمثابة الحسم، أعني حصيلة الحساب تحديداً).وأضاف إبراهيم محمود في سياق تحليله للعنوان والغلاف والاستهلال (إنه الحديث عن مكاشفة جارية وما يمكن تخيله أو تصوره عن العائد العقائدي الفعلي، وكيف أن الذين ينشغلون بأمور الدين يمكن التعرف إليهم من خلال هذا البعد الجسدي، الذي يظهر في حالة من السوية والعطب، إذ إن الكتاب في كليته كتاب الحوارات الجسدية، بقدر ما يكون كتاب الوقائع القائمة بين الأجساد التي تمثل المجتمع، أو تنفتح على المجتمع أو تكون لها مواقع متفاوتة فيه، وهو الحديث الذي يحفز على النظر في المدماك الثقافي واعتباراته التاريخية بالنسبة إلى التمثيل الجسدي، إذ إن الذي قيض له حتى الآن أن يكون جانباً من جوانب الحقيقة في الكتابة، ليس أكثر من هذا المؤشر الجسدي والذي يمكن رفعه إلى خاصية السارد، ومن يقف وراءه أو ما يجري في متن العمل الروائي، أو الكتاب من جهة أخرى، لأننا إزاء إدارة تصريف أعمال تخص عموم المجتمع، وإلا لتوقفت الرواية عن تكون رواية، أو لما اكتسب الكتاب المشار إليه الاسم الذي تقدم به المتكلم الرئيس، وما يترتب عليه من إحالات ذوقية أو مواقف جمالية، كون يوم الدين ليس أكثر من مشهديات الجسد الذي يراقب ويعاين في بنيته جماليا وواقعياً).ورأى المؤلف أن الكاتبة رشا الأمير (أوتيت المقدرة على تفهم موضوعها باعتباره موضوعا أدبيا، وأنها فيما اختارته من أسلوب في الكتابة سلك بها طريق الرواية التي تقبل الاختلاف أو التنوع، وهي بذلك تمكنت من أن تقدم لنا رواية جديرة بأن تقرأ في أكثر من اتجاه، أو على أكثر من صعيد، أليس لأنها تعيش الهاجس الروائي باعتباره شرط الرواية الأساس؟ يوم الدين انتسب إلى لائحة الروايات التي لا تتوقف عند حدود الأيديولوجيا).وتحت عنوان يوم الدين بين الشيخ الراوي وحبيبته، أكد المؤلف أن من أولى مزايا الرواية ـ الكتاب هي (أنها رواية المحك، والذي على أساسه يعيش السارد اختبار ذاته في عهدة من يسمى صراحة أو ضمنا، أي حين يحول كل شيء تقريبا إلى أنثاه، وهو في أخص خصائصه وضع انقلابي، يستهدف من ورائه تحقيق نصاب فني أو جمالي يقابل فيه خيرهما المشترك، وهي المحورية لديه، شرور الآخرين من حوله، إلى درجة أن قراءة الرواية تستدعي في بعض حالاتها توقفا واعتراضا على البنية التي تفعلت فيها أو بها أحداثها، لحظة الشعور بأنها في واقع تشكيلها الجسدي والثلاثي الأبعاد، تستدر عطفنا إزاء المهام التي تسمى السارد وتعصف به هنا وهناك برياحها).وأضاف (الكتاب ـ الرواية مكتوب لحبيبة أنثى وهو مؤلف من قبل أنثى، وبالتالي، فإن هذا الإلحاح الأنثوي على جعل الذكر بوابة الدخول إلى المجتمع، والعين السحرية التي من خلالها يكون التدقيق في أدق الأمور، ومكاشفة كل شاردة وواردة، إلحاح يستشف أنه هو ذاته داخل في لعبة المصائر المأسوية، أي يكون محل سخرية رغم العصامية التي تجلوه في الصميم).وتساءل المؤلف (أتراه ـ أي السارد ـ كان قناع الكاتبة قبل أن يكون قناع الأنثى اللعوب رغم صمتها، الأنثى النافذة بسلطتها في مجتمع الرواية مقابله، رغم أنها مستقرة في وضع الصامتة؟ أم ثمة ما هو أبعد مما هو مثار هنا حتى الآن؟).وأضاف (إن ما يقوم به السارد في مجتمع ذكوري الطابع، ليس في قدرة الأنثى أن تقوم به، إن راعينا المخطط الفني للرواية، إنما سيكون هناك تحويل مخالف تماما للأحداث بنية وتشكيلا وخاتمة، يعني ذلك أن إسناد الدور الرئيس للسارد، هو في التمحور حول الفكرة التي تتراءى مؤثرة في وعي الكاتبة بالذات، وهي تغمز من قناة الرجال من حولها، بقدر ما تضع كل رجل وهو في موقع المسئولية خصوصا في مواجهة واجباته الفعلية وفي زمن انهيار القيم الكبرى في المجتمع. والعلاقة لن تكون ماضية في اتجاه واحد، إنما في لعبة الكر والفر تجاوبا مع الفكرة المتعلقة بما هو دائر في وسطنا).وفي تحليله لموقع الشاعر أبوالطيب المتنبي بين الشيخ / السارد والحبيبة رأى الناقد إبراهيم محمود أن رشا الأمير في روايتها ـ الكتاب، أو كتابها ـ الرواية، والغفل من الاسم (تظل معنية بالمستجدات في عالم الكتاب، وهي على هذا الأساس تعتمد أسلوب الصدمات في تقدير أثر مهجن هو الكتاب الرواية، طالما أن لا ذكر لجنسه، وعندما يكون شاعر كبير في مقام المتنبي هو المحور المنافس للسارد الرئيس الغفل من الاسم بدوره والمتداخل معه، على صعيد النسج الأدبي الموسوم، لابد أن يأخذنا تصور الكاتبة إلى كل ما هو مثير وحتى عجائبي عما يحدث الآن، كما يجد له نظائر في الماضي، أو يبقى خط الاتصال بالذين مضوا مفتوحا والتواصل الاعتباري يكون متعدد المرامي والمغازي).وأوضح أن (تقصي سلوكيات السارد بالترادف مع حياة المتنبي، يفضي إلى معرفة الكثير من الحقائق ذات الصلة بطبيعة شخصيته وما أريد منها، لا بل وما نوت القيام به الكاتبة بالذات وقد طرحت ساردها باعتبارها فكرة نصية وفنية لا يقطع في أمرها بقدر ما تكون محط أنظار قرائها ونقادها، وهي بذلك تكون قد حققت ما كانت ترومه في صراع تأويلات النص. هناك العديد من النقاط التي يمكن التوقف عندها، تكون في مجموعها كلا واحدا، من خلال قراءة متأنية للرواية ـ الكتاب، وهي تعلمنا بالعالم الفسيح للنص المكتوب وإشكالية الكتابة على الكتابة، أي في الجمع بين فكرة الرواية والكتاب، أي في التقريب بين نص روائي يذكرنا بجموح الخيال أو طلاقته، ونص آخر معد من خلال إطلاعات تاريخية هنا وهناك).وأشار إلى أن أولى النقاط التي تضع المتنبي بين السارد ومحبوبته هو أن الاثنين يلتقيان من خلال ما نوه إليه سابقاً (إن ما يمكن قوله هنا هو أن وجه اللقاء يستند إلى كيفية الزج بالماضي في الحاضر، وفتح الحدود الزمنية بينهما، إنما أيضا، في النطاق الذي ترى فيه الكاتبة من خلال ساردها أن ما يقرأ يمكن التأكد منه عبر الرجوع إلى الماضي، وهذا مختلف عليه بقدر ما يكون ذلك مقحما النص المكتوب في دائرة الصراعات الكبرى ذات الصلة بالحراك اليومي الآن وبعده.المشكل الكبير هو أن السارد إلى جانب أنثاه لا يتردد لحظة واحدة عن التوازي وراء شاعره، أو التقدم باسمه أو كأنه يستعين به لتوضيح فكرة أو ليكون في مقدوره تمثل موقف شديد الحساسية حاليا كما هو حال يوم الدين تماماً).ويرصد المؤلف بعضا من وفورة التأويلات التي لا حصر لها لافتا إلى سلسلة العلاقات بين كل من السارد والشاعر والكاتبة (الكاتبة تتلمس في ساردها إمكانية تجسيد فكرة مخطط لها روائيا استنادا إلى شاعر إشكالي لكنه مثمن بنمذجته، والسارد الذي يطمئن إلى شاعره، بقدر ما يوفر له الأخير ما يتكئ عليه، ويواجه به خصومه أو أعداءه، والشاعر الذي، إن تم استنطاقه، يعيب على التاريخ الذي لم يستجب له، ويلوم الذين لم يفهموه كما كان يريد).
|
ثقافة
(يوم الدين)..رواية تتناول الدين بين الذكورة والأنوثة والمجتمع
أخبار متعلقة