تعودت كل صباح عند دخولي لمكتب عملي - وبعد تشغيل جهاز الحاسوب - أن استلقي قاعداً خلف طاولتي الأنيقة المصممة بأسلوب عصري مسترخياً لبضع دقائق ، أتنفس بعمق وأبدأ بترتيب أولوياتي للعمل منذ الصباح الباكر ، وقبل بدء موعد الدوام بنصف ساعة تقريباً ، وحتى مغادرة المكتب حتى يكون هذا الحاسوب العجيب قد أكمل تحميل برامجه ايذاناً بجاهزيته للعمل .. ولعل أول ما يحتل تلك الأولويات هو الإطلاع على بريدي الالكتروني وما يحمل لي من خطابات أو مفاجآت لا أعرف كنهها .. ولسعادة حظي استقبلتُ دعوة فنية لحضور افتتاح معرض الفنان التشكيلي المبدع / ردفان المحمدي الذي سيقام في المركز الثقافي المصري بصنعاء .. فبادرت بالاتصال به مهنـئــاًً وشاكراً له على تشريفي بهذه الدعوة الكريمة ووعدته بالحضور في الموعد المحدد، خاصة أنه قد تكرمَ مشكوراً مدير مرفقي بمساعدتي بكرمه للطيران إلى صنعاء، مدينة الحضارة والثقافة اليمنية التي تحتضن كل المبدعين وفي مختلف المجالات .. ولم تشرق شمس صباح ذلك اليوم الجميل إلا وقد أيقظتني بخيوط دفئها الحريرية الحنون لتشدني للحضور قبل الجميع في مكان المعرض الفني، حينها وجدتها فرصة ذهبية لقراءة واقع الحال هناك ومعايشته ..وأذهلني ما رأيت !! .. كل معارض ومحلات المدينة ومطاعمها فاتحة أبوابها مستبشرة بخير اليوم الجديد الذي استقبله البشر بحركة دؤوبة هنا وهناك، ترى الناس كل قد أتجه إلى مسعاه بشكل طبيعي - وعلى غير ما تعودناه تماماً هنا في عدن - طوال الفترة الماضية، حيث تلتفت يمنة ويسرة لا ترى سوى العبوس والكآبة والإحباط قد أنطبع على وجه كل من تصادفه !!. المهم .. وصلت غايتي قبيل الموعد صباحاً لأشهد الترتيبات الأخيرة لهذا الحدث الفني المتميز لزميلي الفنان المبدع .. وعيناي لا تغمضان ولا تملان من التمتع بتلك المناظر الخلابة والأبنية التاريخية الرائعة والجو المنعش في صباحات صنعاء.. لكنني ظللت أشغل نفسي بالتقاط مشاهداتي في وجوه وملامح كل من أقابله، محاولاً رسم فكرة واقعية عن حال القاطنين هنا ومدى التأثير العميق الذي تركته الأزمة الطويلة المدى أو ثورة الشباب - سمها ماشئت - على حياتهم اليومية.. وأقارن ما أعايشه الآن عما كنت أعايشه وأعانيه طوال الأيام الماضية تحت سماء عدن وبين أحضانها الدافئة... والفرق كبير كبير .. شتان بين هذا وذاك .. فكل أحاديثنا اليومية صباح مساء مع الأهل والأصدقاء، في البيت والمرفق والسوق ، مع صغار السن وكبارهم .. لا حديث لنا سوى مرارة الشكوى عن واقع حالنا اليوم وضبابية - بل وسوداوية - الأيام القادمة !!. ياللعجب العجاب .. ماذا يجري بين دهاليز أفكارنا المتعبة ؟ .. ولماذا نحاول حجب شعاع الشمس عن التسرب لطرقات آمالنا في القادم الجديد ؟! في حين أن نفس المعاناة قد أمطرت أبجدياتها على عموم ساحة الوطن أكان في هذه المحافظة أو تلك.. ولما نحن بالذات الذين نفرض على أنفسنا هذه الحالة اليائسة التي تطفئ كل شمعة يحاول الآخرون مساعدتنا لإيقادها معنا حتى لا نظل في معاناتنا من ظلام قادم الأيام الذي نتصوره هكذا ؟!ثم وجدتني قد بدأت في تمزيق ذلك الغشاء الكاذب الذي يغلف أفكاري جراء معايشتي للظروف السياسية التي يمر بها الوطن المتشبع برطوبة البحر التي يصدأ منها كل ترس من تروس حركة حياتنا كلما توقف لبرهة من الزمن .. متسائلاً لمَ لا نبادر بصيانة آلات أوقاتنا من جديد ونعيد لها نبض الأمل والحركة الدؤوبة والجادة مواصلين بذلك المشوار الهادف والمزيد من الجهد نحو غدٍ أفضل ولو بقليل عما عايشناه طوال فترة مضت أقعدتنا فيها الظروف في وحل الجدل والمهاترات الكلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ؟.. وكم تمنيت لو يـحـتـذى بأولئك البسطاء الباسمين أملاً بهذا اليوم الجميل الذي نحياه ، تاركين وراء ظهورنا ما مضى من صفحات أيامنا التي مزقتها الأزمات الموجعة وتناثرت بعيداً عنا حيث لا يمكننا لملمتها وسط هذا الجو الخريفي المتخبط ونبدأ في رسم خطوط هذه اللوحة الجديدة ونتسابق في تلوينها بأجمل أطياف التفاؤل الذي نختاره نحن بأيدينا ولا ننتظر أحداً من صومعته أن يمسك بأيدينا لتحريكها بالفرشاة عليها أو يرسل لنا أحلاماً من وراء الأفق يتحكم بها عن بعـد عن طريق ( الريموت كنترول) السحري الذي ينتظر البعض وصوله منذ سنوات من الضياع !!! [email protected]
|
فنون
معاً للخروج من حالة الإحباط
أخبار متعلقة