قصة قصيرة
الفرحان بو عزةبلا مجداف تغوص في بحر الضياع ، على وجهها رسمت خرائط التيه بألوان مختلفة، بكثافة يحضر اللون الأحمر على الشفتين .. على الرصيف تداعب فمها وهي تلوك علكة داكنة، بين الحين والآخــر تصنع منها فقاعة، الفقاعة تكبر وتكبر، تبقى مدة خارج شفتيها، تفرقعها، من وقعها تنتفض الأجسام .. بدون حرج تصطنع ابتسامة تتحدى بـها الوجوه . تستأنف سيــرها وهي ترفع ثوب جلبابها قليلا فتكشف عن ساق مصقولة . تولد من جسدها لغة .. تتابع ترصد .. تنتظر فعل اللغة المشفرة .. لكنها أصيبت بيأس حاد، انكمشت روحها داخل جلبابها كحلزون لما يحس بلمسة يـد..الزمن يقصي الزمن ، انزوت إلى درب ضيق، تتفحص جسدها الناعم، تلامس خديها، تتذوق ألوانها من خلال مرآة صغيرة .. تهمس لنفسها: من أنا ..؟ تصمت ، تتنصت على دقات قلبها، تأخذ نفساً عميقاً وتــقول : هكذا أنا ..؟ لو كنت.. أو كان لي؟ مهما يكن، في سبيل أمي أهــدم الحيطان، لا شيء يساوي أمي .. أريدها أن تعيش .. أن تحس بالحياة .. تبكي وتبكي .. وليس لها إلا البكاء .. بالأمس مر أمامها، اعترضها، ساومها .. لكنها تمنعت وأشاحت بوجهها .. لا تدري لماذا رفضتـه ؟ عادت إلى بيتها تتجرع مرارة الخيبة، ترسم على الجدران ماضياً رهيباً ، توزع نظراتها بين جسمها الشاحب وبين جسم أمها الممدد على ســرير متآكل .. في الغد ، نفس المكان يستقبلها، ها هو آت .. تأهبت، استعدت.. تمنت أن ينظر إليها، أن يشير بأصبعه قبل أن يركب سيارته ويغـــادر .. اقتربت منه، همست في أذنه كلاماً، حدق في وجهها كثيراً .. مر خيط حزين على جبينها، فار دمها، صعدت أنفاسها إلى حلقها .. حاولت اعتراضه ، ابتسمت ، تدللت ، مدت يدها لتسلم عليه .. في ثوان ، كانت الأصفاد تأكل من يديها ..