بعد عشرة أيام من سقوط كريتر بيد فصائل ثورة الرابع عشر من أكتوبر
معتز أحمد الحبيشي مقدمة لا بد منها قبل 41 عاماً من هذا اليوم، وفي الثلاثين من يونيو 1967م على وجه التحديد، كان المندوب السامي البريطاني همفري تريفليين يترأس اجتماعاً لكبار الجنرالات العسكريين في القيادة الميدانية للقوات البريطانية في الشرق الأوسط لمناقشة الوضع الخطير في حي كريتر بمدينة عدن، بعد عشرة أيام من استيلاء فصائل ثورة 14 أكتوبر على مقاليد الأمور في هذا الحي الذي يقع على فوهة بركان، بعد أن تمكن فدائيو الجبهة القومية والتنظيم الشعبي للقوى الثورية وجبهة التحرير من طرد الدوريات و النقاط العسكرية البريطانية المرابطة والمتجولة في حي كريتر، وقتل ما تبقى من أفرادها وإسقاط طائرة مروحية وراء عمارة الدرويش، والاستيلاء على هذا الحي الإستراتيجي الحيوي بأكمله لمدة 16 يوماً .كان هذا الاجتماع يتزامن مع تحرك قوات بحرية من قاعدة كيب تاون بجنوب أفريقيا وروديسيا (آنذاك) لتنضم إلى قوة خاصة ومختارة تمّ إرسالها من قاعدة واترلو في شمال بريطانيا لاستعادة السيطرة على حي كريتر تنفيذاً لقرار استثنائي اتخذته الحكومة البريطانية بعد موافقة مجلس العموم البريطاني الذي اعتبر سقوط أحد أهم أحياء مستعمرة عدن في يد المواطنين وفصائل ثورة 14 أكتوبر، التي تدعمها مصر عبدالناصر اهانة للتاج البريطاني، فيما كانت مصر تعتبر هذا الحدث أول رد عربي على العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له مصر وسوريا في الخامس من يونيو 1967م.وفي ذلك الاجتماع الذي حدث في مثل هذا اليوم 30 يونيو 1967م بمقر المندوب السامي البريطاني في التواهي، قدم البريجدير داي قائد ما كان يسمى بجيش الجنوب العربي تقريراً عن حالة ذلك الجيش يوم العشرين من يونيو 1967م، حيث تقرر في ذلك الاجتماع اقتحام حي كريتر بإنزال جوي وزحف بري وقصف بحري بالصواريخ الحربية، وهو ما حدث فعلاً بعد ستة أيام من ذلك الاجتماع على إثر اكتمال التحضيرات الحربية والدعم اللوجستي للمعركة بوصول فرقة الأرجيل بقيادة الكولونيل ميتشل والذي أطلقت عليه وسائل الإعلام البريطانية آنذاك اسم (Mad Mitch) أي (متش المجنون) وذلك في إطار الحرب النفسية التي سبقت المعركة.بوسع كل من يتأمل محتوى التقرير الذي قدمه البريجدير داي قائد ما كان يسمى بجيش الجنوب العربي ملاحظة أنّ داي أكد في تقريره أنّ ما حدث في ثكنات الجيش كان يدل على وجود إيحاءات من خارجه بالتمرد، وأنّ الوضع العام لم يمكن حافلات النقل من الحركة، وأنّ حالة التمرد الجزئية قام بها مجموعة من الشبان المتدربين الذي حاولوا ـ بإيحاء من خارج الثكنات ـ القيام بنوع من العصيان أمكن السيطرة عليه في اليوم نفسه، الأمر الذي يؤكد حقيقة أنّ فصائل ثورة 14 أكتوبر الشعبية المسلحة هي التي خططت وهيأت المناخ السياسي والشعبي لانتفاضة العشرين من يونيو 1967م الخالدة، وهي التي اضطلعت بالتحضير القتالي والجماهيري قبل وأثناء الانتفاضة والاستيلاء على حي كريتر لمدة (16 يوماً).وقد حصلت الصحيفة على شهادة البريجدير داي قائد ما كان يسمى جيش الجنوب العربي حول أحداث 20 يونيو 1967م بعد عشرة أيام من تلك الأحداث، وهي وثيقة عسكرية تمّ الإفراج عنها بعد مرور ثلاثين عاماً على صدورها بموجب القانون البريطاني، حيث قام اللواء أحمد مهدي المنتصر بفحصها وتحليلها وتشجيع زميله رئيس التحرير الذي عاصر معه أحداث تلك الفترة على ترجمتها ونشرها، حيث من شأن نشر هذه الوثيقة التاريخية، تسليط الضوء على حقائق جديدة تخالف التدوين الرسمي لتاريخ ثورة 14 أكتوبر بعد الاستقلال، وأيضاً بعد الوحدة ، لان التدوين الرسمي لتلك الأحداث حاول أن ينسب إلى ما كان يسمى ( جيش الجنوب العربي ) دوراً يخالف الحقيقة ، بهدف تبرير مشاركته في الحرب الاهلية بقيادة البريجدير داي، بعد بضعة اسابيع من انتفاضة 20 يونيو 1967 ، وتسليم السلطة في جنوب اليمن للجبهة القومية ، واقصاء قوات جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية الى شمال الوطن .وكان رأي اللواء أحمد مهدي المنتصر أن تقوم الصحيفة بترجمة ونشر هذه الوثيقة بدون تعليق، إلا أنّ رئيس التحرير كان له رأي آخر، وهو ترجمتها وتقديمها وتعريفها للقارئ الكريم ،الى جانب أغنيتين للفنانين الكبيرين محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله تضمنتا شهادة شعبية ، و شرحا دقيقا للموقف السياسي والجماهيري والعسكري خلال تلك الأحداث ، وذلك بهدف إفساح المجال لكل الذين ساهموا في تلك الأحداث للإدلاء بآرائهم.[c1]المركز الرئيسي[/c]جيش الجنوب العربيمعسكر Seedaseer Line مكتب بريد القوات البريطانيةهاتف : 468730 يونيو 1967السكرتارية الدائمة[c1]وزارة الدفاع[/c]حكومة اتحاد الجنوب العربيرتقرير عن أحداث يوم - 20 يونيو 1967ما سيأتي هو عبارة عن سرد للاحداث والاضرابات التي حدثت في الجيش يوم 20 يونيو 1967، وجميعها تم استخلاصها من الملاحظات التي ادلي بها في ذلك الوقت ، بالاضافة الى ما أتذكره عن تلك الوقائع .وعليه يجب التأكيد على نقطتين :هذا المحضر لا يجب ان يؤخذ كأنه حقيقة الواقع كاملة .لم يبذل في هذا التقرير اي جهد لاخذ رأي او شهادة اي ضابط عربي ، لان ذلك لا يمكن ان يتم الا عبر مرحلة لاحقة تتمثل بتحقيق صارم من قبل النيابة العامة بوجود مرجع للتحقيق. [c1]الموضوع[/c]في تمام الساعة الـ 7:50 دقيقة صباحاً بتاريخ 20 يونيو 1967 حضرالوكيل قائد “احمد صالح” ً الى مكتبي وقال بأنه قد حصل على تقرير يقول بان مشكلة كبيرة قد تطورت في معسكر Lake .القائد “علي عبدالله ميسري “ كان في مكتبي في ذلك الحين ، وبالرغم من انه لم يكمل مهمة السيطرة على القيادة كقائد لكتيبة التدريب ، والتي اسندتها اليه فورا لمباشرة القيادة ، فقد حدثت الاحداث بالشكل التالي :في الساعة 6:30 صباحاً لم يحضر عدد من السائقين للدوام ، مما ادى الى النقص في مركبات النقلياتNT التي تقل الناس من ييوتهم ومساكنهم الى العمل والعودة . في الساعة 7:00 صباحاً تقريباً ، تم تحطيم الحافلات المدنية التي ارسلت لنقل الجنود الى معسكر Seedaseer برمي الحجارة عليها ، كما ان الاشخاص المسئولين عن هذا كانوا في الاساس شباناًً من مدرسة التدريب ، والذين كانوا في ذاك الوقت يخالفون الاوامر علناً.في وحدة فرعية اخرى داخل الثكنة العسكرية كان يوجد ما يوحي بعدم التعاون من قبل بعض الجنود الذين كانوا يسيرون ببطء عند الطلب منهم بعمل الاستعراض العسكري ، او يقومون بالمكوث في ثكناتهم العسكرية، كما انه لا وجود لأي دليل يؤكد أن بعضهم شارك في التحريض على الشغب او تجميع المتدربين.مباشرة بعد هجومهم على الحافلات ، تحرك المتدربون الى الغرفة الرئيسية للحراسة (في ذلك الوقت تقريبا كان عدد المشاركين في التمرد 150 متدرباً) ، وفي لحظة وجيزة باغتوا الحراس ، الذين كانوا مترددين في اطلاق الرصاص في هذه المرحلة. و تم اطلاق سراح السجناء من قبل بعض الضباط، ثم قام الحراس بعد نهوضهم من المباغته برفع مسدساتهم لاطلاق النار فوق حشد المتمردين الذين تفرقوا حينها الى مجاميع . وفي ذلك الوقت اطلقت النيران مرتين في الهواء لتفريق المتمردين .بعد ذلك استغرق ما يقارب ثلاث ساعات لتقسيم المجندين الشباب الى مجموعتين وتم وضعهم في غرفتين من غرف الثكنات تحت الحراسة ، وفي تلك الاثناء وقعت اضرار كبيرة عندما قام هؤلاء باشعال النيران في المبنى والرشق بالحجارة.في الساعة 30 : 9 صباحاً تحركت سرية من الكتيبة التاسعة الى معسكرLake lines تم نقلها جوا من قاعدة «العند» العسكرية، وقد ادى ذلك الى تهدئة الاوضاع ، كما ساعد على تخفيف التوتر واستعادة السيطرة على الموقف.حدث اطلاق نيران للمرة الثالثة في تمام الساعة 30: 10 صباحا من قبل تجمع كبير قدم من منطقة الشيخ عثمان متجها الى المنطقة القريبة من معسكر Lake Lines . هذا الحشد اختفى سريعاً .[c1]معلومات مهمة وخاصة[/c]في منتصف يوم 20 يونيو تم استعادة السيطرة ، وكان فرض الانضباط العسكري بطيئاً ، لكن الوضع كان مقبولاً الى حد ما بالتزامن مع الأضواء الأخيرة للشفق قبل الغروب .بالرغم من ان الأجواء كانت هادئة في معسكر Scedssear ، الا ان الحدث الوحيد الذي وقع هناك ، انه في تمام الساعة 10 صباحاً قام ثلاثون جنديا من الخارجين عن العمل بعد هرعهم الى غرفة الحراسة بتظيم عملية اطلاق سراح السجناء . ربما حدث ذلك بسبب مصادفة في توقيت سيئ تزامن مع استبدال رجال الحراسة الاساسين بأفراد موظفين في خدمات الرواتب . .في تلك الاثناء تم اتباع معايير معينة لمراقبة حركة الاتصالات والرسائل ، بهدف منع الاوامر و الاشاعات التي لاصحة لها و الأوامر العسكرية غير المصرح بها ، والتي تمر عبر المقر الرئيسي و الفروع . كانت هذه الخطوة ناجحة جزئيا . ولكن حينها بدأت الاذاعة المحلية و اذاعة BBC العربية باعطاء احصائيات غير دقيقة لما حدث ، مما ادى الى انتشار الشائعات في صفوف الجيش ، على الرغم من ان ارسال تقارير عن الحالة الى قادة المناطق العسكرية قد ساعد على تخفيف حدة هذه الاشاعات وتحسين الوضع .في اطار هذه الأحداث ، وقعت حادثتان في اثنتين من تسع كتائب :في الكتيبة رقم 3 في منطقة الضالع رفضت سرية واحدة طاعة الاوامر لمدة ثلاث ساعات تقريبا.في الكتيبة رقم 4 ، تلقت سرية كانت في نوبة حراسة في منطقة Wadi Mathah روايات ومعلومات من بعض العابرين في سيارات مدنية كانوا قد تركوا مواقعهم بدون اوامر لغرض الذهاب الى معسكر Lake Lines لمساعدة رفاقهم هناك .هؤلاء الجنود تم توقيفهم في منطقة بير ناصر شمال الشيخ عثمان بعد ان تم مخاطبتهم من قبل ضباط ذوي رتب عالية للعودة الى كتائبهم.في الساعة 30 : 4 عصراً تقريباً هدأت واستقرت الاوضاع ، كما تم تقدير عدد المتمردين بأنه ربما يصل الى اجمالي 400 شخص تمردوا عن القانون في ذلك اليوم من اجمالي قوات جيش الجنوب العربي البالغة 8500 جندي.هناك حالة اصابة واحدة بسيطة حدثت اثناء اعمال الشغب التي تم قمعها من قبل جيش الجنوب العربي بدون اي تدخل او مساعدة خارجية. [c1]القائد ZAIM / J.B.DYE[/c]* العبارات الواردة باللغة الإنكليزية هي أسماء علم، تعود الى معسكرات ومواقع حربية تحمل اسماء قادة عسكريين بريطانيين في الحرب العالمية الثانية، خلدهم الاستعمار البريطاني باطلاق أسمائهم على بعض المعسكرات التابعة له في عدن والمناطق المجاورة لها .وبناء على طلب الوالد رئيس التحرير والوالد اللواء احمد مهدي المنتصر اللذين عاصرا تلك الأحداث ، تم الابقاء على تلك الأسماء ، كما هي باللغة الانجليزية رغم أنها تحمل معاني رمزية ودلالية قابلة للترجمة الى اللغة العربية .