المورخ والكاتب د. سيف علي مقبل يكتب:
تعد عدن من اقدم المدن اليمنية، ويعود تأسيسها ـ كمدينة ـ الى ماقبل التاريخ الميلادي، وتذكر النقوش اليمنية القديمة (المسند) أنها كانت أحد أهم الموانئ اليمنية، وخصوصاً إبان دولة (اوسان) (الألف الثامن ق.م - 410 ق.م) تأتيها البضائع من شرق افريقيا، ويعاد تصديرها مع البضائع اليمنية، عبر الطريق الصحراوي ـ طريق البخور ـ الممتد عبر الأراضي اليمنية حتى (غزة) وحوض البحر الأبيض المتوسط، ولأهمية موقعها التجاري والسياسي تعرضت المدينة لحملات من الغزو والاحتلال المختلفة، باعتبارها إحدى أهم المدن التي تعد بوابة التغلغل الى سائر اليمن. فقد حاول الرومان احتلالها في الأعوام السابقة للميلاد ليتلوهم الاكسوميون والفرس في العصور القديمة، كما كانت عدن جزءاً من الدولة المركزية اليمنية القديمة التي أسسها الملك شمر يهرعش في القرن الرابع الميلادي، وفي القرون الوسطى صارت جزءاً من الدولة الإسلامية، ثم الدول التي نهضت على الأرض اليمنية، كالدولة الصليحية وغيرها، كما كانت المدينة التي انطلقت منها حركة توحيد الأراضي اليمنية تحت ظل الدولة الطاهرية (1454 ـ 1517م). وقد تعرضت عدن لهجمات أجنبية متوالية ـ في بداية التراكم البدائي للرأسمال، فقد حاول البرتغاليون احتلالها في الاعوام 1513، 1516، 1524، 1530. وفي كل هذه المحاولات منوا بالفشل الذريع كما حاول المماليك في اغسطس 1516م احتلالها ولم يجنوا من وراء ذلك إلا الفشل أيضاً، ولكن تمكن العثمانيون بخدعة دنيئة من احتلالها في 3 أغسطس 1538م وفي خضم هذه الأحداث كان صمود ومقاومة عدن للأعداء مميزاً وجلياً، بحيث تحطمت على صخرة مقاومتها كل هذه المحاولات والمحاولات اللاحقة.بعد جلاء الأتراك العثمانين عن اليمن في عام 1635م صارت عدن إحدى مدن آخر دولة مركزية في اليمن، وعند تفسخ وتدهور هذه الدولة وبروز النزاعات الانفصالية لدى بعض الشيوخ، عمل آل السلامي في لحج على فصل عدن عن الدولة المركزية في صنعاء في عام 1728م لتصير جزءاً من سلطنة لحج حتى احتلالها في 19 يناير 1839م من قبل الاحتلال البريطاني. وكان الاستعمار العثماني الذي احتل المناطق الشمالية في 1849م قد عمل على تجزئة اليمن الى شطرين في الشمال والجنوب.وعلى الرغم من المقاومة الباسلة للغزاة البريطانيين من قبل سكان (عدن) البالغ عددهم آنذاك حوالي 500 شخص في مواجهة مايربو على ألفي جندي بريطاني مسلح بأحدث الأسلحة، فقد استطاعت بريطانيا احتلال عدن تكبيل العديد من السلطنات المجاورة باتفاقيات مختلفة وتسميات عدة هدفت من ورائها الى احكام القبضة على كامل المنطقة الواقعة جنوباً بحيث انشأ الاستعمار البريطاني، ولأول مرة، جزءاً محتلاً من اليمن عرف (بالجنوب اليمني المحتل كما أنشأ الاستعمار العثماني جزءاً آخر محتلاً عرف (بالشمال اليمني المحتل).كبل الاستعماريون البريطانيون البلاد بما سمي وقتذاك (بالمحميات الشرقية والغربية) وماسميت (بالمستعمرة عدن) بعد فصلها عن بومباي والحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية في لندن في الأول من ابريل 1937م وأبقى المستعمرون حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي للمحميات. ولم تمس هذه البنى إلا بشكل يسير ما عرقل تطورها اللاحق، أما المستعمرة عدن فقد كان حالها شبيهاً بحال المحميات، لولا المتغيرات العالمية التي استجدت مابين الحربين العالميتين وبداية انهيار النظام الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية وظهور المنظومة الاشتراكية وتعاظم مد حركة التحرر الوطني وجلاء القواعد العسكرية البريطانية عن أكثر البلدان المستعمرة، ما جعل أنظار الإستراتيجية البريطانية، ترنو الى عدن كمركز مستقبلي لقيادات قواتها المسلحة المختلفة في الشرق الأوسط ولحماية مصالحها في المنطقة عامة، فشرعت بإدخال بعض التطورات التي من شأنها مواكبة هذه المتطلبات، فعملت على تشجيع نمو برجوازية كمبرادورية طفيلية مرتبطة بالمصالح البريطانية أثرت من بعض المشاريع الاقتصادية الهامشية فشجعت زراعة القطن في ابين 1947م ولحج في 1954 وزراعة الفواكه الأوروبية، وبناء مصفاة عدن في عام 1954م بعد تأميم النفط من قبل “مصدق” في إيران وقيام شبكة واسعة من مشاريع البناء لتلبية احتياجات القوات البريطانية في عدن مع فتح أبواب الهجرة الأجنبية الى عدن، ومحاربة العنصر الوطني بغرض التهيئة لهندسة مشاريع سياسية مستقبلية للمنطقة مرتبطة بالاستعمار البريطاني مثل (الحكم الذاتي لعدن) (إتحاد الجنوب العربي) (الحكومة الانتقالية) وغيرها.على الرغم من هذا الضعف في تطور المدينة والمنطقة عموماً إلا انه أذكى جذوة مقاومة الاحتلال وإسقاط النظام المتخلف الكهنوتي في الشمال على قاعدة نمو الطبقة العاملة وحركتها النقابية والبرجوازية الصغيرة بثوريتها المتميزة لمرحلة الخمسينات والستينات المستندة على شعار وقاعدة النضال الوطني والتحرر من ربق الاستبداد والاحتلال الأجنبي. وكانت المسألة المطروحة هي ضرورة تحرير الجنوب بقوة السلاح، ولكن كان من المهم اولاً إسقاط النظام الاستبدادي في الشمال لتوفير قاعدة إنطلاق لأي عمل مسلح في الجنوب، فتفجرت ثورة سبتمبر صبيحة 26 سبتمبر 1962م في الشمال لتعلن قيام اول جمهورية في شبه الجزيرة العربية فاتحة بذلك عهداً جديداً للشعب اليمني كله في الشطرين معاً. وبعد عام واحد تفجرت الثورة المسلحة في الجنوب في 14 اكتوبر 1963م بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل التي (هي في الحقيقة احد مترتبات ثورة 26 سبتبمر 1962م المجيدة التي قامت وقضت على النظام الملكي الرجعي البغيض في شمال اليمن).لقد جاءت ثورة الجنوب بقيادة الجبهة القومية بعد حوالي عام من ثورة الشمال، وعليه فقد كان الغليان الشعبي في اوجه وأصبح صوت الشعب عالياً وواضحاً يطالب بنمط جديد من العمل الوطني ينظم طاقاته الجديدة نحو غايات وأهداف تحقق آماله في القضاء على الوضع الاستعماري الرجعي الجاثم على صدره، وقد يئس الشعب من الالتجاء الى الاحزاب السياسية التقليدية التي كانت آنذاك موجودة في المنطقة وعلى رأسها حزب الشعب الاشتراكي ورابطة أبناء الجنوب العربي، نظراً لتجربته الطويلة معها من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الاحزاب لم تستطع ان تطور نفسها مع إرادة الشعب وأصبحت متخلفة سياسياً ونضالياً عن إدراك الشعب ومطالبه.إن الثورة المسلحة في الجنوب لم تتفجر في الرابع عشر من اكتوبر 1963م من على قم جبال ردفان بقيادة الجبهة القومية إلا بعد إعداد طويل وكجزء من عملية النضال من اجل توحيد القوى السياسية الوطنية، كطليعة للجماهير على طريق تحقيق الوحدة اليمني، لقد بادرت حركة القوميين العرب عقد لقاء في صنعاء في مارس لممثلي الاحزاب السياسية في الجنوب، لمناقشة مسألة تحرير الجنوب المحتل، وقد تبنت الحركة مسألة الدعوة للتنظيمات والاحزاب والهيئات في الجنوب، فيما عدا تلك الأحزاب والمنظمات التي كان ارتباطها بالنظام السلاطيني والاستعماري غير خاف على احد.وفي هذا اللقاء طرح موضوع تشكيل جبهة لتحرير الجنوب المحتل وانتهاج الكفاح المسلح لطرد المستعمر وإسقاط النظام السلاطيني بعد ان بدا ان الأساليب السابقة لم تعد مجدية، وقد رحبت غالبية الحاضرين بالدعوة واعترض بشدة ممثلو حزب الشعب الاشتراكي، وطالبوا باستمرار النضال السياسي المطلبي وعدم جدوى الكفاح المسلح، ولم يقف الأمر عند هذا الحد إذ خرج عبدالله الأصنج يندد بمبدأ الثورة المسلحة، واصفاً إياها بثورة الدراويش، وان الشعب لن يجني من ذلك إلا الدمار والخراب، وان لامبرر لحرق الزرع والأرض وقتل النفس، متناسياً ان الزرع والأرض تحرق وتدمر بفعل قنابل الطائرات البريطانية، والأنفس تزهق من قبل القوات البريطانية، وان هذا هو الأسلوب الذي يعرفه الاستعماريون فقط، ولايتعاملون إلا به، وان من احتل الأرض بالقوة لايذهب إلا بالقوة. وتشكلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في أغسطس 1963م وقد حملت في البداية تسمية “جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل” وفيما بعد عدلت الى الجبهة القومية لتحرير (الجنوب اليمني) المحتل تأكيدا على ان الجنوب اليمني المحتل جزء لايتجزأ من الوطن الام. وقد ورد في ميثاقها القومي الأول “أن الجنوب والشمال يكونان اليمن الواحد ومن الطبيعي ان يكون اليمن جزءاً لايتجزأ من الأمة العربية” ولتبدأ الجبهة القومية بتدريب المجاميع على الأسلحة ولإعداد فتح الجبهات العسكرية في الريف والمدن حيث لم يأت يوم 14 اكتوبر كانطلاقة للثورة المسلحة إلا بعد إعداد مسبق تنظيمياً وعسكرياً للجبهة القومية.بدأت المعركة في ردفان يوم 14 اكتوبر عام 1963م وذلك عقب عودة بعض رجال القبائل الذين شاركوا في معارك الشمال اليمني لحماية الجمهورية وكانوا في الوقت نفسه على علاقة بالجبهة القومية، وأبرز هؤلاء الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة، ولقد حاول المستعمر ان يطبق القانون الذي فرضه بشأن عقاب أولئك الذين يشاركون في أي جيش أجنبي والذي يقضي بدفع غرامة عشرة آلاف شلن وسجن ثلاث سنوات. وقد رفض راجح بن غالب وجماعته الخضوع لهذا القرار، لأنه كان على علاقة بالجبهة مما دفع بالاستعمار ان يرسل قواته لإجبار هذه القبائل العائدة من الشمال اليمني بالقوة لتنفيذ هذا القانون وسقط الشهيد راجح بن غالب لبوزة وبسقوطه اعلنت الجبهة القومية عن إنطلاقة الثورة لتشمل كامل المحميات الشرقية والغربية ولتصل حمى المعركة الى المستعمرة عدن ـ قلب الإدارة الاستعمارية البريطانية وحصنها الحصين.“ولأول مرة في تاريخ الجنوب استطاعت الجبهة القومية ان تسمع العالم كله بأن هناك شعباً جاداً وقوياً ومنظما ـ ولو إلى حد ما ـ يقاوم الاستعمار البريطاني بالسلاح. واستطاعت الجبهة القومية ان تنقل القضية الى المجال السياسي العربي والدولي، ولأول مرة بثقة وثبات. واستطاع شعبنا ان يفرض احترام كل القوى المحبة للحرية والتقدم له” ولتعلن عن أول برنامج سياسي معلن في منشور صادر بتاريخ 19/ 5/ 1965م حددت فيه أهداف الثورة فيما يلي:1) التحرير التام من الاستعمار سياسياً واقتصادياً لكل مناطق الجنوب (الغربي والشرقية) والجزر التابعة لها.2) تصفية القاعدة الحربية البريطانية الاستعمارية من عدن وكافة فروعها في مناطق الجنوب (الغربية والشرقية) والجزر التابعة لها دون قيد او شرط.3) إسقاط الحكم السلاطيني الرجعي العميل.4) استرجاع الأراضي والثروات المسلوبة وإعادتها للشعب.5) تحقيق وحدة الشعب العربي في اقليم اليمن سيراً نحو وحدة عربية شاملة.إن الشعب يرى أنه قادر بالثورة وحدها ان يحقق هذه الأهداف التي سقط من أجلها الشهداء والتي أقسم على نفسه التضحية في سبيلها، ولتتبلور أكثر هذه الأهداف فيما بعد، وبشكل أكثر توسعاً لتنظم في الميثاق الوطني المقر في المؤتمر الأول للجبهة في الفترة من 22 ـ 25 يونيو 1965م.تعاملت الإدارة الاستعمارية البريطانية مع الثورة على أنها مجرد (تمرد قبلي) سرعان ماسوف يقمع كبقية الانتفاضات القبلية العفوية السابقة، لكنها جوبهت بمقاومة ضارية من قبل الجماهير الشعبية بقيادة الجبهة القومية التي عملت على فتح المزيد من جبهات القتال، وبذلك تشتت القوات البريطانية على مختلف تلك الجبهات، التي وصلت في نهاية عام 1965م الى 12 جبهة قتال، تغطي معظم المنطقة وبالرغم من أن بعض هذه الجبهات لم تكن في المستوى المطلوب، الا انه كان هناك توجهات لتقوية وشد أوضاعها.وامام هذا الوضع عملت الادارة البريطانية على إخفاء الحقائق حول مايجري في الارياف من قتال ومقدار ضحاياها وأساليب تنكيلها بالمواطنين وإحراقها للزرع وتدميرها للقرى، ولذا فقد اتخذت الجبهة القومية قراراً لفتح جبهة عدن. ونقلت ميدان الصراع إليها حيث يصبح لطلقة الرصاص وانفجار القنابل دوياً عالمي يصعب إخفاؤه من قبل الادارة الاستعمارية البريطانية ويكشف كذب وزيف الادعاءات البريطانية حول حقيقة مايجري، وتؤكد مايجري، وتؤكد ان هنالك شعباً يناضل بقوة وصلابة لانتزاع حقوقه واستقلاله الوطني.كان الانعطاف الحاسم في تاريخ الثورة المسلحة هو نقل العمل العسكري الى (المستعمرة عدن) مما أعاد الثقة الى الجماهير بأنها تملك فعلاً طاقات هائلة مغمورة طوال سنوات عديدة بحيث إكتسب العمل الفدائي في عدن طابعاً أسطورياً في أذهان الجماهير مما جعل تأثير الجبهة القومية على الجماهير فعالاً وقوياً، ولقد دفعت الجبهة القومية للتفكير بنقل العمل العسكري الى عدن ضرورات موضوعية ـ كما جاء في التقرير العام للجبهة القومية في المؤتمر الاول.أولاً: لان عدن مهمة جداً بالنسبة للمستعمرين والاحزاب السياسية..وقيام نضال مسلح فيها يعني توجيه ضربة قوية للاستعمار والاحزاب، وعدن هي المحك الأصيل فعلاً امام الجبهة القومية وقدرتها على ربط النضال المسلح في الجبال جنباً الى جنب مع لنضال الفدائي في عدن.ثانياً: رفع معنوية المقاتلين في الجبال واشعارهم بطريقة عملية بأن رفاقهم في النضال من شباب الجبهة القومية في عدن، يقومون بواجبهم النضالي المقدس وبنفس الدور الذي يقومون به.ثالثاً: خلق وزن وثقل جديد للجبهة القومية بين جماهير الشعب من ناحية وعلى الصعد العربي والدولي من ناحية أخرى. رابعاً: ان بدء النضال المسلح في عدن سوف يظهر إفلاس الاحزاب السياسية الانهزامية ويخرس أفواهها لما تروجه من إشاعات وأباطيل غير أن عدن ليست بمدنية مفتوحة فهي مقر القاعدة البريطانية وقيادة الشرق الأوسط المشتركة، كما انها موقع لنشاط العديد من الشركات الاحتكارية الأجنبية ووكالات الأنباء والبعثات الأجنبية، وأي عمل ليس بمنتهى السهولة والبساطة فيها. وقد أدركت الجبهة القومية هذه الصعوبات ونوهت اليها في التقرير المشار إليه بالقول.والحقيقة ان أية نظرة ملمة ـ ولو قليلة ـ بالنواحي الفنية والعسكرية لحرب العصابات سوف تدرك بعمق وبسهولة صعوبة العمل الفدائي والأخطار التي تحدق به، إن ذلك مرجعه الى الأسباب التالية:أولاً: ان عدن مدينة صغيرة جداً لاتوجد فيها الأرض المناسبة لحرب العصابات كما انها تعتمد بالدرجة الأولى على الارض التي يستند إليها الفدائيون كمناطق وثوب ومناطق إختفاء، والأراضي الصالحة دائماً هي التي توجد فيها الغابات الكثيفة، والترع المائية، والمناطق الصحراوية الصعبة من هذا النوع الى جانب كثافة السكان.ثانياً: وليست استراتيجية الارض الصعبة هي كل شيء فلابد لنا ايضاً من استعراض ضخامة العدو المادية والعسكرية في هذه المدينة الصغيرة حتى تكتمل الصورة في أذهاننا. فنحن ندرك ان القاعدة الاستعمارية الضخمة الموجودة في عدن تعززها قوة عسكري ضخمة لاتقل عن خمسة واربعين ألف جندي بريطاني. ان هذه القوة الضخمة قادرة على التحرك السريع لخنق مضايق الطرقات واحتلال الشوارع والمناطق في حالة الشعور بأن هناك عملاً جاداً يهدد الوجود الاستعماري. إن هذه القوات الاستعمارية الضخمة تستخدم دائماً لحماية المؤسسات الاستعمارية، العسكرية منها والاقتصادية والسياسية، بالدرجة الاولى، ولحماية عملائها بالدرجة الثانية والذين يشكلون جميعاً الهدف الأساسي للعمليات الفدائية.ثالثاً: وجود جهاز مخابرات ضخم يتحرك ليلاً ونهاراً لمتابعة الوطنيين الشرفاء وهومنتشر في كل انحاء المدينة في الشوارع والازقة والمقاهي وبين ركاب الباصات، واذا ماأدركنا ان جهاز المخبرات هذا من المواطنين العرب، فإننا نحس حينئذ بالخطورة العملية التي يشكلها فعلاً هذا الجهاز على العمل العسكري في عدن.رابعاً: وجود احزاب عميلة وانتهازية يمكن ان تخدم السلطات الاستعمارية الى حد كبير بطرق مباشرة وغير مباشرة في الإدلاء عن معلومات عن الجبهة والفدائيين او انها تحس ان بعض الاشخاص لهم علاقة بالجبهة”.4ـ بعض الشخصيات الاقطاعية والثرية الاخرى.والتقت مرامي قادة المنظمة مع قادة إحتواء الثورة في الشمال وبعض القوى العربية وتحالفت مع بعضها لتؤلف حلفاً غير مقدس ولتفرض الاندماج القسري في 13 يناير 1966م وصار عدو الامس قائد الثورة اليوم.واذا كانت مسيرة احتواء الثورة قد تكللت بالنجاح في الشمال في 5 نوفمبر، فقد فشلت في الجنوب بسبب وجود تنظيم سياسي عقائدي، استطاع بقاعدته العريضة من جيش التحرير والفدائيين والمنظمات الجماهيرية ان يفشل هذا المخطط، برغم الصعوبات الجمة التي رافقت عمله ونشاطه السياسي والعسكري. واذا كانت بعض القيادات في الجبهة القومية قد انجرفت وراء خداع الوعود والأحلام ووافقت على الدمج القسري في 13 يناير، فإن الرفض كان شاملاً من القواعد، ومن جيش التحرير والفدائيين، وعلى الرغم من ايقاف العون العسكري من قبل القيادة لعربية في تعز والحصار الإعلامي، فقد واصلت قطاعات الفدائيين وجيش التحرير الاستمرار بالنشاط تحت تسمية ( الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل) معلنة بذلك العمل المستقل عن جبهة التحرير قبل اتخاذ القرار بصورة نهائية، علنية ورسمية في المؤتمر الثالث للجبهة القومي في (حمر) في قعطبة 29 نوفمبر ـ 2 ديسمبر 1066م.فقد كان قيام الثورة في 14 اكتوبر 1963م مناسبة لإعلان قطاع الفدائيين للجبهة القومية الانسلاخ عن جبهة التحرير واتى المؤتمر الثالث ليؤكد صحة وصواب العمل المستقل عن جبهة التحرير والاعتماد على النفس.ان الاخفاقات العامة والصعوبات التي واجهت الثورة قد أثرت تأثيراً بالغاً على سير العمل الفدائي في المستعمرة عدن، وخصوصاً بعد تعرضه لهزتين كبيرتين، الاولى: ضربة المخابرات البريطانية التي وجهت اليه في اوائل سبتمبر 1965م والتي شلت بعضاً من فعالية الفدائيين لفترة حتى رتبت اوضاع العمل مجدداً. والثانية: الدمج القسري في 13 يناير 1966م والذي أحدث هزة معنوية ومادية لنشاط الفدائيين في عدن، لم تستطع الثورة استعادة توازنها إلا في النصف الثاني من عام 1966م أستعرض المؤتمر الثاني للجبهة القومية حالة القطاع الفدائي في عدن بقوله: “إن هذا لايعني ان العمل الفدائي سائر بشكل منظم ومضبوط ففيه ثغرات وتنقص إمكانيات منها:1ـ عدم وجود مادة تثقيفية للعمل تُعينّ دوره وطبيعة المرحلة التي يمر بها.2ـ بحكم ضربات المستعمر المتتابعة للعناصر القيادية فالعمل الفدائي تنقصه العناصر القيادية.3ـ عدم وجود تجربة نضالية للأعمال الفدائية في المدن يستطيع العمل الفدائي الاستفادة منها.4ـ التدريب غير المكتمل للفدائيين أعاق كثيراً من تقدم سير العمل.5ـ انفلاش السرية ضمن الجهاز بحكم العلاقات اليومية وتأثير اعتقال العناصر القيادية عليها.6ـ كشف كثير من المنازل والسيارات أثناء سير المعركة وقلة الإمكانيات، ثغرة رئيسية أعاقت تقدم العمل الفدائي.7ـ انخفاض الروح المعنوية لدى نفوس الفدائيين بعد الدمج وتأثيره على سير العمل.8ـ قلة الإمكانيات العسكرية والملائمة للعمل الفدائي للمدن وإتباع المستعمر أساليب أمن شديدة لم تعد الأسلحة التقليدية التي بدأ بها العمل تجدي.ورغم هذه المصاعب كلها، استطاعت الجبهة القومية، وخصوصاً بعد المؤتمر الثالث في (حمر) وبعد قرار الانسلاخ عن جبهة التحرير والعمل بشكل مستقل، استطاعت ان ترتقي بالعمل الفدائي إلى مستوى المجابهة اليومية والمباشرة والواسعة مع القوات البريطانية في المستعمرة عدن اعتباراً من مطلع العام 1967م مروراً ببعثة الأمم المتحدة في أوائل ابريل 1967م وتحرير كريتر لمدة 15 يوماً في 20 يونيو 1967م وإقامة سلطة الجبهة القومية في الأرياف ومحاصرة المدينة عدن وتحريرها نهائياً وانتزاع الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م.