المناضل يوسف فضل العزيبي يروي دور التنظيم الشعبي في الكفاح المسلح :
ميلاد التنظيم وأسماء الفرق :قام كجناح عسكري أوسع وأشمل لجبهة التحرير يعيد الروح إلى الكفاح المسلح كان شهر أغسطس من العام 1966م هو تاريخ ميلاد تنظيم مسلح سمي «التنظيم الشعبي للقوى الثورية» وقد تأسس بوحي من التنظيم الشعبي الناصري الذي تشكل في تعز في 25 ديسمبر 1965م، كما قام كجناح عسكري أوسع وأشمل لجبهة التحرير يعيد الروح إلى الكفاح المسلح .. بوتيرة أعلى ويتخندق بفرقه العديدة مع فرقة جبهة التحرير السابقة نفسها التي كانت بقيادة حسين عبده عبدالله ويظهر كبديل عن انقطاع وامتناع الجبهة القومية عن المشاركة المسلحة في حرب التحرير بحجة رفضها للدمج مع منظمة التحرير تحت اسم جبهة التحرير فكان قرارها بالامتناع جريمة وخطوة لا توازي ولا تعادل خطوة الدمج الذي رفضته، إذ ضحت بواجب وطني مقدس في مقابل خطوة سياسية، وكان تصرفها هذا يوحي بما أخفته وبما وراء الأكمة وما يحاك في الظلام.ابو جلال العبسىاجتمع بنا في تعز لتحديد أسماء الفرق المناضل والقيادي البارز عبدالله محمد المجعلي في منزله كمسئول عن التنظيم الجديد، وقد اختير ليكون هو قائده نظرا لدوره النضالي والقتالي السابق منذ أواخر الخمسينات ضد المستعمر وحتى ساعة تكوين هذا التنظيم، وللعلم فإن وجهة نظري هي أن الهزيمة التي مني بها التنظيم الشعبي التي تضاعفت في ما بعد كانت بسبب ضياع هذين الرجلين البطلين المجعلي قبل الاستقلال وأبو جلال العبسي بعد الاستقلال.لم يتبق سوى توزيع أسماء للفرق فأخرج عبدالله المجعلي قلمه من جيبه ومد يده طالبا منا وريقة أو قصاصة يسجل عليها أسماء معينة، ولما لم يكن هناك ورق، لأننا لم نكن لحظتها في مكتب، أخرجت له قرطاس علبة سجائري فأخذه وراح يسجل أسماء الفرق في قصاصات أصغر لحكمة كانت تدور في رأسه وهي اختيار أسماء الفرق عن طريق القرعة، حتى لا يكون هناك تحسس في توزيع عبدالله المجعليالأسماء ولا تدخل المزاجية في اختيارها أو تقبلها من قبل القادة، وألقى بالقصاصات على عبداللة المجعلي الأرض فصار المسئول عني حينها عزب محمد فضل أول من اختار إحدى القصاصات فإذا هو الاسم «فتح» وصار عزب قائدها، قال المجعلي : «فتح الله لكم النصر» فردد بعضنا : «نعم بالله، النصر لنا النصر لنا، «وتوالى القادة في سحب البقية وأذكر منهم عبدالرحمن الصريمي (فرقة صلاح الدين) وخالد أحمد سعيد دبعي (مفلحي) الذي جاء نصيبه اسم «فرقة النصر»، وهكذا في ذلك اليوم حتى ولدت خمس فرق ولحق ميلاد بقية الفرق فيما بعد.الفدائيون تحت أسماء الفرقتشكلت الفرق الأولى ولحقتها فرق أخرى فيما بعد، وتبدأ الأسماء بأسماء القادة، وكان على كل اسم من هذه الأسماء أن يضم مجموعات أخرى إلى التنظيم، بذلك توسع التنظيم الشعبي كأكبر تنظيم في الساحة لأنه لم يبالغ في السرية كما فعل الحركيون في الجبهة القومية وانفتح على كل الشرائح واتخذ أسلوب التعبئة الشعبية قريبا من التعبئة العامة مع العناية في الاختيار وعدم العشوائية فكان أوسع وأكبر فصيل.فرقة الفتح : محمد عيدروسعزب محمد فضل.يوسف فضل العزيبي.أحمد سكران.عبدالصفي صالح الرجاعي.ناصر علي الحمزة.محمد علي الرجاعي.هادي سليم.عمر درويش.خالد مفلحيحسن راجح.عبيد ثابت.السيد محسن محمد زين.عيدروس علي عيدروس.محسن العبد المنتصر.سيف عبود.أحمد عبد كرو.محمد عوض كريروه.حسن الملاحزيد هواش.حسن علي زين.هواش محمد فضل.منصر محسن مخيطين.عبدالعزيز البيتي.علي حيدرة البان.رشاد محمد فضل.هاشم عمر ا سماعيلمحمود محمد فضل.عمر سيف حنش.فضل صالح الرجاعي (الطيار).فرقة صلاح الدين :عبدالرحمن الصريمي.عبدالعزيز علي هاشم الجمال.أحمد عبدالله هادي.أحمد علي الشعيبي.محمود علي المنتصر.سعيد فارع.محمد سعيد يافعي.عزب محمد فضل العزيبيأحمد عبدالله المجيدي.حسن زين.السلال.حسن علي الديب.قاسم لجدل.هاشم أحمد هادي.محمد أحمد الفضلي شايف.فضل درويش.محمد ناصر عويضان.صالح محمد عبدان.محفوظ احمد قايدمحمد أنور.حسن فارع.مهدي جامع.محمد سالم حرسي.محمد حسن البان.عبدالله حسين البعداني.صالح عبدالله المنتصر.مرشد العمودي.محمود حسن الزومحي.فضل سالم سعيد.السيد علي أحمد.فضل عبد الحمي.رضية أحمد هادي.بهية محمد علي.حسين محبوب.علي صالح القباطي.محمد العمودي.فرقة النصر :خالد أحمد سعيد (مفلحي).عبدالجبار قائد.يوسف علوي.عثمان عوض ناصر.محسن فضل منصور.حسين حامد العزيبي.عبده قاسم الشعيبي.نادية أحمد سعيد.أحمد علي سعيد.علي سعيد غالب.محمد علي مقبل (أبو جلال).محمد منصور.صالح علي.سعيد ماطر.محمد أمين.محمد حسين.صلاح الدين.محمد أحمد هاشم.علي محمد باضريس.سالم محمد عبدالله البيحاني.محمد شاهر الصبيحي.يوسف فضل العزيبي.فرقة الوليد :سيف حمود الضالعي (صفوان).أبو زيد.عوام.محمد إبراهيم أحمد.محسن أحمد علي محلوي اليافعي (شادية).فيصل عبدالله محمد.عبدالحفيظ المعمري.محمود قاسم النجار.حامد قاسم النجار.عبدالغني شمسان.عبدالله أبو رأس.محمد باقحوم.محمد مرشد سالم.لطفي محمد مهدي.صالح محمد حسين.فرقة المجد :محمد عبدالله الصغير (نجيب).علي عبدالكريم القباطي.عبدالحبيب القرشي.أحمد سالم ذياب.مشهور عوض مشهور.عبدالقادر إسماعيل.عبدالرؤوف محمد عبدالله ناجي.مصطفى محمد أحمد.ولحقت فرق أخرى وكان كل اسم من الأسماء أعلاه مكلف بتشكيل خلية.فرقة الوحدة :علي بن علي هادي الجحافي.قاسم سيف.محمود قائد الشعيبي.علي عبيد محمد.عبدالرحمن المنصوب.عبدالله طاهر المحرابي.عبدالله الحدي.محمد عبادي حسن.محمد أحمد محسن (أبو حميد).محسن شائف حسين.عبدالله ناجي حسين.عبدالله سعيد علس.محمد بن محمد العبادي.علي عبدالرب.الانطلاق والعودة نحو ساحة عدن ركبنا السيارة من تعز مع عزب محمد فضل متوجهين إلى منطقة الشويفة وفيها نزلنا لنبدأ رحلة السير على الأقدام مرورا بمنطقة المصلى، وكان سيرنا ليلا ونزولا في مناطق جبلية شاهقة وعرة في الظلام لا نرى إلا بصعوبة والطريق لا يصلح حتى للمشي بحيث أن عزب محمد فضل نفسه كان سيقع.كان معنا أحمد مهدي وحسن مهدي ودرش والصماتي الملقب بالطلي وكان شهما عربيا أصيلا وغيرهم. ووصلنا طور الباحة. وتحت مركز طور الباحة العسكري أطلقت باتجاهنا قنابل مضيئة، ويبدو أن المركز أبلغ باحتمال وصول مجموعتنا أو أن ذلك كان روتينا عسكريا معتادا. وكنا قد تدربنا على هذه الحالة بأن لا نحرك ساكنا بين الأشجار أثناء انتشار ضوء مثل هذه القنابل فيقف كل منا في مكانه على الحركة نفسها التي كان عليها لحظة الإضاءة، وإلا رآه العدو وأطلق النار عليه، فطبقنا ذلك ونجونا واجتزنا الوادي مواصلين السير في وادي الصميتة، وكان معنا دليل من المنطقة لمعرفة الطريق. ثم استقبلنا هناك زيد هواش من أهالي المنطقة وكان ينتظرنا بسيارة وقد نسق معه عزب محمد فضل من قبل، وانطلقت بنا سيارة زيد هواش نحو عدن.بدء عمليات فرقتنا «فتح»وبدلا من انتظاري الأمر من عزب محمد فضل بالبدء في تنفيذ العمليات استعجلته قائلاً : «عزب نريد نبدأ وما دام اسمنا «فتح» لازم نبدأ ونستفتح». وعزب محمد فضل الآن ما زال على قيد الحياة حيا يرزق أطال الله في عمره. فوافق وأعطانا لغما أنا وأحمد سالم دياب وعمر سيف، فمشينا على الأقدام قاطعين الصحراء في ظلمة الليل من صبر حتى دار سعد، كنا شبابا أصحاء ولابد من عبور أماكن خالية من الطرق والنقاط وعيون المراقبة البرية والجوية. وصلنا إلى دار سعد باتجاه حديقة الملاهي حاليا (بستان الكمسري سابقا) من جهة الشمال، (خط التسعين اليوم) الذي كان ترابا وأشجارا واخترنا مكانا مناسبا لمرور الدورية البريطانية في آخر خط لضواحي عدن، حيث لم يكن ذلك المكان مأهولا بالسكان ولم تكن هناك مبان بالمرة - كما هو الحال اليوم، كان الموقع شبه صحراوي وليس فيه سوى قصر سلطان لحج، وأشجار السيسبان وطريق بين مسفلت وترابي ونحن ننتظر الدورية، فإذا بدورية بريطانية تقترب في الظلام ونحن لا نستطيع أن نميزها سوى من نوع السيارة بسبب أنوار السيارة التي ترسل أو تشع فتحجب عنا رؤية من بداخلها إلا أن مقدمة سيارة اللاندروفر تجعلك تميزها بحكم بروز جانبي المقدمة خلافا لبقية السيارات كما تميزها من طريقة ومكان وزمان تحركها خلافا للمدنيين من المواطنين الذين لن يأتوا إلى مثل هذا المكان في مثل هذه الساعة خصوصا أن هذه المواقع تعد فاصلا ما بين مستعمرة عدن والسلطنة.وأقبلت دوريتان الأولى بريطانية والثانية من الجيش المحلي (الاتحادي) الذي صنعه الإنجليز، غيرت الدولية الأولى ورجعت بينما استمرت الدورية الثانية، وكان اللغم من نصيبها. علما بأن هذه القوات وضعت ألغاما مضادة للأفراد في بعض هذه المواقع.وللعلم أيضا كانت بعض الدوريات من السيارات تتوغل في هذه المناطق شبه الصحراوية من سلطنة لحج شمال عدن بحثا عن مهربي الأسلحة، ولما أصيب عدد منها لجأت إلى استخدام دوريات من المصفحات أو دبابات صلاح الدين، ولما نسفت هذه أيضا توقفوا عن إرسال أي دورية إلى هذه المناطق وصار حدها فقط حدود المستعمرة هو (بستان الكمسري) وما يعرف بخط التسعين اليوم.صدور أول بيان لـ(فتح)وأصدرنا أول بيان لـ «فتح» بهذه العملية وسر الأخ عزب محمد فضل مسئول «فتح» بذلك وأعطانا المزيد من المواد، وقد كان يضاعف كمية المتفجرات أكثر مما درسناه بحكم أنها كانت مخزونة لديه وتحت مسئوليته. فكان يعبئ صفيحة (تنك) كاملة بمادة الـ «تي إن تي» ويضيف عليها أصابع الديناميت ولغما بعد سلخ ما يلزم سلخه منها وينتهي من تركيبها وتجهيزها، ثم يحدد لنا أو يرسلنا إلى مكان ما لتنفيذ عملية بتلك العبوة، ومرات يقوم هو بعمليات.العملية الثانية عند جسر البريقةجهز لنا عزب محمد فضل صفيحة عبوة ناسفة من ذلك النوع الثقيل المضاعف وطرح علينا التوجه إلى جسر البريقة (عدن الصغرى). توجهنا بسيارة علي حميد غالب اللاندروفر لقدرتها على اختراق الخط الصحراوي من مناطق لحج إلى عدن والعودة. نزلنا من السيارة عند الجسر بينما واصل السائق علي حميد الطريق إلى البريقة ليعود بعد قليل لالتقاطنا بعد أن نكون قد عملنا المؤقت للمتفجرات وتبقى الأقلام في أيدينا التي لا يمكن أن نحطها إلا عند عودته لأنها تأخذ عشرين دقيقة ولابد من انتظاره وعند وصوله نحطها وننطلق. وبقينا ننتظره، تأخر علينا فقررنا أن نحط الأقلام ونغادر الموقع سيرا على الأقدام، وكان هذا السير يشكل خطورة علينا لاحتمال وصول دورية أو طائرة عمودية عقب الانفجار إلى الموقع فتجد سيرنا في طريق لا يسير فيه الناس وإنما السيارات فقط، لأن الخط غير مأهول، وتوقيت الأقلام قد ينزل إلى 15 دقيقة بسبب الحر.وكنا ننوي قطع الطريق سيرا باتجاه الصحراء ومنطقة الفارسي، ونحن على معرفة بتلك المناطق من قبل. لكن وصلت السيارة، وانطلقنا وما أن وصلنا إلى الخط المجاور لأعمدة وبروج اللاسلكي حتى فعل المفجر مفعوله وإذا بالنيران تشتعل وتصل ألسنتها إلى عنان السماء، وكنا ونحن في الطريق عند قرية المهران نرى القرية مضاءة بفعل ألسنة اللهب. نجحت العملية وأصدرنا بيانا بها. وهكذا توالت عملياتنا في إطار فتح.انتقالي من «فتح» إلى «النصر» كانت تربطني بعزب محمد فضل أواصر قربى إلى جانب روابط الصداقة والجميل والمعروف والمروءة المتبادلة بيننا وزاد ذلك ارتباطنا بأنبل وأصعب مهمة في تاريخ الوطن، وهي الكفاح المسلح من أجل تحرير الوطن وكان كلانا قمة في الحماس لهذه الرسالة والواجب الوطني، لكن مع الأيام نشب خلاف طفيف بيني وبينه في الرأي حول أسلوب التعامل مع أعضاء التنظيم وأنا منهم، حيث كنا ننفذ أوامر وتعليمات العمليات الفدائية بكل حماس بل أطلب منه أحيانا أن يعطينا أمرا بتنفيذ عملية ما فيفعل بصدر رحب، ونتقبل نحن كل ما يصدر عنه باستجابة وصدر أرحب، لكن أن تتعدى الأوامر إلى إرسال أو استخدام الأعضاء في مشاوير خاصة ومنافع منزلية، كما يصنع بعض الضباط مع بعض الجنود، كان هذا يزعجني فلم أكن أوافق على ذلك لأننا لم نكن في معسكر واختلفت معه في ذلك، وابتعدت وربما لا ألومه لأنه تعود على ذلك، بحكم بيئة المشيخة التي جاء منها، حيث كان جدنا شيخا ووالده كان شيخا أيضًا، وقد تعود المشايخ على استخدام الآخرين للمنفعة وكان ذلك صعبا علي، لأن تلك النزعة القبلية لم تتمكن مني ربما لأنني نشأت في المدينة أهم سنوات حياتي - كما ذكرت في الفصل الأول -، حيث عرفنا أن لكل شخص مقاما وقدرا وقيمة، أضف إلى ذلك خوضي في المدينة معترك حياة الرفض والممانعة في مجال العمل النقابي ودخلنا في صراعات مع أطراف مختلفة وأخيرا حرب تحرير ونضال ما جعلنا نحس بكياننا وأعطانا ذلك المعترك روح العزة واحترام الذات واحترام الآخر.لذلك تركت ابن عمي وصديقي وانتقلت إلى صديق آخر قديم هو خالد أحمد سعيد (مفلحي) قائد فرقة النصر، فقد كنت مفتونا بالجمع الذي حول خالد إلى جانب إعجابي بخالد نفسه، فقد كان من حوله متعلمون مثقفون من شباب التنظيم ورجاله مثل عبده قاسم شعيبي ويوسف النهاري، وهذا لا يعني أنني أقلل من قدر أخي عزب محمد فضل، فقد كان رغم أنه حتى ذلك الحين لم يكن يهتم بالقراءة والكتابة أو يجيدها إلا أن وزنه كان بعدة رجال متعلمين، والعديد من المتعلمين أو المثقفين لم يصنعوا ما صنع.العمليات في فرقة «النصر» أولاً أتذكر ممن كانوا في هذه الفرقة إلى جانب القائد خالد، محمد منصور وعبدالجبار الفتيح واليوسفي وحسين حامد العزيبي وصلاح البيضاني (وهذا اسمه التنظيمي أما الحقيقي لا أعرفه) وعبدالواحد الأبرش وغيرهم.عملية الاستيلاء على آلات كاتبة وناسخة :كان أمام فرقة النصر معضلة توفير آلات كاتبة (مطابع) وآلة سحب (ناسخة) أما فرقة فتح فقد كان يتوافر لديها ذلك. وكانت الحكومة الاتحادية في ظل المستعمر تحرص على هذه الآلات عند بيعها في السوق بتكليف البائع بأن يرفع إلى الداخلية اسم أو جهة المشتري وتسجيل نوع الحروف وشكلها وعينة منها والرقم التجاري أو رقم المصنع وغيره. لذلك كنا نتجنب شراء المطابع وقررنا الحصول على مطابع بطريقة مختلفة، ولم تكن أمامنا سوى آلات حكومية. فطرح حسين حامد العزيبي على القائد خالد وجود آلات طباعة ونسخ في المدرسة التي كان يدرس فيها في ساحل صيرة أو ما يسمى بالخليج الأمامي بكريتر عدن وهي الآن الثانوية التي بجانب مستشفى عدن قرب المحكمة و«عدن مول».حسين حامد يغير لون بشرته من أجل المطابعوأدى حسين حامد دورا طريفا في عملية سحب المطابع يستحق الذكر.قال لنا إن حارس المدرسة سيعرفه، لأنه طالب فيها، لكن لابد من الدخول ليدلنا على المطابع ونأخذها، ولأنه كان ابيض البشرة قرر أن يغير لون بشرته من أبيض إلى أسود. فأوقد لمبة قديمة وجعل دخان الشعلة يستقر على قطعة من زجاج حتى غمر سطح الزجاج بالسواد وأخذ يسحب منه ويدلك به وجهه ورقبته وأجزاء من يديه حتى بدا أمامنا مختلفا وأفريقيا. ثم توجهنا وكان معنا سيارة إلى المدرسة ووجدنا الحارس، فأمسك الأبرش عليه السلاح وأدخله صلاح البيضاني إلى غرفة ومنعه من الحركة أو الاتصال، وصعدنا أنا وحسين حامد وسحبنا المطابع وأوراق سحب وأوراق شمع (ستنسيل). ونجحت العملية ونحن نضحك من دخان حسين حامد، ولم نصب الحارس بأي أذى، وغادرنا المكان. ثم تمكنا من إصدار المنشورات لبيانات العمليات اللاحقة.عملية قصف المطار :تحركنا أنا وخالد (مفلحي) بسيارة علي سعيد غالب، وكان ضابطا في الأمن، وكان يملك سيارة ألمانية فولكس واجن ويقع محرك السيارة (الماكينة) في الخلف، لذا وضعنا السلاح في خانتها الأمامية، وكان السلاح عبارة عن ست قذائف هاون مع مواسيرها وانطلقنا في حوالي الساعة التاسعة صباحا، وكان هدفنا براقات المطار (الهنجرات) التي تبقى فيها الطائرات أوقفنا السيارة في الخط البحري في الجانب المواجه للمطار حيث اللسان البري المردوم في البحر حاليا، وحيث نرى بجانب الخط الأعمدة القصيرة للإضاءة الملونة والإشارات الضوئية الخاصة بهبوط الطائرات وعليها شبك حماية.أخرجنا أنا وخالد القذائف والمواسير والمؤقت وتخطينا سريعا السور الحجري السميك والقصير الذي بني مع تشييد الطريق كحماية من ماء البحر جهزنا القذائف مع المواسير والمؤقت سريعا وعلي سعيد غالب في السيارة عدنا إلى السيارة وانطلقنا نحو كريتر عدن حتى وصلنا إلى قرب عدن مول والمحكمة حاليا وأدرنا السيارة من موقع الكسارة راجعين خط خور مكسر من دون سلاح، وقد انطلقت القذائف على أهدافها. وعند العودة وجدنا تجمعا للجنود البريطانيين والأمن عند موقع المواسير التي تركناها، والسيارات واقفة للتفتيش، ولم يكن معنا شيء فمررنا وقد تمت العملية بنجاح.الاختلاف مع فرقة «صلاح الدين» حول عملية المطار أصدرنا بيانا بعملية المطار واصطدم بياننا ببيان فرقة صلاح الدين وهي من التنظيم الشعبي أيضًا التي قصفت هي الأخرى المطار، لكن من جهة الشرق من قرب المطار من جهة السوق المركزي للخضار سابقا، وقد استهدفت مكاتب المطار وأصابتها، وكان ذلك بفارق ثلاثة أيام عنا. لذا هم يقولون إنهم هم الذين قصفوه ونحن نقول بأننا نحن قصفناه. واتضح لنا ولهم فيما بعد بقليل أن الطرفين نفذا عمليتين، وقد استخدموا - هم - قذائف (الإنيرجا) بينما استخدمنا نحن الهاون وعلموا بأمر قصفنا فانتهى الخلاف.عملية قصف مدينة الاتحاد (الشعب حاليا)جاءني الفدائي فضل صالح (طيار) ودعاني معه إلى قصف مدينة الاتحاد، وكان لديه سيارة لاندروفر فسألته كم لديك قذائف قال ست قذائف (الإنيرجا) وهي تركب في ماسورة البندقية العادية، وذلك باستخدام الخرطوشة (الخشرة) أو كيس الرصاصة بعد إخراج الرصاصة وإبقاء البارود فيه ويضغط على البارود بقرطاس حتى يحفظه ويدخل كيس الرصاصة في موقعه من البندقية في الماسورة وفي الطرف الآخر توضع قذيفة (الإنيرجا). إلا أن المصريين المبدعين في تعز دلونا على استخدام مأسورة المياه المنزلية العادية قطر نصف بوصة، ثم تخرق من الجانب وتعبأ بالبارود ثم تدخل مؤخرة قذيفة (الإنيرجا) ويتم استخدامها.تحركنا إلى مدينة الاتحاد وجهزنا العملية بين أشجار الحسوة المقابلة لمدينة الاتحاد من جهة البحر وانطلقنا قاطعين مدينة الاتحاد باتجاه بئر أحمد التي الطريق إليها يمر عبر بئر أحمد وما أن وصلنا قرب بئر أحمد حتى تفجرت القذائف الست وكان صوتها قويا، لأن المادة المتفجرة فيها ليست (تي . إن . تي) وإنما مادة معدنية بيضاء أشد انفجارا.تعديلي لنوع من السلاح :عند تسلمي لهذا النوع من المدافع وتجريبها وجدت أن بها نقصا أو عيبا اضطررت إلى تعديله وهو الذي كان به فتحة في القاع يخرج منها سلك، وهذا السلك كان معرضا للانقطاع أو التماس بسبب ضغط القاعدة الحديدية عليه، فغيرت موقع الفتحة التي يمكن أن يخرج منها السلك، وذلك بعمل ثقب في الجانب بدلا من الأسفل، وكنت أدخل وترا لسحب السلك ومن ثم إجراء باقي العملية ولا يكون السك معرضا للقطع أو التماس في هذه الحالة، لأنه يكون مرتفعا عن الأرض في حدود خمسة سنتيمترات.عملية جولة السيلة :وقرب جولة السيلة بمدينة الشيخ عثمان التي يتفرع منها خطا الممدارة ودار سعد، أتينا ليلا، وقمت بحكم التدريب في تعز والخبرة الفنية السابقة بتجهيز وتركيب ومواصلة وتمديد الأسلاك وذلك لعبوة تدخل تحت الطريق قليلا ولمتفجرات من نوع (شربنل) وهذا الأخير لم نستخدمه هنا من قبل، ومعرفتنا النظرية عنه أن قذيفته ترتفع عن الأرض مترا واحدا ثم تنفجر، واتضح لي من خلال العملية خطورته وخبثه لذا لم نستخدمه فيما بعد وتخلصنا منه. وقد خططت للعملية بحيث لا تكون ضارة بالمواطنين لو داست أقدامهم الموقع لذا جعلتها على أزرار وأسلاك ممدودة بحريا إلى قرب جدار مستشفى عفارة سابقا والمحكمة لاحقا وجعلنا الأبرش واقفا على أزرار (الشربنل) عند جدار عفارة بينما سلك العبوة يتجه قبليا إلى محل بيع الفحم، وفي النهار وفي حدود الساعة العاشرة صباحا، وصلت سيارة فانفجرت بها العبوة وارتمت عند الجانب الآخر من الرصيف وأصيب من فيها، وجاءت نجدة من قوات الإنجليز وجيش عربي وحتى شرطة وأنا أترقب العملية من ركن عمارة علي عاطف المقابلة لعيادة مصعبين، أنتظر الأبرش تجمع المغيرون والمسعفون من القوات المختلفة وضغط الأبرش على زر الشربنل فارتفع وانفجر وسقط عدد كبير وأشرت إليه بيدي بالمغادرة وعدم استخدام الشربنل الآخر، ونحن نرى بعضنا، وكان كأنه لن يستجيب إلا إذا أنهى العملية بالضغط على الزرار الأخير. حضرت المزيد من القوة للاستطلاع والرد على الهجوم أو معرفة المصدر وربما حضر بعض الفضوليين، فكرر الأبرش العملية وكان لها أثر أكبر لازدياد المغيرين وبعدها تخلصت من هذا النوع ولم نستخدمه بتاتا، على الرغم من أن الإنجليز استخدموا ضدنا رصاصا محرما دوليا وهو رصاص الدمدم..!إنقاذ الأسلحة بفناجين القهوة :وصل إلينا من تعز عن طريق قريتنا صبر الواقعة في خط عدن - لحج عدد (22 قاذفا) بلانسيد جديد وحديث الصنع نقلت من (صبر) إلى عدن بواسطة سائق يعمل في الجيش استخدم سيارة الجيش، وكان منضما إلى التنظيم الشعبي اسمه التنظيمي (كامل) ولا أعرف اسمه الحقيقي، وكان على علاقة بخالد وتقرر تفريغ السلاح وخزنه مؤقتا في منزلي الكائن حينها في قاهرة الشيخ عثمان، وكان في شارع يسمى «أول نظرة» الذي سقطت فيه أول شهيدة فدائية من عدن واسمها لطيفة، وكانت ضمن التنظيم الشعبي أيضا، لكن لا أحد يذكرها. أفرغنا حمولة السلاح من السيارة في النهار على مرأى من الملأ، وكان في هذه المرحلة قد تعاطف الشعب كله مع الثورة والثوار، لكن لا يخلو مجتمع من شواذ، وخزنت السلاح في منزلي وجعلته تحت السرير الذي أنام عليه، منازل هذا الحي صغيرة جدا بحيث لا يوجد مكان يصلح للخزن سوى الغرفة الوحيدة، وجعلت الملاية تصل إلى الأسفل، وذهبت للاتصال بخالد (مفلحي) لمعرفة مصير الشحنة. فتقرر نقلها إلى محل خدمة السيارات التابع لعبد الواحد الأبرش. وبينما أنا في طريق عودتي إلى المنزل وقد دبرت سيارة أسوقها بنفسي لنقل الكمية، إذ بي أجد الشارع كله يعج بالجنود البريطانيين ومنهم من هو على السطوح وكأنهم يتأهبون لمعركة، فأحسست أو أدركت أن بلاغا تم بالسلاح الذي في منزلي، وأيقنت أنها مصيبة ستحل بالأسرة، وإذ أمسكوا بي أو اعتقلوني، فالويل لي ولن أنجو. ووكلت الله، وكنت مطمئنا إلى أن الإنجليز لم يكونوا يؤذون النساء والأطفال، وقلت في نفسي دعهم يأخذون السلاح فسيأتي غيره، أما أنا فسأنزوي بالسيارة في مكان ما لا يخطر على بال، ولم أذهب إليه قط بحيث لن يعرفني أحد هناك، ولن يفكر أحد من المبلغين بالصفقة أني هناك، وأبقى قرب المكان ريثما تهدأ الحالة ثم أتسلل لاحقا إلى منزلي لمعرفة النتيجة. ولم يكن من مكان لا يتعرض له الإنجليز سوى الحانات والمواخير المرخصة. وجرى الاعتقاد عند بعضهم أنه إذا رآه الجندي البريطاني يحمل قنينة كحول فلا يكلمه وإذا رآه في شارع المواخير لا يكلمه بل أنهم لم يفتشوا شارع المواخير هذا من بداية الثورة إلى نهايتها وقلت أحتمي قرب هذا الشارع ساعة ريثما تنقشع الغمامة، وإذا سألني أحد عن غرضي هنا سأقول له إنني أنتظر أناسا من هذا الشارع نفسه. والذي أتذكره فأضحك ساخرا أنه كان هناك بعض من القوادين ينادونني من بعيد : «يا هذا لماذا أنت بعيد تعال هنا نحن هنا.» وتظاهرت بالصمم وبأنني لا أفهم، حتى يئسوا وكانت في داخلي نار تغلي.وبعد حوالي ساعتين رجعت بعد أن سمعت من بعض المارة القادمين من جهة شارعنا ما مفاده بأن الجنود قد غادروا. ورجعت إلى المنزل وأنا في غاية القلق، وكانت المفاجأة أنه لم يتم اكتشاف السلاح ولم يتم مس الأسرة بسوء ولم أكد أصدق ذلك. لقد كانت الزوجة في منتهى الذكاء والجرأة والتماسك واللباقة والدهاء فتظاهرت بالبشاشة التي لم تكن خالية من إخفاء الرعب والخوف وأظهرت لدى استقبالهم ابتسامة المستضيف على غير ما جرت العادة عند النساء في حال التفتيش وقد استعدت لهم بإبريق قهوة البن الخاص الساخن برائحته النفاذة وعدة أكواب عند أول سماعها بوصولهم ولم تكن لها من حيلة غير تلك، وهي لا تتوقع أن يتقبلوه منها لكنها تحاول وهذا مخرجها الوحيد علهم سيتجملون ويستحون من أن يفتشوا المنزل. وكان لها ما أرادت، تناولوا منها أكواب البن، وأخذوا يحتسونه ويستحسنونه مرددين : «أوه .. بن؟ كوفي؟ .. إنه رائع... ممتاز!» وهم عادة يحبون البن، وصعدوا إلى سقف المنزل الذي سرهم أو أسعدهم ونال رضاهم أن يتم استقبالهم على غير عادة من إحدى ربات البيوت، بهذه الصورة التي لم يألفوها و يعرفوها إلا فيما ندر من الأسر، أضف إلى ذلك أكواب البن، فكان ذلك بمنزلة الغشاوة على أعينهم حتى انصرفوا مسرورين، من دون علم منهم أن الصفقة التي يفتشون عنها هي هنا. ونجحت حيلة المرأة وأنقذت نفسها وزوجها وأسرتها وكمية السلاح. ولما عدت إلى المنزل وجدتها عادت إلى طبيعتها كامرأة عادية مصفرة الوجه منزعجة تعاتبني وتلومني على جلب السلاح، ثم حكت لي الحكاية وهي تضحك. ولما أخبرت خالد بالحكاية غرق في الضحك، وقال خالد وآخرون من باب التندر والمزاح : «إذن فالمسألة بسيطة، نخزن الأسلحة في بيوتنا ونجعل نساءنا يقدمن القهوة فننجو بأنفسنا وبأسلحتنا!» وكانت تلك حادثة تستحق أن تروى. وترمز إلى دور المرأة اليمنية بوجه عام.اكتشاف الأسلحة :نقلنا الأسلحة إلى محل عبدالواحد الأبرش لخدمة السيارات في شارع رقم (10 قسم دال بالشيخ عثمان)، وبعد ثلاثة أيام وقع نزول مفاجئ على الموقع نفسه فقط، وتمت مصادرة الكمية واعتقال اثنين من المحل، وكان الأبرش خارج المحل، ونشرت الصحافة خبر العثور على السلاح وتم تصويره وعرضه على شاشة تلفزيون عدن. وقدرنا أن البلاغ جاء من الحارة لأن أحدهم ربما يكون قد لاحظ عملية إيداعه في المحل.تعدد مرات قصف مركز شرطة الشيخ عثمان :أما مركز شرطة الشيخ عثمان فقد تعددت المرات التي قصفناه فيها أنا وخالد فقط، ولم يكن أحد معنا. من فرقة النصر. وعلق الإنجليز شباكا تحيط بمبنى البرج، وكنا نقصف المركز من قسم B ب أكبر أقسام حي الشيخ عثمان، ومن أول شارع فيه حيث كانت تتكوم قطع حديد الخردة، واليوم الموقع هو سوق للحلاقين وغيره.