ذكريات نضالية عن تاريخ الثورة الخالدة للمناضل العميد علي عبدالله السلال :
صنعاء/ لقاء/ محمد سعد الزغيرالمجتمع اليمني في عهود النظام الإمامي الكهنوتي ظل يعيش بيئة ممزقة متشرذمة تئن تحت وطأة الجلاد والقيود والسجون .. بيئة مشحونة بالظلم والاضطهاد .. والفقر والجهل والخوف والمرض والإرهاب.فكان الوطن سجناً كبيراً ليس له أبواب .. فكم من المرضى والفقراء والجياع والمعدمين ماتوا.. وكم من البؤساء والنازحين عانوا ويلات الآلام والضياع والتشرد واللجوء إلى شتى بقاع العالم.. وكم من المناضلين والثوار والأحرار سجنوا واعدموا.حالة مريعة .. قاتمة من الانكماش والانغلاق والانسحاب والتقليص والتسطيح والمصير الواحد الموت المحقق.ظلت الأحلام والأماني طويلة .. وظل النضال والخروج من القنانة والعبودية والاستبداد والاستغلال والاستعمار أطول.. لكن الأمر الجوهري الوحيد والأهم نحو الانعتاق والتحرر كانت الثورة.فكان الرفض للحياة الجامدة المستخدمة المستغلة التي تجر جراً ولاء حكام الكهنوت والطغيان وكان رفض الشعب بقيادة رواد الفكر والثورة والمناضلين والعلماء والمستنيرين وأبطال الحركة الوطنية.. ان يكونوا عدداً مهملاً أو ظلاً تابعاً أو خيالاً باهتاً .. أو صوتاً خافتاً ومخنوقاً.فكان النهوض الأول ثورة 1948م مدرسة النضال الثوري التي فتحت ابواب النضال والعلم والمعرفة والذي رسم ملامحه الرعيل الأول ممن استشهدوا وسجنوا وعذبوا وشردوا للتخلص من كابوس العبودية والتسلط والجبروت وتحرير الإنسان وتحويل الحكم الفردي إلى شورى، من الظلم والمشانق والاعدامات والرهائن والسلب والنهب إلى الحرية والعدل والتقدم، من الملك العضوض إلى النظام الدستوري الرشيد.وتواصل النضال حتى ثورة 1955م ليتوج النضال الوطني ببزوغ فجر ثورة 26 سبتمبر أقدس الثورات الوطنية في تاريخ اليمن المعاصر.لتخرج الثورة إلى فضاءات الحرية والتقدم والعدل ويتحقق الانتصار الأعظم بالتضحيات الجسام والروح والدم. فثورة سبتمبر تظل حدثاً إنسانياً قبل كل شيء أحيت شعباً من تحت الأرض من الموت.. وانتزعته من ظلمات فوق بعض إلى النور.. الحرية الانعتاق الكرامة التقدم الوحدة والديمقراطية والنماء والأمن والاستقرار والمستقبل المشرق.بمناسبة مرور 44 عاماً على قيام هذه الثورة الخالدة التقت الصحيفة احد المناضلين من أبطال ثورة سبتمبر الذي تربى وترعرع في جذور أسرة يمنية مناضلة مشهود لها بالوفاء والنضال على كل المستويات ودون لتاريخ اليمن اسمها في انصع سجل الخالدين، ليس فقط كابن لاحد أبرز قادة الثورة السبتمبرية وأول رئيس للجمهورية اليمنية بعد انتصار الثورة وهو الزعيم الخالد المدون في وجدان وقلوب أبناء الوطن وتاريخ الثورة اليمنية وهو الزعيم الوطني المشير عبدالله السلال، فهو لم يكن مجرد ابن له فحسب، بل ظل جندياً وطنياً مناضلاً مدافعاً عن مبادئ وأهداف الثورة اليمنية حتى اليوم. ويكفينا فيه إنساناً مشاركاً وشاهد عيان على وقائع واحداث هامة، انتصارات وتداعيات لمسيرة الثورة منذ انطلاقة 48م و55م و26 سبتمبر 62م.. انه العميد علي عبدالله السلال عضو مجلس الشورى .. الذي تحدث بشفافية ومصداقية ومسؤولية حول ظروف ومراحل ومخاض وتحديات وانتصارات ونجاح الثورة والوحدة والديمقراطية والتنمية، ووضع النقاط على الحروف بأفكار هادئة باطروحات جديدة ونوعية لتقييم مسيرة الثورة حتى الآن.. وكانت الحصيلة التالية:نواة الثورة وبذورها الأولىوالحقيقة أن الوضع السائد في اليمن قبل وبعد ثورة 48م قد وضع الوطن خارج طبيعة البشر، خارج التاريخ.. إذ انه انكر علينا حتى حقوق المواطنة البسيطة والعيش الحر الكريم بسلام وشرف وأمان، كان الاضطهاد والظلم والقهر والقمع والسجون والجلادون فوق إرادة الشعب والوطن، وقد وضع اليمن خارج الزمن على هامش مجراه وفي انعزال عن مسيرة الحياة الزمنية والتاريخية.. كان نظام الإمامة والكهنوت قد وضعنا في وضع حرمنا فيه في آن واحد من حق المواطنة في كل شيء في المكان والمعاصرة وفي الزمان.لذلك قامت ثورة 48م بقيادة المشير السلال والقاضي الارياني وأبو الاحرار القاضي الزبيري ورائد الحركة الوطنية احمد محمد نعمان، وسجن والدي الزعيم المشير عبدالله السلال مع عدد من الثوار في سجن حجة الرهيب (نافع) بعد ان كان له الدور الفعال والمشرف عندما أخذ احدى السرايا والقيام بحصار دار الشكر الذي هو الان المتحف الحربي.وما كان من الإمام إلا أن قام بقتل وإعدام الثوار ومنهم الشيخ البطل عبدالوهاب نعمان أكبرهم مقاماً ووجاهة أبو الأستاذ الفضول وهروب وتشريد الآخرين مثل الأستاذ الزبيري وحجز عدد آخر تحت الاقامة الجبرية في حجة، وتسليح القبائل.نهب صنعاء بين عشية وضحاهاواستباح لهم مدينة صنعاء لإفشال هذه الثورة وتحطيم معنويات كل المواطنين ومن تسول له نفسه القيام بالثورة، وهكذا نهبت وسلبت صنعاء كل المقتنيات كل الأموال والأغراض والطعام وبصورة رهيبة وخبيثة وحاقدة.. عقاب جماعي جائر. اتذكر انهم نهبوا حتى الدقيق من منزلنا وكل المنازل.. لم يبقوا أي شيء .. انتقام من الأهالي لهذه الثورة.كنت حينها في سن السادسة من العمر لم ابلغ سن الرشد بعد، وظليت في رعاية عمي محمد يحيى السلال الأخ الأكبر لوالدي.. أما العسكر فقد جاءوا للبحث والتفتيش عن الأسلحة والذخائر حسب قولهم انها عهدة عند والدي، وضربوا عمي بعنف وشدة ولم يجدوا شيء. كنت أنا وحيد والدي يتيم.. لا انتظام في الدراسة ولا رعاية ولا شيء.. كنت أدرس في المدرسة الوحيدة في صنعاء (مدرسة الزمر) لتعليم الخط والحساب والاخلاق الحميدة والقرآن فقط.لم تكن طفولتي سعيدة كغيري من أبناء صنعاء. تعرضت للاضطهاد والأذى حتى على مستوى الشارع كان يقول لي الأصدقاء من الصغار والكبار.. هذا ابن الدستوري (الكلب) وغالباً ما اتعرض للضرب والشتم والإهانة.. حتى عمي محمد ـ الله يرحمه ـ يقول لي ابن الدستوري الخبيث الذي خسرنا كل شيء إلا أنه مسكين وطيب كان تاجر وأصبح فقير، وهو الذي كفانا من عمله في مهنة الخياطة.صدقة الإمام بعد نهب صنعاء كدمةبعد ان تعرضت صنعاء للنهب والذل والفقر والهوان بين عشية وضحاها قرر الإمام لكل أهالي صنعاء (صدقة) عبارة عن كدم عادية.. وكان الحسن أخ الإمام قد أمر قطع الكدم إلى أربعة أقسام (أجزاء) حتى لا يستطيع أهالي صنعاء بيعها لشراء بيض أو خضار أو لحمة، وكنا نعود من العرضي سيراً على الأقدام إلى حدة بعد ان نكون قد أكلنا نصف الكدم من شدة الجوع والشتات وكان يتم اطعامنا الكدم على ماء (فائر) لاننا لا نملك لا لحمة.. ولا حليب ولا شيء، وظليت على هذا الحال لفترة سنتين مع خالتي لان والدي طلق أمي وتزوجت برجل آخر.. شقاء وبؤس وحرمان وتعاسة لا تصدق احداً كيف كنا نعيش تلك الأيام العجاف ووالدي في سجن حجة.. كنا نعيش على الكفاف على الكدم، ولم يجرؤ أحد حتى أن يتصدق علينا من الأهل والمعاريف وهم كثيرون.وعلى أثر ذلك قام والدي بإرسال رسالة إلى خالي طه مصطفى لإرسالي إلى سجن حجة حتى لا يكون الضياع كامل مع المعاناة الشديدة.وتم تجهيزي وشراء ملابس وحذاء (ربل).. وقالوا لي ألبسها عندما تصل سجن حجة ليشاهدها المساجين انها جديدة.. كانت الرحلة طويلة سيراً على الأقدام الحافية التي تشطفت وتسيل الدماء منها.حتى الأطفال سجنوا مع أبائهم الثوارواستقبلني والدي والمساجين وكانت الفرحة شديدة بحماس وود وترحاب كبيرين.. كان قد سبقتني مجموعة من أبناء المساجين أمثال اللواء عبدالله عبدالسلام صبرة أحد ابناء ضباط الثورة الأبطال أطال الله عمره والمشارك في ثورة سبتمبر ومحمد الغفاري وآخرون.. وأولاد الوزير الصغار كانوا مساجين مع والدهم وهم ثلاثة أعمارهم 6 سنوات و7 سنوات وعشر سنوات.. ما كان احد يصدق أن يكون هؤلاء الصغار الأطفال في السجن.. ولكن السبب سجننا إلى جانب أبائنا، وكان أهم شرط هو البقاء في السجن مع الآباء.والواقع كانت سجون حجة مليئة بالعلماء والأدباء والشعراء والأحرار والثوار أمثال احمد المروني وعبدالسلام صبرة والصفي محبوب والشاعر والأديب احمد الشامي والقاضي الاكوع المؤرخ الكبير وعلى الغفري وآخرون كثيرون.. قامت هذه الكوكبة من المناضلين بوضع نظام دراسة لنا في السجن من الصباح حتى المساء مثلاً من الساعة كذا عند الأستاذ احمد المروني دراسة اللغة الانجليزية ومن الساعة كذا دراسة اللغة العربية والشعر.. وهكذا درسنا لأول مرة عدد من المواد لم نعرفها في حياتنا كالجغرافيا والهندسة والكيمياء والجبر وتاريخ النضال الثوري التحرري وغيرها.. وكان يصيبنا الذهول عندما نشاهد في الكتب صور أطفال يكتبوا على السبورة وهذه الكتب كانت تأتي من مصر عن طريق التهريب وغريبة علينا شكلاً ومضموناً.. كنا ندرس طول اليوم في سجن حجة ولمدة سنة كاملة إلى مستوى ما يوازي الإعدادي الآن فتحسن مستوانا وتطور كثيراً.. وكنا نقوم أيضاً بنسخ الكتب الثورية المختلفة التي تصل إلى السجن حتى يقرأها الكل ويتبادلها المساجين.. وقمت بنسخ حوالي (5 ـ 6) كتب منها (مناضلين لا رعايا) و(طبائع الاستبداد) للكواكبي وغيرها.وكانت هذه الكتب تصل إلى الأستاذ النعمان المناضل الكبير مع عدد آخر من الثوار وهم تحت الإقامة الجبرية في مدينة حجة، وهو الذي فتح مدرسة هناك وتخرج منها الأحرار والثوار أمثال محمد الناضري وعبدالله حناش ومحمد عبدالملك المتوكل الذي أصبح ملكياً بعد ان كان مناضلاً كبيراً ومجاهداً.من سجون حجة الرهيبة تخرج الثوار والمناضلونكانت حجة بسجونها الثلاثة الرهيبة مدرسة الثوار والمناضلين وسجناء آخرين أيضاً.. حيث قسم الثوار إلى ثلاث مجموعات سجن نافع الرهيب الذي لا يوجد مثله في اليمن والعالم، وقد وصفه العزي صالح السنيدار في كتابه (الطريق إلى الحرية) والبعض الآخر في سجن المنصورة وهو أقل وطأة من نافع أما العلماء والقضاة ادخلوا سجن القاهرة، وعندما أتيت كان قد أحالوا والدي مع بقية المساجين من سجن (نافع) الرهيب إلى سجن القاهرة ليس رحمة منهم وإنما لانه كان أيل للسقوط وهذا كان بمثابة انتقال من النار إلى الجنة.احتفال المساجين بقيام ثورة 23 يوليو 1952موكان لانطلاقة ثورة 23 يوليو 52م في مصر أثرها الأكبر والفاتحة الكبرى وطريق النصر القادم لثوار وقادة الحركة الوطنية اليمنية في السجون وغيرها.. حيث احتفل مساجين حجة بثورة عبدالناصر التي اسموها (عبدالناصر) وابتهلوا لها واججت لهيب الحماس والعزم والتصميم وقوة الإرادة.. وكانوا يسمعوا أخبارها من الأستاذ النعمان والشيخ صالح المقالح أبو الدكتور المقالح والسيد حسين الحوثي أحد كبار ثورة 48م وهو من منطقة حجة.. وكان عالماً وثائراً وإنساناً عظيماً وابنه يدرس معنا وهو تحت الإقامة الجبرية.عدن الحضن الدافئ لثورة اليمنشكلت ثورة 23 يوليو 52م نقطة تحول في مسار النضال الوطني اليمني وكانت السند القوي لاحرار اليمن فقرر جميع الثوار في سجون حجة إرسال أبنائهم للدراسة هناك كون مصر تستقبل الطلاب من جميع أنحاء الوطن العربي، وكان حزب الأحرار في عدن الذي شكلت اللبنات الأولى للوعي الوطني تستقبل الأحرار وإرسالهم إلى مصر.. حتى نقل نشاطه إلى مصر بعد ثورة 52م، وطبعاً المناضل الأستاذ محمد محمود الزبيري كان قد هرب إلى عدن بعد ثورة 48م ورفض قبوله لاجئاً في مصر ولبنان حتى لجأ إلى الباكستان وظل هناك سنتين حتى قيام ثورة يوليو انتقل إلى مصر، حينها تم اطلاق سراح بعض المساجين على دفعات ومنهم الأستاذ النعمان وآخرون الذين هربوا إلى عدن.. وعلى أثر ذلك قررنا السفر إلى عدن ثم إلى مصر وسافرنا إلى تعز بحجة اننا نراجع لأبنائنا للخروج من السجن عند الإمام الذي طلق صنعاء منذ 48م وبشكل سري لانه كان السفر إلى عدن ممنوع.. وعلى الرغم من تحذير زميلي عبدالله صبرة من السفر إلى تعز حتى لا يقبضوا علينا.. إلا أن سذاجة الطفولة دفعتني لركوب سيارة الحمادي من الأعبوس والسفر إلى تعز، وفي نقطة تعز بصالة جاءني ضابط وسألني ان كنت ابن عبدالله السلال .. قلت نعم.. فأنزلني مع الصبرة وهو من الضباط الذين حاربوا في فلسطين مع الجيش الأردني عام 1940م وكان عددهم حوالي 40 ضابطاً. من شدة الخوف أكلت الرسائل وبلعتهاوقلت له انني مسافر إلى عند خالي يعمل حلويات في الراهدة.. وقال لي.. انتظر حتى تأتي الأوامر.. وفوجئت بوصول قائد الحرس الملكي محمد مرعي بسيارة (ولس صغيرة) وكانت في حوزتي رسائل من والدي إلى الأستاذ النعمان في عدن.. فمن شدة الخوف أكلت الرسائل ثم بلعتها حتى ظل عندي الأمساك طويلاً من جراء ذلك.وانزلوني إلى العرضي وكان الإمام جالس في الديوان وسألني .. أنت ابن السلال .. قلت نعم..قال.. ما تولد الحية إلا حنش. قلت.. سيدي بتحكم علي غلط أنا إنسان صالح أما والدي فيأخذ جزاءه في السجن.. قال.. اسحبوه.. شلوه.. للسجن، وهناك فوجئت أيضاً بمجموعة من الزملاء الذين كانوا معي في سجن حجة أمثال محمد الناصري وعبدالله حناش وعبدالله الكستبان ووجدت الشيخ عيادي شيخ مشايخ ماوية وشيخ مشايخ العدين مسجون هناك.. وظلينا في سجن تعز سنتين دون تهمة ودون محاكمة.. ولكن لفقوا لنا تهمة توزيع المنشورات والهروب إلى عدن.. أما بالنسبة لزميلي عبدالله صبرة فقد نجح بالهروب عن طريق ماوية لأن عمه كان عامل منطقة ماوية إلى عدن ثم إلى مصر.ومن حسن حظنا وجدنا أناس طيبين أمثال على مانع ضابط الحرس الذي ساعدنا وقدم لنا الاوراق للإمام.. ويتفقد أحوالنا ويطمئنا، وكان معنا علي حُمد أبو أمة الرزاق وزير الشؤون الاجتماعية والعمل ويعطف علي لمعرفته بوالدي وكان يعمل مترجماً للايطالية وممرضاً مع الأطباء الايطاليين، كان يكلفني القيام بإعداد معاشات الأطباء وكنت قد درست الانجليزية في سجن حجة واعرف العد إلى المئات واحصل مقابل ذلك على خمسة ريال فرنسي تساوي الآن (500) ألف ريال مع صرفة يومية وكان عمري حوالي 14 سنة، وأثناء ذلك احتكينا كثير بثوار 1955م وسكنا معهم أمثال شرف المروني والشهيد علي حمود السمة والبطل احمد الثلايا الذي كان يعطف علينا كثيراً مع بقية تكنات ضباط تعز لانهم كانوا أصلاً تلاميذ عند والدي سابقاً في صنعاء.وفي عام 1953م خرجت من سجن تعز أثناء زيارة الملك سعود لليمن الذي اشترط وجود الإمام احمد في صنعاء بعد ان كان قد تركها نهائياً بعد ثورة 48م ونهب صنعاء.. وعندما جاء سيف الإسلام يرافق الإمام إلى صنعاء شكونا له الأمر وطلبنا ارسال برقيه له وفعلاً اطلق سراح جميع المساجين وعددهم 15 شخصاً، وبنصيحة من الأستاذ نعمان توزعنا البعض إلى صنعاء وتعز وحجة وأنا إلى الحديدة حيث استقبلني نائب الإمام محمد الباشا احد ثوار 48م والأستاذ احمد جابر عفيف الذي كان مدير للمدرسة السيفية هناك، واختبروني وطلعوني إلى مستوى ثالث ثانوي. وبعد سنة أتت البعثة لاختيار طلاب لكلية الشرطة برئاسة العقيد عبدالله حامد وتم اختياري مع زميلي المناضل يوسف الشحاري وعلي حميد شرف وزير الكهرباء السابق وعلي سعيد عبادي وآخرون بعد أن رفض أهالي الحديدة تسجيل أبنائهم وتم اختيار 12 فرداً ومعظمهم من طلاب مدرسة سجن حجة وهكذا نقلنا إلى تعز كنواة لطلاب كلية الشرطة.مأساة حركة 55م كانت فرج لمساجين حجةقامت حركة الجيش عام 55م بقيادة المقدم البطل الثلايا وعبدالرحمن باكر ومحمد عبدالقادر وحمود السياغي وآخرون من الضباط الأحرار.. وكانت هذه الثورة رغم ماساتها وفشلها فرج لجميع مساجين حجة من ثوار 1948م بعد ان قرر الإمام القضاء عليهم بالموت البطيء.. كانت الفائدة ان وصل البدر إلى حجة واطلق سراحهم بعد ان جاء باسم الدفاع عن والده .. لان والده الإمام احمد هرب إلى حجة في ثورة 48م الدستورية وسلح القبائل وأعطاهم الذهب والمال واباح لهم مدينة صنعاء وافشلوا الثورة وهرب إلى تعز.. كان البدر هدفه إفشال حركة الجيش عام 55م في تعز من حجة لكن أبوه كان لئيم وشاطر وأذكى منه استطاع بنفسه عن طريق توزيع الذهب على الشاويش المحجاري شاويش القلعة وهو من حاشد بضرب ثكنات الجيش والفرن حق الكدم وقطع الماء وحاصر الثوار من خلال الأربعة المدافع التي كانت موجودة في القلعة مما اضطر الثوار إلى الهروب والتسليم وتم القبض على قائد حركة 1955م البطل الزعيم الثلايا وتم إعدامه أمام الجماهير.. أما الشهيد عبدالله باكر الذي كان يشير عليهم بقتل الإمام ويقول يجب ان نتغذى به قبل ان يتعشى بنا.. ذبحه ذبحاً بواسطة جزار وبشناعة .. فالثوار الذين رفضوا قتل الإمام كأبوه الإمام يحيى.. قام الإمام احمد بقتلهم جميعاً.وكان بالنسبة لنا أول منظر نشاهده جثة بدون رأس، وكنا في السنة الأخيرة للتخرج من كلية الشرطة.. كنا انصار الثلايا وكان جزاءنا قطع المعاشات شهرين كاملين إلا ما كان يقدم لنا من مدرسة الاحمدية.وعندما افشل الإمام حركة 55م جاء البدر إلى تعز ليبارك لوالده استطعنا كسب عطفه وأصدر أمر الترقية لنا برتبة ملازم ثاني وكنا حوالي 53 ضابطاً أكثرهم نواة ضباط ثورة 26 سبتمبر المجيدة البارزين أمثال الرحومي وعلي صالح الأشول ويوسف الشحاري وعلي عبدالله السلال واحمد خليل وآخرون.. ثم التحقنا بالكلية الحربية ـ مدرسة الاسلحة ـ في صنعاء التي شكلها حمود الجائفي حيث درسنا الاسلحة الروسية التي استخدمت ليلة ثورة 26 سبتمبر، وكانت لدينا الإرادة والتصميم وغسيل الدماغ من سجن حجة وقناعتنا بالثورة المقدسة الطريق الى المستقبل والى نور الحضارة طالما ان الإمامة مصرة على موقفها المتخلف وإعدام الأحرار وعدم فتح أبواب اليمن أمام التطور والحضارة والإنسانية، وكنا نعرف الكثير عن قصص ومكر الإمام وأعماله المشينة بالأحرار منها مثلاً قصة شرف الدين مطهر الذي قاد حملة إلى رداع وقتله ألف شخص وأسر ألف آخر.. وأمر كل أسير أن يحمل رأس المقتول حتى وصلوا صنعاء قام باعدام الأسرى الذين يحملوا رؤوس القتلى حتى أن الذي وصف القصة قال: «وصل الدم إلى حوافر بغلة مولانا أمير المؤمنين حفظه الله، وما شاهدناه بثوار 55م الخ.وهذا ما اعطانا حماس ودافع وإرادة لمواصلة قيام الثورة.ثورة 26 سبتمبر والسباق مع الزمن والإمامفي الواقع نضجت جملة من الظروف عجلت بقيام الثورة ونجاحها أبرزها الاستفادة من دروس الثورات السابقة والإعداد الجيد وتشكيل مدرسة الأسلحة والكلية الحربية بقيادة حمود الجائفي وكلية الطيران بقيادة الزعيم عبدالله السلال وكلية الشرطة بقيادة عبدالله الضبي وخروج ثوار 48م وعقد البدر لصفقة الأسلحة الروسية وتكثيف التربية العسكرية والدروس الوطنية والتدريب وتشكيل تنظيم الضباط الأحرار والتحاقه بالحركة الوطنية والنضج الثوري والسياسي وعقم النظام الملكي.تنفيذ خطة اعتقال الشخصيات الإمامية وأمراء الجيوشكانت مهمتي ليلة قيام الثورة أخذ المدرعة رقم (1) والقيام باعتقال كل الشخصيات الإمامية والسياسية وامراء الجيوش الذين يشكلوا خطراً على الثورة وتم اعتقال 53 شخصاً حسب القائمة، والواقع ان تنظيم الضباط الأحرار وخلاياه كان في غاية السرية وقد استفاد كثيراً من التجارب السابقة واستوعب فلسفة الطغيان الرجعي في قمع وإذلال الأحرار وإعدامهم.وقد تحمل الجميع مسؤوليتهم الوطنية خاصة بعد ان فاجأنا موت الإمام احمد وإعلان البدر السير على طريق والده فهب الجميع لمواجهة الحكم الفردي الإمامي والاطاحة بالظلم لتغيير الواقع الاجتماعي المتخلف خاصة بعد ان علمنا ان الحسن قادم والأمراء داخل صنعاء.. ولو تولى الحسن الحكم لاعاده إلى الوراء ألف سنة رجعي متخلف متزمت حاقد متعصب عكس البدر المتطور المتحضر المصلح فهو الذي عقد صفقة السلاح الروسي وعمل طريق الحديدة والميناء مع الصين.. ولكن كان الأمر بتصفية البدر والجميع.ومنذ ثالث يوم لقيام الثورة خرجت إلى ساحة المعارك والقتال أكثر من 40 جبهة حتى أواخر 66م وكنت قائد حملة الطويلة وشبام والمحويت ثم قائد محور آنس وقائد جبهة المحابشة ثم قائد محور خولان الشرقي ثم قائد لواء الحديدة وقائد لواء حجة ومدير كلية الشرطة ومدير الإذاعة ثم قائد محور خولان الشرقي مرة أخرى حتى نهاية 66م عينت سفيراً في الاتحاد السوفيتي وبعد فشل مؤتمر حرض وانتصار الجمهورية على الجانب الملكي تم عقد صفقة الطيران مع الروس لحسم المعركة وفك حصار السبعين وانتصار الجمهورية.الثورة .. وتشكيل الوعي الوطنيطبعاً هناك جيل جديد ولد بعد الثورة لا يمتلك المعرفة والدراية والأسباب والمسببات لقيام الثورة والتحديات التي واجهتها .. ونحن اهملنا في إعادة تربيته.. وبذلك جنينا على الجيل الجديد جناية كبيرة لانه حصل تجهيل متعمد عن الثورة وأهدافها ومبادئها وحصل تعتيم على كل أدوار الأبطال والثوار والشجعان والمناضلين منذ قيام ثورة 48م حتى الآن .. طبعاً كل ما حصل من إنجازات وتقدم لا يمكن مقارنته بالماضي السيئ كله سلبيات ولا يوجد لبيت حميد الدين أية إيجابيات.. لم يقدموا أي شيء لليمن فكانت الثورة ضدهم بسبب التخلف والجهل وحتى ثورة 48م جاءت بعد ان نصحوا الإمام يحيى لما تعبوا.. ثم ثورة 55م نصحوا الإمام احمد لما تعبوا.. وثورة 26 سبتمبر 62م النتيجة الحتمية لظلم واضطهاد الشعب لذلك قامت الثورة لتطوير وتحضير اليمن وإيجاد حياة كريمة للجماهير المظلومة والمسحوقة وبناء نهضة تنموية تأهل البلاد للحاق بركب الحضارة الإنسانية وتحقيق العدل والعلم والمعرفة.غياب التحليل والتقييم لمسيرة الثورة\مشكلتنا مع جيلنا الجديد هو انه لا يعرف شيء عن الثورة فالاحداث والمتغيرات لتاريخ مسيرة الثورة وما افرزته من تأثيرات ذات طابع سلبي في تشكيل الوعي الوطني لدى بعض الفئات وتشكل وعي مغاير لديها يتنافى مع قيم الثورة ومبادئها إنما يضع الثورة والوحدة كالديمقراطية أمام تحدٍ من نوع جديد آخر.. فاذا سألناه من هو أول رئيس للجمهورية اليمنية يقول: «علي عبدالله صالح» ثم من هو الذي قام بالثورة يقول هادي عيسى!! من كذا.. الخ ونحن نطالب الرئيس والحكومة بفرض حصة تربية وطنية للطلاب لانه حتى عندما كنا في سجن حجة كانوا يدرسونا تاريخ الإمامة وتاريخ الثورات التحررية الوطنية وغيرها، وكذا بعد قيام الثورة كان يدرس تاريخ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر والضباط الأحرار.. الخ.