نجل الرئيس الشهيد جمال جميل:
حاوره/ عادل عبده بشر الحوار مع نجل الشهيد الثائر جمال جميل يكشف ما لم يعرف عن حياة والده ونضاله واستشهاده وتنقل أسرته بين العراق واليمن.. فإلى الحوار.- نريد في البداية أن تعطينا نبذة عن المناصب التي تقلدتها في حياتك؟- أنا خريج كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1962م وبعد انتهائي من الدراسة التحقت بالعمل في وزارة الخارجية، وفي وزارة الخارجية تنقلت بين عدة مناصب، بدأت ببداية السلم حتى وصلت إلى درجة سفير، وكان آخر موقع لي في سفارتنا باندونيسيا في جاكرتا عام 1998م.. وبعدها عدت إلى العمل في وزارة الخارجية وعملت في دائرة شرق آسيا بحكم عملي في منطقة جنوب شرق آسيا، ثم أنهيت مدة خدمتي القانونية ببلوغي السن القانونية للتقاعد، والآن أنا على المعاش.- من مواليد أي عام؟- من مواليد 1942م.- هل أنت الابن البكر للشهيد جمال جميل؟- نعم.. نحن ثلاثة أخوة.. أنا لي أخ مقيم في أمريكا الدكتور محمد جمال جميل، كان يعمل فترة طويلة في رئاسة الجمهورية، وتم انتقاله للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية للتدريس في الجامعات الأمريكية، وتزوج هناك وأنجب ابنة واحدة، وهو الآن مقيم هناك.- وشقيقتك المهندسة؟- المهندسة لا زالت تعمل أستاذة في الهندسة المعمارية في كلية الهندسة بجامعة صنعاء.- كم لديك من الأبناء؟- لدي ثلاثة أبناء.. جمال “الكبير” وهو الآن يدرس في الجامعة اللبنانية وعلى وشك الانتهاء.. وابنتي سندس وهي الآن في الثانوية العامة.. وابني الصغير خليل لا زال طفلاً.- هل يمكن ان تعطي القارئ لمحة عن نشأة وحياة والدك الشهيد جمال جميل وانتقاله إلى اليمن؟- الوالد الشهيد رحمه الله جمال جميل من مواليد 1912م في مدينة الموصل شمال العراق، وهي مدينة عربية تفخر بعروبتها لأنها محاذية للاقليم الكردستاني، وبالتالي فأبناء مدينة الموصل هم عرب أقحاح متمسكون بعروبتهم وتمتد إلى الموصل أسر يمنية كثيرة، أذكر منها بيت الهمداني وإخوة آخرين، ويفخرون بانتسابهم إلى اليمن.. درس والدي الثانوية العامة في مدينة الموصل، وأنهاها- على ما أذكر- في المدرسة الثانوية الحضرية، ثم التحق بالكلية العسكرية العراقية وتخرج منها والتحق بالجيش العراقي.. تخرج طبعاً برتبة “ملازم” ثم فرق متعددة، حتى عين مرافقاً عسكرياً للفريق بكر صدقي الذي قاد ثورة 1936م في العراق وكان آنذاك في فترة حكم الملك غازي، وكان رئيس الوزراء ياسين الهاشمي، وكان معروفاً بارتباطاته الخارجية، ولهذا كان الفريق بكر صدقي ذو اتجاهات وطنية وتحررية وقاد الانقلاب، وأتهم الوالد رحمه الله وأربعة من الضباط الآخرين بقتل الفريق جعفر العسكري عندما أوفد جعفر العسكري على رئاسة قطع عسكرية لايقاف المد الثوري الذي قاده بكر صدقي.. بعد هذه الثورة قتل الفريق بكر صدقي بتدبير من نوري السعيد.أحيل والدي للمحاكمة وحكم عليه بأحكام قاسية منها الإعدام وعدة أحكام.. لكن الشباب من الضباط كانوا أقوياء داخل الجيش العراقي وهددوا بأعمال مضادة، فخفف الحكم إلى سجن ثم إلى سجن مخفف، ثم أطلق سراحه تحت ضغط وهيجان الضباط الشباب، وبدلاً من أن يعاد إلى الخدمة في الجيش، عين في منطقة اسمها العمارة على نهر دجلة، وكان هناك بداية تشكيل قوة بحرية عراقية، في تلك الفترة تم توقيع اتفاق بين الحكومة اليمنية والحكومة العراقية على تدريب وتأسيس جيش يمني حديث.. وكان الغرض تدريب وإنشاء جيش يمني، فاختاروا بعثة عسكرية بقيادة العقيد اسماعيل صفوت، ووالدي من ضمنهم وكانت فرصة للحكومة ان تتخلص من هذا “الضابط المشاغب” كما كانوا يسمونه يومها، وأبعدوه ضمن البعثة العسكرية العراقية إلى اليمن.- كم كان عددهم؟- كانوا اسماعيل صفوت، سيف الدين سعيد، محمد حسن المحاويلي.. كانوا ستة ضباط وضباط صف وجنود.. ثم وصلت البعثة العسكرية إلى اليمن وبدأت بتدريب جيش الإمام، وكانت مهمة صعبة جداً بالنسبة لها لأنه لم يكن هناك مفهوم جيش بالمعنى الصحيح .. قطعات صغيرة......- “مقاطعاً”.. في أي عام وصلوا إلى اليمن؟- وصلت البعثة العسكرية العراقية إلى صنعاء يوم 30 / 4 / 1940م.. - كانت مهمتهم تدريب الجيش الملكي التابع للإمام يحيى؟- نعم.. وانخرط الوالد بجد ونشاط وبدأ العمل مع زملائه، والكل كانوا مخلصين لأنهم بعدما شافوا حالة ووضع الجيش اندمجوا.. كل البعثة اندمجت مع المجتمع اليمني ومع الشعب اليمني ومع اليمنيين، وبدأوا بإنشاء جيش نظامي بمعنى الكلمة، وأول فصيل كان فصيل مدفعية وكان الوالد الله يرحمه مشرفاً على هذا الفيصل.زواجهم بيمنيات- هل كان والدكم الشهيد الوحيد من البعثة العراقية الذي تزوج في اليمن؟- لا.. تقريباً الغالبية تزوجوا، وعندما انتهت مهمة البعثة بعضهم اصطحبوا زوجاتهم.. أذكر اثنين، عابد عنيد وسيف الدين سعيد.. اصطحبوا معهم زوجاتهم.. طبعاً الذين تزوجوا خمسة.. اثنان اصطحبا زوجاتهما، واثنان طلقا زوجاتهما وبعدين سافروا والوالد بقى مع زوجته اليمنية في اليمن.- الزوجة من بيت من؟- بيت الآغا.- كم كانت مدة البعثة في اليمن؟- أربعة أعوام.. البعثة غادرت في نهاية عام 1943م.- هل كان بقاء والدك بطلب من الإمام؟- نعم.. بطلب من الإمام.. طلب رسمياً من الحكومة اليمنية بقاءه.. الحكومة العراقية بدأت ترحب بهذا الطلب فأحالته إلى التقاعد وهو شاب لم يتجاوز الـ36 سنة من العمر..- ثم عين مسؤولاً عن جيش الإمام؟- مش على الجيش كله.. تم تأسيس الكلية الحربية وعين للتدريس فيها ومسؤولاً عن الجيش الدفاعي.- لو كان الإمام يعرف انه سوف يقود الثورة ضده؟- (ضاحكاً).. طبعاً ما كان يمكن.. لأن الوالد الله يرحمه هو كان جاي من جو فيه حركات ثورية في ذلك الوقت.. فعندما اندمج مع الشباب والضباط ودخل مع المجتمع، بدأ يوجه انتقادات للإمام علانية، ولم يكن الوالد يومها مرتبطاً لا بتنظيم ولا بفكر معين ولا بتحزبات، إنما كان يعبر عما يشاهده وما يلمسه من ظلم ومن سوء أحوال الجيش، وأكثر انتقاداته للإمام عن سوء أحوال الجيش اليمني.جمال جميل لم يكن حزبياً- هل كان للوالد الشهيد أي توجه.. مثلا توجه اسلامي، توجه اخواني، توجه يساري؟- والله العظيم مثلما قلت لك الوالد لم يكن حزبياً ولم يكن مرتبطاً بأحزاب، إنما الجو العام المسيطر في تلك الأيام كان التيار الإسلامي.. في الاربعينات كانت بداية التيار الإسلامي والقومي العروبي.- هناك روايات تقول بأنه كان على ارتباط وعلاقات قوية بالاخوان المسلمين في مصر؟- لا.. كان يراسل العلماء في الأزهر الشريف وبعض قيادات الاخوان كعلماء مش كأخوان، لكن حكاية الإخوان هذه سوف نأتي لها فيما بعد، لأن حركة الاخوان المسلمين كانت مهتمة باليمن، واهتمامها باليمن على أساس انه مجتمع إسلامي بكر، وبهذا المجتمع يمكن إقامة الدولة الاسلامية، مع أن الشريعة الإسلامية هي اللي كانت مطبقة، بس الحكام من آل حميد الدين كانوا يطبقون ما يريدون.. فأرسلت الشيخ الفضيل الورتلاني مندوباً عنها لليمن لجس الأوضاع.. وهو جزائري الأصل، ومن الإخوان المسلمين.. لكن عندما جاء إلى اليمن جاء متنكراً بغطاء تجاري، وأنشأ الشركة اليمنية لدباغة الجلود.. - ونشاطه الاخواني؟ - الفضيل الورتلاني- كما قلت- جزائري الأصل، ولم يكن يتحدث عن جماعة الاخوان المسلمين، إنما كان يتحدث عن الثورة والدولة الاسلامية..- لماذا دائماً يقال الرئيس جمال جميل؟- “مبتسماً”.. بسيطة جداً.. كان الوالد الشهيد يحمل درجة نقيب ودرجة النقيب في الجيش العراقي تسمى بالرئيس.. فالوالد جاء وهو برتبة رئيس، وكان يطلق عليه الرئيس جمال، واستمر الرئيس جمال جميل حتى عم اللقب، لأنه كان في الأخير رئيس الجناح العسكري للثورة، هو القيادة العسكرية، والقيادة المدنية كانت عبدالله الوزير في ثورة 1948م.- كيف تحول من مدرب لجيش الإمام إلى عنصر ثائر عليه.. باختصار؟- كما قلت لك.. الرجل لمس الأوضاع، فابتدأ يتكلم عنها بصراحة.. - هل هو الذي اقترح على الثوار ان يثوروا ضد الإمام، أم انهم هم من اقترحوا عليه ذلك؟- لا.اتفاقية الإمام وأمريكا- يعني طلبوا منه مساعدتهم؟- نعم، لكنه لم يكن يتدخل إنما كان ينتقد.. أذكر أن الإمام يحيى، وقع في 1944م اتفاقية مع أمركيا، وأوفد الإمام يحيى سيف الاسلام عبدالله إلى الولايات المتحدة، وعندما وصل إلى أمريكا استضافوه واحتفوا به، كبداية مدخل لدخول أمريكا منطقة الجزيرة العربية، لأنه في تلك الأثناء كانت هناك نظريتان لمن تحل هذه المنطقة للانجليز أم للامريكان.. فكان هناك اهتمامات لأمريكا باليمن منها إقامة علاقات والدخول واحتلال القطعة الباقية، فرجع سيف الاسلام إلى اليمن متشبعاً بالفكر الأمريكي.. أقامت الدولة له احتفالاً بعد عودته من أمريكا، وكان الاحتفال في المبنى الذي هو الآن هيئة مكافحة الفساد بميدان التحرير وتحدث ناس وخطباء عن مآثر الإمامة وغيرها، وعرض فصيل من الجيش اليمني وكان الوالد أول مرة له في اليمن بعد مرور أكثر من اربع سنوات من تواجده فيها، يتحدث بصورة علنية وانتقد سوء حالة الجيش اليمني.وقال لسيف الإسلام عبدالله “أنت زرت بلدان العالم هل شفت جيشاً أضعف وأحقر من الجيش اليمني، هذا الجيش هو الذي سيحميك ويحمي الأمة، هل يرضيكم هذا الكلام؟!”.. والإمام جوَب عليه في اليوم الثاني فقال له: “عافاكم الله، من أين بلغكم هذا؟!!.. إنما ذكرتموه غير صحيح” !!.. وهذا أول نقد علني للوالد موجه إلى الإمام ولجيش الإمام وأوضاع جيش الإمام.- من ساعتها بدأت.....؟- “مقاطعاً”.. من ساعتها ابتدأ الناس يلتموا حول جمال جميل يأتون إلى عنده للبيت.. أذكر وأنا صغير، كنا نسكن في شرارة “ميدان التحرير حالياً”، كان هناك بيت اسمه بيت السياني.. كنا نسكن في ذلك البيت.. أذكر وأنا صغير انه كان يأتي اليه ناس من ضمنهم الله يرحمه سري شايع.. هذا سري شائع أعدم في ثورة 1948م.. وآل الحبشي، منهم التاجر الحضرمي المعروف حسين صالح الحبشي، هذا الرجل لا يذكر التاريخ عنه شيئاً مع انه كان له دور كبير في تمويل الثورة ودعم حركة الثورة، وناس كثير كانوا يجيئون إلى البيت.. حتى الورتلاني بعدما وصل إلى اليمن كان يجي إلى بيتنا.- مقاطعاً”.. هل تغيرت علاقة الوالد بالإمام بعد خطبته هذه؟- لا.. ما تغيرت علاقته.. الإمام اعتبرها صراحة.. رجل جاء من الخارج ويعرف حال الجيوش.. فلم يعتبر ذلك هفوة منه.. يعني رجل جاء يدرب الجيش. الثورة على الإمام- الترتيب للقضاء على الإمام يحيى.. من كان صاحب الخطة؟- الذي أذكره خلال متابعاتي تاريخياً ولقاءاتي بالناس، أن حسين الكبسي والفضيل الورتلاني وآخرين رتبوا للقاء مع الوالد.. جاءوا زاروه إلى البيت.. في هذا اللقاء تمت مفاتحته عن أوضاع اليمن، تطابقت الآراء بأن الأحوال سيئة وان الوضع يحتاج إلى تغيير، ففاتحوه بأن هناك فكرة التغيير وهناك قيادة يمنية تعمل من أجل التغيير. وبعدما لمسوا منه انه متعاطف وملامس لحالة الناس وان المجتمع يحتاج إلى تغيير فاتحوه بالتغيير.. قال لهم بس عندكم عقبة واحدة، قالوا له: أيش العقبة هذه؟!.. قال لهم: القبائل متمسكون بالإمام ويعتقدون ان هذا الشخص مقدس.. قالوا له: أنت غلطان احنا معنا اتصالات بقبائل كذا وكذا، وحددوا له أسماء كثيرة من قبائل وشيوخ قبائل وان هؤلاء الناس متعاونون.. بس لم يكن بس لم يكن من ضمن القبائل التي حدودها له قبائل شمال الشمال المتمسكة بالإمام.. قال لهم أنا أعرف هذا.. قالوا له أنت شخص لك ماضيك العسكري في العراق وشاركت في الثورة وحكم عليكم بالاعدام، ولك مكانتك عند الشباب في الكلية الحربية والضباط الشباب، كلهم ملتفون حولك ويحبونك.. لأنه- الله يرحمه- كان ما فيه مريض من الشباب من الضباط إلا وزاره وما عزاء إلا وحضره، وكان مندمجاً فيهم وكأنه واحد منهم.. قالوا له احنا نعرف هذا ولهذا احنا بحثنا في الخارطة حق الجيش ولم نجد ضابطاً يساعدنا.. يعني كشفوا له في تلك الساعة أنهم من العناصر التي تعمل على تغيير نظام الحكم البائد وقالوا له نظام مش يتغير إلى نظام جمهوري، بنفس القالب ولكن بوجود شخصيات أحسن، وقالوا له ان التركيز على الإمام عبدالله.. قال لهم: أنا أكرر أننا لن ننجح إذا لم يكن هناك ترتيب مع القبائل.. هذه القبائل يجب ان تكون في الصورة.. قالوا له ما تقلق احنا موضبون كل شيء.. رجع الفضيل الورتلاني يقول له: انت رجل شجاع وبطل فهل جبنت الآن لأننا بنطلب منك مساعدة الشعب اليمني؟!!.. قال له الوالد: لا.. إذا كنتم تعتبرونني جباناً فهذه يدي ممدودة الآن أساعدكم، وأكون معكم وأنا أول واحد، لكن فكروا بالعقبة التي قلتها لكم.. وهي فعلا كانت العقبة التي أجهظت ثورة 1948م بدخول هذه القبائل التي أشار اليها، لكن من حسن الطالع أن القبائل التي دخلت ودمرت صنعاء في عام 48م كانت من أوائل القبائل التي ساندت الثورة ووقفت معها والى اليوم هي مع الثورة ومع الشرعية الدستورية..لحظة الإعدام- هل حضرت أنت أو أي من الأسرة لحظة إعدام والدك الشهيد؟- لا والله ما حضرنا.- هل تم اعتقاله قبل الثورة بأيام أم متى؟- أحكي لك.. حركة 48 عاشت 25 يوماً، وفي الأيام الأخيرة الخمس من ثورة 48، كان الوضع متأزماً وعبدالله الوزير انعزل وقفل على نفسه، فقالوا أيش نسوي؟!!.. الثورة هذه حتنتهي!!.. هذا قافل على نفسه الأبواب في القصر واحنا نواجه الموت والقبائل، فقاموا شكلوا مجلس إمامة كبديل وعينوا الوالد رئيساً لمجلس الإمامة.. دافعوا قدر ما استطاعوا.. لكن صنعاء حوصرت من كل جانب، وما كان في مجال.. دخلت القبائل واستولت على صنعاء.. الوالد الله يرحمه اختفى فترة قصيرة ما حد داري أين هو!!.. وهم يدورون الرئيس جمال جميل وقد اعتقلوا الناس كلهم.- أين اختفى؟- إلى حد الآن أنا ما أقدرش أقول لك أين اختفى.- ولا حتى أنتم أسرته تعرفون أين اختفى؟- ولا حتى نعرف احنا.. حتى بعد فترة قصيرة جداً فوجئوا في دار السعادة بواحد يدق الباب.. فتحوا وقالوا له من أنت؟.. قال لهم أنا الرئيس جمال جميل.. قالوا له أنت مش الرئيس جمال جميل.. خافوا.. قالوا له اخلع الذي فوقك.. كان متغطياً بحاجة رماها.. قالوا له اخلع ملابسك، أنت ما جيت تشتي، قال: جيت اسلم نفسي وأواجه قدري واتحمل مسؤوليتي.. ما عاد بقي فوقه إلا السروال الداخلي.. نزلوا (يعسعسونه) ويفتشونه وما عاد فوقه إلا السروال الداخلي.. قالوا له أنت الرئيس جمال جميل، قال لهم أنا الرئيس جمال جميل، وفي تلك اللحظة هجموا عليه وقيدوه وربطوه.. هذه اللحظة الاخيرة.- كم قعد بعد ذلك؟- اعتقد مدة لا تزيد عن عشرة أيام.. - هل جاء إلى عندكم قبل الحادثة؟- آخر ليلة جاء لنا إلى البيت وأنا كنت حينها صغيراً عمري 8 سنوات والحدث كان كبيراً ومرسوماً في ذهني.. جاء بسيارة عسكرية من المساعدة الأمريكية التي قدموها لليمن ابو كشاف واحد وكانت الدنيا ليل.. وجاء وغير ملابسه وكتب وصية.. طبعها بنفسه على الآلة الكاتبة بأنه أنا ما عنديش دين لأحد وأنا كذا وكذا وكذا.. وخلاها على الآلة الكاتبة.. كان عنده آلة كاتبة.. وغير ملابسه وقبلناه وأخذ علب كبريت ومناديل وأشياء وخرج وهذا كان آخر يوم بعدما خرج طلعنا لقينا القميص العسكري اللي هو لابسه مخزقاً بالرصاص، ويظهر أنه- الله يرحمه- كان لابساً واقياً مضاداً للرصاص.. هذا كان آخر يوم هو عندنا في البيت، وبعدها خلاص!! اعتقل وحبس.. وعندما كان موجوداً في السجن كان يرسل لنا ملابسه نغسلها وكان يكتب لنا بالقلم الرصاص في السروال الأبيض الداخلي وبعد أن نقل إلى حجة أعيد إلى صنعاء وأعدم فيها.. عندما أبلغنا أن الوالد أعيد إلى صنعاء أرسل الوالد رسالة للوالدة وقال لها: أنت ستصلين إلى السعودية والأحوال في السعودية أفضل من اليمن، لأنك تقدرين تتحدثين وتبلغين رسالتي للملك عبدالعزيز آل سعود، تقولين له: (يقول لك جمال جميل: أنت أيدت الباطل على الحق).. لأنهم أيدوا الإمام في تلك الفترة وساعدوه للقضاء على الثورة.. وهذا كان آخر اتصال لنا بالوالد، وبعدين الوالد أعدم واحنا في الطريق ما بين صنعاء والحديدة.- هل كنتم على علم عندما أعدموه؟- لا.. لأن سفرنا من اليمن كان قبل أن يعدم.. لكن عانينا معاناة قاسية.. يعني حتى أخوة الوالد في العراق اجتمعوا وقرروا استقدام الأسرة، وبعد مشقة طويلة حصلوا على موافقة من الإمام أحمد أن نسافر.. قبل إعدام الوالد بأسبوع خرجونا من صنعاء.- إلى العراق؟- إلى الحديدة.. وفي تلك الأيام كان طريق الحديدة صنعاء ترابياً وكان صعباً.. جابوا لنا سيارة (لوري) .القبائل طادرونا- “مقاطعا”.. أريد أن تحكي لنا فترة ما قبل سفركم إلى الحديدة.. يعني ما بين دخول القبائل إلى صنعاء وفشل الثورة حتى سفركم إلى الحديدة؟- القبائل دخلت إلى صنعاء وكانوا يبحثون عنا.. كنا في منزلنا في الشارع المسمى حالياً بـ”شارع جمال عبدالناصر”.. واقتحموا المنزل وحاصروه، وكان في البيت عساكر مخلصون للوالد، جلسوا يقاومون من الصباح حتى العصر.. تعرف أنت البيوت القديمة فيها أماكن للرماية من فوق والقبائل كانوا يضربون من خارج.. يعني لو كان معهم مدافع كان خربوا البيت بالمدافع، لكن جلسوا يضربون البيت حتى نفذ ما معنا في البيت من ذخيرة ونفذ ما مع العساكر من سلاح، وبعض العساكر أصيبوا بجروح بالغة وجاءوا إلى عندنا.. احنا كنا نتخبى داخل البيت في حمام مبطن بالحجر الأسود لا تؤثر فيه الرصاص، وكانوا يدخلون ويستأذنون ويقولون للوالدة: ما عندناش إمكانية نقاوم، وتقول لهم: شوفوا لكم طريقاً واهربوا يا أولادي.. حتى آخر عسكري ما عد قدرش يقاوم!!.. ذلك العسكري- الله يرحمه- كان اسمه محمد الزبيري، رجل مخلص وبقي معنا إلى آخر لحظة وقد جسمه كله رصاص.. قالت له الوالدة: شوف لنفسك أي طريق واهرب بس سكر الباب في الوقت الذي اقتحمت فيه القبائل البيت.. القبائل عندما اقتحموا البيت ما كانش همهم احنا في البداية.. كان همهم يلفلفون الموجود.. لفلفوا وكسروا وقلعوا الشبابيك وغيرها.. وكانوا (يجوا) إلى عندنا ويسألوننا: أين الذهب؟.. أين كذا؟.. ما فيه غرفة إلا وحفروها في تلك الأثناء، كان عندنا بنت تعيش معنا وتعاون الوالدة، أبوها جاء يشتي ينقذها.. دخل شاف الوضع واحنا منزوين في تلك البقعة، في الحمام وبنته معنا، وبدأ يفاوض القبائل ويقول لهم: فكوهم هؤلاء أطفال، قالوا له با نقتلك.. الرجل اختفى- تقريبا- ثلث ساعة ورجع.. لأنهم عندما دخلوا وما عاد لقوا حاجة بدأوا يشدون ما فوقنا من ملابس من فوق الوالدة.. حتى الستائر التي تتغطى بها النساء كانت فوق رأس الوالدة والقبائل شلوها.. وبعدين فكر وفكر وفكر وقال لنا: انزلوا بعدي دلا دلا والقبائل كانت تدخل تنهب وتدمر، فكان الذي يدخل يخرج وقد معه حاجة.. والجديد يشتي يدخل وما يخرج إلا ومعه شيء.. كنا وراء الشيبة هذا واسمه ناشر الحمامي الله يرحمه وأولاده ما زالوا أحياء.. واحنا بعده دلا دلا..طبعاً هو يعرف البيت جيداً لأن بنته كانت عندنا وتعاون الوالدة.. خرجنا من مكان، بستان خلف البيت وشلنا وقال لنا بعدي بس أنتم ما تتكلموش، فكنا نمشي متماسكين واحد وراء الثاني.. الوالدة حاملة البنت الصغيرة وأنا وأخي محمد وراء بعض ماسكين الوالدة من الستارة حقها، وهو أمامنا يلتفت ويطمئن لأن الناس ما كانوش يعرفون من هؤلاء الذين يمشون، خصوصا أن حالتنا كانت مزرية.. دخلنا بيته.. عرف القبائل أننا دخلنا بيته.. هجموا عليه وكانوا يقولون له: سلمنا أولاد فلان، قال: ما همش عندي.. وكان فيه واحد بشرته سوداء يبدو أنه من تهامة وكان- ما شاء الله- جثته ضخمة.. كان يقول لهم ما (تشتوا) أنا العبد حق الإمام.. فافتجعوا وساروا في الأخير افتضح فقتلوه.. الراجل هذا ناشر الحمامي ما يفعل؟!!.. عنده طبقة فوق البيت مخزن للحب.. شلنا الراجل ودفنا بين الحب.. كنا كل شوية نخرج رأسنا نتنفس ونرجع.. دخلوا فتشوا بيته، وكل ما (يجوا) ناحية الحب ندفن رؤوسنا بين الحب ونتنفس غباراً إلى أن جاء المساء.. سار إلى بيت العباس ابن الإمام وقال له يا مولانا هذولا أطفال ولا تزر وازرة وزر أخرى، قال له أديهم إلى عندي ورسل معه اثنين عساكر.. خرجنا بيت ناشر الحمامي والاثنان العساكر واحنا بعدهم إلى أن وصلنا بيت العباس.. في بيت العباس خلونا في غرفة ما كناش نقدر ننام ومن صوت الرصاص.. يعني عاد الأوضاع في اليوم الأول من دخول القبائل فوضى.. صنعاء ناس يقاومون وناس ينهبون وناس مش عارف أيش؟!!.. فقامت الوالدة عملت رسالة باعتبارها تعرفهم.. تعرف بيت الإمام، لأن والدتها اللي هي جدتي صديقة لبنات الإمام وكانت تروح تزورهم ويزورونها، فكانت العلاقات كويسة وخاصة مع بيت القاسمي.الانتقال إلى منزل الحبشي- هل كانت الوالدة تجيد القراءة والكتابة؟- أيوه.. لأنها كانت تدرس في المعلامات حق زمان.. فكتبت لهم رسالة قالت فيها: اسمحوا لي انتقل إلى بيت السيد حسين الحبشي.. طبعاً حسين الحبشي اللي أنا ذكرته التاجر الحضرمي المعروف كان مع الثورة في 48.. شلونا بيت الحبشي.. الرجل الكريم فتح بيته واستضافنا وبتنا الليلة في أمان.. ما فيش رصاص ولا فيه قتال ولا فيه شيء في الشوارع.. إنما الصباح العساكر في الباب.. شلوا بيت الحبشي كلهم.. العيال والشباب ولا خلوا (واحد).. وقالوا له اطردوا هؤلاء من بيتكم.. قال لهم: هؤلاء جاءوا إلى عندي بإذن من العباس، والعباس هو المسؤول عن صنعاء في تلك الأيام، وقال لهم: هذا إذن منه (العباس).. قالوا: ما بش.. اطردوهم إلى الشارع.. قال لهم: ما يخرجوش قالوا: يا الله.. أخذوه هو وعياله وأولاد عياله إلى الحبس واحنا بقينا آمنين بصراحة ما حد جاء.. احتبس الراجل وعياله لكن ما حد يؤاذينا.. وكنا نأكل ونعيش في ذلك البيت وفي يوم من الأيام فتح الباب ولقينا حسين حسين صالح الحبشي - الله يرحمه- معلقاً الجزمة حقه على العصا وداخل حافي بيضحك.. قال: أنتم بخير يا أولادي.. قلنا: احنا بخير.. دخل واثنين من أولاده والبقية عادهم محبوسين.. وبقينا فترة في بيت الحبشي.. الوالدة الله يرحمها كتبت رسالة إلى أحد أولاد الإمام الذي كانت على علاقة بزوجاته.. قالت له فيها: خلوني تحت نظركم في أي مكان تشتوه.. كلما نشتي بيتاً ننتقل إليه أصحاب البيت يرفضون.. والذي يوافق يدقون بابه بعد ثلاثة أيام: أولاد فلان عندك.. في البيت الذي كنا نسكنه، من الصبح نلاقي الجهال عاملين مظاهرة (لعن الله معاوية والعراقي وخبرته).. حتى جاء شخص- الله يرحمه- من معارف الوالد اسمه مختار العجمي، أولاده أطباء ويعملون في الدولة سمع بما يحصل لنا، وراح واحد من سيوف الإسلام وقال له يا أخي حرام عليكم، انا مستعد أدي لهم (بيت) بس أدوا لي الأمان.. اليوم أدخلهم وثاني يوم المظاهرة في الباب.. فعلاً انتقلنا إلى هذا البيت وفكينا العبء عن بيت الحبشي الذي كان في السجن.. انتقلنا إلى هذا البيت وبقينا فيه فترة، لكن كان يتوفر لنا نوع من الأمان..- أي من سيوف الإسلام الذي وافق على طلب مختار العجمي؟- سيف الإسلام إسماعيل الذي أدى الموافقة، وكان بيته قريباً من البيت الذي انتقلنا للسكن فيه، وكان قريباً أيضا من بيت الحبشي.. كنا في محيط آمن نوعاً ما فانتقلنا إلى بيت مختار العجمي وعشنا فيه فترة بأمان نوعا ما.. وكنا نعيش على ما يأتينا من معونات وصدقات، وكانوا أحيانا (يجوا) في ساعات من الليل في الساعة عشر، ويدقون الباب ونفتجع ونصيح: من؟!!.. ونلاقي العساكر (يدوا) شوية رز من سيف الإسلام إسماعيل وشوية سكر و(حب) وثمانية ريالات.. ثمانية ريالات ما لها شي، كانت تلعب دوراً.. وفجأة نعلم أن هناك اتصالات من أعمامي الذين كانوا في العراق، وبعد صعوبة انتقلنا إلى العراق.. ومثلما ذكرت لك سافرنا أولاً إلى الحديدة وركبنا (موتر كبير) مع أسر كثيرة وأذكر السواق الله يرحمه كان ناجي حمران.. من بيت حمران أسرة معروفة.. الرحلة من صنعاء إلى الحديدة أخذت أسبوعاً كاملاً، مع أنها سيارة لكن ما كانتش الطرق معبدة، وكانت السيارة توصل منطقة ينزل السواق ومساعدوه يبعدون الحجار من الطريق، وهذه لوحدها تحتاج ثلاث إلى أربع ساعات، وهكذا كلما نصل منطقة ينزلون يبعدون الحجار من الطريق، أو عندما نصل منطقة صحراوية السيارة تغرز.السفر إلى العراق- وبعد أن وصلتم إلى الحديدة؟- احنا بقينا في الحديدة ننتظر باخرة تنقلنا من الحديدة إلى جدة حاكم الحديدة يومها العمري واستقبلنا.. وسكنا في بيت حاكم الحديدة، حتى بلغونا أن فيه باخرة ستصل.. الباخرة أخذتنا بعد وصولها ومشينا إلى جدة.. وصلنا إلى جدة في بيت القنصل العراقي، أحسن ألف مرة من وضعنا في بيت عامل الحديدة، والحقيقة أن الرجل أكرمنا، لكن الوضع كان يفرض نفسه.. في جدة انتظرتنا طائرة أقلتنا إلى البصرة، ومن البصرة غيرنا الطائرة إلى بغداد، وعشنا في كنف عمي اللواء خليل جميل الله يرحمه، كان منصب أركان حرب الجيش العراقي آخر منصب له.. واحنا نروح المدارس العراقية وعندما كنت على وشك إكمال الثانوية العامة قامت الثورة اليمنية 26 سبتمبر.. أرسلت رسالة إلى الوالد المشير عبدالله السلال رحمه الله أهنئه بقيام الثورة، ومع أنني أرسلت الرسالة بالبريد العادي وصلت الرسالة، وقرأها المشير ورد عليها بنفسه، وأذاعها من إذاعة صنعاء الأستاذ أحمد حسين المروني بنفسه حيث كان وزير الإعلام.. والوالد المشير عبدالله السلال رد علي برسالة ووصلت لي وأنا في العراق.. في تلك الأثناء أنا كنت أدرس بانتساب في كلية الحقوق بجامعة دمشق.. وكنت موظفاً في المصالح الحكومية العراقية.. كنت موظفاً أعمل وأساعد عمي اللواء خليل جميل في الأسرة التي كانت كبيرة، فكنت أنا أخفف عنه العبء واشتغل وأعيل جزءاً من احتياجات العائلة وأدرس بانتساب في جامعة دمشق، واستمر الحال هذا إلى أن قرر الوالد المشير عبدالله السلال زيارة العراق.. في تلك الأثناء كنت مسافراً من الموصل إلى دمشق لتحضير الامتحانات وكان هناك صراع حزبي.. كان حزب البعث هو اللي سيطر على الحكم في العراق، وكان هناك شباب ناصري مطاردون من قبل البعثيين، وأنا كنت راكب القطار من الموصل إلى دمشق إلى حلب، فساعدت أولئك الشباب بالهروب وأوصلتهم إلى حلب وإلى دمشق.. والمشير السلال في تلك الليلة- وأنا في القطار ومعي هؤلاء الشباب- وصل إلى سوريا.. أنا مشغول بالجماعة وما كانش عندي خبر أن الوالد المشير سيصل إلى سوريا وإذا بي في ثاني يوم الصبح أقرأ في الصحف السورية أن المشير عبدالله السلال وصل إلى دمشق.. فكرت وسألت نفسي: هل أتصل بهذا الراجل وأنا رجل داخل بجواز سفر عراقي؟!!.. فكانت مغامرة!!.. في المساء تمكنت من اللقاء بأعضاء الوفد اليمني وكانوا ينزلون في فندق (سمير أميس) والمشير السلال في دار الضيافة.. التقيت بعبدالله جزيلان وبغالب الشرعي، وكان معهم مكرم محمد احمد اللي هو كان رئيس تحرير الأهرام وكان ضمن الوفد اليمني.. التقيت بهم والجماعة فرحوا وانبسطوا.. قالوا المشير السلال سوف يحضر حفلة يقيمها له أمين الحافظ الرئيس السوري يومها.. قلت لهم أنا حوصل للمشير.. حوصل للمشير!!.. قالوا تعال معنا ندخل الحفلة، قلت أنا حوصل للمشير.. سألت وين الحفلة قالوا في المكان الفلاني.. وصلت إلى الحفلة والوفد بيدخل من أمامي وانا با أدبر طريقة للدخول.. قلت أنا من الوفد اليمني بس راح الجماعة بالسيارات وما قدرت ألحقهم.. والله الشباب السوري كانوا كويسين.. قالوا لي اتفضل بدون سين وبدون جيم.. مجرد ما قلت أنني من الوفد اليمني دخلت من الخلف وبدأت أخترق من فوق المسرح إلى تحت.. يسألونني من أنت يا أخي.. أنا من الوفد اليمني.. تفضل.. ما فيه أية آلية.. والرئيس السوري والحكومة السورية.. كان زياد الحريري رئيس الأركان.. وصلت إلى الصف الثاني لقيت العميد غالب الشرعي ولقيت العميد عبدالله الضبي وتسالمنا.. قالوا: المشير هوذا أمامنا، وقالوا لي اجلس واحنا حنقدمك له الآن.. وكان على مسرح سميرة توفيق، كانت يومها على علاقة بزياد الحريري.. وكان الأمر مكشوفاً.. تغني والغناء كله نحو زياد الحريري.. المهم أن أحد أعضاء الوفد اليمني قام إلى عند المشير السلال وهمس في أذنه وقال له: فلان موجود، وهو بيدور علي طبعا، فالرجل قام من فوق الكرسي والتفت وأنا قد بين أرعد.. وصلنا إلى عنده وتعانقنا وقدمني المشير السلال بنفسه لأمين الحافظ.. قال لي دبر الحال، بكرة الصبح قابلني في دار الضيافة.. تجلس مع الإخوان أو كيف..!!! المهم سلمت عليه وجلست حتى كملت الحفلة وخرجوا مع أمين الحافظ وأنا من الصبح بدري وصلت دار الضيافة.. الشيء اللي كان لطيفاً الإخوان السوريون، فيهم لطف وفيهم نخوة عربية أصيلة أكثر من أي شعب عربي آخر، ما فيش الرسميات هذه من وين جاي ولا وين رايح!!!.. وصلت الصبح الساعة ثمانية إلى دار الضيافة.. الشرطة العسكرية السورية والأمن يسألونني وأرد عليهم، أنا مع الوفد اليمني ويقولون لي اتفضل بدون تفتيش وبدون أية حاجة.. دخلت لقيت المشير السلال وسلمت عليه وجلست جنبه وكان هناك العميد غالب، حتى أنني محتفظ بصورة.. قابلت المشير السلال.. كيف الحال وكيف الصحة وكذا.. قال: احنا (مسافرين) العراق أين نلتقي؟!!.. قلت له: يا أفندم ما تقلقش علي وأنا أدبر حالي بس أنا عندي مشكلة، شباب ناصريون عراقيون هاربون من البعثيين وما أشتيش يقعون في أيدي البعثيين هنا لازم أدبر لهم وسيلة للانتقال إلى مصر، سألني: نلتقي في مصر؟!!.. قلت له: إن شاء الله، وكان آخر لقاء في سوريا.. هو سافر الليل العراق وأول ما وصل التقى بالأسرة وقال لهم إنه التقى بي، وعندما سافر إلى القاهرة شلهم معه.. وبعد ذلك وصلت إلى القاهرة والشباب استقبلوني والمشير وصل الليل في نفس اليوم وسأل بنفسه عني، وقال له العميد الشرعي: الأولاد با يستقبلونه.. وصل أخي وأختي ووالدتي مع المشير إلى القاهرة والتقينا الصبح.. كان المشير قلقاً علي من أن تكتشف السلطات السورية موضوع الشباب الناصريين الذين كنت أشتي أهربهم.. فالمهم المشير السلال رتب الأمور وكان معه أوامر أداها للسفارة، رتبوا للأولاد اللي يشتي يجي معي يجي معي واللي يشتي يلحق يلحق فيما بعد.. خلاصة الموضوع أنني سافرت إلى صنعاء وأخوتي بقوا في القاهرة.- سافرت مع المشير السلال؟- لا.. سافرت بعده وأخوتي ووالدتي بقوا في القاهرة، ورحت إلى صنعاء دبرت أمورهم.. وهم استأجروا لهم شقة يجلسون فيها علشان يستكملون الدراسة.. أخي التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأنا نقلت من جامعة دمشق إلى جامعة القاهرة لأنني قد كنت كملت سنة في جامعة دمشق.الثورة مهددة- بعد 50 سنة من عمر الثورة، هل ما زالت الثورة مهددة؟- كيف مش مهددة؟!!.. احنا الآن في التهديد!!.. اللي حاصل الآن هو تهديد للثورة اليمنية، لأن التهديد- مع الأسف- جاء من وين؟!!.* من أين؟- جاء من الرجعية اللي ما زالت موجودة ومعشعشة في اليمن.غير سوريا.. وضع مختلف تماما.. ليش يطبقونه في اليمن؟!!..