قصص قصيرة
نهار حسب الله:1. بعد أن غادرتُ الأنفاس الأخيرة رغماً عن شبابي وابتسامتي التي رسمت لها الأزل..جاء موتي بعد تأثري برصاصة لم تكن في خدمة احد إلا الموت نفسه..صارت جثتي بضاعة مكدسة بطريقة عشوائية حد التلف في ثلاجات الطب العدلي، بضاعة غاب اسمها وتاريخها بين ذلك الكم الهائل من البضائع المخزنة.نقل جثماني إلى مقبرة التالفين.. مقبرة الشهداء الخالدين، حيث جثمان جيوش من الشباب الطيبين، كنت محظوظاً من بين كل الحاضرين لاني وجدت مكاناً للتخزين في قلب تلك المقبرة التي استحدثوها لاستقبال أمثالي.إلا أن قبري لم يكن يحمل اسمي.. لعل قطعة المرمر كانت متثاقلةً منه بعض الشيء.. حاولت إخراج يدي من لحدي بتكلف معقد ومتعب بغية كتابة اسمي على وجه السرعة، لأكون تذكاراً عن أيامي التي لا أود أن تندثر في غيابي.غير أني فوجئت بان يدي دفنت في قبر آخر مع أشلاء متفحمة.2. لسمعتي الطيبة في الحياة.. وابتسامتي التي باتت خالدة تأبى الغياب عن ذاكرة المحبين، تمكنت جثتي من المحافظة على ذلك الحب حتى بعد تفسخها مع مرور الزمن، بوصفها لم تأخذ حيزاً من المقبرة وإنما اكتفت بمساحة بسيطة جداً فضلاً عن قلة زواري من الأحباء مما حافظ على سكون المقبرة... وهو الأمر الذي رشحني لانتخابات رئاسة مقبرة المهمشين.ويوم تقرر تدقيق ملفي الخاص الذي احتفظ به حفار القبور.. تم إقصائي من الانتخابات لأن سيرتي الذاتية كان قد كتب عليها (مجهول الهوية).3. بعد موتي بأيام قليلة.. تنبهت لكل من حولي من الأموات.. واستمعت لموضوعاتهم الساخنة التي كانت تشغل أفكارهم وتثير مخاوفهم منذ زمن طويل.سمعت احدهم يقول:سمعنا أن في الصين تحرق الجثث وتحول إلى رماد ثم توضع داخل علب صغيرة جداً وترسل إلى ذوي الجثة.وهذا ما كان يخيفني جداً.. لأن أهلي كلهم دفنوا جواري.وقال آخر:وقيل أيضاً أن الهند تبيع جثث موتاها للدول المتقدمة وذلك للخلاص منها والعمل على إجراء الدراسات الطبية وعلوم الأبحاث والتشريح.وأضاف ثالث:ألم تسمعوا عن دفن جثث في قاع البحر..؟هذا الأمر يخيفني حد الرعب كوني لا أجيد السباحة.قاطعت كلام الجميع بصورة فضولية:ممَ تخشون أيها الأصدقاء.. فينا من دفنوا أشلاء، وغيرنا من ماتوا حرقاً، فضلاَ عن الأغلبية التي مزقتها رصاصات مجهولة، إلى جانب الجثث التي مثل بها بأبشع الوسائل.ومع أن وطننا يحترم وجودنا.. ويقدس موتنا إلا أننا لا ننفع إلا لأن نكون تاريخاً للموت الجماعي، أو مصدراُ نفطياً ينتظر من يسرقه ولو بعد حين، ومن الممكن أن نشكل إعلاناً انتخابياً غير مكلف لأي مسؤول حكومي..أرجوكم التزموا الهدوء حتى لا تكونوا مشاغبين.