الافتتاحية
كل واحد فينا يرى نفسه على حق.. والدنيا كلها في الناحية الأخرى على خطأ!!! وإيمان أو قناعة أي إنسان بأنه على حق، لا يعني بالضرورة أنه كذلك وكثيراً ما نصور لأنفسنا أو نوهمها أن الواحد منا هو أطيب إنسان وأفضل إنسان وأننا لا نخطئ أبداً وأن الآخرين من حولنا هم الذين يرتكبون أو يبدؤون بالخطأ!! ونحن دائماً الأبرياء والمجني عليهم، وبقية الناس من حولنا هم المتهمون والجناة.. وفي داخل كل إنسان محام يدافع عنه في الحال بالحق وبالباطل! وهذا المحامي الوهمي هو الذي يدافع عن أخطائه ويقدم له مبررات لهذه الأخطاء والخطايا، وفي نفس الوقت فإن وكيل النيابة في أعماقنا، وهو الذي يلعب دوره الضمير، ينكمش ويتراجع أمام بلاغة وفصاحة محامي تبرير الأخطاء.وإصرار الإنسان على أنه على حق هو السبب الأول الذي يجعله يختلف مع الآخرين ويصطدم معهم وبهم، والغريب أنه في نفس الوقت الذي نبرر فيه أخطاءنا ونحاول التهوين من شأنها أمام أنفسنا وأمام غيرنا، نقوم بتهويل أخطاء الغير من حولنا والمبالغة فيها ونقيم المحاكمات القاسية للآخرين بينما نعطي أنفسنا البراءة مقدما في أي محاكمة قد نقف فيها موقف المتهمين. تلك طبيعة الإنسان وتكوينه وهي في نفس الوقت موقف صراع النفس البشرية بين أن أكون ( أنا ومن بعدي الطوفان ) وبين حالة الصلح الحقيقي مع النفس ومع بقية الكائنات... وهي دروس علمتني إياها الحياة لكنها دروس جاءت متأخرة. فما أكثر من ظلمت وأنا أنظر لمن حولي بنظارة الأنانية الإنسانية وما أكثر من أود الاعتذار لهم لأنني كنت قاسية وأنا انظر إلى أخطائهم ورحيمة وأنا أواجه أخطائي!! ولا يعرف التسامح إلا المحظوظ الذي يقفز فوق أنانيته. اللهم اجعلني من هؤلاء المحظوظين.