الدكتور / يحيى العزي لـ 14 :اكنوبر
لقاء/ زكي الذبحانييتوجس البعض خيفة من الإصابة بالسكر لشيوعها في زماننا هذا.. وبالمقابل ينقصنا الكثير لنعلم حقيقة هذا المرض. فما حقيقة مرض السكر؟ وما أسبابه؟ وما الذي يتعين على المرضى المصابين اتباعه من إرشادات لتلافي المخاطر والاعتلالات؟ وما النظام الغذائي الأنسب لهم والأسس والاعتبارات الغذائية الواجب التزامهم بها في الشهر الكريم؟ الدكتور/ يحيى العزي - استشاري الباطنية والغدد الصم، يجيب بدوره على كل هذه التساؤلات مورداً الكثير من الحقائق المتعلقة بمرض السكر وما يتعين لتلافي مشكلاته وتداعياته في شهر رمضان، وذلك في اللقاء الذي جمعنا به في السياق التالي:مرض مزمن* السكري داء مزمن تبدو المعاناة من جرائه بمجتمعنا في تزايد مستمر.. فهل ثمة توضيح لأصل ودواعي هذه المشكلة المرضية ؟** أساس المشكلة ومنبعها البعد عن نمط المعيشة الصحية، فالغذاء الذي نتناوله غني بالسعرات الحرارية بما لا يتلاءم مع النشاط البدني الذي نزاوله في حين أن الكثير من الناس صاروا يميلون إلى الكسل والخمول، علاوة على ارتباط المرض بالسمنة وعامل الوراثة .ويمكن تعريف مرض السكر بأنه خلل في استقلاب مادة السكر نتيجة انخفاض نسبي أو مطلق في مادة الأنسولين، مما يؤدي إلى اضطراب في استقلاب الدهون والبروتينات وظهور أعراض السكر المعروفة. والأنسولين - للعلم- يعد المنظم الرئيسي لمستوى السكر في الدم؛ تفرزه خلايا(بيتا) في البنكرياس.لذلك فارتفاع تركيز السكر بالدم عن المعدل الطبيعي، إما بسبب نقص إفراز الأنسولين، أو لوجود مقاومة لفعله على مستوى الخلية من قبل عدة عوامل تجعل الأنسولين ُيفرز بمعدل طبيعي غير فاعل. وينتج عن اضطراب التوازن في عمل الأنسولين تغيرات في استقلاب السكريات والدهون والبروتينات.والإصابة بهذا الداء المزمن لا تقتصر على فئة بعينها، فهو يصيب الرجال والنساء، كباراً - وهم الأغلبية- أم صغاراً ؛ فضلاً عن التباين والاختلاف في أنواعه ودرجاته بين المصابين..فهناك من يمكنه السيطرة على مرضه عبر تنظيم الوجبات والانضباط الغذائي فقط، وآخرون يلزمهم إلى جانب ذلك لتنظيم السكر تناول دواءٍ عن طريق الفم، وقسم آخر لا تتم السيطرة على نسبة السكر عنده إلا من خلال الحمية وحقن الأنسولين .من جهة أخرى ثمة عوامل خطورة ينسب إليها بالتوافق مع الاستعداد الوراثي للإنسان التسبب في إحداث المرض، معظمها مرتبط إلى حد كبير بأنماط السلوك الشخصي وتغير أنماط الحياة، وهي:- السمنة، وبشكلٍ خاص لمن تجاوز سن (40عاماً).- قلة النشاط البدني والخمول. - تناول الغذاء غير الصحي.- مضغ القات المسمم بالمبيد. - مرضى ارتفاع ضغط الدم- أن يكون أحد الوالدين أو أحد الأقارب مصاباً بداء السكري.- الإصابة بسكري الحمل، أو إنجاب أطفال أوزانهم فوق(4,5كيلو غرام).[c1]معيار السماح والمنع من الصيام[/c]* في إطار التصنيف لحالات السكر، سواءً النوع المعتمد على الحمية والحبوب المنظمة لسكر الدم أو النوع المعتمد على حقن الأنسولين.. فكيف تتحدد إمكانية الصيام من عدمه لهذه الحالات عموماً ؟ وماذا يلزم على المريض عمله في حال أن شعر بحالة هبوط مستوى سكر الدم؟** إذا ما أتينا إلى ذكر الصيام وتقرير متى يسمح أو لا يسمح لمرضى السكر- على عامتهم- بالصيام، فإنه لا بد - قبل كل شيء - من ملاحظة المريض الذي يرى أن بمقدوره الصيام في اليوم الأول من رمضان مع قياس مستوى السكر لديه عدة مرات، حيث من الضروري عمله لهذا الفحص ليحافظ على ثبات نسبة السكر بالدم ضمن المستوى الطبيعي، من(120-70) لكل سم مكعب، فإذا ما ظهرت عليه - لا سمح الله- أعراض هبوط السكر (جوع شديد - رعشة في اليدين والجسم- رجفة في القلب - وهن وضعف - تعرق)، عندها يتم إجباره على الإفطار بإعطائه نصف ملعقة من السكر مذاب في كوب ماء أو أية مادة تحتوي على السكر، ومن ثم عرضه على الطبيب. وعلى العموم، لا توجد قاعدة واحدة يتقرر بموجبها صيام مرضى السكر على اختلاف تصنيف مرضهم وظروف حالاتهم المرضية، باستثناء حالات معينة يمنع معها الصوم، مثل: - مرضى النوع الأول لمرض السكر المعتمدين على الأنسولين.- الذي لا يتمكن من تنظيم السكر لديه.- من يحتاج إلى أكثر من(40 وحدة)من الأنسولين في اليوم.- من تم تشخيص مرضه قرب رمضان ولم يعرف بعد جرعة الدواء المناسبة له- الحوامل المصابات بهذا المرض.- مريض السكر الذي لديه مرض آخر، كمرض القلب وانسداد الشريان.ولمزيدٍ من التوضيح فإن داء السكر على نوعين، على أساسهما يتعين تقرير صوم مرضاه أو منعهم منه مع الأخذ بمقتضى الظروف والمتغيرات وخصوصية كل حالة:-- القسم أو النوع الأول (المرضى المعتمدين على حقن الأنسولين) :هذا النوع يظهر - عادة ً- في سن مبكرة (الطفولة -الشباب )، وأعراضه - غالباً - ما تظهر بشكل فجائي، وتتميز بعدم وجود إفراز للأنسولين من البنكرياس. وبذا فإن هذا النوع يتطلب حقن المريض (بالأنسولين) واتباعه لنمط مناسب في التغذية..من المهم الأخذ بمعيار عدد الوحدات اليومية من حقنة الأنسولين. فالمريض الذي يحتاج إلى أكثر من(40 وحدة) عليه أن يفطر؛ كذلك المعتمد يومياً على تعدد جرعات الأنسولين لا يجب أن يصوم . وعلى هذا الأساس لا أنصح بصيام مرضى السكر من النوع الأول، تلافياً للأضرار .إلى جانب ذلك يتعين عليه وعلى من يتولى شؤون رعايته الإلمام بعلامات ومضاعفات المرض بمظاهرها المختلفة. فالنقص الشديد والحاد لسكر الدم - مثلاً- أكثر ما يلاحظ لدى مستخدمي الأنسولين للعلاج، إما نتيجة الحصول على جرعة زائدة من الأنسولين أو أخذ الجرعة دون تناول طعام، أو نتيجة ممارسة مجهود بدني شاق يستنزف طاقة الجسم.ومن هنا ينصح مريض السكر لاسيما المعتمد على(الأنسولين) بحمل بعض السكريات معه دائماً تلافياً لحالة هبوط السكر.- القسم الثاني (المرضى المعتمدون على الحمية أو الحبوب):أي لا يعتمد علاجه على حقن(الأنسولين)وإنما على حبوب تنظيم مستوى سكر الدم ، ويشيع حدوث هذا النوع بعد سن الأربعين من العمر، ولعل أبرزهم من يعانون السمنة، وهم يشكلون الأكثرية من دون شك. وهؤلاء يمكنهم الصيام ويجدون فيه منفعة لهم، مع مراعاة الالتزام بالحمية، حيث يندرج المعتمدون على تناول حبة أو حبتين من حبات الدواء المنظم للبنكرياس لإفراز الأنسولين تحت هذا التصنيف، ولا مانع من أن يؤدوا فريضة الصيام ، شريطة ألا يكون الإفطار دفعةً واحدة، وأن تتوزع كمية الغذاء الذي يتناولونه على وجبتي الفطور والسحور بالتساوي، وذلك لأن الأكل دفعة واحدة بعد فترة صيام وانقطاع طويل عن الأكل والشرب يعمل على رفع سكر الدم كثيراً وله مردود سيئ جداً على الصحة. وأؤكد وأشدد على ضرورة التزام مريض السكر المسموح له بالصيام بتأخير وجبة السحور إلى ما قبل الفجر، والإقلال من النشاط الجسماني في فترة ما بعد الظهر لتجنب الانخفاض الحاد لنسبة السكر في الدم، مع الإكثار من شرب الماء خلال الليل لتجنب التجفاف.ويكون تناول الحبة أو القرص الأول بالنسبة لهؤلاء عند أذان المغرب، قبل الإفطار مباشرة.وأحب أن أنوه إلى أن هناك نوعاً معيناً من خافضات السكر تناسب هؤلاء المرضى المعتمدين على الحبوب، وما عليهم إلا مراجعة الطبيب المختص لوصفها ولتحديد معيار الاستخدام . [c1] ارتفاع مستوى السكر[/c]* كيف للمريض بالسكر أن يعرف حالة الارتفاع في مستوى سكر الدم؟ وما الذي يتعين عليه لمواجهة هذه المشكلة ؟ ** الأمر ليس بالمعقد، فأغلب المظاهر شيوعاً الناتجة عن ارتفاع مستوى السكر في الدم والتي تبدو على المريض تتمثل في(العطش الشديد - كثرة إدرار البول - ألم وتنمل بالأطراف- التعب الشديد- جفاف الفم - تكرر حصول الالتهابات الجرثومية وخاصة ًالجلدية والتناسلية- تأخر التئام الجروح).وبالتالي، إذا كان مريض السكر ممن لا تشمله تلك المجموعة التي ذكرتها- أي قادر على الصيام- لزم عليه التقيد بوصايا طبيبه في المحافظة على كمية ونوعية الغذاء الذي يصفه له وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أو هبوط مستوى السكر في الدم. ولا شك إن إهمال مريض السكر للعلاج الذي يقرره الطبيب وتناول كل ما تقع عليه يديه من طعام لا يشعره بالراحة على الإطلاق، وإنما سيعاني من مشاكل واضطرابات صحية منهكة تتسبب على المدى الطويل- نتيجة الارتفاع المستمر في مستوى السكر بالدم- بمضاعفات خطيرة؛ مثل أمراض القلب المختلفة والتهاب الأعصاب الطرفية وتليفها، والإصابة بمشاكل كلوية وبصرية كبيرة قد تنتهي-لا سمح الله- بالفشل الكلوي أو اعتلال الشبكية المفضي إلى العمى.[c1]نمط التغذية[/c]* ما الشروط والاعتبارات الواجب توافرها في التغذية اللازمة لمرضى السكر لاسيما في الشهر الفضيل بما يكفل التعايش مع هذا المرض بمعزل عن أي مشكلة ؟**لابد أولاً من تحديد قائمة الأغذية المسموح لمرضى السكر تناولها في شهر رمضان المبارك أن تتحدد من قبل الطبيب المختص أو اختصاصي التغذية؛ ويراعى فيها مقدار ما على المريض تناوله من أغذية الطاقة (السكريات- النشويات- الكربوهيدرات)؛ بالقدر الذي لا تزيد معه نسبة السكر بالدم، وبما يحد - أيضاً- من انخفاضه في الجسم؛ بالاستناد إلى عوامل عدة، منها(العمر- الوزن - الحالة الصحية العامة للمريض- النشاط البدني). وهناك أشكال متعددة للحمية الغذائية تناسب كل حالة، ويمكن لمريض السكر إتباعها، ليس من تلقاء نفسه لمجرد قراءتها في مجلة أو في كتاب وإنما بعد استشارة طبيب مختص .وبشكلٍ عام هناك سكريات ذات تركيز عالٍ سريعة الامتصاص، كالسكر والعنب والمربيات وغيرها، وصنوف أطعمة وحلويات يضاف إليها مادة السكر، وعلى مريض السكر تجنبها.وأعود لأؤكد أنه عند شعور المريض بالسكر أثناء الصيام بأعراض انخفاض السكر في الدم، يجب عليه أن يسارع على الفور إلى تناول سكر مذاب في كوب ماء بمقدار نصف ملعقة، أو أي مادة محلاة بالسكر.إن الاندفاع دون روية والتهافت على الطعام والإكثار منه قد يعمل على رفع السكر في الدم لدى المرضى وله أثر سيء جداً على صحتهم. وعند الإفطار لا يسمح لمريض السكر الصائم بتناول التمر،إلا إذا كانت تمرة واحدة فقط للفطور، وله ما شاء تناوله من أصناف الخضراوات دون تحفظ باستثناء البطاط يتم تناولها بقدرٍ محدد. بينما الحبوب، مثل(الرز الأسمر- البر الأحمر - الشعير - الدخن- الغرب)، فيجب أن تكون بقشورها.ويراعى في الفواكه أن تكون بمقدار محدد يقره الطبيب بحسب مستوى السكر لدى المريض.أما اللحوم، فإما أن تكون مسلوقة أو مشوية على النار، ويفضل منها الأسماك بالدرجة الأولى، ما عدا الجمبري ؛ ويختار من لحم الدجاج صدرها.ولابد أن تكون لحوم الأبقار والأغنام والماعز من الأنواع صغيرة السن ومن أجزاء الأطراف فقط (الأرجل).أما المقليات فهي بجميع أنواعها ممنوعة. والعسل يندرج تحت قائمة الطعام المحظور على مريض السكر تناوله. أيضاً الدهون الحيوانية ممنوعة ؛ وتعد الزيوت النباتية بديلاً مناسباً عنها، مثل زيت الزيتون، زيت السمسم وزيت الذرة..قائمة بالأغذية المسموح بها لمرضى السكر عموماً، وما هو محظور غير مسموح به من مختلف أنواع الأغذية:-[c1]الأغذية المسموح بها [/c]الأغذية المسموح بها بكميات قليلة: الخضراوات الخضراء (ملوخية،سبانخ، سلطة،جرجير،خيار، فجل ) - الفاصوليا الخضراء - الطماطم - الفول الأخضر- الباذنجان - الجبنة الطازجة - الزبدة الطازجة - البهارات- لحم العجل - السمك - لحم الطيور - المرق من غير دهن - مرق الدجاج غير الدسم - الزيت النباتي .الحليب - اللبن - الخبز العادي - الخضروات الجافة - البازلاء- بعض الفواكه (التفاح، البرتقال، البطيخ، الخوخ)- الجزر- الرز- البطاط - المكرونة - الخبز الأحمر - خبز الشعير. الأغذية المحظورة (الممنوعة): السكر العادي أينما وجد - العسل - المرطبات - الحلويات - الشوكلاتة- الآيس كريم - المشروبات الغازية المحلاة باستثناء(البيبسي دايت)- عصير الفواكه - المعجنات التجارية الجاهزة، مثل( البسكويت والكيك) - الموز- التين الطازج - العنب - المانجو - الفواكه المجففة (البلح،الفول السوداني،الفستق،اللوز،الجوز) - دهن القشطة - الجبنة المحلاة - المخ - الكبدة - اللحوم الدسمة بجميع أنواعها - المرق الدسم - سمن الحيوانات(السمن البلدي). [c1]النشاط البدني ضروري[/c]* ما الممارسات المكملة للحمية الغذائية المعينة لمرضى السكر على التعايش مع مرضهم ؟** يجب على مرضى السكر الابتعاد عن الكسل والخمول وممارسة قدر مناسب من الرياضة عقب الوجبة وفقا ًللسن والحالة الصحية العامة، كالمشي والجري الخفيف وغيرها، لما فيها من فائدة في إحراق السكر الزائد بالجسم وتحسين مستواه بالدم، مقللة ًمن مخاطر حصول مضاعفات، ولما من شأنها العمل على تحسين نفسية المريض. ولا بد لهم أن يحرصوا على أداء الصلاة في المساجد مشياً على الأقدام، بما فيها صلاة التراويح والقيام.ويتوجب عليهم أيضاً تناول العلاج بالجرعات المحددة الموصوفة من قبل الطبيب المعالج المختص. فليس في المسألة رأي أو إحساس شخصي ؛ إلى جانب مراجعة الطبيب- لزاماً- عند كل عارض أو إذا ما واجهتهم مشكلة ما، والابتعاد عن الممارسات والسلوكيات الضارة بصحتهم، كالتدخين. بالإضافة إلى الابتعاد عن القلق والتوتر النفسي والتأقلم والتعايش مع المرض والإقبال على الحياة بتفاؤل وكل ثقة.النظافة الشخصية كذلك مطلوبة..مرضى السكر مطالبون، بل وملزمون بأن يهتموا بها. حيث أن مواضع في أجسامهم يمكن أن تتعرض للالتهابات المتكررة، كمناطق الثنايات بالجلد والقدمين والفم والأسنان والجهاز التناسلي، مع مزيد من العناية عند حصول الالتهابات.وانطلاقاً من حتمية وضرورة الاستمرار في ضبط ضغط الدم يتعين على مريض السكر للحد من ارتفاعه أن يواظب على زيارة المرفق الصحي لقياس ضغط الدم، وعليهم أيضاً إجراء تحاليل دورية لفحص مستوى السكر للحفاظ على توازنه في الجسم.