(تويا) رواية جديدة لأشرف العشماوي عن الدار المصرية اللبنانية القاهرة / متابعات:(تويا) الرواية الثانية لأشرف العشماوي ،صدرت حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية ، في 280 صفحة من القطع المتوسط ، بتصميم رائع لغلافها رسمه الفنان (عمر الكفراوي) حتى أن غلاف الرواية ، صار جزءًا من موضوعها : لوحة فنية رائعة ودقيقة تكتنز المعنى العام للرواية، عبر وجه أنثى مصري ، عربي إفريقي، يظهر الجذور الإنسانية العميقة لبطل العمل (يوسف كمال نجيب) . الباحث عن ذاته، وانتمائه بين أبيه المصري، وأمه الإنجليزية، الحائر بين رغبة أمه بالبقاء في إنجلترا ، وحلم أبيه بأن يحول مهنته إلى رسالة خادما بذلك أبناء وطنه مصر ، ووطنه الأكبر إفريقيا ، حتى أن الرواية منذ البداية تضعنا أمام هذا الاختيار، الأب الذاهل لرحيل عبد الناصر ، والابن الحالم بالثراء.في هذه الرواية (تويا) يغادر أشرف العشماوي مجازاته الكبرى ، التي أقامها في روايته الأولى (زمن الضباع) فلم يتخف وراء الرموز والاستعارات قاطعا بذلك وشائجه مع تراث كبير في هذا السياق ، بعد أن جربه مرة واحدة ، وهو الإبلاغ على لسان الطير والحيوان ، كما في كليلة ودمنة ، ومنطق الطير ، ليقول ما يريد دون خوف هذه المرة، فيدخل إلى عوالم حقيقية وواقعية ، راصدا بخبرته الإنسانية دوافع أبطاله وطموحاتهم وانكساراتهم .منذ الإهداء نجد أنفسنا أمام هذه الثنائية الفردية التي يجعلها المؤلف مرتكزًا لفهم عالمه :(إلى من يظن أنه يتخذ جميع قراراته بعقله فقط ، تأكد أن قلبك يخطو الخطوة الأولى في أحيان كثيرة، فتكامل ثنائية العقل والقلب وليس انفصالها، ينسحب على مجمل رؤيته في هذه الرواية .سيل من التحديات يواجه بطل الرواية يوسف كمال نجيب ، وفي محاولة التغلب عليها، يعثر على ذاته، وعلى هدف أسمى لحياته، أول هذه التحديات هو طموحه الشخصـي ورغبته في النجاح المادي ثم العلمي، يحلم بإنشاء إمبراطورية طبيةً تعالج الأغنياء من دول الخليج وبعض ثراة قزمه، منذ اللحظة الأولى ، يرسم أشرف العشماوي الملامح النفسية، المؤهلة لتطورات يوسف لاحقا، عندما ينفصل عن الجموع المودعة للرئيس عبد الناصر ، في جنازته، ويختار العزلة بعيدا عنها ، وهذا عكس شخصية أبيه تماما ، ويتركنا المؤلف حتى السطر الأخير من الرواية ، ليجعله يتطابق مع أبيه في رؤيته وأهدافه . (دفع حافة النافذة بأنامله قليلا، فاخترقت أذنيه هتافات الحشود بحياة زعيم الأمة الذي رحل فجأة ، لم ينفعل كثيرا ، وإن ظل مشدوها بما يراه ويسمعه، عاد يغلق نافذته ويحكم غلقها ، وكأنه يتعمد أن يكون بعيداً عن جموع المواطنين وهموم الوطن .. أصدقاؤه المقربون قليلون ، وكثيرهم معارفه، يفضل الاختلاط بالصفوة والنخبة).منذ البداية يضع المؤلف بظله في تناقض بين نفسه ومجتمعه، بين حلمه وواقعه ، ويظل متطوحاً طوال أحداث الرواية بين رفاهيته ونعيم ، بين شقاء وفقد، مآسٍ بشـرية، وجرائم شنعاء يجد نفسه في قلبها، يتعاطف مع الضحايا، ويقاوم القتلة، يدفع الثمن، فتتغير ملامحه النفسية، بطل تراجيدي .. إغريقي، ينتقل من موقع السلب إلى موقع الإيجاب، وهي الثنائية التي تغلب على روح العمل كله، فالمؤلف يضع بطله دائماً بين عالمين، وتبدأ ملامح هذا التغيير إلى الإيجابية لحظة لقائه ببروفيسير إنجليزي يهب حياته لمقاومة مرض الجذام في إفريقيا فينشئٍ مؤسسة للأبحاث لاكتشاف علاج للمرض، أمه التي رتبت لقاءه مع البروفيسير كانت تحاول ربط جذوره بوطنه الثاني إنجلترا، وهي إنجليزية الأصل، فينتهي به الأمر مخلصاً لأفريقيا التي قضى فيها عامين في نيروبي في كينيا، وينجح هو المصري في اكتشاف العلاج لمرض الجذام، لأن البروفيسير الإنجليزي اكتشف أن الخلطة الحضارية ليوسف كمال نجيب المصري الإفريقي الإنجليزي قادرة على الإبداع ، وهنا يضيف المؤلف مرة أخرى استمراراً لثنائياته بين الغرب المتحفز وإفريقيا المتخلفة، نظرة البروفيسير تضع يدها على مفاتيح الحل للأزمة الحضارية في العالم الثالث، من خلال رهانه على يوسف المستهتر، وهو حين يصفه كأنما يضع وصفًا دقيقًا لعالمنا :(هذا الفتى عنيد ويكره القيود .. حسبما أخبرتني والدته، ولكن فيه شيئاً غامضاً ، لديه لمعة في عينيه تشعر معها بأنه يريد أن يحقق ذاته في أمر ما، لكنه لا يعرفه حتى الآن، لديه بركان خفي يموج بداخله ويستعد للفوران، ولكنه لم يكتمل بعد .. دائماً ما يخفت بركانه قبل لحظة الفوران .. وكأن أوانه لم يحن) . تلك ملامح في شخصية يوسف المصري الإفريقي، وهي ملامح تسم الدول نفسها التي لم تعثر على ذاتها بعد ، ولديها كل الإمكانات فتظل موزعة بين إمكاناتها الذاتية ، وتطلعها الدائم إلى الغرب ليفجر طاقاتها ، وهو معنى يخايلنا على امتداد تفاصل الرواية وروحها الملحمية، فنماذج الغرب في الرواية تتمثل في سكورت ونيفيل، سكورت مثال للمواطن (الترس) الأوروبي الذي لا يعرف إلا العمل، ليضمن تقاعداً مريحاً، ونيفيل المستغل المجرم الذي يتاجر في أعضاء الأطفال والفتيان ويشحنها إلى إنجلترا، جزء من مافيا عالية تنهب خيرات القارة دون ضمير ورحمة، سكورت صديق ليوسف، ونيفيل عدوه .
|
ثقافة
فلاشات ثقافية
أخبار متعلقة