حوار الآباء والأبناء ثقافة مفقودة
استطلاع / أمل عبده قائد خلافات حادة ومشاهد كثيرة ومختلفة تعصف بالكثير من الأسر اليوم في ظل سوء الفهم وندرة الحوار والنقاش الذي يشوب في أحيان عديدة العلاقة بين الآباء والأبناء، وهو ما يجعل العلاقة بين الطرفين أشبه بالمعركة الحربية التي يسعى فيها كل طرف للانتصار على الآخر مما يبعد مؤسسة الأسرة بصورة كبيرة عن الدور الذي خلقها الله من أجل القيام به، فلماذا يفشل الآباء في الحوار مع أبنائهم إن وجد حوار أصلاً؟ ولماذا أسلوب التسكيت ومنع النقاش الجاد بيننا وبين أبنائنا؟؟نفتح هذا الملف في التحقيق الصحفي التالي:لا يمكنني أن أتحاور مع والديبثينة 21 عاماً تقول: لا يمكنني أن أتحاور مع والدي في أي موضوع مهما كانت أهميته كونه عصبياً والتفاهم معه صعب للغاية، إضافة إلى ذلك فإن عمله المستمر خارج البيت يشعرنا بعدم وجوده أصلاً.فيما تقول إشراق 25 عاماً أنها تتمتع بعائلة فريدة متحابة ومتفاهمة وتقول إن والدها يخصص يوم الجمعة للنزهة والحوار مع أبنائه وزوجته خارج المنزل وحل أي مشكلة يمكن من شأنها أن تعكر صفو حياتنا الأسرية، وتتمنى إشراق لكل الأبناء ما تتمتع به حيث لا يوجد أهم من الحوار مع الأب والأم في تفادي أي مشكلة تصادف حياتنا.اللجوء للأصحابأما محمد 27 عاماً فيقول: إن من أهم أسباب الفشل هما الوالدان فهناك أباء لا يحاولون مسايرة أبنائهم ومعرفة ما يدور حولهم ويقتصر دورهم فقط في إعطاء المصروف، وما إن يحدث خطأً من الأبناء يكون الضرب هو الحل الأنسب بنظرهم ولا يحاولون معرفة سبب هذا الخطأ وإصلاح الخلل فيه فيضطر الأبناء للجوء إلى من يستمع إليهم.وقال محمد: أنا واحد من هؤلاء الأبناء الذين وقعوا ضحايا الآباء بعد أن عجزت عن التفاهم مع والدي فكان الأصحاب هم الملجأ الوحيد لي، وما خفي كان أعظم.إيجاد لغة حواريقول الدكتور/ عبد الحافظ الخامري أختصاصي علم الاجتماع إن محبة الآباء لأبنائهم ورغبتهم في أن يكونوا الأفضل على وجه الكرة الأرضية حقيقة لا يمكن نكرانها حتى وإن تعددت طرق الآباء في التعبير عنها وبالرغم من ذلك نضع بعض اللوم على الآباء في عدم محاولتهم إيجاد لغة حوار للأبناء وتفهم طبيعة الجو والبيئة التي أصبح يعيش فيها أبناؤهم والتي تختلف تماماً عما عاشوا فيه سابقاً، كذلك لا ننفرد باللوم على الآباء فقط فهناك أبناء يظنون وانحرافهم وابتعادهم عن أحضان أهاليهم الحل الصارم في وقف تدخلهم في حياتهم، لذا لا يجب الشدة من كلا الطرفين والعناد بل يجب أن يفهم الأبناء بأن الآباء يبحثون دائماً عما فيه مصلحة أبنائهم وإن كان ذلك بطريقتهم ومن وجهة نظرهم، ويجب على الإباء محاولة إيجاد حوار يوصل إلى نتائج أفضل كون البيئة الاجتماعية والعلمية والتكنولوجية ومعطياتهم تختلف بسرعة رهيبة وتتطلب من الآباء الحذر في التعامل لأن الأبناء أصبحوا يدركون ما يدور حولهم تماماً ولم يعودوا صغاراً وإن كانوا.وقال الخامري : من واقع تجربتي ومعايشتي لمشكلات كثير من البيوت، وصلتُ إلى قناعة مفادها أن كثيراً من عقوق الأبناء يرجع إلى غياب عنصر الحوار والإقناع في البيت، لا أقول بين الأب وأولاده فحسب بل بين الأب والأم أيضاً، فعندما يجد الأبناء أن مشاكل البيت لا تحل بالحوار والتشاور بل بالأوامر والصراخ، فمن المفهوم والحال كذلك ألا يلجأوا للبيت لحل مشكلاتهم لأن النتيجة معروفة مسبقاً وهذا قد يوقعهم في شباك المفسدين وما أكثرهم اليوم.أسباب الفشلوأشار الخامري إلى أن هناك عدة أسباب لضعف الحوار بين الآباء والأبناء منها:· انشغال الأبوين عن الأبناء والتي تسبب فقدان الحوار الأسري.· توجه الأبناء نحو الأصحاب.· التوبيخ اللفظي والعقاب المستمر.· افتقار الآباء لثقافة الحوار الأسري مع أبنائهم وعدم معرفتهم بأدواته.· الأسلوب الخاطئ في عرض مشكلات الأبناء للنقاش وتعتبر أهم أسباب فشل الحوار.· العلاقة المتوترة بين الوالدين.· تفرد أحد الوالدين بالقرار.· أسلوب التحقيق أو التسكيت مع الأبناء.فن الكلاممن جانبه أكد الدكتور سامي العربي استشاري الطب النفسي والعصبي أنه لابد أن يعتاد الآباء مع أبنائهم فن الكلام والحديث حيث نرى عدم تقبل اهتمامات الآخر سواء من الآباء أو الأبناء مثلاً أن يأتي كل منها من عمله أو مدرسته فيحكي للآخر بشكل حميمي وليس في شكل استجواب أو تحقيق ما مر به في يومه فمن المؤكد إذا قال الوالدان إياكما أن تفعلا هذا وكان الأمر صريحاً وعنيداً فسيتوقف الأبناء عن الحديث لكنهما لن يتوقفا عن ممارسة الفعل، لذا فالأمر يتطلب الذكاء الاجتماعي للوالدين والمرونة والحكمة حتى ينشأ حوار مستمر بين أفراد الأسرة ويكتشف الوالدان مواضع الخلل في أبنائهما إن وجدت.تمترس وسلطةوأوضح العربي أن إشكالية فشل الحوار بين الآباء والأبناء هي التربية على مدى زمن بعيد أننا كأبناء لابد نسمع فقط وحتى على مستوى متعلمين ومثقفين نرى أن الطابع القديم يغلب على تصرفاتهم، لم يعوا بعد أننا أصبحنا في جيل غير الجيل السابق الذي انتهى دور التمترس فيه، وقال نحن بحاجة إلى أن نسمع شطحة الأبناء وأن نبلعها في بعض الأوقات والتعامل معهم بهدوء ما لم سيعبر عنها بطريقة أخرى والعزوف عنا ليلاقي البديل فيمن يسمعه ويقبله.وقال العربي: لابد على الأب أن يتنازل عن سلطته لأبنائه وفي الوقت نفسه على الأبناء أن يثقوا بمشاعر والديهم وأن يكون هناك دائماً حسن نية في العلاقة، لكن المشكلة تظهر أكثر لو كانت سلطة الأب والأم قاسية ويشعر الأبناء بالقيود والاختناق من والديهما وهو ما نسميه بالحب الخانق في علم النفس، والذي ينتج عن كثرة القلق والهيمنة الزائدة والمتابعة المستمرة وشدة الخوف،كل هذا يقتل الأبناء نفسياً ويسبب لهم مشاكل مؤلمة والتنحي عن الحوار مع والديهما لأن الأوامر المتسلطة تغلق أبواب الحوار.وأضاف العربي إن الثقة بين الآباء والأبناء هي الأرضية المشتركة التي ينشأ عليها الحوار الفعال فإذا تسرب إلى الأبناء أن والديهما لا يثقان في تصرفاتهما توقف الحوار تلقائياً وأحس الأبناء بعدم الراحة في الحديث معهما.الحوار عبادةوأشار الشيخ حسين محمد الهدار وكيل وزارة الأوقاف لقطاع التوجيه والإرشاد إلى أن الدين الإسلامي هو دين الحوار وهو نوع من العبادة والله سبحانه وتعالى يقول “ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن “ فالحوار الأسري المتسم بالعنف والتصادم يجعل الأبناء يتخوفون من التصريح بآرائهم، وفرض الآراء نقيض للحوار البناء وهو يعني عدم تقدير الطرف الآخر، بل يجب على الآباء استقطاب أبنائهم للتحاور معهم من خلال بث المحبة وغرسها في نفوسهم، كما يجب على الآباء النزول عند رغبة أبنائهم وتعزيزها خاصة إن كانت محمودة وتوضيح المحاسن الأخلاقية التي تقتضي تحديد اللغة المناسبة للوصول إلى عقولهم حتى تصل الرسالة بشكل مطلوب ومؤثر.وقال الهدار إن أهم ما يجب مراعاته في تربية النشء هو أن يحرص كلا الزوجين على احترام الآخر أمام أبنائهما، وعدم إظهار خلافاتهم أمامهم حتى لا يسقط الأبوأن أو إحداهما من عيون أبنائهم، وحتى لا يصبح الأبناء في صف أحدهما ويوقع في النفوس الصغيرة الكره والبغض الذي يولد الانتقام لدى الأبناء،إلى جانب ذلك حرص الأبوين على سماع أبنائهما من وقت لآخر حتى تولد في نفسيتهم التخاطب مع والديهم وإظهار متطلباتهم وما يعانونه في الحياة اليومية وهذا ما يسمى بكسر حاجز الخوف والانزواء عند الأبناء الذين قد تحيط بهم المخاطر وهم لا يستطيعون إخراج همومهم نظراً للغة التي فرضها عليهم آباؤهم بوسيلة القمع والضرب ... الخ.أخيراًللحوار أهمية قصوى في التربية بين الأبوين وأبنائهما وعندما يهمل الحوار فإن العلاقات بين أفراد الأسرة تكون علاقات جافة ومتوترة مبهمة، لذلك لابد أن نعمل جميعاً على استخدام لغة الحوار في مناقشاتنا الأسرية ليتم من خلاله استيعاب جميع الأفراد وانصهارهم في بوتقة واحدة.فالحوار أساس التواصل والتفاهم بين البشروالحل الأمثل والوحيد لحل المشاكل والنزاعات، فبه يرتقي الإنسان بأسلوبه وكلامه وبرقي الإنسان ترتقي الأمم.