اجتاحت العديد من الفضائيات العربية موجة من المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية في السنوات القليلة الماضية ، ومنذ أن أطلت علينا الدراما التركية حتى أصبح أفراد معظم الأسر العربية ، بكافة فئاتها العمرية وطبقاتها الاجتماعية يحرصون على متابعتها لدرجة أثارت فضول المتخصصين في كافة المجالات المعنية بأثر الإعلام على المجتمع ، وأثارت أيضا جدلا كبيرا في الشارع العربي وصل إلى حد إصدار بعض الفتاوى بتحريم مشاهدتها. وبدأت التساؤلات تدور حول أسباب رواج الدراما التركية في الفضائيات العربية الذي أدى بدوره إلى سحب البساط من الدراما العربية ، فقد وصل تأثير الدراما التركية إلى حد أنها ساهمت في رواج السياحة العربية في تركيا، وأدت أيضا إلى زيادة الإقبال على شراء المنتجات التركية التي تم توظيفها في مسلسلاتهم بصورة جذابة ، وإلى إقبال المراهقين والشباب على تحميل الأغاني، و تعلم المفردات، واستخدام المقطوعات الموسيقية التركية كرنات للموبيلات، وطُبعت صور النجوم الأتراك على الملابس، وتصدرت صورهم وأخبارهم صفحات المراهقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،وذلك من شدة تعلق الشباب بهذه الدراما، وانبهارهم بنجومها الذين تربعوا على عرش قلوب الجنس الناعم بصفة خاصة. أما النساء فقد أصبحت نسبة كبيرة منهن تسابق الزمن يومياً، لتنهي مذاكرة الأبناء، وطلبات البيت، انتظارا ( للموعد المقدس ) الذي تلتقي فيه مع المسلسل التركي، بحلقاته المئوية، حيث تهرب إليه وتتوحد مع أبطاله ، وتعوض الجفاف العاطفي الذي تعاني منه معظم بيوتنا، والزوجة الشاطرة هي التي تنجح في استدراج وجذب زوجها لمشاركتها هذا الموعد المقدس على أمل أن يتعلم من أبطال المسلسلات كيف يتعامل معها برقة ورومانسية، وإذا نجحت في ذلك فسوف تفاجأ بأنه أصبح منبهرا بفاطمة ،وروعة، ونور، وصباح، ولميس.... وطابور من بطلات المسلسلات التركية، وربما تشعر الزوجة بالندم لارتفاع سقف طموحات زوجها تجاهها ولكن على الطريقة التركية . إننا لكي نفسر هذا التأثير للدراما التركية على المجتمع العربي، لا بد أن نضع نصب أعيننا حقيقة تتجدد عبر القرون ، وهي أن الفن بكل أنواعه يعد وسيلة لتطبيق قانون الحضارات المعروف بقانون ( التأثير والتأثر ) الذي يعني تأثر المجتمعات بعضها ببعض، في مجال الأزياء والموضات والعادات والسلوكيات واللهجات .. الخ ، وقديما كان الأمر يأخذ وقتا طويلا لتحقيق هذا التأثير والتأثر بين المجتمعات لأن وسائل الاتصال كانت محدودة وبطيئة، ولكن كلما تطورت وسائل الاتصال، اتسعت مساحة التأثير والتأثير وزادت سرعته ، وفي ظل سيطرة ( الثقافة المرئية ) أو ( ثقافة الصورة ) أصبحت الدراما بمثابة الجسر الذي نعبر عليه للإطلاع على المجتمعات الأخرى ، بكل تفاصيلها ، عاداتها وتقاليدها وعقائدها ولغتها .. فالدراما هي مجموعة من الفنون مجتمعة لها تأثيرها اللامحدود على المتلقي لان شاشة التلفاز الآن لم تعد كما كانت منذ سنوات ، تلك الشاشة القابعة الساكنة في مكانها ، تنتظر المتلقي ليسترخي على أريكته في منزله ، ليحركها ويتنقل بين قنواتها بضغطة زر على الريموت كنترول ، فقد انتقلت هذه الشاشة إلى الموبايل والكمبيوتر والآي باد والآي فون ما جعل التأثير والتأثر في أسرع وأقوى حالاته.إن التقارب بين المجتمعين التركي والعربي في بعض الأمور، كان عاملا أساسيا ساهم منذ البداية في جذب المتلقي العربي لمتابعة الدراما التركية، التي تميزت في معظمها بالحبكة الدرامية، وبتجسيد تفاصيل العلاقات الإنسانية ،التي تلامس مشاعر المتلقي مهما كانت جنسيته فنجحت الدراما التركية في معظم أعمالها في إراحة أعين المشاهد العربي من الحجرات المغلقة ، والقصور ذات الديكورات الجامدة في معظم المسلسلات العربية بجنسياتها المختلفة ، وأنطلق المشاهد ليتابع أصوات الطيور، وينعم بمساحات الخضرة ، وأمواج البحر، وانجذبت أذناه للموسيقى التركية الشرقية النغمات ، والحوار الراقي ، والمشاعر الإنسانية في الأسرة الممتدة بين الأجداد والأحفاد ، وبين الجيران ، والأصدقاء ،أما التعامل الإنساني الراقي بين أصحاب البيت من الأثرياء وبين الخدم والسائقين ، وتلك الخدمات الخيرية التي يقدمها رجال الأعمال ، ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة ، والأيتام فحدث ولا حرج .. لينفر المتلقي تدريجيا من حدة الأصوات ، وضرب الشغالات ، ومناظر العشوائيات ، بالإضافة إلى أن المشاهد العربي سئم من مناظر الممثلات اللاتي يصارعن الزمن بعمليات التجميل ، التي حولت وجوههن إلى وجوه خالية من التعابير، من كثرة عمليات الشد والنفخ ، في معظم المسلسلات العربية بكافة جنسياتها ، والتي عجت أيضا بالممثلين من الرجال الذين احتموا من الشيب بالصبغات ، والباروكات ، والماكياج الثقيل لإخفاء التجاعيد ، وسحب دخان السجائر والشيشة وطقوس تناول المخدرات.وفي خضم انبهار المشاهد بهذا الرقي ، وكأنه يرشف من قطرات العسل التركي يكتشف أو- لايكتشف -أن قطرات العسل ليست صافية كما يظن لماذا ؟ لأنه سوف يجد نفسه لا شعوريا يتعاطف مع كل ما يتعارض مع منظومة قيمنا، ويصاب بازدواجية إذا لم يدرك أن الفن مرآة لثقافة المجتمع الذي يمثله، ففي الوقت نفسه الذي يستمع إلى الفاتحة يقرأها أبطال المسلسل أثناء مراسيم الدفن، يحتسي هؤلاء الأبطال الخمر في مشاهد أخرى على طاولة تجمع كافة أفراد الأسرة أجداداً وآباء وأبناء وأحفاداً ، ومع الاحتفال بمراسيم عقد القران ربما تكون العروس على وشك ولادة الابن الأول من العريس تماما مثلما يحدث في المجتمعات الغربية !!و تبقى تلك الطموحات الزوجية التي تنمو وتزدهر، ولكن على الطريقة التركية، فما بين زوجة تنفر من زوجها الذي لا يعاملها برومانسية مهند، وأخرى تنتظر أن تفتح باب المنزل لتفاجأ بباقة زهور من زوجها تماما كما فعل غالب مع صباح، وأم تصر على تسمية مولدها بأسماء أحد أبطال المسلسل التركي ، وفتاة تنتظر عريسا في رومانسية مراد وثراء عدنان وحنان رأفت، وخادمة تحلم بمعاملة طيبة من أهل المنزل مثل تلك التي يتلقاها معظم الخدم في المسلسلات التركية .... وأخيرا زوج يتلهف على دعوة من زوجته لمائدة عشاء ضوء الشموع مثل تلك التي تعدها روعة ونور وصباح و.. و بقية بطلات المسلسلات التركية.
|
ومجتمع
طموحات زوجية على الطريقة التركية
أخبار متعلقة