خاطرة
أوشكت الشمس على الغروب والبحر يذهب رويداً رويداً والعصافير تذهب إلى أعشاشها كي تبيت فيها وبعدها تظهر النجوم في سماء الدنيا كي تزينها بشكل عام والكون يلبس عباءته السوداء المتدلية عليه ويسكن الليل.. ونحن نسأل الليل ماذا يحمل في طياته فيجيب: ثلاثة أصناف: الصنف الأول هم العاشقون للجنان والبنات الحسان يعشقون الجميلات الناعمات الراضيات يعشقون داراً بناؤها من ذهب وفضة وترابها الزعفران وأنهارها لبن وخمر وماء وعسل لاتبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم نساؤها الشمس تجري في محاسنها وإذا ابتسمن يلوح البرق في ثناياهن هؤلاء العاشقون قليلون جداً مع العلم أنهم قد أصابوا في اختيارهم، نعم ما أجمل العاشق وما أجمل المعشوق إنهم ينتظرون الليل في لهفة وشوق وضين يقول الشافعي رحمه الله: هل تركت لذة الدنيا معانقة[c1] *** [/c]حتى تعانق في الفردوس أبكارا إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها[c1] *** [/c]فلا ينبغي لك أن تأتمن نارا ويقول أحد السلف وهو سليمان الداراني : ذات ليلة وأنا ساجد أخذ النوم بعيني فرأيت امرأة ركضتني بقدمها وقالت ما هكذا ينام الحبيب فقلت لها من أنت؟ قالت أنا حورية أتربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام. هذا الصنف وضعوا الدنيا في أيديهم وليس في قلوبهم إذا اصطحبت أحدهم في رحلة أو في نزهة تراه يغرد بالقرآن ويقطف لك وروداً وأزهاراً من حدائق النبوة، هم الذين يعرفون من يحبهم ومن يبغضهم ستقول كيف ذلك؟ أقول لك جاء في الحديث في صحيح مسلم ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ) هم الذين لا ينكرون الجميل إذا صنعت لهم معروفاً وأصبحوا في هذا الزمان حالات نادرة هم الذين يحافظون على الضوابط الشرعية. قلت لليل هل في صدرك سر [c1] *** [/c]يخفي الأخبار والأسرار فقال لي ما لقيت في حياتي سرا[c1] *** [/c]كحديث الأحباب في الأسحارهم الذين يوزعون الابتسامات على مدار الساعة إذا نظرت إلى عيونهم تجدهن كأنهن يضحكن إذا تكلم أحدهم فلا تسمع البذاءة ولا اللعن ولا الطعن بل تسمع منهم كل خير. أما الصنف الثاني فهم أصحاب الهوى والغرام والهيام هم الذين يعشقون بنات الطين، هذا الصنف لوثوا حب الزوجين وهم كثيرون جداً، إذا دخل الليل تجدهم في هم وغم وكآبة وقلق واضطراب وتوتر ويأس وإحباط وهم في شرود ذهني دائماً إن الهوى إذا وجد قلباً خالياً تمكن، إنهم في حالة يرثى لها وكلنا قد سار في هذا الطريق ولاننكر ذلك لكن في المقابل يجب البحث عن دواء لهذا الداء إنه يجعل الجسم نحيلاً وهزيلاً إنه سيل جارف. يقول محمد التميمي: أفق يا فؤادي من غرامك واستمع [c1] *** [/c]مقالة محزون عليك شفيق علقت فتاة قلبها بغيرك[c1] *** [/c] واستوثقت بها وهي غير وثيق إن الإنسان قد يرى امرأة في ثيابها ويخيل له أنها أحسن من زوجته.. إنها فرع الشهوة إن العاشق يرى حبيبه وينسى العيوب وقد قال أحد الحكماء إن العاشق يعمى عن عيوب المحبوب والنفس لاتزال تتطلع إلى ما لا تقدر عليه. إن العاشق في عذاب وبكاء مستمر ولايدري لماذا كما قيل. وما في الأرض أشقى من محب[c1] *** [/c]وإن وجد الهوى عذب المذاق تراه باكياً في كل وقت [c1] *** [/c]مخافة مفرقة أو لاشتياق فيبكي إن دعوا شوقاً إليهم [c1] *** [/c]ويبكي إن دنوا خوف الفراق فتسخن عينه عند التداني [c1] *** [/c]وتسخن عيناه عند الفراق كان أبو الطيب المتنبي يسخر من العاشقين لكنه لما ذاق العشق قال: لاتعذر المشتاق في أشواقه [c1] *** [/c]حتى يكون حشاك في أحشائه إن هذا العشق كارثة إنسانية. سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العشق. فقال: أعوذ بالله من العشق. أخي الشاب هل تعلم ما سبب هذا العشق إنها العين تنظر يمنة ويسرة وبعد ذلك تتسرب إلى القلب وأنت متى أرسلت طرفك رائدا [c1] *** [/c]إلى كل عين أتعبتك المناظر إن البنات هواء يحرضن الشباب من خلال الملابس والحركات التي تلفت النظر والعاشق إذا أوى إلى فراشة يفكر ماذا قالت له العاشقة وماذا قال لها ومن هذا القبيل ويتقلب في الفراش كالثعبان يمنة ويسرة. أخي الشاب إذا كنت تحب فتاة عليك أن تأتي ولي أمرها أجمل وأكمل وأحسن من هذا البحر الذي لا شاطئ له. أما الصنف الثالث فهم بعيدون عن العشق ليسوا من الصنف الأول ولا الثاني هم أصحاب الهموم والأحزان والأمراض.. إلى كل مريض كم من مريض على سرير أعواماً يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من الآلام ويصيح من السقم. إلى كل أم وأب فقدوا أبناءهم كم من رجل وامرأة فقدوا فلذات أكبادهم في معينة الشباب وريعان العمر.. إلى من غاب عنهم الأحباب في السجون كم من محبوس مرت به السنوات ما رأى الشمس بعينه وماعرف غير زنزانته كم من مكروب ومدين ومصاب ومنكوب.. أقول لهذا الصنف إن أشد ساعات الليل سواداً ساعات السحر وما بعد السحر إلى الفجر. إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن وراءها روضة نضرة جميلة وارفة الظلال فالحياة تقول لك بعد الجوع شبع وبعد الظمأ ارتواء وبعد السهر نوم وبعد المرض عافية إن المصائب تنزل على المؤمن مثل قطرات الماء على رأسه.دع المقادير تجري في أعنتها [c1] *** [/c]ولا تنامن إلا خالي البال ما بين غمضة عين وانتباهتها [c1] *** [/c]يغير الله من حال إلى حال إن هذا الصنف يعانون من الليل إذا أقبل لكن الدنيا دار فناء وليست دار بقاء. ذكر الذهبي في سيره أن هشام بن عبدالملك بن مروان لما ولي خليفة للمسلمين عد الليالي والأيام التي ليس فيها بؤس فوجدها ثلاثة عشر يوماً .ولما أدخل أبو العتاهية السجن في العصر العباسي قال له صاحبه يا أبا العتاهية هل هناك شيء دار في رأسك فقال أبو العتاهية:هي الأيام والغير [c1] *** [/c]وأمر الله ينتظر