الطفل ( ن.ع) وقضية التعايش مع الإيدز هل هي حق إنساني أم وصمة عار وتمييز؟؟
تحقيق وتصوير / أشجان المقطري هو إنسان قبل كل شيء ويجب علينا أن نقدم له الحب والرعاية الكاملين ، كما يجب علينا تمكينه من حقه في الانخراط في المجتمع وممارسة عمله من دون الحاجة إلى عزله أو الحجر على تحركاته. طفل لم يتجاوز السادسة من عمره ولم يفقه شيئاً، لا يفوق معنى الموت سوى ابتسامته البريئة للحياة لا يعرف الكذب ولا الزيف ولا الخداع يتحدث بلغة البراءة ويتصرف على سجيته الطفولية. إنها مأساة حقيقية أن نجد الطفل ( ن.ع.ن) الذي يعيش وقد سلت السكاكين لذبحه دون إثم أو جريمة أرتكبها .. لقد أوصدت أبواب الرياض أمام التحاقه بها ولم تقبل به روضة ، لماذا؟ لأنه يحمل فيروس نقص المناعة البشري المكتسب وهكذا جاء إلى الحياة. فهل يحق له العيش كباقي البشر في الحياة؟ وهل هو وصمة عار في المجتمع ؟.. صحيفة (14 أكتوبر) التقت بالجهات المختصة بهذه القضية وإليكم الحصيلة: [c1]يعيش حياته الطبيعية [/c]البداية كانت مع أم الطفل المتعايش مع فيروس ( الايدز) حيث قالت: طفلي رفض من قبل مديرة الروضة التي يدرس فيها ـ وهي إحدى روضات محافظة عدن ـ ويبلغ عمره ست سنوات وعندما سألناها عن السبب أجابت : بسبب إصابته بفيروس الايدز ( HIV) وهي تدعي بان أولياء أمور الطلاب سوف يمنعون أطفالهم من الذهاب إلى الروضة عند معرفتهم بوجود طفلي فيها ، حيث قالت: يمكنك أن تنقليه إلى روضة خاصة: علماً بأنني أرملة وأم لطفلين وراتب زوجي ضئيل ولا يغطي مصاريف الروضة الخاصة. واستطردت أم الطفل قائلة : إن الظروف صعبة فأنا لا استطيع أن الحقه بروضة خاصة كما أن هذه الروضة قريبة من منزلي وأنا أواجه صعوبة مع طفلي عندما يسألني عن سبب عدم إلحاقه بالروضة مثل أخيه وزملائه وأعاني من أسئلته الكثيرة التي تطاردني في كل لحظة وأخشى أن يصاب ابني بحالة نفسية قد تؤثر على مستقبله عندما يدرك عدم قبوله في الروضة وغداً ربما قد يرفضونه من المدرسة إن تطور الأمر ولذلك فإنني آمل من الجهات المختصة و خاصة منظمة حقوق الطفل وباقي منظمات المجتمع اليمني المعنية بالطفولة أن تنظر إلى موضوع الطفل بجدية وان تجد حلاً لطفلي ولمشكلتي فأنا أعاني أكثر مما يعانيه ولدي لأنه طفل لا يفهم في الوقت الحالي ولكن غداً سيدرك حقيقة الأمر وهذه مصيبة اكبر بالنسبة لي ولكافة أسرته.. ويحضرني في هذا قول الشاعر : إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة[c1] *** [/c] وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم [c1]عدم الوصمة والتمييز[/c] كما التقينا بالدكتور / الخضر ناصر لصور مدير عام مكتب الصحة والسكان بعدن حيث قال : نحن في مكتب الصحة والسكان لدينا البرنامج الوطني لمكافحة فيروس الايدز ( HIV) بالتنسيق مع كثير من منظمات المجتمع المدني في العناية والوقاية من هذا المرض ومن وجوده بشكل عام حيث يجب عدم الوصمة أو التمييز وعند اكتشاف أي حالة يجب التعامل معها بشكل إنساني صحيح حيث تتوفر لدينا الآن مراكز علاجية بالإضافة إلى وجود متابعة لفحوصاتهم في مستشفى الوحدة التعليمي. وأضاف قائلاً : لا يوجد قانون ينص على عزل الأشخاص المتعايشين مع المرض لان مرض الايدز لا ينتقل إلا عن طريق نقل دم فيه فيروس الايدز أو عبر الممارسة الجنسية خاصة بدون استخدام الواقي أو عن طريق الأم المرضعة المتعايشة مع المرض لطفلها الوليد “ أثناء الرضاعة “ كما هو حاصل في قضية هذا الطفل وقد عملنا رسالة رسمية إلى مدير مكتب التربية والتعليم بعدن بأنه يجرم من يحرم الطفل من الدراسة لان لا ذنب له بذلك. واستطرد : إن مرض الايدز يعتبر مرضاً عادياً ويجب التعامل معه بطريقة إنسانية وعدم الوصمة أو التمييز هذا من الناحية العلمية لهذا نرجو أن تنقلوا رسالتنا إلى مدير التربية والتعليم بالمديرية التي تقع فيها الروضة والى الأخت مديرة الروضة بأن ما يحصل للطفل هو عمل إجرامي يرتكب بحقه. وأضاف قائلاً : نحن قد أرسلنا إلى مديرة الروضة شخصياً مدير ومنسق البرنامج الوطني لمكافحة فيروس الايدز ( HIV) وذلك ليوضح لها الطرق الأساسية التي ينتقل عبرها الفيروس وكيفية التعامل مع هذا المرض بشكل إنساني. وخلال جولتنا هذه التقينا بالدكتور نبيل عبدالرب منسق البرنامج الوطني لمكافحة ( الأيدز) بعدن الذي قال : تلقينا شكوى وقمنا أنا والدكتورة ميادة فيصل استشارية في مجال مكافحة الايدز وكذلك الدكتورة وفاء دهبلي مسؤولة علاج الأطفال من مرض الايدز ، والمعالجة للطفل في قسم الحميات في مستشفى الوحدة التعليمي بعدن ، وقمنا بزيارة مديرة الروضة و أوضحنا انه لا توجد خطورة من وجود الطفل في الروضة بين زملائه الأطفال وطلبت منا خطاب توضيح بهذا الكلام الذي نقوله على أساس أن يكون موثقاً وانه سيحميها في حالة إذا عرف أولياء أمور الطلاب والمفروض أن لا يعرف بالموضوع احد ويكون سرياً فالموضوع خصوصي وسري وحساس لكن هي تقول في حالة أنهم عرفوا سيكون هذا الخطاب سنداً لها ، بعد ذلك وجهنا لها الخطاب الرسمي نشرح فيه طبيعة المرض وكيف ينتقل وكيف لا ينتقل فنحن لا نريد الفضيحة لان الموضوع حساس جداً ولكنها لم تستجب لهذا الخطاب واستمرت في موقفها السابق وذهبت إليها مرة ثانية أنا شخصياً لوحدي لعلها تتقبل ولكنها طلبت منا أن نتراسل مع مدير التربية وفعلاً أرسلنا خطاباً لمدير التربية ومدير التربية وجه خطاباً إلى مديرة الصحة المدرسية يطلب رأيها في الموضوع وهي أفادت في الرسالة الموجهة لمدير إدارة التربية والتعليم بالمديرية التي تقع فيها الروضة بأنه من حق الطفل مزاولة نشاطه وفقاً لقانون وقاية المجتمع من الايدز وحماية حقوق المتعايشين في المادة العاشرة والمادة (37) كما انه في نفس الرسالة وجه مدير عام مكتب التربية والتعليم بعدن لمدير إدارة التربية والتعليم بالمديرية ولمديرة الروضة بقبول الطفل كونه لا يشكل أي ضرر لزملائه من الناحية الصحية وذلك بحسب ما جاء برسالة الأخ مدير مكتب الصحة والسكان بمحافظة عدن كما شددوا على قبول الطفل في الروضة. وأضاف: كما التقينا برئيس جمعية حقوق الطفل وقام بالتواصل مع مدير التربية والتعليم بالمديرية التي تقع فيها الروضة وكان موقفه سلبياً وقال انه يريد تعليمات وتوجيهات من مدير عام مكتب التربية والتعليم بعدن وفعلاً نحن وجهنا خطاباً له وقام بالرد عليه بالقبول كما ذكرت قبل قليل.وعندما سألنا الدكتور هل ستوثر هذه القضية في نفسية هذا الطفل بحرمانه من التعليم ورفض مديرة الروضة أن يكمل تعليمه في الروضة؟ أجاب: (نعم) قد تؤثر في نفسية الطفل، وكذلك على بقية الأطفال ان كشفت حالات لمثل هذا المرض، ونحن الآن نعمل ونسعى جاهدين لحل هذه المشكلة لكي لا تتطور أكثر وهي قضية رأي عام ونريد حلها لأن لا ذنب لهم فهم أطفال، لا يعرفون معنى هذا المرض، ونرجو من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أن تهتم بهذا الموضوع لأنه مهم، والتوعية من خلال وسائل الإعلام سوف تقلل من الإصابة بهذا الفيروس.وتابع: في السنوات الخمس السابقة عملنا برنامجاً بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، ومكتب التربية والتعليم بالمحافظة، حيث عملنا على توعية وتثقيف الطلاب والموجهين والمدراء والمدرسين والمدرسات والشباب بهذا المرض وكانت تتابع التوعية مشرفة، ولكن بعد هذا نفاجأ بهذا الموقف الجديد من مديرة الروضة، وأنا متأكد من أنها مقتنعة برأينا، لكن قد تكون لديها ضغوطات من أولياء الأمور.وعن الأثر النفسي لدى الطفل يقول د. نبيل إنه متوقع من الطفل في يوم من الأيام ان يكون سلوكه تجاه المجتمع سلبياً لحرمانه من حقه في التعليم مع زملائه فالطفل يشاهد جيرانه يذهبون إلى الروضة وهو محروم منها فهنا يبدأ الطفل يفكر في نفسه وسوف يتأثر كثيراً.وأستطرد قائلاً: إن ميثاق الأمم المتحدة، الذي صدر في عام 2001م ووقعت عليه اليمن، ويسمى الإعلان العالمي (UNG ASS) ـ واجتمعت كل دول العالم بشأنه وكان من ضمن نتائجه أن المريض له الحق في الرعاية سواء طبية أو اجتماعية أو تعليمية وبلادنا ترجمت هذه الحقوق، وبدأت تطبقه فعلاً، ومن ضمن خطواتها أن أصدرت قانوناً ومجلس النواب وافق عليه، ووفرت العلاج للمريض، وهم يتعالجون في مستشفيات كثيرة وليس فقط في مستشفى الوحدة التعليمي فقط بل في كثير من المستشفيات وكذا يتلقون فحص المناعة المجاني.[c1]المتعايشون مناعتهم ضعيفة[/c]ومن جانبها قالت الدكتورة / ميادة فيصل نبيه ـ استشارية في مجال مكافحة الإيدز إن فيروس نقص المناعة البشري (HIV) يعيش في الدم والسائل المنوي والإفرازات المهبلية وحليب الأم المرضعة المتعايشة وهي السوائل الناقلة للعدوى في جسم الإنسان، وليس عبر المخالطة أو المصافحة أو الماء أو الهواء، وهو كأي مرض مزمن كالإصابة بفيروس الكبد البائي، وله علاج للتخفيف منه وهو العلاج الثلاثي لرفع المناعة في الجسم عند المتعايش مع الفيروس، وهنا يجب عدم الخوف على الشخص السليم بل على الشخص المتعايش الذي دائماً ما يتعرض لوعكات صحية ولكن عند استخدامه للعلاج الثلاثي فهو يستطيع أن يقاوم المرض مثل مريض السكري عندما يأخذ الأنسولين فإنه يعيش حياته بسلام.وأضافت: لا داعي للخوف منه بل الخوف عليه، لأن انتقال الفيروس يكون عن طريق العلاقات الجنسية ويقصد بها جميع أشكال الاتصال الجنسي بين شخص متعايش وآخر سليم، وايضاً عن طريق نقل الدم أو نقل الأعضاء بين من شخص متعايش وآخر سليم أو استخدام الحقن الملوثة بالفيروس أو عن طريق الأم المرضعة المتعايشة مع المرض لطفلها أثناء الرضاعة .. وليس عبر المخالطة سواء في رياض الأطفال أو المدرسة ولا في الطعام او الشراب بمعنى أنه لا ينتقل عبر التواصل الاجتماعي.وتابعت: ولا ينتقل الفيروس عن طريق السعال او العطس او ملامسة عرق او دموع الشخص المتعايش، والمتعايشون مع الفيروس الذين يتناولون المضاد المسمى بالعلاج الثلاثي لا ينقلون العدوى إلى الآخرين حيث ان الدراسات والأبحاث تؤكد ان العلاج الثلاثي الذي يستخدمه المتعايش يحسن من حياته مع الفيروس، ويعتبر وقاية للمجتمع، وان المتعايش مع الفيروس لا ينقل العدوى عبر ما تم ذكره.وعندما سألناها عن رأيها في وجود طفل متعايش مع الفيروس بين الاطفال غير المتعايشين، هل سيؤثر وينقل العدوى لزملائه أجابت:لا تنتقل العدوى بمجرد المخالطة في الفصل الدراسي أو اللعب أو الاكل مع زملائه بل بالطرق المعروفة والمثبتة علمياً وانصح كل من لديه قصور في المعلومات حول فيروس الايدز (HIV) بالتوجه إلى الجهات المعنية والمختصة للحصول عليها، وان رفض المتعايش من قبل المسؤولين عن التعليم قد يؤثر على نفسيته هو وأسرته وهذا نوع من التمييز والوصمة وينبغي على المجتمع عدم التمييز ضد المتعايشين مع الفيروس.[c1]الحق في العيش بكرامة[/c]حول هذ الموضوع التقينا بالدكتورة/ وفاء دهبلي ـ استشارية اطفال في مركز الحميات لمعالجة المتعايشين مع فيروس الإيدز بمستشفى الوحدة التعليمي، ، التي قالت: ان حالة الطفل المتعايش نستقبلها بشكل عام، ونقوم بإجراء الفحوصات اللازمة وكشف درجة نقص المناعة عند الطفل المتعايش، وبناءً على الفحوصات والاختبارات التي نعملها، نقوم بتحديد ما إذا كان محتاجاً فقط للمتابعة والرعاية العادية او ان نبدأ له العلاج الثلاثي الذي هو مخطط ومقرر أخذه لرفع مناعة الجسم عند المتعايش.ومن الطبيعي للأطفال المتعايشين مع فيروس الايدز ان يمارسوا حياتهم الطبيعة سواء في الروضة أو المدرسة ولا خوف منهم، وإنما الخوف عليه هم لأنه لا تكون عند الشخص المتعايش مناعة كافية تحميه من الإصابة بالأمراض الأخرى.وأضافت : ومن الممكن العيش معهم بشكل طبيعي وهناك حالات مثل حالة هذا الطفل، يدرسون ويعيشون حياتهم الطبيعة على أكمل وجه، ولا توجد مشكلة في ذلك اما عن حالة الطفل هذا هو عندما استقبلته في البداية كانت حالته حالة سل رئوي واستخدمنا له العلاج، وتعالج بعد ذلك بدأنا له العلاج الثلاثي الذي هو علاج لفيروس نقص المناعة البشري (HIV ) لان حالته الصحية تتطلب بدء العلاج والحمدلله الآن له سنة ونصف وهو على العلاج وحالته طبيعية، ولا خوف من وجوده وله الحق في التعليم والعمل والعيش بكرامة، كما ان هناك قانوناً لحماية الاطفال ولهم حقوق في العيش بكرامة، وكذلك للمتعايشين مع الفيروس.واستطردت قائلة: حتى إذا جرح الطفل لا يكون معدياً لان كمية الفيروس بالدم مسيطر عليها بالدواء المضاد للفيروس الذي يستخدمه الطفل المتعايش فلا داعي للخوف، ويمكن أن يمارس كل المتعايشين بشكل عام حياتهم الطبيعية في الدراسة وفي العمل بشكل طبيعي.وتعليقي على مديرة الروضة التي رفضت تعليم الطفل بسبب إصابته بالفيروس أن هذا التصرف خطأ ويعد نوعاً من الوصمة والتمييز.ونحن كاستشاريين ومتخصصين بهذا المجال نقوم بالتثقيف والتوعية حول هذا الفيروس لكي يتم رفع وعي الناس بهذا الفيروس وحتى لا يكون هناك نوع من التمييز ضد المتعايشين مع الفيروس.وفي ختام حديثها قالت: أنا مستغربة من أن إنسانة مثقفة وواعية ومتعلمة ومربية فاضلة تمنع طفلاً ان يتعلم فالأطفال هم أجيال المستقبل، ونحن نعرف أن التربية تسبق التعليم اساساً فهل تتعامل بهذا الأسلوب مع الطفل وتحرمه من التعليم؟ فأنا أتوقع ذلك من شخص غير متعلم وغير مثقف لكنها إنسانة تربوية ومثقفة تمارس هذه الطريقة ضد الطفل فهذه المشكلة قد تسبب له حالة نفسية. ورغم ان هناك قانوناً لحماية حقوق الطفل، وقانوناً لحماية المتعايشين مع الفيروس ولكن لا يوجد التزام به .لهذا ينبغي على المجتمع عدم الوصمة والتمييز ضد المتعايشين بالإيدز.