د. بلقيس أبو إصبعارتبط اسم المرأة في اليمن منذ القدم بالحياة السياسية وكان لها دور متميز أوصلها إلى الحكم( الملكة بلقيس ملكة سبأ، والسيدة أروى بنت احمد الصليحي ملكة الدولة الصليحية)، هذا الإرث التاريخي يجعل اليمن من الدول القلائل التي حظيت المرأة فيها بوزن كبير على مسرح التاريخ السياسي وتمتعت بالثقة الشعبية والاحترام والقبول بها لتدير وتتولى شئون الحكم.أما التاريخ الحديث فقد شهد تبلورا جديدا لدور المرأة الذي كان مشرفا ونضاليا في مراحل النضال ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب والنظام الإمامي في الشمال، فقد خاضت المرأة اليمنية معترك الكفاح جنبا إلى جنب مع الرجل من اجل الاستقلال، وانخرطت المرأة في الجنوب في العمل التنظيمي والحزبي وشاركت في تأسيس الجمعيات والإتحادات النسائية وشاركت في الحياة السياسية والاجتماعية، أما في شمال اليمن فبسبب ظروف المرأة الأكثر تعقيدا بحكم الموروث التاريخي والاجتماعي المتخلف للحكم الإمامي لم تنل المرأة الفرصة الكاملة، إلا أنها ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 حققت قدرا من التعليم وفرضت قلة قليلة من النساء اللبنات الأولى للتغيير في حياة المرأة اليمنية في الشمال.وقد مثل العام 1990 نقطة تحول هامة في طبيعة النظام السياسي اليمني عامة وفي حياة المرأة اليمنية خاصة، حيث أعلنت دولة الوحدة واقترن ذلك بالديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، وأدى ذلك إلى: - تجديد التشريعات والقوانين بشكل عام من اجل توافقها مع طبيعة المتغيرات السياسية التي أفرزتها الوحدة والديمقراطية وثانيا من اجل توافقها مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص. - كسبت المرأة اليمنية خلال هذه المرحلة دعما اكبر من القيادة السياسية ومن المجتمع المدني الأمر الذي جعل من إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بمثابة تحول إستراتيجي نقل المرأة الى سياق التشريعات الديمقراطية الجديدة التي أطلقت أبواب الحريات أمام مختلف فئات المجتمع اليمني ، وصيغة الفكرية ، وتنظيماته الوطنية. - أسهمت المرأة اليمنية خلال هذه المرحلة بدور رئيسي وفاعل في تعزيز وتطوير النهج الديمقراطي سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المحلية أو من خلال دورها في الحياة السياسية وعبر الأطر الاجتماعية من أحزاب سياسية و منظمات مجتمع مدني.[c1]فعلى صعيد الحقوق السياسية:[/c] نص الدستور اليمني على أهمية المساواة بين المواطنين (ذكوراً وإناثاً) فقد نص في المادة (24) على أن (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتصدر القوانين لتحقيق ذلك) ونص في المادة (31) (النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة ويبين عليه القانون) ونص في المادة (40) على أن (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة).اما قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية فقد نص في مادته الخامسة على ان ( لليمنيين الحق في تكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية ، ولهم حق الانتماء الطوعي لأي حزب أو تنظيم سياسي طبقاً للشرعية الدستورية ، واشترطت المادة (8) عدم قيام أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس التمييز بين المواطنين بسبب الجنس وحظرت المادة (9) فقرة (د) من نفس القانون جواز أن يتضمن النظام الداخلي أو البرنامج السياسي لأي حزب شروطاً للعضوية قائمة على أساس التفرقة بسبب الجنس.أما قانون الانتخابات العامة والاستفتاء فقد أعطى المرأة الحق في الانتخاب والترشيح حيث نص في المادة الثالثة على ان (يتمتع بحق الانتخابات كل مواطن بلغ من العمر ثمانية عشر سنة شمسية كاملة ) كما عرف لفظ المواطن بأنه كل يمني ويمنية وعرف الناخب بأنه كل مواطن يتمتع بالحقوق الانتخابية، كما أكد في المادة (7) ( على اللجنة العليا للانتخابات أن تتخذ إجراءات تشجع المرأة على ممارسة حقوقها الانتخابية ، وتشكيل لجان نسوية تتولى تسجيل وقيد أسماء الناخبات في جداول الناخبين) .ومن حيث المساواة بين الرجل والمرأة ، فقد نصت المادة (12) من قانون الخدمة المدنية على : ( يقوم شغل الوظيفة على مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية لجميع المواطنين دون تمييز). فيما نص قانون العمل في المادة الخامسة منه على : ( العمل حق طبيعي لكل مواطن ، وواجب على كل قادر عليه بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو العقيدة أو اللغة ، وتنظم الدولة قدر الإمكان حق الحصول على العمل من خلال التخطيط المتنامي للاقتصاد الوطني ) كما تنص المادة 42 منه على: ان ( تتساوى المرأة مع الرجل في كافة شروط العمل وواجباته وعلاقته دون أي تمييز ، كما يجب تحقيق تكافؤ الفرص بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقي والأجور. ونص قانون التعليم على المساواة بين الفتى والفتاة، بما يتفق مع ميولها وقدراتها، إلى جانب الاهتمام بتربيتها، لتكون أماً صالحة ومربية أجيال.أهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة ووقعت عليها اليمن:وقعت اليمن على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة من أهمها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقعت عليه اليمن في 29 / 9 / 1994م ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 9 / 2 / 1987م، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 9 / 2 / 1987م، والاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في 30 / 5 / 1984م.[c1] - اتفّاقيات منظّمة العمل الدوليّة حول: - [/c] - مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية 29 / 7 / 1976م - التمييز في الاستخدام والمهنة 30 / 1 / 1989م - العمال ذوي المسئوليات العائلية 13 / 3 / 1989م - الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة 9 / 2 / 1987م - خطة ومنهاج عمل بيجين 1995م.انعكست هذه التطورات في التشريعات على حياة المرأة اليمنية في اتجاهين: أولهما - توسيع طموح المرأة اليمنية في استثمار كل ماهو متاح أمامها واقتحام ميادينه ، وتنمية قدراتها الذاتية لتلبية احتياجات التجربة . وثانيهما - أملت على الدولة مسئوليات جديدة تقضي مساعدة المرأة على تفعيل أدوارها ضمن الفرص المفتوحة لها ، والبحث عن آليات تستوعب بها البرامج المرسومة لمشاركة المرأة.وعلى هذا الأساس برز الدور السياسي للمرأة في المجالات التالية:1 - دورها كناخبة ومرشحة في الانتخابات البرلمانية والمحلية والرئاسية المختلفة حيث ساهمت المرأة كمرشحة وكناخبة في مختلف الدورات الانتخابية للمجلس التشريعي ( النواب ) وذلك منذ قيام دولة الوحدة اليمنية المباركة في العام 1990م وبالرغم من التواجد الضعيف للنساء في هذا المجال وبخاصة كمرشحات إلا ان المشاركة هي تأكيد لحقوقها الدستورية والقانونية .فنجد ان عدد المرشحات في الدورة الانتخابية الأولى عام 1993م بلغ (41) مرشحة ، فازت منهن اثنتان ، فيما بلغ عدد المرشحات في الدورة الثانية عام 1997م ( 23) فازت اثنتان ، أما الدورة الانتخابية الأخيرة 2003م بلغ عددهن (11) وفازت واحدة فقط مقابل 300 رجل . كما تتواجد في المجالس المحلية بعدد يصل إلى (38) امرأة في انتخابات 2001، و37 امرأة في انتخابات 2006.2 - زيادة أعداد المرأة في الهيئات القيادية العليا للأحزاب السياسية3 - زيادة أعداد نسب وتمثيل المرأة في مختلف هيئات الدولة.4 - الحضور الملموس للمرأة في المؤتمرات والندوات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.[c1]وعلى صعيد التعليم:[/c]يلاحظ من بيانات التعليم تحقيق نمو ملحوظ في أعداد الملتحقات بالتعليم الأساسي حيث ارتفع عدد الإناث من 516 ألفاً إلـى حوالي 980 ألف تلميذة خلال نفس الفترة وبمعدل نمو سنوي يقدر بـ19 ٪. وتشير الإحصائيات كذلك إلى القفزات الكبيرة في أعدادهن بالمرحلة الثانوية والذي تضاعف من ما يزيد قليلاً عن 20 ألف طالبة في عام 90 / 1991 إلى ما يربو عن 94 ألف طالبة في عام 1999 / 2000.كما يمكن تقدير الإنجازات التي تحققت في مجال تعليم الإناث من خلال متابعة زيادة أعداد الإناث في مهنة التدريس والذي ارتفع من حوالي 9,869 مدرسة إلى 29,610 خلال الفترة رغم أنه لم يتجاوز الـ20٪ من إجمالي عدد المدرسين في العام الدراسي 1999 / 2000وعلى صعيد الآليات الوطنية الحكومية وغير الحكومية للنهوض بالمرأة: منذ تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990 ظهرت مجموعة من الآليات الوطنية الحكومية التي تهدف إلى وضع الخطط والبرامج الوطنية للنهوض بأوضاع المرأة، فقد تم إنشاء: - المجلس الأعلى للمرأة في العام 2000وهو أعلى مؤسسة وطنية حكومية تعنى بشؤون المرأة وقد أعيد تشكيله بقرار جمهوري عام 2003 برئاسة رئيس الوزراء، وتمثل اللجنة الوطنية للمرأة الجهاز التنفيذي للمجلس الأعلى للمرأة، وقد تأسست اللجنة في العام 1996، ثم أعيد تشكيلها وتوسيعها في العام 2000. - اتحاد نساء اليمن: الذي تأسس في العام 1990 بعد أن تم دمج الآليات الوطنية العاملة في مجال المرأة في شطري اليمن، وقد حدد أهم أهدافه في العمل على تمكين المرأة اليمنية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.وعلى صعيد الاستراتيجيات الوطنية لتنمية المرأة في المجال السياسي:وضعت الحكومة عدداً من الاستراتيجيات الوطنية والتي استهدفت جزئياً المرأة وتهدف بشكل خاص إلى تضييق فجوة النوع الاجتماعي في مختلف مجالات التنمية منها: - الاستراتيجية الوطنية للمرأة - الاستراتيجية الوطنية للتعليم الأساسي - الاستراتيجية الوطنية للمرأة العاملة - الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار - الاستراتيجية الوطنية حول إدماج النوع الاجتماعي في التيار الرئيسي في الزراعة والأمن الغذائيوثمة استراتيجيات وطنية أخرى حالياً ذات تأثيرات مهمة على المرأة وعلاقات النوع الاجتماعي، منها: - الرؤية الاستراتيجية لليمن 2025م - الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2003 - 2005م - الاستراتيجية الوطنية لإدماج الشباب في التنمية - السياسة السكّانية الوطنية 2001 - 2020م - الأهداف الألفية 2001 - 2015.• .وبناءً على ما تقدم وبالرغم من الحقوق القانونية التي اكتسبتها المرأة في كل المجالات ، والنجاحات الملحوظة التي حققتها المرأة اليمنية على الأصعدة السياسية في الأحزاب والبرلمان والمناصب التنفيذية العليا وبالرغم من الدعم والمساندة التي تحظى به المرأة سواء من الدولة أو منظمات المجتمع المدني إلا أن المرأة اليمنية لازالت تواجه العديد من الصعوبات فيما يتعلق بمشاركتها في الحياة السياسية في اليمن بشكل عام تتطلب جهدا واعيا وقرارا سياسيا جريئًا لإزالتها، ولتحديد أهداف مرحلية وطويلة الأجل من أجل إيجاد آليات وأساليب تؤدي بالمصلحة النهائية للنهوض بواقع المرأة السياسي.• وبالتالي فمن اجل تزايد حجم النساء في المشاركة السياسية ومراكز القرارات وفي الوظائف العامة وزيادة حجمهن ونشاطاتهن في مؤسسات المجتمع المدني يتطلب ذلك جملة من الإجراءات والتدابير على المستويين العام والخاص “الموضوعي والذاتي”.فعلى المستوى العام :1 - يجب إجراء تغيرات بنائية وهيكلية في مؤسسات الدولة تهدف إلى توسيع حجم مشاركة المرأة،2 - تطوير التشريعات والقوانين بهدف إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة.3 - دعم تعدد وتنوع الأطر المؤسسية الخاصة بالمرأة و زيادة الدعم المادي لها، كتعبير عملي لالتزام الدولة سياسيا بمناصرة المرأة.4 - من المفيد القبول في ظل التحول الديمقراطي بنظام الكوتا خاصة في ظل مجتمع قيمي وتقليدي، الأخذ بنظام الحصة النسبية يعد تطويراً للنظام السياسي وترسيخ الديمقراطية والمواطنة المتساوية.على المستوى الخاص: يتضمن اعتماد آليتين مهمتين لهما القدرة على تعظيم منافع المرأة هما:• البناء الذاتي للمرأة من حيث التعليم والتثقيف والتدريب واكتساب المهارات والمعارف.• التمكين أي إبراز وجود المرأة وتفعيل نشاطاتها وأدوارها من خلال المشاركة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ( رسميا / وأهليا ) خاصة و تمكينها من المشاركة في صنع القرارات المركزية والمحلية.• يذكر أن هذين المستويين يتصفان بالترابط ويميلان إلى تعزيز بعضهما بعضا، أي أنه لايمكن تحقيق أي تطور في ذاتية المرأة وأدوارها من دون أن يتلازم مع تحقيق تطور مماثل في التشريعات والقوانين، ذلك أن ضمان مشاركة المرأة في عمليات التنمية من شأنه تمكين المرأة في تعزيز وجودها في العمل السياسي في مختلف التنظيمات السياسية• وأخيرا: لا يمكن أن نغفل أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام في تحقيق أي تغيير منشود، بجانب أهمية إشراك المرأة في القنوات الموصلة لصناعة القرار وتنفيذه، سواء على مستوى هذه المؤسسات أو على مستوى القيادة الرسمية، لخلق نماذج من القيادات النسائية العالية الكفاءة والتأهيل لتغيير المفاهيم المجتمعية السلبية الخاصة بتدني قدرات المرأة في هذا المجال، وليكن داعمات لمبادرات المرأة نحو حقوقها في جميع مجالات الحياة.[c1] أستاذة العلوم السياسية في جامعة صنعاء
المرأة في ظـل دولـة الوحـدة اليمنيـة
أخبار متعلقة