التغيير حقيقة يجب ان نؤمن بها ونسلم بها جميعا على هذه المعمورة وخصوصا عندما يتعلق الامر بالوظيفة العامة بمختلف درجاتها ومستوياتها، باعتبارها مواقع وجدت من أجل تقديم خدماتها للمواطنين وتسيير أوضاع البلاد، وفي بلادنا كان من المستحيل التفكير في قضية تدوير الوظيفة العامة خصوصا فيما يتعلق بالوظائف السيادية والمواقع الحساسة في مختلف قطاعات الدولة الا فيما ندر، لا لشيء إلا لأننا لم نتعلم ثقافة تدوير الوظيفة العامة وتبادل المواقع القيادية في اغلب مؤسسات ودوائر الدولة، فالمسؤول يظل في منصبه لعشرات السنين دون أن يتغير وهو الأمر الذي يجعله يظن انه لا يوجد على أرض اليمن من هو مؤهل لتولي هذا المنصب غيره، ولذا تجده يفسد ويعبث ويورث المواقع البارزة في الوزارة أو المؤسسة التي يقودها لأولاده وأقاربه وحاشيته، بعد أن وصل إلى قناعة مطلقة بان هذه المؤسسة التي يرأسها أضحت بالنسبة له احد أملاكه التي لا يمكن أن ينافسه عليها احد ودرجت العادة لدى مسؤولينا على هذا المنوال وما أكثر المؤسسات والدوائر الحكومية التي تحولت إلى ملكيات لأشخاص وأسر.ومن الجميل في بلادنا ان الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد والتي ينظر إليها البعض على انها ثورة عملت على إسقاط هذا الفكر الافسادي وفتحت المجال أمام خيارات التغيير والتدوير الوظيفي ابتداء من منصب رئيس الجمهورية وانتهاء بوكلاء المدارس وهذه نقطة تحول كبرى في حياتنا كيمنيين لاننا لم نكن نحلم بها، فعقب تداول السلطة سلميا من خلال الانتخابات الرئاسية اسقطنا مشروع الرئيس الأوحد أو رئيس للأبد، وصار منصب الرئاسة محدداً بفترتين انتخابيتين ما بين عشر إلى ثمان سنوات بواقع خمس أو أربع سنوات لكل فترة او دورة انتخابية بحسب ما سينص عليه الدستور الجديد للبلاد المزمع صياغته عقب تدشين مرحلة الحوار الوطني بين مختلف الأطراف السياسية ومكونات المجتمع المدني ومع إقرار الدستور، لذلك فانه لن يكون هناك مجال للتمديد أو التجديد إلا بعد مرور دورة انتخابية تماماً كما هو معمول به في الدول الديمقراطية،ولن يكون هناك حاجة للرئيس المنتخب لاستحداث آلية جديدة للعمل وإحداث تغييرات على الأداء العام للدولة تضمن حفاظه على منصبه وتأمين الكرسي الذي يجلس عليه باعتبار هذا الكرسي بات يشبه تلك الكراسي الموجودة في صالونات الحلاقة التي تخضع للمداولة ولا يستقر عليه أي شخص طويلاً إلا في حدود المدة المخصصة للحلاقة.ولأننا نريد بناء دولة المؤسسات فإن تدوير بقية الوظائف والمناصب الحكومية بات اليوم من الضروريات الملحة جدا ويجب أن يتم تعميم هذا المبدأ على مختلف وحدات ومؤسسات الدولة دون استثناء وفق لوائح وضوابط تضمن الأداء المتغير والعطاء الخلاق في مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها، فلا نريد أن يتحول التدوير إلى إقصاء للعناصر الوطنية المؤهلة المشهود لها بالخبرة والكفاءة والنزاهة، فمثل هذه العناصر الوطنية تخضع بحكم القانون للتدوير الوظيفي من أجل ضمان عدم اختراقه مع الأخذ بعين الاعتبار منحهم الترقيات وتعيينهم في مناصب أعلى لضمان الاستفادة من خبراتهم ولا حاجة لنا بعد اليوم لتعيين من يتم تغييرهم في مناصب ترضية كمستشارين لاننا نعرف جميعا أن المستشار في بلادنا هو آخر من يستشار ان كان هناك من يطلب منهم المشورة، فكل مسؤول قراراته في رأسه ولا دخل لاحد فيها حتى ولوكانت غير موفقة على اعتبار ان “البركة في الحاصل” و”الحياة تجارب” وما أكثر المسؤولين الذين يتورمون عندما يعتب عليهم البعض عدم أخذ استشارة كتيبة المستشارين التابعين للوزارات أو المؤسسات التي يديرونها بحجة أن ذلك يعد انتقاصا لهم واستهانة بهم ولذا لا غرابة أن يقول احدهم (اللهم لا شماتة): «انا مسؤول مش طرطور أنا صاحب القرار، المستشار مكانه البيت واعتماده يوصله نهاية الشهر ولا تصدقوا مافيش عندنا منصب اسمه مستشار».نحن نريد أن يكون قانون التدوير الوظيفي متناسبا مع هويتنا ومستوياتنا الثقافية وبما يخدم المصلحة الوطنية وخصوصا فيما يتعلق بالمدة التي يجب التدوير بعدها، فنحن نريد مدة معقولة ومقبولة، فمن غير المعقول ان احدد مدة التدوير بسنتين بالنسبة لرؤساء المؤسسات والوحدات الحكومية فالمدة غير كافية وسيجدها الكثير من المسؤولين فرصة للنهب والفساد وجمع الثروات من أجل تأمين المستقبل، ومن هنا فان المدة ينبغي ان تكون معقولة بحيث يواصل من أبدع وأنجز ويستبعد من اخفق وافسد مع مراعاة أن يكون الخلف بنفس درجة وطنية ونزاهة وحنكة السلف ان لم يكن أفضل، لان ذلك سيجعل من الخلف يواصل مسيرة السلف بحيث تسير الأوضاع في تلك المؤسسات والوحدات بوتيرة عالية دون توقف لاننا تعودنا في السابق ان كل مسؤول جديد يعين في منصب جديد اول ما يقوم به هو تغيير الأثاث وطاقم المكتب وإصدار قرارات دائما ما ينجم عنها ردود أفعال متفاوتة ما بين مؤيد ومعارض من اجل ان يوصل للموظفين رسالة مفادها “انه تم تعيين مدير جديد” تماما كما تفعل الزوجة الثانية عندما تدخل البيت لتتقاسمه مع الزوجة الأولى فأول ما تقوم به بحسب الثقافة الشعبية المتداولة هو “قلب باب الطبون” أي التنور الذي يعمل بالحطب.لا نريد ان يكون التدوير سببا في انتكاسة المؤسسات الإنتاجية والإيرادية بعدم مراعاة حسن الاختيار للمسؤولين وهذه مسألة يجب الاهتمام بها من قبل الجهات ذات العلاقة، هناك مؤسسات ووحدات حكومية ناجحة والفضل بعد الله في ذلك يعود لحنكة الإدارة وجهود العاملين ويجب أن يكون التدوير معززا لهذه النجاحات والتطلع نحو الأفضل، ويا حبذا لو تم الاعتماد على مستوى الأداء كمعيار للتدوير الوظيفي بحيث يتم ترقية العناصر الجيدة والمتميزة في السلم الوظيفي بحيث يكون التصعيد في الترقيات من الأدنى إلى الأعلى، فالموظف العادي المتميز يترقى إلى رئيس قسم، ورئيس القسم الناجح إلى مدير إدارة ومدير الإدارة الجيد إلى مدير عام والمدير العام الناجح إلى وكيل وزارة ووكيل الوزارة إلى وزير وهكذا اعتمادا على معيار الكفاءة والنجاح في المهام الموكلة إليهم، لا نريد التدوير للفاسدين والفاشلين من المسؤولين، نريده فقط للمتميزين، فالفاسد يجب عزله وتنظيف المجتمع منه لا ترقيته ونقله إلى موقع ومنصب جديد، لان ذلك يزيد الطين بلة ولن يعود على البلاد والعباد بأي نفع على الإطلاق.إذا فليكن التدوير الوظيفي محطة يتم خلالها رفع وتيرة الإنتاج والعطاء والأداء في مختلف مؤسساتنا الحكومية ووحداتنا الإدارية في القطاعين المدني والعسكري، فهذا هو التدوير الذي ننشده ونحث عليه أما ما سواه فانه لا يعدو عن كونه عبارة عن ضحك على الذقون وتصفية لحسابات سياسية وحزبية وشخصية لإدخال البلاد في سلسلة جديدة من الأزمات والمنغصات التي لا حصر لها ولا عدد،وهذا ما لا نأمله على الإطلاق.حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن.
|
آراء
التدوير الوظيفي الذي نريده!!
أخبار متعلقة