في كتابه (جغرافية عدن) الصادر عام 1931م يقدم لنا مؤرخ عدن الأول في القرن العشرين الأستاذ عبدالله يعقوب خان معلومات ومواضيع من تاريخ هذه المدينة التي أصبح الكثير منها في حكم المفقود في الحاضر. فهذا الكتاب النادر يعد صورة لما كانت عليه أحوال عدن في مرحلة من تاريخ الحكم البريطاني لها وكيف أصبحت لعدن مكانتها العالمية وتاريخها الحديث الذي أدخلها في مصاف دول العالم صاحبة القرار الاقتصادي والسياسي المسيطرة على طرق الملاحة الدولية، والتاريخ في هذا الكتاب لا يقف عند حدث المكان بل يتصل بجغرافية الموقع التي تصنع القرار السياسي كما تحرك عجلة الاقتصاد وفي هذا الوضع تصبح عدن مدينة عالمية ليست لمجرد الموقع ولكن لمقدرتها على تحديد مصائر السياسات الدولية والتحركات المالية وكذلك إعادة رسم وتوزيع مراكز القوى التي تدرك أن لعدن خاصية لا يمكن تجاوزها عندما تبدأ المصالح في التصارع وعندما تبدأ الأحداث في صياغة جديدة للتاريخ لذلك يضع المؤرخ عبدالله يعقوب خان موقع عدن ضمن الجغرافية التي لا تقف عند حدود المكان بل تصل عبر البحار إلى عوالم وشعوب جاء منها الكثير إلى عدن فكانت عالمية هذه المدينة. يقول الأستاذ عبدالله يعقوب خان عن موقع عدن الجغرافي : ( تقع عدن القديمة في شرق شبه جزيرة عدن في الجزء المقعر حيث كانت فوهة بركان منطفئ ويقسمها إلى أجزاء مجرى مياه السيول الذي يجري من الصهاريج إلى صيرة ويبلغ طولها نحو 1500 ياردة. تقع شبه جزيرة عدن بعيدة عن أرض بلاد العرب بنحو 5 أميال ويصلها برزخ خور مكسر الضيق الرملي. تبلغ مساحة عدن نحو 80 ميلاً مربعاً، تشمل الأقسام التالية : -1شبه الجزيرة التي تضم مدينة عدن القديمة 2 - المعلا 3 - التواهي -4 البرزخ الموجود فيه خور مكسر 5 - بقعة من الأرض شمال الميناء والبرزخ حيث تقع قرى الشيخ عثمان والحسوة وبير جابر والعماد والغدير6 - جزر ميون - كمران في البحر الأحمر. كانت عدن أول مكان آهل بالسكان وهو أقدم واكبر جزء ويحتوي على آثار تاريخية.يبلغ طولها نحو 1500 ياردة وعرضها نحو 1250 ياردة وهي محاطة تقريباً بسلسلة تلال عالية تجعل المكان كما لو كان حصناً طبيعياً وتقع على بعد 5 أميال وتتصل بطريق نافع ببلدة التواهي. وتقع عدن في الشمال الشرقي لشبه الجزيرة وتحتوي على 3000 عمارة وهي مركز عملي.كان يستعمل الخليج الأمامي الواقع شرق عدن كميناء إلى أن نقل الثغر إلى المرفأ الحالي للسفن الكبيرة في ميناء التواهي والسفن الصغيرة في المعلا.ويمكن الوصول إلى المعلا من عدن مارين بالعقبة وهي فتحة ضيقة عند ملتقى سلسلة جبال المنصوري بسلسلة جبال شمسان. ويبلغ عرض هذا المضيق 30 قدماً وارتفاعه نحو 225 قدماً ويوجد مرفأ كبير حيث ترصف البضائع من البواخر وسفن المدينة وحيث يطالب بعوائد الميناء. وقد بنى البورترس التجار مخازن كبيرة ودوراً واسعة لخزن البضائع . والمعلا هي المكان الوحيد في عدن حيث تبنى السفن الكبيرة ويمكن أن نسميها ميناء السنابيك. تقع حجف - جيف في شمال الطريق الذي يقود إلى التواهي ويوجد على يمين الطريق من عدن المنزل المصدر للقوة الكهربائية وتوجد مرافئ كثيرة تمتلكها شركات خصوصية حيث ترصف البضائع من البواخر وفي غرب الطريق على سهل حجف توجد ايضاً مقابر المسيحيين وآبار الزيت للأسطول البريطاني وفي سفح سلسلة التلال يوجد مستشفى للوطنيين للجدري والأمراض المعدية وآخر للأوروبيين مبني على التل بالقرب من مضيق حجيف أمام قسم البوليس وعلى مرمى حجر من ذلك المكان توجد الترسانة ومعمل ثلج ومغسل الملابس، لي كاوجي. التواهي : تقع غرب عدن عند سفح سلسلة تلال تسمى “ أما نخل “ والجزء الذي يواجه خليج التواهي يسمى الهلال لان شكله من بعيد يشبه الهلال ويوجد فيها الفنادق والحوانيت وقد استرد جزء من خليج التواهي وهناك على ارض ذلك المكان يشد النادي الشرقي البورت رس ومكتب شركة الزيت البريطانية الفارسية. ستيمر بونت : عرف باسم مركز الفحم لان الفحم كان يخزن فيه. وتبتدي ستيمر بونت من دكة البوستة - البريد - وتنتهي عند وادي جول مور ، وسمي هذا الوادي بهذا الاسم باسم شجرة تنبت في هذا المكان. ويوجد في أعلى التل الذي يشرف على الميناء مستشفى الأوروبيين العمومي ومكتب الشحن ويوجد في سفح التل كنيسة وتوجد في الأرض المستردة عمارات جيدة من ضمنها معهد رجال الطيران والبحارة والعساكر وابعد من ذلك على اليمين يوجد تل رأس مربط “ قلعة صغيرة “ وعليه مشيد الحصن وعمارات موظفي بورت رس وربان السفن. أما عمارات طبيب الميناء وعمال إدارة العلم والمعسكر والى جانبهم مستشفى المحطة فهي مشيدة كلها على سلسلة تلال. ويوجد على تل طاريشن “ قلعة كبيرة “ الحصن ومنزل المندوب السامي ومنازل أخرى يستعملها قواد الحرب. ويوجد على رأس بردالي مكتب شركة التلغراف الشرقية ومنازل لموظفي هذه الشركة. وفيما بعد ذلك يعرج الطريق إلى وادي جول مور حيث يوجد حمام للسباحة ويوجد على التل المسمى ظهر الفيل فنار. خور مكسر : هذا الاسم مقتبس من كلمة عربية الأصل ، خور “ خليج“ مكسر “ مكسر“ أي خليج مكسر ويقع خلف باب السلب لان حكومة عدن البريطانية منعت البدو من دخول عدن بالسلاح فكانوا يبقونه عند هذا الباب. وهذه القطعة من الأرض تصل عدن بالشيخ عثمان التي سميت باسم الشيخ عثمان الولي الشهير المقبور فيها ويبلغ عرض الأرض 1350 قدماً وتسمى برزخاً. كانت عدن في قديم الزمان جزيرة ولكن البحر تراجع فوصل الجزيرة بالبر الثاني والجزء الواقع شرق الطريق الذي يقود إلى الشيخ عثمان كله صحراوي مغطى بالرمال ويوجد في الغرب معسكر قوات الطيران الملكية والمطار وابعد من ذلك بقليل يوجد ملعب الكرة وحلقة لعب الصولجان “الجولف “ ومعامل الملح. وتحتوي معامل الملح على عدد كبير من العمال الأعراب الذين هم معظم سكان الشيخ عثمان. والشيخ عثمان بلدة منظمة حديثاً اشتريت من سلطان لحج عام 1882م ليسكن فيها الأهالي الزائدون وهي تبعد بمسافة (10) أميال عن عدن وتتصل ببرزخ خور مكسر وتبلغ مساحتها نحو ( 39) ميلاً مربعاً وتحتوي على عدة بساتين ومنازل ومساكن افرنجية وبستان كبير يسمى بستان البلدية. وقد كانت الشيخ عثمان من عهد لا يذكر هي منبع المياه وفي أثناء الأعوام 1924 ـ 1929 نجحت الحكومة في جلب كميات وافرة من المياه العذبة تعرف بمياه الآبار الارتوازية لأن المياه تطلع من الأرض بعد حفرها.عدن الصغيرة: ويسميها العرب الغدير بعد دفن ولي فيها بهذا الاسم، وهي شبه جزيرة واقعة غرب عدن ويصلها ببلاد اليمن قطعة ارض ضيقة وتبلغ مساحتها نحو 15 ميلاً مربعاً ويسمى التل الموجود فيها جبل إحسان، وفيها قرية صغيرة تسمى بريقة حيث يقطن الصيادون والتجار الصغار.ويوجد بالقرب من عدن الصغيرة معمل ملح، ويقع خليج عدن بين التواهي وعدن الصغيرة).ومن مناطق عدن التي يتحدث عنها الكاتب، منطقة الحسوة التي يذكر أنها قرية تبلغ مساحتها نحو 39 ميلاً مربعاً وهي تروى بالسيل الجارف من الوادي الكبير، وكان عدد سكانها عام 1929م قد بلغ 8000 نسمة أكثرهم من العرب الرحالة، ويوجد فيها شجر النخل والبلح بكثرة ويستخرج عصير من هذه الشجرة النخل ليصنع منه الخل الذي يستخدمه أهل عدن ويعرف باسم الطاري.وتقع القرية بالقرب من البحر تقريباً ويمكن أن تشاهد أنوار مدينة التواهي ليلاً، وعندما احتل الانجليز عدن، كانت تأتي إليها المياه من هذه القرية في قرب مصنوعة من الجلد كبيرة الحجم تنقل على ظهور الجمال وتقطع تلك المسافة من الحسوة حتى عدن.أما عدد الخلجان التي توجد على المنافذ البحرية لعدن فقد وصفها الكاتب، بخليج جزيرة صيرة الذي يعرف باسم الخليج الأمامي ويقع شمال شرقي عدن وكان هذا المكان قبل دخول بريطانية ثغراً للسفن الشراعية.خليج حقات وموقعه أمام البوابة الجنوبية لميناء عدن القديم. خليج أبو الوادي أو ما عرف أيضاً باسم خليج الصيادين. خليج الجزيرة المستديرة والمعروف باسم خليج دنافة ويقع جنوب عدن خلف سلسلة جبل شمسان.وفي غرب التواهي تقع الخلجان التالية: خليج الفتح، خليج جول مور، خليج التلغراف خليج سفر ميناء، خليج البوسة، خليج الفرنسي.أما عن موارد المياه لعدن فهو يشير إلى أن المياه كانت تصل إلى سكان عدن قبل دخول بريطانية من الصهاريج وآبار قريبة من وادي العيدروس ووادي الخساف، ولكن بعد ذلك أصبح الماء يجلب من مصادر عديدة وهي: 1ـ تقطير ماء البحر، 2 ـ الآبار الارتوازية المحفورة، 3 ـ مياه الأمطار المخزونة في الصهاريج. 4 ـ الآبار العميقة.وحول هذا الجانب يقول:(تتحول مياه البحر بعد التبخر إلى مياه عذبة بواسطة المقطرات كما يفعل في البواخر وتستعمل هذه المياه للشرب.حفرت آبار في الشيخ عثمان بالقرب من بساتين الحكومة الواقعة وسط دلتا وادي تبن في منتصف المسافة بين مصبي وادي الكبير ووادي الصغير، وتحبس المياه في الأحواض بواسطة الانابيب ومن هناك يبتاعها المتعهدون أو رجال المياه فينقلونها على عربات تجرها الجمال ويبيعونها إلى سكان عدن بالاسم العربي (مياه بورم).وبما أن هذه المياه ارخص من غيرها فقد حلت محل المياه المقطرة.حفر أول بئر لهذه المياه عام 1924م ويبلغ عمق أعمق بئر 1665 قدماً وهو اقل ارتفاعاً من قمة جبل شمسان بمقدار (110) قدماً أو بعبارة أخرى أعمق من نفق بغدة عدن الكبير بمقدار 615 قدماً.3ـ في الأماكن التي يقل فيها المطر يبني الناس صهاريج ويجمعون فيها مياه الأمطار للاستعمال. وقد بني العرب القدماء المعروفون بالحميريين مثل هذه الأحواض في عدن ووجدها البريطانيون مملوءة بالأتربة والفضلات، فنظف بعضها عام 1899م.تسمى صهاريج عدن باسم صهاريج الطويلة، ومياه الأمطار التي تقع على التلال تصب في هذه الصهاريج ويبلغ مقدار المياه بعد ملء كل الصهاريج 14 مليون جالون وتستعمل هذه المياه للغسل ولري البساتين .4ـ يستعمل أهل عدن مياه بئرين في هذه الأيام وهما مياه بئر بانيان يستعملها البرهميون، ومياه بئر الطويلة تستعمل لري المزروعات وللماشية).عام 1500م تم بناء قناة تحمل المياه من بئر ماحط إلى عدن لتصب في الصهريج الكبير الذي يوجد خارج مجموعة الطويلة، والذي عرف باسم بلغير أو صهريج الفارسي المستدير وقد بني في عهد حاكم عدن عبدالوهاب بن عمر.عندما زار الرحالة العالمي ماركو بولو عدن عام 1290م كانت قد شهدت نهوضاً واسعاً في التجارة حتى إنها صدرت الخيول إلى الهند، وطلب حاكم عدن ضريبة كبيرة عليها.عام 1422م أرسل إمبراطور الصين رسولاً إلى حاكم عدن وكانت حالة التجارة فيها قد بلغت مراتب متقدمة، حاملاً خطاباً وهدايا إلى حاكم عدن حتى يسمح للمعاملة التجارية أن تجري بين الصين والعرب.وجاء هؤلاء ببضائع ثمينة مثل الياقوت والكهرمان إلى أسواق عدن.وفي تلك الحقب السابقة ظلت عدن من أهم الأسواق لكل تجارة ثمينة مثل اللبان والرخام والطيب والبخور وكانت الطرق تمر مابين الهند والصين وأفريقيا ومصر وسوريا.وقد تراجع موقع عدن تجارياً بعض الوقت عند اكتشاف الطريق حول رأس الرجاء الصالح على يد الرحالة فاسكو دي جاما 1479 ـ 1500م ولكن سرعان ما اهتمت الحكومة البرتغالية بعد هذا الاكتشاف، بان تجد ميناء مناسباً للسفن التجارية وفي عام 1513م وصل القائد البوكر إلى عدن مع أسطول بحري، غير انه لم يقدر على احتلال المدينة ولكنه احرق ونهب كل السفن الراسية في ميناء صيرة، وكان الأتراك في ذلك الوقت في حرب مع البرتغال في عهد السلطان العثماني سليم الأول 1512 ـ 1520م غير أن الأتراك انتهزوا فرصة تراجع البرتغال عن عدن وجاؤوا إليها وبدلاً من الحصار التجؤوا إلى الخدعة فشنقوا الأمير مرجان أمير عدن، وجاؤوا بمئة مدفع تحمل اسم النبي سليمان( وقد وجد القائد هينس عند احتلاله عدن احد هذه المدافع الكبيرة وقد نقله إلى بريطانيا وهو موجود في برج لندن).في هذا السفر التاريخي يقدم لنا مؤرخ عدن الأول في القرن العشرين الأستاذ عبدالله يعقوب خان معلومات لها أهمية كبرى عند كل باحث في تاريخ هذه المدينة، وما أصبح بحكم الماضي من تلك الأحداث.ودون شك تظل مؤلفات الأستاذ عبدالله يعقون خان من أهم الإصدارات التي حفظت من تاريخ عدن ماغاب عن الحاضر، وهذا يدل على أن الذاكرة التاريخية لعدن مازال الكثير من صفحاتها بحاجة للبحث والقراءة ومرجعية عبدالله يعقوب خان إحدى هذه الركائز في التعامل المعرفي مع مكانة عدن في التاريخ، انه البحث في عمق الانتماء والهوية وهي الشخصية الحضارية لعدن المدينة التي عاشت مع العالم عبر البحر وتلك البوابة المفتوحة على أوسع المسافات نحو العالم الذي مر من هنا .
|
ثقافة
المؤرخ عبدالله يعقوب خان يقدم لمحات من تاريخ عدن
أخبار متعلقة