لا يمكن ان نتحدث عن مجتمع جديد، وعن الديمقراطية وعن الدولة المدنية الحديثة وعن التطور والتقدم، وعن عدالة اجتماعية وعن حق توفير الامن والامان والاستقرار للمواطنين او عن احترام حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية، وعن مكافحة حقيقية للفساد والمفسدين في الارض، وعن احترام النظام والقانون، ومواجهة الظلم والمظالم وترسيخ العدل والعدالة، واحقاق الحق .لا يمكن ان نتحدث عن اي من ذلك او نضمن توافر واحترام كل ذلك؛ الا بوجود قضاء مستقل .. ووجود قضاء مستقل يعني ايضـا وجود قضاء نزيه وعادل.حركة رجال القضاء واضرابهم عن العمل وتجمعاتهم وتظاهراتهم التي بدات قبل اسابيع رافعين فيها شعار المطالبة بانهاء الفساد في قمة سلطة القضاء، وتوفير شروط وضمانات استقلال القضاء وحل المشكلات التي تعيق وتواجه هذه الاستحقاقات وتعيق دور القضاء في اداء رسالتهم الانسانية والدينية والوطنية السامية، والنبيلة ، هذه المطالب هي مطالب مشروعة وتحتاج الى الاستماع لها والتفاعل معها من قبل كل مكونات المجتمع ومن قبل الاطراف المعنية والمناط بها مسؤولية توفير شروط التحولات الديمقراطية، التي تحمل مضامينها المبادرة الخليجية التي يتحمل مسؤولية الاشراف على تنفيذها دول مجلس الامن ومجلس التعاون الخليجي، ويتولى ادارة تنفيذها الرئيس عبد ربه منصور هادي .المرحلة الانتقالية التي تمر بها بلادنا دقيقة وتحتل اهمية كبيرة كونها تضع مداميك التحولات الديمقراطية نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.. وبالتالي؛ فان تنفيذ مهمات هذه المرحلة الانتقالية بهكذا اهمية تستدعي اولا ابعاد سلك القضاء عن الخلافات والصراعات والانتماءات الحزبية وتستدعي ثانيـا ابعاد سلك القضاء عن منهج ما سمي بـ التوافق الوطني، وهذان الشرطان يعنيان اعادة ترتيب سلك القضاء استنادا الى معايير الكفاءة والخبرة ونقاء اليدين من كل شبهة.هذه المعايير التي يجب ان تكون اساس الوفاق الوطني الذي تم الاتفاق عليه ، او بعبارة ادق ما تحدده وثيقة المبادرة الخليجية المدعومة من دول مجلس الامن الدولي.وليست الانتماءات الحزبية والمناطقية والعلاقات بالمتنفذين من هنا وهناك.اذا كان الجميع يتفق على ان يكون عنوان المرحلة القادمة احترام حقوق الانسان والديمقراطية؛ فان ذلك يعني انـه لا بد من ان يتم ترتيب اوضاع سلك القضاء والنيابة استنادا الى هذه المعايير التي بها توفر ضمانات وجود قضاء مستقل وعادل ونزيه يتولى مسؤولية نشر العدل واحقاق الحق في يمن جديد ، ودولة مدنية ديمقراطية حديثة .لن يختلف اثنان في ان انتشار الفساد والظلم والقهر وانتهاكات حقوق الانسان خلال السنوات الماضية يعود ابرز اسبابه الى عدم استقلالية القضاء وعدم نزاهته، اضافة الى الفساد الذي استشرى فيه.وهذا لا يعني انـه لم يكن هناك من المنتمين الى سلك القضاء والنيابة من توافرت فيهم قيم الاخلاص والنزاهة للعدالة ومهنتها المقدسة.وبينهم من رفع صوته، وقال : لا.. امام مختلف صنوف التهديد والوعيد والفساد، واصروا على ان يحكموا بالحق، ويمارسون ادوارهم الحقيقية لنصرة العدل، وان كان امثال هؤلاء قليلون في ظل نظام كان يحرص على ان يختار من لديهم الاستعداد لتنفيذ ما يؤمرون به، مقابل ان يحصلوا على ما يريدونه.لدينا في مدينة عدن نماذج رائعة تستحق التقدير، شرفت القضاء بصمودها ومواجهتها للفساد والمفسدين ابرزهم فضيلة القاضية نورا ضيف الله، التي رفضت الاستسلام لكل صنوف الفساد والمتنفذين .وقالت لا واصرت على ممارسة حقها المهني وواجبها الديني والانساني والاخلاقي في حماية الملكية العامة واموال الشعب، وتحملت تبعات مواقفها تلك. وكذا فضيلة القاضي فهيم عبدالله محسن الذي يشهد له كل من تعامل معه من المواطنين ومن القضاة ومن المحامين بكفاءته ونقاوة سريرته وصدق تعامله مع نزاهة القضاء وتجسيد قيم العدل.. وغيرهما اخرون في محافظة عدن وبقية المحافظات ،وفي لحج كان نموذج فضيلة القاضي البابكري الذي اصر على مواجهة متنفذين كبار انتصارا للعدالة ونزاهة المحاكم فكافاه مجلس القضاء (بينهم من لا يزال حاضرا فيه) بالفصل والتشكيك والطرد من القضاء.قد يبرر ويقول من كان وراء تلك الترتيبات التي تضمنت تشكيل مكون مجلس القضاء بتشكيلته القديمة - الجديدة. ان مبدا التوافق بين اطراف مكون الحكومة (التوافقية) قد كان وراء ظهور ذلك المكون.. وهنا نود القول والتاكيد على التالي:ان (التوافق) الوطني - كما اشار السفير الامريكي احد رعاة تنفيذ المبادرة الخليجية والاستاذ جمال بن عمر ممثل الامين العام للامم المتحدة المعني بشرح الية عمل المبادرة الخليجية - لا ينطبق الا على مكون مجلس الوزراء وقراراته والتعيينات الصادرة عنه.اما ثانيـا وهو الاهم انـه يمكن قبول (التوافق) السياسي- تجاوزا - في كل ما يتعلق بترتيبات وتنفيذ مهمات المرحلة الانتقالية؛ الا ما يتعلق باعادة ترتيب مهام ودور اجهزة القضاء؛ اذ لا بد ان يكون مبدؤه واساسه هو ضمان توافر النزاهة ونظافة اليد والكفاءة والقدرة على تحمل مهام القضاء المستقل الذي يفترض ان يؤدي دورا مهمـا في المرحة الانتقالية، وفي المرحلة اللاحقة المرتبطة ببناء اليمن الجديد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.. وضمان تمتع الهيئة القضائية المسؤولة عن السلطة القضائية بشروط النزاهة وعدم وجود اية شبهات لدى اعضائها هو ضمان اعادة بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة المنشودة.وهذا يستدعي كذلك الفصل بين مهام رئيس مجلس القضاء ومهام رئيس المحكمة العليا ورئيس الدائرة الدستورية ورئيس المنتدى القضائي وهي المهام التي لا تزال محصورة رئاستها من قبل رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق - الحالي.ولا يمكن هنا ايضـا تجاهل اهمية احترام حقوق المنتسبين لسلك القضاء والنيابة العامة، المسؤولين عن حماية حقوق الانسان وعن توفير العدالة للناس وحماية بنيان الدولة ودستورها وامن الناس واستقرارهم والنظام العام والقانون.فالاخلال بحقوق هؤلاء سينعكس سلبـا في الاخلال بواجباتهم ومهامهم الخطيرة.. فهناك حقوق يجب احترامها وضمان توفيرها مقابل واجبات يجب التشديد عليها ومحاسبة اي اخلال بها او حتى مجرد وجود الشكوك فيها في حينه.لقد شهدت الاسابيع الماضية ولا تزال حالة ارباك في المجتمع، بسبب توقف عمل القضاء والمحاكم والنيابات الذين تقدموا بمطالبهم وكان يفترض الاستماع اليها وبحثها معهم -بعيدا عن الاساليب القديمة في التسويف وممارسة اساليب التهديد والوعيد، والايحاء بعواقب الامور- والعمل على بحثها معهم من منطلق ان عليهم واجبات مهمة وخطيرة تتعلق بتوافر الكفاءة والخبرة والنزاهة في اداء هذه الواجبات والمهمات - وفي الوقت ذاته - لهم حقوق ومطالب مشروعة ترتبط بهذه الحقوق وتعزز من واجباتهم المشروطة بالكفاءة والنزاهة؛ الا انـه - مع الاسف - ما زال بعض يريد مواصلة منهج التعامل نفسه ( لنظام الرئيس السابق ) مع سلك القضاء والنيابة ومع الحقوق والواجبات. وهذا يعني فيما يعني ان بعضـا ما زال يرفض مبدا استقلال القضاء وضمان نزاهته، ويصر على ابقاء السلطة القضائية خاضعة للسيطرة ونفوذ اصحاب السلطة والنفوذ، وهذا يعني فيما يعنيه ايضـا رفضـا لمطالب الشعب في بناء يمن جديد ودولة مدنية ديمقراطية حديثة يتجسد فيها احترام حقوق الانسان ..كما ان التوافق المقصود به في المبادرة الخليجية لا يمكن ان يعني ابقاء مساحات او اعطاء فرص او تمثيل للفاسدين او لمن ثبت عدم كفاءته وجدارته ونزاهته في تحمـل هذه المسؤولية او تلك.كما ان التدوير الوظيفي هو الاخر لا يعني كذلك، وانـما يجب ان يشترط وجود الكفاءة والمؤهل والقدرة على العطاء والتطبيق الخالي من الفساد او حتى من شبهة الفساد.وهي مناسبة هنا لنقول انـه يجب الحرص على عدم تكرار منهج النظام السابق في دعم الفساد والفاسدين وابقائهم في مواقع السلطة والنفوذ تحت مسميات وتبريرات مختلفة منها (التوافق)!!ان منهج النظام الجديد الذي يفترض ان يتجسد اليوم من خلال المرحلة الانتقالية الحالية هو ان يتم وضع الانسان المناسب في المكان المناسب وتكون الكفاءة والمؤهلات والخبرات هي مقياس الثقة في تحمل المسؤولية هنا او هناك، وان يكون منهج تعامل القيادات مع الادنى هو الديمقراطية بعيدا عن استخدام اساليب الضغط والابتزاز والبحث عن الولاء وفرضه.ومن الاهمية هنا ان ننبـه الى الانتهاك الذي تعرضت له حقوق المراة اثناء اعادة التدوير (التوافقي) لمجلس القضاء الذي خلا من اشراك المراة فيه رغم وجود كفاءات عالية ونزيهة لقاضيات يستحققن هذه الثقة في الممارسة العملية وعلى الواقع ويحزن على تقدير الجميع .لقد عانى سلك القضاء والنيابة خلال السنوات الماضية من فساد شديد زاده سوءا خضوعه للمتنفذين في الحكم والمجتمع مما نال من ثقة واحترام كل من تعامل معه..وكان لذلك اثره البالغ في توسع مساحات الفساد والانتهاكات في المجتمع التي مست بالضرر الشديد حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسية والمدنية ،ومست بالضرر والتردي امن واستقرار الموطنين مما انعكس سلبا على حياة الناس والنظام العام وبروز العديد من الظواهر الضارة والسيئة ابرزها الثار والقتل وقطع الطرقات والجرائم المختلفة وتفكك المجتمع والاضرار بالسلم الاجتماعي .لذلك جاء الحراك الجنوبي وجاءت الثورة الشبابية الشعبية لتواجه كل هذا الفساد وتلك الانتهاكات وتدعو الى الثورة والتغيير من اجل اعادة مسار الحياة الى طبيعتها الانسانية حيث تحترم كل حقوق الانسان ولا تصادر كرامته وحرياته...وتحقيق هذه الاهداف واعادة مسار الحياة لتواكب التطور الانساني تحتل قضية استقلال القضاء ونزاهته ابرز عناوينها ومداخلها..وهذا ماندعم من اجله مطالب القضاء وندعو الى الاستجابة لها والتعامل الايجابي معها.
|
آراء
لضمان حماية واحترام حقوق الإنسان.. ندعم مطالب القضاة
أخبار متعلقة