لا شيء حتى مثل خرائط العالم، يمكن ان ترينا مدى عمق المأساة التي تعيشها أبين الأبية، حيث ان هنالك يتألم أهلنا، جرحها النازف، ولحمها المستباح، وكرامتها المهدرة. فتلك الخطوط النحيلة تبين كيف ضاعت أبين، وكيف تضيع الآن!وما سوف يضيع في المستقبل!حقيقة لا أريد ان أرفق بمعية هذه الكلمات الجريحة ألواناً دالة على الاحتلال الغاشم الذي لم يكف عن تدمير وتشريد أهلها وكأنه سرطان نهم، يلتهم كل ما أمامه من خضرة، بينما يرقد الجسد العربي وكل شعوب العالم، واهناً عاجزا مستسلما.أبين لأنها القلب والحق المسلوب فإن سعيا عدوانيا ومختالا لايكف عن الالتفاف عليها وعلى المناطق المجاورة بل على أصحابها الحقيقيين، وذلك بأعتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا.لقد رأينا الكثير من إخواننا نازحين صوب الأخرى عدن الحبيبة، وهي بالمثل ان لم تلتف الجهات المعنية من أبناء المنطقة لاشك ستكون بين فكهم وسياجهم المستميت.نقاط عازلة تلتهم الكثير من الأرض، إجراءات قمعية حرمت الناس من بيوتهم وذويهم، رمت ومازالت ترمي بهم خارج الأسوار، وتخريب منظم لمعالم الروح والأثر، وتزوير فاضح لكل شيء.حقيقة إنها أبشع عملية ابتلاع عنصري لمحافظة، وأيّ محافظة...إنها زهرة المحافظات.بينما كنت أعد هذه المادة ليست المعرفية بل المدمرة، حاولت ان أهدئ النبرة الانفعالية، ثمة احتيال يجري على المكشوف، فمصطلح تنظيم القاعدة الذي أطلقته الكثير من الفئات والكثير من الخرائط بدولها اللامنتهية بهدف ابتلاع المزيد من الأرض لمصلحة مخططاتهم ..هو مصطلح خبيث ومراوغ، لكن تفاصيل تفعيله على أرض الواقع، تفضح عدوانية وعنصرية أولئك.إن أبين هي قلب كل جنوبي، إنها حرة منذ نشأتها وحتى الآن، ليس هذا القول نوعا من ( الزعم المتعصب)، بل هو الحقيقة التاريخية.في حين شكك عالم الآثار (إسرائيل فلنكشتاين) من جامعة تل أبيب، شكك في وجود أي صلة لليهود بالقدس..هو يعرف هنالك((بأبي الآثار))، نحن بالمثل نشكك بوجود قاعدة مزعومة سوى قاعدة نظام سابق متهالك.كل يوم نستيقظ فيه من نومنا نحمل أخباراً حزينة ونسير إليها وكأننا في رحلة آلام طويلة،هكذا ينتابنا شعور كلما تسللت حروفها وانبثق نورها، هاهم الشيوخ والمسنون والأطفال والنساء يحاولون البحث عن خرم إبرة لكي يظفروا بالدخول إليها وهي هادئة وكل حواريها وأزقتها مفعمة بالحيوية وكل عصافيرها تزغرد مرحبة بقدوم أهلها. تذكرني أبين دوما بطفولتي والسبب يعود إلى أنها منذ كنت صغيرا وهي على حالها، يتفنن الغزاة في قتلها ومنع توسعها العادي الطبيعي والعبث بها ومحاصرتها بحجة أنها من قضايا الحل النهائي.لامفتاح معي لأبين، أبين محافظة مذبوحة من الوريد إلى الوريد، أحياء ذبحت تماما، لم يتبق منها احد.كنت ألجأ إليها دائما حين يتكدر خاطري، كنت أحتمي بها اهبط إلى شوارعها الجميلة، إلى السوق، إلى بعض المساجد والمراكز الصيفية والتعليمية للعبادة والقراءة، هنا اشعر أنني اقترب من الله أكثر، هنالك كنت أطيل الدعاء والرجاء فيهرب كدر الخاطر وأعود ممتلئا اطمئنانا وسلاما.أبين جرحنا الذي ينزف..أين نحن منها الآن.. وأين هي منا؟ أمل يضيع، وطن يتبدد، وثغرة جديدة في الخرائط العربية اقصد ((الوهمية)) إن جاز لنا التعبير.إنها قصة طويلة مريرة تلك التي تحكي مخططات إبتلاع أبين، وهي ليست قصة ألم عربي فقط، لأنها تخص كل ضمير حي على ظهر كوكبنا.من هنا، فإن المسؤولية ينبغي ان يتحملها كل مثقف حر في هذا العالم، وليس أقل من ان يضطلع المثقفون العرب بمهمة إيقاظ الضمير الإنساني بكل لغة وفي أي مكان يستطيعون الوصول إليه، لتنبيه البشرية إلى حقائق هذه الحالة التي هي في جوهرها العنصري معاداة صريحة لحقوق الإنسان.ستبقى محافظة أبين هي روح كل الأحداث التي وقعت ومازالت جارية لحد اللحظة، وان شاء الله ستبقى صامدة كصمود الجبال وذلك برجالها الشجعان، محافظة لم يلزمها الصمت ثانية.وهنالك حيث البعض يتغنى بأمور أخرى وينسى كاتبو التاريخ أن أبين هي الرقم الصعب الذي يصعب فك شفرته، ليس هذا مبالغة فيها وليس نوعا كما أسلفت سابقا من (الزعم المتعصب).
|
آراء
أبين ..مرارة الابتلاع !
أخبار متعلقة