البداهة السياسية تفترض احتساب النتائج قبل الاقدام على الفعل، وعندما تتسع دائرة القلق والتوجس على المستويين الداخلي والخارجي من البداهة ان يكون الفعل مدعاة للتقييم والمسار مدعاة للتقويم، واستبيان الخسائر قبل حساب الأرباح من اجل اعادة النظر ان كانت فداحة الأولى ماحقة لبركة الثانية، لا من اجل البحث عن تبريرات من داخل الصندوق. فهل يخطر ببال احد من الجنوبيين ان حضور نجاد الى الجنوب، فيه دعم واضافة للقضية الجنوبية، كما كان لحضوره في جنوب لبنان في اكتوبر 2010 دعم للمقاومة اللبنانية، فالبيئة الجغرافية هنا تختلف كل الاختلاف عن هناك، اي ان منطقتنا اما في تنافس او في حالة عداء غير معلن مع كل ما يقوم به محمود احمدي نجاد في المنطقة، فهاجس درء الخطر الإيراني دفع السعودية الى السعي لضم المغرب والأردن لمجلس التعاون الخليجي، والى عقد صفقات سلاح بما يفوق الـ 70 مليار دولار، فساسة المنطقة خرجوا عن اطار التنافس السياسي الى الصراع بجلباب المذهبية من اجل فرض الإرادات. والحقيقة ان نظام حكم الخميني في صراع اقليمي ودولي، بهدف فرض وجوده كلاعب ليس اقليمياً وحسب وانما كلاعب دولي يبحث عن الاحتراف في الساحة الدولية وهذا حق له كما هو لغيره، وما يهمنا كلاعبي (حواري) في الأقتراب من محترفي اللعب في الساحة الدولية، هو دقة الحسابات التي تنطلق من واقع (حوارينا) الجيوسياسي، بحيث لا تخضع لأسلوب ولا لطبيعة الأستثمار في العلاقات الدبلوماسية التي تقدم عليها الدول مع بعضها البعض، فهذه مهمة لاحقة، وانما تخضع لحسابات حركة شعب يسعى للتحرر الوطني ولكسب قناعات ومواقف الأخرين، وما يزيد من تعقيد جهود التواصل مع العالم، كوننا في منطقة تعتبر الأكثر اشتعالا بالاحتكاكات المحلية، الاقليمية والدولية.فاحتدام التوتر الممتد من لبنان نزولا الى سوريا والعراق ومنهما الى البحرين بما في ذلك الأنف الأيرانية المحشورة شمال الشمال في صعدة، يؤكد أن خارطة جديدة للمنطقة تتشكل على اي نحو؟ .. من سيكون اللاعب الأبرز؟ .. تلك امور لم تتجلى على نحو واضح، وفي هذا الخضم تأتي دعوة نائب الرئيس الأيراني محمد رضا رحيمي لدى استقباله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في 22 ابريل الماضي الى اتحاد ايراني عراقي عندما قال: «ان اتحاد العراق وايران بشكل تام سيجعلهما يشكلان قوة كبيرة على الصعيد العالمي»، اتحاد على هذه الشاكلة يصعب نفي القول بأنه مذهبي، فالمالكي إذا تجاوز المرء ما يقوم به من تهيئة الساحة العراقية لدور مذهبي قادم، سبق له وان اشار في مقابلة مع صحيفة الغارديان في 14 ديسمبر 2011م عندما سئل كيف تصف نفسك؟ .. اجاب دون تردد «انا شيعي أولا وعراقي ثانيا»!! .. وان كنت اظن انه: لو وجه اليه السؤال ذاته اليوم لأضاف وعربي ثالثا، لزوم القمة العربية التي عقدت في بغداد في مارس الماضي! .استنادا الى هذه الخلفية يمكن القول: أنه ليس لدينا في الجنوب ترف تجاهل دواخلنا او ابتزاز جيراننا من اجل الأعتراف، فحقوقنا ثابتة لا تتأكد برغبة الأخرين قلّ اوعظم شأنهم تتجذر بإرادتنا الذاتية وقدرتنا على إقناع الأخرين بجدارتنا: اكانوا جيرانا او اصدقاءا او حتى اعداءا، اقناعهم بأننا جديرين بالنهوض بأعباء قضيتنا الوطنية وهو أمر لن يتأتى بفرش (بسطة) ضاغطة في الضاحية الجنوبية لبيروت، تبعث رسائل استفزازية غير مطمئنة وتضع القضية الجنوبية في خندق المواجهة غير المباشرة مع كل دول الجوار وتحديدا الأمارات التي تعاني من اطماع ايرانية في جزرها الثلاث: طنب الكبرى والصغرى وابوموسى، الى جانب السعودية التي تشعر بتهديد ايراني يستهدف دورها الأسلامي والأقليمي .. فبالمحصلة يحسب الامر على هذه الشاكلة اردنا ذلك او لم نرد، والأسوأ: ان الخطوة تاتي في لحظة يسود فيها الفرز والفصل على اساس مذهبي مقيت، الدخول في دهاليزه اخر ما كان لأي منا ان يتمناه!.وحتى من يميل الى مطابقة الأتصالات التي تجريها حماس مع طهران، مطابقتها بمحاولات جنوبية مفترضة لمد جسور التواصل مع ايران، لم يكن موفقا في مسعاه، لأن الفروق الشكلية والجوهرية بين الطرفين لا تخطئها العين، فمن حيث الشكل: حماس منذ العام 2006 تتصرف كقيادة مسيطرة على مقومات الدولة: الأرض، الحكومة والشعب، بغض النظر عن رأي الآخرين فيه، كما وان حماس فرع لتنظيم عالمي تتسع رقعة انشاره الجغرافي والمالي، وليست معزولة في غزة داخل 36 كلم مربع .. اما الفروق الجوهرية فأهمها ان ليس لحماس حدود احتكاك مع دول الخليج حتى تتهم بالأصطفاف ضدا، ان اقبل احد قادتها صوب طهران من احدى عواصمه او من دمشق، وهذا عنصر بالغ الحساسية لا تبنى عليه مشاعر من قبيل الغضب او الهجس السياسي المريض على حد تعبير البعض، وانما تبنى عليه مواقف دول وعدوات شعوب تتبعها كوارث من النوعية التي اثمرتها علاقة صالح بصدام حسين التي لم تضع اعتبار لهذه النقطة بالذات، وتبقى النقطة الأهم التي تتحرك حماس في ضوئها: نقطة العدو المشترك الذي يمثل جواز مرورها لمختلف اقطار العالمين العربي والأسلامي والذي يتحول الى وسيلة ابتزاز، ان اقتضت للمقاومين ضرورة كما كان يفعل المرحوم/ ياسر عرفات في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فالفكرة ليست تفصيل شروط شخصية، تبرر او تتحفظ على الفعل، وانما تكمن الفكرة في قراءة الواقع الذاتي وواقع المنطقة المجاورة، قراءة موضوعية تجنب القضية الوقوع في مطبات راهنها المحتدم حدوديا، مذهبيا، قوميا، ونوويا، هذه المطبات، التي تشعل الفضاء الاقليمي وتزيده تعقيدا فوق تعقيداته النفطية .. قراءة دقيقة لا تحتمل المغامرة، كونها تأتي في مرحلة تعد الأسوأ في تاريخ العلاقة العربية الايرانية منذ انتهاء الحرب الأيرانية العرقية .. فتجريب الأرغام على لفت الأنتباه بفتح جسور التواصل مع الطرف المخاصم للغالب الأعم من المحيط الجغرافي، لا يخدم فكرة البحث في دروب الاصطفاف الى جانب القضية الجنوبية، الواقعة في شرك سنديان العاطفة القومية الهائجة عربيا واسلاميا بحثا عن التوحد .. أي اننا بفكرة القفز الى الضفة الاخرى من الخليج نكون قد سقطنا بالقضية في مياه خليج هرمز الملتهبة وفي نتيجة حسابات اقل ما توصف بأنها مدروسة بغير عناية كافية!
|
آراء
القضية الجنوبية في الضاحية الجنوبية!
أخبار متعلقة