مسؤول قطاع التعليم في البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتحدث لـ 14 اكتوبر :
حاوره في واشنطن / بشير الحزمييعتبر التعليم واحدا من أهم القضايا التي ترتكز عليها التنمية في أي بلد في العالم وهو الأساس لبناء الإنسان وتطويره، لهذا تركز الحكومات ومعها الشركاء المانحون على قضية التعليم وتطويره وتحسين مخرجاته وهذا ما تعمل عليه اليمن من خلال العديد من الإستراتيجيات والمشاريع المنفذة. ويعد قطاع التعليم واحدا من أهم القطاعات التي تحظى بدعم وتمويل من البنك الدولي - الشريك الإستراتيجي للتنمية في اليمن .. ومن هذا المنطلق حرصت صحيفة (14 أكتوبر) على هامش اجتماعات الربيع 2012 للبنك الدولي التي عقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن أن تلتقي بالسيد مراد الزين مسئول قطاع التعليم في البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتتعرف من خلاله على بعض الجوانب المتصلة بعمل، البنك في هذا القطاع ورؤيته المستقبلية لتطوير التعليم في اليمن..فالي نص اللقاء:-[c1]- لماذا يهتم البنك الدولي بقطاع التعليم في اليمن .. وما جوانب ومجالات هذا الاهتمام؟[/c]-- مهمة البنك الدولي الأولى هي محاربة الفقر. والتي تعني أشياء عديدة. والتعليم هو أهم شيء لمحاربة الفقر، ونحن نعرف من خلال البحوث وتجاربنا في البلدان الأخرى، أن الشعب المتعلم، مع نسب الأمية المتدنية، والمهارات العالية يمكن أن يحصل على فرص عمل ودخل كاف يوفر له عيشا كريما. فالتعليم من الأولويات في التنمية، الكثير لا يعرف أن البنك الدولي يستثمر في التعليم ويعتقدون أن البنك الدولي يستثمر في الجسور والبنية التحتية بصفة عامة ، ولكن البنك الدولي منذ عام 1963م بدأ يستثمر في التعليم وأصبح من أكبر المنظمات الدولية التي تختص بالتنمية والاهتمام في التعليم. ويدعم مشاريع عديدة في قطاع التعليم الذي يعتبر من القطاعات المهمة بالنسبة للبنك، فالتحديات كثيرة أهمها النمو الديموغرافي الذي يستدعي كل عام زيادة كبيرة في المدارس والمعلمين والكتب المدرسية. وجودة التعليم، لأن التعليم بدون جودة لا يؤدي إلى كسب المهارات التي هي هدف العملية التعليمة. حيث أنها في العالم العربي بشكل عام ضعيفة واليمن لا يختلف في ذلك. واهتمامنا بالتعليم يرتبط بسوق العمل في اليمن الذي يتطلب مهارات جديدة، ولذلك بدأنا نهتم في التعليم العالي والتعليم الفني والتقني ، كما أن اليمن من البلدان العربية التي لا تزال فيها فجوة التعليم كبيرة بين الذكور والإناث ، ولمواجهة هذا التحدي، عملنا على إعداد مشروع لذلك في مراحل التعليم الثانوي ، ولعل وجود خمسة مشاريع في قطاع التعليم في اليمن (وهو اكبر عدد من المشاريع في بلد عربي)، يدل على أهمية التعليم واهتمام البنك بذلك. ولدى البنك شركاء آخرون في تمويل هذه المشاريع ، كما يقوم البنك الدولي بإعداد دراسات و تقارير عن واقع التعليم في اليمن وقد أصدرنا مؤخرا تقريرا شاملا عن التعليم في اليمن بعنوان (التحديات والفرص).[c1]تمويلات البنك للتعليم[/c]- كم تبلغ تمويلات البنك الدولي الموجهة لقطاع التعليم في اليمن .. وهل هناك نية لزيادة حجم هذه التمويلات في ضوء المتغيرات الراهنة؟- - بصفة تقريبية البنك يدعم اليمن في البرنامج الحالي بحوالي 65 مليون دولار في التعليم الابتدائي، 20 مليون دولار في التعليم الثانوي، 13 ملايين دولار في التعليم العالي و 15 ملايين دولار في التعليم الفني والتقني ، و المبلغ الأخير للتعليم الفني والتقني ألغي ولكن ستتم استعادة مخصصاته، ونحن الآن بصدد بدء برنامج جديد فيما يخص التعليم العام والتعليم الابتدائي. والمبلغ المخصص لم نتخذ بشأنه قرار بعد، لكن يقارب ال 60 مليون دولار بتمويل من البنك الدولي، بالإضافة إلى 80 مليون دولار من صندوق يمول من العديد من الأطراف المانحة يهتم بالبلدان الفقيرة وبالذات في مجال التعليم ، والبرنامج الجديد وحده يقارب 140 مليون دولار، وهذه مبالغ كبيرة ومهمة بالنسبة للبلدان التي بحجم اليمن.[c1]أداء جيد[/c]- كيف تقيمون مسار أداء الحكومة اليمنية في تنفيذها للمشاريع الممولة من البنك الدولي؟-- أداء الحكومة اليمنية في التعليم الابتدائي والثانوي كان جيداُ، ويعكس سرعة استخدام المخصصات في بناء المدارس والتدريب وغير ذلك، وقد كانت هناك صعوبات لكن العمل لم يتوقف ، وبالنسبة لمشروع التعليم العالي، فالمشروع جديد بدأ قبل الثورة الشبابية بقليل ، وما زلنا لا نعرف مستوى تنفيذه. وفيما يخص التعليم الفني والتقني لم يكن المردود جيداً فقررنا إعادة هيكلته وربما نعيد التفكير في إعداد مشروع جديد ، وأود أن أوضح أن أداء الحكومة ليس السبب في تعثر هذا المشروع، وإنما هناك عدة عوامل أخرى ، إن مشروع التعليم الفني والتقني قائم على شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى تعثر في العمل ، كما أود أن أشير إلى أداء اليمن في مجال التعليم جيد بالمقارنة مع بلدان أخرى، ونلمسه من خلال الالتحاق بالتعليم وخاصة الإناث ، فاليمن رغم الحالة الاقتصادية والسياسية الصعبة، كان من البلدان التي تخطوا خطوات وتتقدم في التعليم ببطء. لكن هذا يرجع إلى كثرة الأطفال في سن الالتحاق ، ويمثل هذا أحدى المشاكل الكبرى، فاليمن تعاني من ضغط ديموغرافي أكثر من البلدان الأخرى.[c1]المشاريع المتعثرة[/c]- بالنسبة للمشاريع الممولة من البنك الدولي في قطاع التعليم، فإذا كان هناك تعثر أو لم تحقق نتائج مرضية، ما الذي يتخذه البنك؟ وهل يضع البنك أية اشتراطات عند تنفيذ مشاريع أخرى ليتلافى ذلك مستقبلا؟-- لدى البنك اختصاصيون يعملون على متابعة هذه المشاريع في كل من واشنطن وصنعاء ، وعندما نرى أن هناك تعثرا نعقد اللقاءات مع الحكومة لوضع الحلول المناسبة، أو إعادة هيكلة المشاريع ، وفعلنا ذلك عدة مرات ، وبالنسبة للمشروع في التعليم الفني والتقني والممول من البنك الدولي بمبلغ 15 مليون دولار تم إلغاؤه ولكن المتبقي منه والبالغ 7 ملايين دولار. ستحفظ لليمن ، وإن شاء الله سنستثمرها في مشاريع ذات جدوى أكثر، مع العلم أن هذه الإجراءات تتخذ في اليمن وبلدان أخرى .[c1]تحديات التعليم في اليمن[/c]- لعلكم تدركون حجم التحديات التي يواجهها قطاع التعليم في اليمن نتيجة عدة عوامل أبرزها (النمو السكاني المرتفع ، والتشتت السكاني الكبير، تسرب التلاميذ في التعليم الأساسي وخاصة الإناث، ضعف القدرات البشرية بالنسبة للمعلمين، ضعف جودة التعليم ، الحاجة إلى تطوير المناهج، وغيرها...)- - هل لدى البنك أفكار ورؤى يمكن من خلالها مساعدة اليمن لمواجهة هذه التحديات؟ كل هذه التحديات صحيحة وموجودة في اليمن وفي البلدان العربية بصفة عامة، لكن في البداية لا بد من تشخيص ومعرفة أسباب هذه المشاكل ؟ فهناك مشاكل الالتحاق بالتعليم في أوساط الفئات الفقيرة الريفية كما توجد فجوة بين تعليم الإناث والذكور ، ولكن أود أن أوضح أن ابرز المشاكل هي مشكلة جودة التعليم ، فهي ضعيفة وعلينا أن نعمل على تطوير الوسائل والسياسات، وخاصة التي تهتم بالمدرسين والبرامج المدرسية والكتب المدرسية إلى آخره ، والتقييم هو أهم أداة بالنسبة للبنك الدولي. من خلاله تتكون لدينا فكرة عن مستوى أداء المدارس ، فكل مدرسة يجب أن تصل إلى مستوى تستطيع من خلاله تقييم مستوى الأداء، بالنسبة لما هو مطلوب منها وأن تقارن هذا الأداء وجودته مع مدارس وجهات أخرى ، فالتقييم هو نقطة الانطلاق من دونه لا نستطيع أن نتقدم، فهو يخلق مناخا للمنافسة وتكافؤ المدارس والفرق الفنية التي كان مجهودها ايجابيا ، ولكن آلية التقييم غير موجود ما يؤدي إلى عدم معرفة التقدم المطلوب. وفي الحديث الذي أجراه فريق البنك مؤخرا مع وزير التربية والتعليم اليمني ومع كوادر من الوزارة، تم الاتفاق على تقييم القراءة والكتابة في عدة مستويات من التعليم ابتداء من السنوات الأولى من التعليم الأساسي الذي من خلاله يتم النظر في السياسات ومدى ملاءمتها للواقع ، وهذه من أهم الجوانب التي يركز عليها البنك الدولي ، بالإضافة إلى أن عملية التعليم في العالم العربي، لسوء الحظ، أصبحت مسئولية الحكومة فقط وهذا غير كاف ، ولذلك يجب أن تكون المسئولية مشتركة بين الحكومة والمنتفعين من التعليم. فعلى مستوى المدارس يجب أن تكون هناك مجالس للتشاور بين المعلمين والأهالي وأن تفتح المدرسة للشراكة وهذا الشيء أثبت في عدة بلدان أن له مردودا إيجابيا على جودة التعليم ، وهذه من أولى الأشياء التي سنحاول وضعها ، كما سنواصل العمليات التي بدأنا بها في المشاريع التي تحدثت عنها من قبل كتدريب المعلمين الذي أصبح حاجة ملحة وضرورية لإخراج كادر من المعلمين ذي الكفاءات العالية بما سينعكس على جودة التعليم ، كما أن لدينا اهتماما بتعليم الفتيات ، وهنا أيضاُ يجب أن نفتح المجال لاجتذاب معلمات للتعليم في الأرياف اليمنية ، ولدينا سياسات وضعناها مع الحكومة وهي ناجحة، وسنواصل كل هذه العمليات وخاصة بناء المدارس.[c1]إستراتيجيات[/c] - يمتلك قطاع التعليم في اليمن مجموعة من الاستراتيجيات لتطوير التعليم في كافة المراحل ..كيف تصفون هذا الأمر.. كيف يمكن بلورة وترجمة هذه الاستراتجيات على أرض الواقع لنلمس مخرجاتها؟-- التقرير الذي أعددناه مع الحكومة اليمنية (التحديات والفرص) شخص كل هذه المشاكل ، فإعداد الإستراتيجيات ليس من اختصاصات البنك الدولي، بل مسئولية وزارة التعليم وأطراف أخرى، وهنا أؤكد أن اليمنيين هم من يجب أن يضعوا سياسة التعليم في اليمن ، فالبنك الدولي يساهم في التمويل و المعرفة لكن وضع الاستراتيجيات مسئولية يمنية، وأول شيء يجب أن تقوم به الحكومة هو وضع سياسة شاملة للتعليم وأن تجعلها من أولوياتها وسيعمل البنك على تقديم كل العون. وطبعا الكثير من الحلول معروفة وثمة أشياء تستدعي الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام ، فاذا نظرنا إلى التعليم الفني والتقني، وعلى مستوى الجامعات، نرى مسألة الجودة في التعليم العالي مهمة ، ولكن للأسف لا توجد مؤسسات تهتم بجودة التعليم العالي. إن تنفيذ الاستراتيجيات أمر ليس سهلا ، و سيكون طبعا صعب في بلد مثل اليمن، شاسع وسكانه متفرق ، والمواصلات فيه صعبة والموارد المالية والبشرية محدودة. وكل هذه مشاكل ما تزال موجودة في اليمن ، ويحاول البنك الدولي دائماُ أن يقنع الحكومات لإعداد السياسات التعليمية بطريقة يسهل تنفيذها. والأمر المهم هنا الذي نركز عليه أن هذه السياسة يجب أن يضعها اليمن وسيكون البنك مساعدا له في تنفيذها. [c1]الاستفادة من تجارب الدول[/c]- بحكم مسئوليتكم على عدد كبير من الدول في المنطقة .. أعتقد أنكم قد اطلعتم على تجارب ناجحة في بعض الدول .. هل لكم أن تساعدوا اليمن على عكس بعض التجارب الناجحة على الواقع اليمني ومساعدته في تطبيق ما هو مفيد منها وما يتلاءم معها؟- - للبنك تجارب كثيرة وناجحة في بلدان أخرى، في داخل المنطقة وخارجها ويمكن أن تساعد اليمن.، والتعاون بين البلدان العربية يجب أن يلعب دورا اكبر في تبادل المعرفة والاستفادة من الآليات والسياسات الناجحة وان يتم التركيز على تبادل الخبرات بين البلدان، و البنك الدولي يمول مشروعاً يسمى مشروع تحسين جودة التعليم في العالم العربي وينفذ مع عدد من المؤسسات الأخرى ، ونقطة الانطلاق لهذا المشروع هي مؤسسة (الايسسكو) التي تتبع الجامعة العربية ومقرها في تونس ، ومهمتها مساعدة البلدان التي تحتاج لمعرفة التجارب الأخرى أو التي تحتاج إلى الأختصاصيين أو الآليات التي تتبع في بعض البلدان والتي أظهرت نجاحا، وهذا الأمر ليس صعباُ، لأن جميع شعوب البلدان العربية يتكلمون لغة واحدة، ولديهم تقريبا المشاكل نفسها . والفكرة الأساسية في هذا الأمر هو التعاون الإقليمي بين البلدان العربية لتحسين مستوى التعليم.[c1]إعادة هيكلة المشاريع[/c]- أنتم تعلمون أن اليمن مر مؤخرا بظروف صعبة وقد خلفت آثارا سيئة على قطاعات التنمية المختلفة بما فيها قطاع التعليم.. ما الذي يمكن أن يساهم به البنك الدولي لمساعدة اليمن على تجاوز ذلك؟-- يعمل البنك على مواصلة العمل بحسب المشاريع الموجودة ، لكن يجب في الوقت نفسه إعادة النظر في هذه المشاريع وإعادة هيكلتها ، فاليمن في عام 2012 يختلف عن الأعوام السابقة ، وعملنا على إعادة النظر وهيكلة المشاريع ، لان مسألة الأمن و الاستقرار السياسي في هذه المرحلة مهم جداً لمواصلة العمل والاستمرار في تنفيذ المشاريع.[c1]كلمة أخيرة[/c]- ما هي كلمتكم الأخيرة في ختام هذا اللقاء ؟-- أنا أركز دائما على جودة التعليم وأقول إن جودة التعليم يجب أن تبدأ مبكراً ، و اهتمامنا في البنك يبدأ من التعليم الابتدائي ، ولكن الفترة التي قبل التعليم الابتدائي مهمة جداً، وتعتبر من أهم الفترات في تكوين الثروة البشرية. والشيء الثاني هو التقييم ، فبدون التقييم وبدون إعطاء معلومات عن مردود وجدوى التعليم للمعلمين ولمدراء المدارس لا نستطيع أن نحسن كثيرا من عملية التعليم ، وأخيراُ وهو أيضاُ مهم، فتح المدرسة على المجتمع وخلق شراكة حقيقة فيما بينهما ، و هذا الأمر هو ما ينبغي أن نركز عليه بشكل اكبر في المرحلة القادمة