في أجواء غاز عادم ، وواقع محتقن وصادم، وتوقعات بإعصار قادم.. يبرز سؤال صادم للكل الفاهم وغير الفاهم.. من الذي يعرقل تنفيذ المبادرة وآليتها ؟! وينساب سيل هادر من الأراء والتعليقات ، ويستعان بالخبراء والمحللين والمراقبين والسفراء، وهات يا دوران في الحلقة المفرغة مثل حركة جمل المعصرة قبل اكتشاف أو استخدام الكهرباء، أو كما ثور الساقية المعصوب العينين الدائر حول نفسه لإخراج مياه الترعة بواسطة النواعير.تصوب نظرك ، وتمعن فكرك في انتظار سماع الإجابة المقنعة أو القريبة من العقل، أو الحاملة للحد الأدنى من الصح. الحقيقة.. ضائعة ولا تملك إلا أن تغني لها: يالاقي الضائعة.تكرة الساعات التي مرت ، وأنت تتابع تفاهات المحللين على الشاشة، أو تقرأ ضحالة تقيؤاتهم الثقافية على الورق ، أو تسمع ،عبر المذياع ، انهمار مخروجهم الفكري النتن وتكاد تفتك بك مخالب الضيق والملل خاصة عندما ترى بعضهم حين يهذي أقصد يحلل يظهر حركات وتنطعات متخيلاً نفسه هيكل ، ويأتي بما لا تأتي به الأواخر أو الأوائل من قبائح القول، وفواحش الاستنباط وتستحضر ذاكرتك قول أحد الشعراء:كلا الأخوين ضراط ولكنعز الدين أضرط من أخيهوعندنا مثل شعبي في أبين يقول : “ إذا ضرطت الحريوة .. ضربوا الكوبرة” تبحث عن الإجابة والحلول.. لا تجدها وأولئك المتحدثون تراهم يفرون منها فراراً ويقلبون الحديث أجزاء وأشطاراً ، ويستنكرون استكباراً يقلبونه قلباً ذكياً ليأتوا بكلام عام حول احترام النظام ، وضرورة إنفاذ القانون، واحترام الالتزامات الدولية ، وعدم التفريط بالسيادة.. ويحلقون بك تحليقاً عبثياً من فضاء سريالي يتطاير فيه رذاذ كلام كريه ( أعزك الله).لم يستوعبوا أن المواطن القارئ المتابع.. حتى الأمي قد شب عن الطوق ، وتعلم وتفهم ما شاء له أن يطلع على كثير من المجريات، صار يضحك على هذا المشهد هذا إن لم تصبه حمية ويبصق في وجوهكم ، أو يغلق التلفاز أو الكمبيوتر ، أو يحول الريموت إلى قناة كوميدية هرباً من شراككم الإيديولوجية المقيتة ، وذلك لأنكم -معشر المحللين الفاشلين- سمحتم لأنفسكم باستباحة عقله بلؤم، واستفزاز وجدانه بخبث، وعملتم على السخرية منه واحتقار كيانه ومستواه الفكري، ومحاولة زرع قناعات مسمومة مغلفة بنصائح وتوجيهات ظاهرها صادق ، وباطنها سواد.أو على قول الفنان المرشدي :” يضاحكني وداخله سواد” .. محاولات غرسها في ذهنه فلا تستقر فيه لسبب بسيط هو أن المواطن المستهدف ( بفتح الدال) غدا يعرف التضليل ، وأبطال الخراب ، وعشاق الدمار ، ويختتم المذيع حلقة ، ندوة ( الهدرة)،الهذيان ، الإسهال الكلامي ،مع آخر متحدث مع إعادة سؤال البداية: من الذي يعرقل تنفيذ المبادة وآليتها ؟! ولا من إجابة شافية أو معلومة كافية ، أو ردود نافية .أنطبق علينا وعليهم قول الشاعر القديم:كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماءيلبسنا الخوف ، ويتقمصنا التردد ، ويركبنا الإحجام فندير السنتنا في أفواهنا سبع دورات دبلوماسية قبل أن ننطق رغم أن المقام ليس بروتوكوليا ولا دبلوماسيا، ولا تفاوضياً .. مهارة في الهروب من قول الرأي الصائب، ووجهة النظر الصادقة ، والاقتراح الإيجابي ، والتحليل المنطقي ، والمخارج السليمة لحل هذه المعضلة (المشكلة) أو جزء منها.يا أخي ما دام رأسك فارغاً وقلبك جباناً لماذا ذهبت إلى التلفزيون ، وفرضت نفسك علينا ساعة أو ساعتين؟! لا شيء غير حب الظهور المريض .صارت هذه الأزمة أو الأزمات سوقاً رابحة لهواة الظهور الإعلامي وثرثرات المحللين الذين يقدمون للمشاهد الكريم على أنهم خبراء استرتيجيون، وباحثون مختصون ، وما هم بخبراء ولا اختصاصيين فيما ادعوا ويدعون ، وتخصصاتهم أخرى يخجلون من ذكرها ولا يسمحون للمذيع بأن يقدمهم بها.نعم يجب أن نعترف ، في فترة ما، أنهم غرروا بكثيرين ، وتغلغلوا إلى عقولهم بعباراتهم الخادعة المطاطية ، وأطروحاتهم الهدامة المضللة (بكسر اللام الأولى المشددة) المغلفة بأربطة براقة .. جاذبة لكن طوفان الحقيقة والصدق والوضوح سرعان ما يعري مقولات التسميم الثقافي، والتأزم الاجتماعي ويكشف زيف أباطيل الفكر الظلامي الإقصائي ويزيحه من طريقه.. وسع لو سمحت ، ويرميه على جانبي الطريق ويمضي بكل ثقة واقتدار . في عز وهج النهار.. لغرض تصويب المسار، وتهيئة انطلاق القطار.. قطار التنمية والمحبة والحرية والبناء والديمقراطية والعدالة صوب المحطات الآمنة ومدن البحيرات الجملية. دعوا الوصاية، والحديث بالإنابة عن المواطن والشعب. المواطن لم يمنحكم أي تفويض للمشارعة باسمه.. هو يدرك التفريق بين الحق والباطل، والتمييز بين الطريق الواضح والصحيح وبين درب المآسي القبيح ، قد تكون هناك سحب تحجب الرؤية الصحيحة في لحظات ما ، لكن سرعان ما تتبدد ، وتظهر للرائي زرقة السماء والأشعة الذهبية، والتفاؤل الأخضر والنورس السابح في فضائه فارداً جناحيه لاحتضان الأمل القادم من وراء الأفق البعيد.قال الله تعالى في محكم التنزيل :” واتقوا الله ، وقولوا قولاً سديداً» ( التوبة : 119) لا قولاً خبيثاً أو تحليلاُ سقيماً أو نطقاً لئيماً، أو كلاماً بغيضاً، تأمل مغزى فعلي الأمر في الأسلوب الإنشائي المبتدأة به الآية الكريمة ، وما تنطوي دواخلهما من معان ودلالات.
أخبار متعلقة