لندن/ عبدالإله مجيد: انطلقت يوم الأحد الماضي فعاليات مهرجان شكسبير العالمي التي تستمر طيلة الصيف بمشاركة أكثر من (50) فرقة مسرحية من أنحاء العالم. وفي بريطانيا اخذ مسرح شكسبير القديم، ذي غلوب، بعد ترميمه، على عاتقه مشروعاًً طموحاً باستضافة فرقاً من (35) بلداً ستقدم كل مسرحيات شكسبير تقريبا بـ (37) لغة تستخدمها هذه الفرق. وتضم هذه الباقة الأممية مسرحية الملك جون باللغة الأرمنية ومسرحية الملك هنري الرابع الجزء الثاني بالإسبانية الأرجنتينية وكوريولانوس باليابانية وهنري السابع في ثلاثية بلقانية تشارك في تقديمها فرق من صربيا وألبانيا ومقدونيا وروميو وجوليت التي تقدمها فرقة عراقية. وتمكن المنظمون من تذليل مصاعب لوجستية كبيرة في توفير مستلزمات التدريب لهذا العدد من الفرق وإعدادها للعمل على مسرح من طراز القرن السادس عشر في الهواء الطلق بلا مشاهد وبقليل من الركائز. واصطدم المشروع بمشاكل من نوع آخر بعد اللغط الذي أثير حول احتدام صراع وراء الكواليس مع المنظمين لأنهم رفضوا الإشارة إلى أي جهة راعية للمشروع مكتفين بالإشارة إلى فن المسرح. كما نشب سجال محتدم دار على صفحات (الغارديان) حول السماح لفرقة مسرحية إسرائيلية أو منعها لأنها قدمت أعمالا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبذلك الاعتراف بالاحتلال. ورأى نقاد أن هذه المشاكل تؤكد أممية شكسبير وانعكاس العالم الذي نعيشه بنزاعاته وقيمه المشتركة في أعماله. وان (هذا المهرجان العظيم من اللغات)، كما قال شكسبير نفسه في مسرحية (الحب مجهود ضائع)، يذكر الانكليز بأن شاعرهم الأكبر لم يعد ملكهم وحدهم. والجميع يعرف عبارة شكسبير شهيرة (العالم كله مسرح) في مسرحية (كما تشاء).والحق أن شكسبير رغم اهتمامه بما كان يجري في بلده من نقاشات حول القومية وبالمدونات التاريخية عن انكلترا فانه كان أكثر افتتانا بمشهد أمم تنتحر وبلدان في حرب مع نفسها لأنها تقدم مادة درامية أفضل ناهيكم عن الجوانب الأخرى لمثل هذه الأحداث. ولدى شكسبير مسرحية واحدة تدور أحداثها في بريطانيا التي عرفها هي (نساء وندسر المرحات) وإن كان يلقي نظرات على الحياة في بريطانيا لكنها نظرات مشتتة ومتناثرة، حين يمر على حانة من العصر الإليزابيثي أو تغزو انفه رائحة أكلة شعبية في مسرحياته الكوميدية مع الإشارة العابرة إلى مدينة ستراتفورد مسقط رأسه.ولو رُسمت خريطة المواقع التي تدور فيها أحداث مسرحياته على أطلس جغرافي لامتدت من القارة الأوروبية (البندقية، فيرونا، روما، أثينا ـ فيينا) إلى مصر والمشرق عموما. وكان مأخوذا بالجزر أيضا مثل قبرص وصقلية التي تدور فيها أحداث (العاصفة) دون أن يذكر اسمها. ولم يكن شكسبير معروفا بحب السفر بل أن ابعد مكان وصله بحسب كتاب سيرته هو مقاطعة لانكشاير شمال غرب انكلترا، وحتى ذلك مشكوك فيه.
شكسبير
ولكن رغبته في معرفة الأماكن والتعرف على أهلها لا تقبل اللبس. وهو حين انتقل إلى لندن اختار الإقامة لبعض الوقت مع لاجئين فرنسيين ويقتبس في بعض مسرحياته مثل عطيل والحب مجهود ضائع، مصادر فرنسية وايطالية إلى جانب رحلات مخيلته الدرامية في عوالم اليونان ورما القديمة. كما كان شكسبير شغوفا بالنصوص الكلاسيكية وأدب الرحلات الذي أصبح قطاعا خاصا في صناعة النشر في زمنه. وما لم يحصل عليه شكسبير من الكتب كان يراه في لندن وخاصة بعد اعتلاء جيمس الأول عرش انكلترا عام 1603م عندما أصبحت المدينة موئل التجار من مختلف الأجناس واللاجئين الهاربين من الاضطهاد الديني ومرفأ استراحة للبحارة من كل ركن في العالم قبل أن تعود بهم السفن إلى أوطانهم النائية، فضلا عن السفراء والزوار الذي كان بعضهم يحضر مسرحيات شكسبير. وقال طبيب سويسري بعد أن شاهد مسرحية يوليوس قيصر في عام 1599 (إن الانكليز في الغالب لا يسافرون كثيرا ولكنهم يفضلون تعلُّم الأشياء الأجنبية والاستمتاع بها في البيت). وقيل أن اهتمام شكسبير طيلة حياته بموضوعات المنفى والمهجر والانفصال، من حطام السفينة الذي يفتح به مسرحية (كوميديا الأخطاء) إلى السفر الدائم لأبطال مسرحياته الرومانسية الأخيرة، هي دليل تعاطف عميق مع الغريب ولكن قيل أيضا انه كان يعبر عن العولمة المتسارعة للعالم من حوله. بعد نحو 400 سنة على وفاة شكسبير قُدمت مسرحياته في مئات البلدان وترجمت إلى كل لغة تقريبا. والإحساس بوحدة الجنس البشري هو ما يهدف مهرجان شكسبير العالمي إلى توصيله من خلال تقديم المسرحيات بعشرات اللغات على مسرح انكليزي في وسط لندن. في غضون ذلك انطلقت فعاليات مسرحية في أنحاء العالم بالارتباط مع المهرجان. وأشارت صحيفة (الغارديان) إلى تقديم قصائد فينوس وادونيس بأداء فرقة جنوب افريقية على مسرح ذي غلوب يومي 21 و22 نيسان/ابريل وروميو وجوليت من إعداد وإخراج مناضل داود الذي وظف المسرحية لمعالجة قضية الطائفية معطياً قصة الحب هذه التي لا تعترف بالزمن شحنة معاصرة. وستنتقل المسرحية بنسختها العراقية من بغداد إلى ستراتفورد لعرضها من 26 ابريل إلى 5 مايو. وستقدم فرقة شكسبير الملكية موسما من مسرحيات كوميديا الأخطاء والليلة الثانية عشرة والعاصفة في مواعيد مختلفة حتى 7 أكتوبر. ويستضيف مسرح شكسبير (ذي غلوب) هنري السادس من أداء ثلاث فرق بلقانية، صربية والبانية ومقدونية، خلال الفترة من 11 إلى 13 مايو. وتقدم فرقة بيلاروسية الملك لير على المسرح نفسه في 17 و18 مايو. وفي نهاية الشهر تعتلي المسرح نفسه لتقديم (كوميديا الأخطاء) فرقة أفغانية أجرت تمارينها على دوي الانفجارات والتهديدات بالقتل.