رأينا كثيراً في الجغرافيا دراسات ومؤشرات تقول إن السودان هي سلة غذاء إفريقيا والعالم العربي ، وتهامة هي سلة غذاء اليمن ، لكن للأسف الشديد لا القوى الطامعة في السودان تركته في حاله مستقراً وموحداً يتفرغ للتنمية والبناء والزراعة، ولا النافذون والفاسدون الطامعون تركوا إقليم تهامة شأناً خاصاً بأبنائه يصنعون فيه حياة كريمة لهم ويجعلون منه سلة غذاء عزيزة لشعبهم. وإذا كان محرك ظهور الحراك الجنوبي في 2007 هو مظالم وعمليات نهب لأراض تعرضوا لها خلال سبعة عشر عاماً قبل ذلك التاريخ كما يقولون ، فإن أبناء إقليم تهامة العظيم تعرضوا لأول عملية نهب قبل أكثر من 1400سنة وتحديداً عندما جاء أبو موسى الأشعري ومعه كوكبة من قومه وأعلنوا إسلامهم بين يدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي قال يومها «جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية» وكان يقصد الاشاعرة ومن جاورهم من أبناء تهامة أصحاب الحكمة والقلوب الرقيقة ، وهذا بإجماع الكثير من المفسرين والمحللين، لكن لاحقاً جرى نهب وتعميم هذا التكريم والتوصيف النبوي ليتشدق به يمنيون آخرون هم أقسى قلوباً وأكثر عنفاً وأقل حكمة ..أناس زحفوا إلى تهامة، وسرقوا خيراتها ونهبوا أراضيها وحولوا أبناءها إلى أُجراء وعمال يشتغلون في أراضيهم المنهوبة لضمان ما يسد رمق يومهم، وفوق ذلك يتشدق الناهبون «نحن أهل الحكمة والإيمان وهؤلاء الفلاحون هم جاؤوا من إفريقيا». أبناء تهامة لا يقدمون فقط لليمنيين كل عام أكثر من 250 ألف وردة فل وإنما بحكمتهم يعملون دوماً على وضع أقصى درجات ضبط النفس لأكثر من 250 ألف مقاتل من أبناء الزرانيق وغيرهم من قبائل تهامة رافعين شعار «جئناكم يا أهلنا في باقي مناطق اليمن ويا قيادتنا المركزية، رافعين بيدٍ ورود الفل وفي اليد الأخرى سلاح المقاتل التهامي الشرس ، فلا تسقطوا ورود الفل من أيادينا».«هل يريد النظام منا أن نرفع السلاح حتى يعترف بقضيتنا؟؟» هكذا تحدث أحد قيادات منتدى أبناء تهامة الذي تأسس مؤخراً أو ما أطلق عليه كثيرون «الحراك التهامي السلمي» ..عبارة قوية ومؤثرة مفادها «اتقِ شرالحليم إذا غضب».. ومن حقهم أن يغضبوا لأنهم صبروا كثيراً وطويلاً ليصلوا إلى نقطة «إنما للصبر حدود» ومع ذلك لم ينفجر كبت وغضب الحليم شراً وإنما كانت «حكمة تلد أخرى» ومن رحم الصبر الذي لم يكن ضعفاً كما اعتقد ضعفاء النفوس بالأمس جاء الحراك التهامي سلمياً وهو ليس ضعفاً إن ظن بعض الضعفاء ذلك. أبناء تهامة اليوم يقولون خيارنا سلمي ولن نرفع السلاح وحراكنا ليس مناطقياً ولا يدعو إلى انفصال، بل يطالب بإنهاء مظالم واستعادة حقوق وأراضٍ منهوبة واعتماد مبدأ المساواة في الحصول على الوظائف الدنيا والعليا مثل باقي المناطق والمحافظات اليمنية. وإذا كانت القيادة الجديدة وحكومة الوفاق الوطني تدعو مختلف القوى والتيارات إلى الجلوس على طاولة الحوار الوطني بل وتناشد القوى التي تنتهج العنف إلى وقف العنف وإلقاء السلاح والدخول في الحوار، فمن باب أولى أن تكون هناك التفاتة لهذا الحراك السلمي الذي يرفض العنف ويطالب فقط بأن تكون القضية التهامية على طاولة مؤتمر الحوار الوطني كقضية إنسانية عادلة أسوة بالقضية الجنوبية وقضية صعدة. على القيادة السياسية اليمنية أن تضع حداً لحالة الحظر والخطوط الحمراء التي وضعها البرلمان أو بالأصح نافذون في البرلمان على ملف «ناهبو أراضي الحديدة وتهامة عموماً» وهو ملف تم إخفاؤه في أحد أدراج لجان مجلس النواب وأغلق بالشمع الأحمر. وعلى الحكومة قبل أن تعتمد مدارس ومنشآت صحية جديدة لأبناء تهامة أن تسأل نفسها أولاً «هل لا تزال هناك أراض ٍ يمكن أن تبنى عليها هذه المشاريع الخدمية ، وممن سيضطر أبناء تهامة لشراء أراض ٍ منهم؟.. كانت جامعة الحديدة حلماً بالنسبة لأبناء تهامة لكن الأمر تحول إلى ما يشبه «المأساة والملهاة» عند دانتي ، حين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى شراء أرضيتها من نافذ فاسد وناهب زحف من خارج تهامة واغتصب اراضي شاسعة فيها ثم باع لهم قطعة صغيرة لبناء الجامعة بـ 600 مليون ريال (3 ملايين دولار أمريكي) .. وما خفي كان أعظم !؟.
|
آراء
القضية التهامية
أخبار متعلقة