قصة قصيرة
كعادتها ـ كل صباح ـ كانت العصافير تجتمع حول شرفة نافذتها.. تطلق تغاريدها العذبة معلنة ميلاد يوم جديد.. على صوتها الشجي كانت تصحو تلك الفتاة الساكنة خلف شباك النافذة.مثل الأميرات كانت تطل عليها من نافذتها، بوجهها المستدير.. عينيها الناعستين.. وابتسامتها المشرقة.. تنثر الحبوب التي تحملها بيديها على الشرفة.. تراقب هجوم العصافير الجائعة عليها..قبل أن تودعها بابتسامتها الرقيقة وتنسحب إلى الداخل وتغلق النافذة.لم أجد تفسيراً لما تراه عيناي وقتها سوى أن أعتقد بأن تلك الفتاة الجميلة هي (أميرة العصافير).لم أتجاوز حينها العاشرة من عمري.. الساعة السادسة.. هو موعد نهوضي كالعادة أصحو وقتها لأرتب سريري، وأنظم غرفتي، وأجهز ملابسي وحقيبة مدرستي.. عادة حرصت أمي على تعليمي إياها منذ صغري كي أتعلم النظام والاعتماد على النفس كما كانت تقول.أما فتح النافذة وسماع تغاريد العصافير الصغيرة وانتظار أميرتهم النائمة ومراقبتي فهي من العادات التي أحببتها وأصبحت جزءاً من مهامي الصباحية قبل ذهابي للمدرسة.ربما لم تلحظ أميرة العصافير وجودي يوماً خلف نافذتي وانبهاري بالمشهد.. مشهد قد لا يتعدى دقائق قليلة لكنه كان يخبئ معه حلماً دفيناً لطالما شغل فكري حينها بأن أصبح يوماً ما مثلها..كما اللحظات الجميلة في حياتنا رحلت العصافير عن النافذة التي لم تعد تفتح في الصباح كما كانت بعد رحيل أميرتها عنها.أذكر جيداً ليلة رحيلها.. كانت آخر مرة أراها فيها.. فلم تمح من ذاكرتي أغاني الفرح الصاخبة.. وزغاريد النساء ورقصاتهن.. ومنظر البالونات الملونة المعلقة التي تزين جدران بيتها.ربما لم تلحظ وجودي هنا أيضاً ومراقبتي لها مع بعض الأطفال الملتفين عند باب بيتها.. ولم تلحظ انبهاري بفستان زفافها الجميل، والورود الحمراء التي تحملها بين يديها، ومنظرها الرائع الذي خيل إلي وكأنها أميرة من الأميرات اللواتي سمعت عنهن بالحكايات وشاهدتهن بأفلام الكرتون.لم أنتبه أنها العاشرة وأني لم أخبر أمي عن مكان وجودي إلا بعدما نبهني أحد الأطفال أن أمي تبحث عني.ما أن وصلت البيت حتى رأيت القلق بادياً على وجه أمي التي احتضنتني فوراً وسألتني بفضول عن مكان وجودي.ونتيجة لجهلي اسمها لم يكن بوسعي سوى أن أجيبها (في عرس أميرة العصافير) ثم توجهت لغرفتي على الفور تاركة الذهول والحيرة باديين على صوت أمي (أميرة العصافير..!) مرت الأعوام سريعاً.. وأصبحت اليوم أمارس ذلك الحلم القديم.. أفيق باكراً.. أنثر الحبوب على شرفة نافذتي.. أراقب العصافير المرصوصة على الشرفة.. ثم أودعها بابتسامتي المعتادة.. وأغلق نافذتي.. فقد أصبحت اليوم أحمل هذا اللقب لذلك الحلم البسيط (أميرة العصافير).