ما أن أعلن وتأكد إقامة الانتخابات الرئاسية المبكرة وعدم عودة صالح الى اليمن من رحلته العلاجية والاقصائية الى بلاد العم سام حتى تعالت في عموم محافظات اليمن شمالاً وتيرة اللقاءات وتغير المزاج من تردد وتوجس وحذر إلى اصطفاف وتآلف خلف المرشح الرئاسي التوافقي عبد ربه هادي، وفي المقابل جنوباً زاد الأمن انفلاتاً وارتفعت حمى التصريحات في جو مشحون بالتوتر وضبابية المشهد والمواقف ووضوح ملامح سيناريوهات مفبركة.زوار وضيوف اليمن بمناسبة الانتخابات توالوا تباعاً، السيد برينان وهو الأهم قدم إلى اليمن يحمل ملف الإرهاب يركبه هاجس القاعدة المزعومة في جنباتنا الجنوبية القريبة، في غفلة من زمن الصراع والتمترس القتالي في مركز القرار اليمني البعيد، ولديه مهمة تقليم أظفار أشبال أسد النظام العجوز المتداعي لمصلحة بقايا النظام المنصبة للحكم انتقاليا والمتعهدة كحليف لمواجهة الإرهاب. وكذا الآخرون فعلوا.. الأشقاء الخليجيون يتقدمهم أمين عام مجلسهم الزياني.. وممثل المجلس الأمني الأممي بن عمر.. حتى العرب بجامعتهم المنسية أعلنت عن إرسال أمينها العام نبيل العربي.. وليس اقل منهم اهتماما كان الاتحاد الأوروبي الذي أرسل السفير ميكيليه دورسو رئيسا لبعثته، كل يحمل ملفاً مثقلاً ومتفاوتاً بهموم بلاد وعباد اليمن.إذا هي الانتخابات الرئاسية اليمنية التي ما أن تأكد إقامتها مبكرة شمالاً حتى شرع خصوم القضية الجنوبية بتسريع سيناريوهات مفبركة للملعب والمواقف جنوباً. انه الهاجس الجنوبي لديهم.. وتوالي أولويات المواجهة لدى بقايا النظام الذي لازال يحكم وسيحكم بعد الانتخابات ولفترة انتقالية معلنة بعامين على اقل تقدير مالم يمدد لها تحت أي عذر أو مبرر تبتدعه قرائح منظري وجهابذة مخضرية الحكم بصنعاء ولهم في ذلك تجارب عديدة ومخزيه في التمديد وتصفير العدادات.فجأة أبناء الجنوب يرفضون الإنتخابات!! ويهددون ويتوعدون من يشارك بعواقب الأمور!! وتعم ارضهم الفوضى وتتوالى التفجيرات والاعتداءات المسلحة بالقنابل ورصاص الكلاشنكوف والمعدلات بعد أن جربت ولم تعد تجدي نفعا العصي والحجارة والمولوتوف المصنوع في المواخير المشبوهة !! فجأة أصبح أبناء الجنوب غير حضاريين ويرفضون الاحتكام لصناديق الاقتراع في هذه الانتخابات الرئاسية (النزيهة)!! فجأة الجنوب وفي مقدمته عدن رائدة المدنية في المنطقة خلعت عنها رداء التمدن.. ليمتثل أبناؤه وبأمر عسكري ( إلى الهمجية در والتوحش سر ). وكما هي في رائعة لطفي وقاسم (المزهر الحزين).. تصوروا نحن إذاً برابرة !!ما هذا الهراء، بالله عليكم؟؟ وعلى من ستنطلي هذه السيناريوهات الهزيلة؟؟. إنها فبركة جلية للعيان، وتم التوقيت للقيام بها قبل الحوار الموعود والموصوف بالوطني والشامل في المرحلة الثانية حسب ماورد في المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، يعمد اليها في إخراج مفضوح ورديء جدا جدا خصوم قضيتنا الجنوبية.مباشرةً وبعد أن ترتبت أوراق اللعبة شمالا على الأقل في حدها الأدنى بين خصوم الأمس في صنعاء وتم تراضيهما على قسمة عصيدة الحكم جاء الدور للتفرغ بعناية وخبث لتنفيذ المخطط الموجه ضد إخوتهم الجنوبيين الحالمين بحل قضيتهم العادلة والطامعين بتقرير مصيرهم. جاء الدور للالتفاف عليهم وعلى قضيتهم من قبل الراسخين في الحكم انتقاليا.. أصحاب المصالح وعتاولة هبر ثروات وخيرات الجنوب.ياساده ياكرام.. أن مايخطط له بلاهة هو أن يبدو الجنوب وكأنه ليس آمنا ويستحيل تنفيذ أي آلية مماثلة وأقصد هنا الاحتكام لصناديق الاقتراع في الجنوب مستقبلاً وأن أبناءه غير راشدين ولا مؤهلين للتعامل مع هكذا استحقاق، وهو التقليد الذي عرفناه ومارسناه باسلوب راق بدءاً من ثلاثينيات القرن الماضي وفي عدن تحديداً عند الاستفتاء الخاص لتقرير تبعية عدن بين الهند وبريطانيا وتكرس بعد ذلك لاحقاً كتقليد حضاري عهدناه ومشهود لنا به دون أقراننا في عموم المنطقة المجاورة.لقد وضحت بوادر هذا المخطط منذ مده قريبة ومن خلال خمسة مؤشرات رئيسية أولها كان من خلال إحداث اختراقات في الصف الجنوبي ومكونات حراكه السلمي وهيئاته المدنية والأهلية الأخرى والإيقاع بينها والحيلولة دون التقائها وبذر الفتنة بين قادتها والتشكيك في مواقفها. وثانيها التغاضي عن نمو طرف متشدد في الحراك والذي لا يمثل جزءاً يذكر فيه بل لم يكن موجوداً أساساً عند نشأته والتغاضي عن إمداده بالمال ومؤخراً بالسلاح واختراقه بعناصر تروج للعنف وتشجيع نموه في الجنوب على حساب مكونات الحراك الأخرى وهي التي تمثل الغالبية العظمى وتنتهج النضال السلمي خياراً ووسيلة وثالثها تسريب أسلحة خفيفة وتسهيل انتشارها بين أطفال وشباب معظمهم مدسوس عمداً وآخرين مغرر بهم تدفعهم الحاجة والعوز لذلك وبالتحديد في عدن لخلق بؤر فوضى وإنفلات أمني. ورابعها تمكين جماعات عقائدية متطرفة ومتشددة محلية من الاستيلاء على مناطق جنوبية وتسليمها معسكرات بكامل عتادها وبنوك ومؤسسات بكل موجوداتها من أموال وأصول وعدم التعرض لها أو مواجهتها جدياً. وخامسها السماح بزيارات ممثلي هيئات دبلوماسية ومنظمات دولية الى للجنوب والالتقاء بأبنائه دون ترتيبات واعدادت منظمة مسبقة والزج بعناصر تعمل لحساب خصوم القضية لحضور تلك اللقاءات بغرض تشتيت المواقف والرؤى وتعزيز قناعات خاطئة لدى الزائرين بأن الجنوبيين غير مستعدين بعد لحمل قضيتهم سياسياً أو جديرين بها.لقد بدا واضحاً أن إجماع الجنوبيين على مطلب تقرير المصير وحقهم في تحديد خيارهم باسلوب ديمقراطي وسلمي من خلال إستفتاء عام يجرى في الجنوب على الرغم من التباين في رؤاهم حول خيارات الحلول، إن هذا الإجماع كان العامل المزعج والمقض لمضجع خصوم القضية الجنوبية، لذا وللحيلولة دون حدوث ذلك كان لابد من فبركة سيناريوهات تبرر استحالة إجراء أي استفتاء في الجنوب في المستقبل القريب حتى ولو سلموا مكرهين بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم.إنني وبصرف النظر عن موقفي من هذه الانتخابات الرئاسية فإنني لا أرى فيها ما يقلقني لجهة الانتصار او الانتكاس لقضيتنا العادلة، فالقضية الجنوبية عاشت طويلا ولم يتمكن الخصوم من وأدها على الرغم من بطشهم وسطوتهم الظالمة، كما لم يستطيعوا النيل من إرادتنا وتمسكنا بها منذ نشأتها، وأرى ان لكل مواطن حقه بالمشاركة فيها أو مقاطعتها سلمياً، وأرفض بشده أي اعتداء على هذا الحق، فهو مكفول شرعاً ويجب علينا جميعا احترامه وضمانه لكل جنوبي. وأرى إن السلوك الحضاري المفترض للتصدي لهذه الانتخابات بالنسبة للفريق المقاطع إنما يكون في تعبئة الجماهير سلمياً ضدها وإبراز الحجج القوية للمقاطعة وحصد الأصوات المقاطعة وليس بالعنف وزرع العبوات ولعلعة الرصاص وحصد الأرواح البريئة.إن النتائج معلومة سلفاً في الانتخابات الرئاسية الأحادية المبكرة.. ولكن المجهولة قطعا هي عواقب السيناريوهات المتعددة المفبركة. فهل يعقل أصحاب السيناريوهات؟؟ وهل نتعظ نحن أصحاب القضية؟؟وبالله أستعين وهو من وراء القصد.
|
آراء
انتخابات مبكرة شمالاً .. وسيناريوهات مفبركة جنوباً
أخبار متعلقة