حققته ثورة التغيير هي أنها فتحت الحوار بين الأطراف المختلفة من المجتمع اليمني، وإن كان الحوار ما زال في مرحلة المواجهة بدل النقاش. نجد هذا الطرف يسب ذاك، بل هذا الطرف يكفر ذاك، بل هذا الطرف يتهجم على ذاك. لا أرى أي طرف بريء، شمالاً أوجنوباً، شرقاً أوغرباً.الجميع يكرس ثقافة العداء للآخر وهذا من ميراث اليمن الحديث (بالمعنى التاريخي): التناحر والتقاتل بدل الحوار والنقاش. ربما الثورة ساعدت في أن تتجابه هذه الفئات بطريقة مفتوحة وان تفرض استخدام الفكر كأداة لذلك لا السلاح، مبشرة بعهد ديمقراطي قادم. قد يتعجب البعض لهذا القول، حيث طوال العام الماضي كانت هناك مواجهات عسكرية، لكن معظم هذه المواجهات كانت بين قوات صالح ضد باقي الشعب، وحتى صالح أبقى باب الحوار مفتوحاً راضيا أم آبيا. والأهم من ذلك هو ما حدث بعد توقيع الاتفاقية. حيث أن الترابط الذي كان بين مرابطي الساحات تفكك بعض الشيء، والمواجهات بين الأطراف أزدادت، وتارة طغى على حوار الفم حوار اليد، لكننا شاكرون أن الجميع كان يعمل من أجل التهدئة والحوار والعقلانية. والعنف الدائر ضد أبناء الجنوب، يتم إدانته من الجميع. استخدام القوة لفرض الرأي مرفوض، والكل ينادي بعهد جديد، البعض أكثر صدقاً من غيره طبعاً.هذه الصورة لها استثناءات، وتلك الاستثناءات تقع حيث طرف يهيمن بدرجة كبيرة على باقي الأطراف بقوة السلاح. الحل لهذه المسألة ليس كما مارسه اليمنيون حتى الآن، أن يقتني الجميع السلاح، بل أن يترك الجميع السلاح، وأن تكون الدولة بمؤسساتها القانونية هي من تحمي الحقوق والعدالة.دون إنهاء ظاهرة التسلح ونزع السلاح من الشعب، ستبقى الدولة رهينة أطراف النفوذ المختلفة ولن تحقق شيئاً. وسيبقى اليمن على نفس هذا الحال وإن تغيرت الوجوه. ندائي هو لشباب هذه الأطراف، الذين خرجوا من أجل يمن جديد من أجل دولة مدنية، دولة قانون وعدالة. ندائي لهم أن يعملوا من أجل تغيير ثقافة القوة وإرساء ثقافة القانون، من أجل إنها ثقافة المواجهة وإرساء ثقافة الحوار. التناحر الذي شهده اليمن هو أحد أسباب التهافت على التسلح، فان أنهينا الأول ستنتهي مسببات الثاني الى حدٍ كبير. ولن تنتهي ثقافة التناحر إلا بإرساء القوانين والعلم والثقة أن الدولة لن تفضل جهة على أخرى لأسباب قبلية أو نفوذ أو مذهب، لأن المواطنين كلهم سواء أمام القانون دون أي تفرقة. ما زال الطريق طويل، لكن هذا هو المسار الصحيح. فليراجع الجميع طريقة حواره مع الآخر. علينا تعلم ليس آداب الحوار وإنما القبول بالآخر واحترامه حتى وان اختلف معنا في الرؤية والمبادئ. ما زالت الثقافة الحالية ترسخ عداء الآخر، وتجريده من أي أهلية سواء علمية أو مهنية أو دينية أو حتى إنسانية، بل كثيراً ما نسمع بتحليل دم هذا أو ذاك. كما يتم التهديد والتخويف لإكراه الأشخاص على تغيير مسارها العقائدي أو الفكري أو السياسي أو حتى المهني. أنا لا أطالب بالتسامح بين الأطراف بل أطالب بالاحترام لكل مواطن ومواطنة ذي كرامة بغض النظر عن جهات الانتماء، متى سنتعلم ذلك؟ لن تتم ثورة التغيير ما لم يتم التغيير في كل بيت يمني، في قرارة نفس كل شخص، ليوقن أن عليه القبول واحترام الآخر مهما اختلف عنه، وأن القانون وحده هو ما يفصل بين الحق والباطل، وأن التعايش الذي يكفل السلام للجميع يتم من خلال ثقافة الحوار. من المفترض أن تنبع هكذا ثقافة من ساحات التغيير المنتشرة في اليمن قبل غيرها من الأماكن، لكن كما قلت ما زال الطريق طويل. كلما كتبت عن الثورة اليمنية، ناديت الشباب بالوحدة وبتغيير الذات أولا وتجريدها من الموروث العدائي الذي تناقلته الأجيال حتى اليوم. لو كان الشباب موحداً فعلاً، لما كان هناك اتفاقية خليجية، ولما استطاعت أحزاب المشترك أن تفرض رؤيتها على البقية. لو كان الشباب موحداً لأستطاع أن يضع خارطة طريق لتحقيق أهدافه ويفرضها على القوات الإقليمية والدولية. لو كان الشباب موحداً ما طالب أخواننا في الجنوب بالانفصال، وما توسع الحوثيون بالسلاح، وما وجد أنصار الشريعة من أنصار. لو كان الشباب موحداً... لبنينا يمن جديد. فمتى سنتحد إذن؟ بعد أجيال وأجيال من تربية جديدة، أم الآن بتغيير أنفسنا وثقافتنا وقوانيننا بما يتلاءم مع الدولة المدنية؟ المؤكد أنه لن يتم ذلك من خلال الهتافات للفضاء والأناشيد الراجية، سيتم إن أردناه بجدية وعملنا على تحقيقه.الجميع ينشد لليمن، ويغرد لليمن، ويتفانى في مدى حبه لليمن. فما هي اليمن يا إخواني؟ أهي جبال وسهول؟ سماء وبحار؟ أهي بيوت وطرق؟ أهي من مات وما دفنته الرمال من حضارات وأحلام؟ اليمن قبل كل شيء هي ناسها، شعبها، نساؤها ورجالها، شبابها وأطفالها... اليمن هي جميعنا بمختلف أفكارنا وعقائدنا ومذاهبنا وآرائنا، اليمن هي مجموعة ناس مختلفين، ما يوحدهم أكثر مما يفرقهم، ومع ذلك تراهم يتركون كل ما يوحدهم ، وهو بحجم الكوكب، ويتناحرون فيما يفرقهم، وهو بحجم الذرة. إذا كنت تدعي أنك تحب اليمن، فذلك يعني انك تحب الجميع في اليمن، وإلا فأنت لا تحب اليمن وإنما تحب ذاتك فقط، لأنك تحب من هو مثلك وتكره من يختلف عنك. ذلك ليس حباً بل أنانية يا أخي وأختي.أنا لا أناشدكم بحب اليمن فقط ، بل بحب الإنسانية وجميع خلق الله. كلنا هنا نثابر بطريقة أو بأخرى فلماذا نريد التسلط على الآخر، وفرض أنانيتنا عليه. لماذا لا نحترم الاختلاف ، ونركز على ما يجمعنا ونبني مستقبلاً أفضل كيمنيين وكبشرية؟ أليس ذلك أفضل؟ أليس ذلك ما نحن على هذه الأرض من أجله؟ أليس هذا هو الواقع؟ أم تفضلون اختيار واقع التناحر والكراهية والدمار؟ الخيار لكم والفعل لكم، أما التذمر ورمي الذنب على الغير فلا يفيد أحداً. التغيير لا يأتي عن طريق الكراهية والعداء بل يأتي عن طريق الموضوعية والتفاهم وإلا فنحن نرسي ما جاء من قبلنا. وهذا لا يعني أن نعفو عن الأخطاء، لكن أن نعطي الخطأ مقداره الصحيح. التفهم النفسي والاجتماعي للأحداث، ترك القانون ليأخذ مساره الصائب في معالجة الأوضاع. علينا أن ننبه للأخطاء ونفهمها لا أن نقاضيها بأنفسنا. لذلك علينا إعادة بناء جميع المؤسسات بما يتفق مع اليمن الجديد الذي فيه كل المواطنين على كف واحد، حيث لا مجال للباطل أن يبقى أو يعود.
|
آراء
ثورة التغيير: ثورة (الأنا)
أخبار متعلقة