تمر بلادنا بمفترق طرق في غاية التعقيد والخطورة وكلها تدفع باتجاه المواجهة وعدم الاستقرار وقد يكون الأكثر خطورة هنا انزلاق الأمور نحو مزيدٍ من التشظي والتشرذم كنتيجة مباشرة للمقدمات والتداعيات الخاطئة التي عصفت ببنية ولحمة هذا البلد الذي لم يشهد استقراراً طيلة العقود السابقة في كافة المجالات ناهيك عن العاصفة الأشد خطورة والأكثر سلبية على المشهد السياسي الراهن، تلك العاصفة التي هبت على منابع الهوية الوطنية والتي راكمت من مفاعيلها حرب 94م وتداعياتها.ما قبل العاصفة:في محاولة يشكر عليها الأخ إبراهيم عبدالرحمن أحد مهندسي الجيولوجيا في بلادنا، أقدم على محاولة للحفر الجيولوجي في طبقات الأزمة/العاصفة التي تجتاح بلادنا والتي تنذر بأخطر العواقب إن لم يتدارك العقلاء الأمر بمنع اللهب الكامن تحت الرماد من الاِشتعال وامتداد النيران لتحرق الأخضر واليابس في هذا البلد المصاب بجفاف الأرض وتصحر العقول وإتساع جيوب النهب والفساد.فماذا قال الأخ إبراهيم في ورقته التي استمدها من موضوع بعنوان (الفيدرالية المقارنة)!!؟الموضوع تأليف الكاتب الأمريكي (إليزر دانيال) ضمن كتاب مختارات علم السياسة الصادر عن دار جاردايكي للطباعة والنشر موسكو عام 1999م.جوهر ما يقترحه في ورقته إجراء بحث معمق ودراسة جادة لهذا الخيار قبل اتخاذ أي قرار سياسي بشأنه.ولكن يبدو من مطالعة ورقته أنه ميال للأخذ بالفيدرالية الثنائية ضمن جملة شروط حددها وعددها في ورقته المقدمة للندوة.بعد الإطلاع على الورقة نجد الباحث يضعنا أمام مسئولية تاريخية للإجابة على سؤاله التاريخي عن الأزمة الطاحنة التي تمر بها بلادنا وهل ستنجح الفيدرالية وكيف، لنجد إنه سؤال يرقى إلى السؤال اللينيني الكبير (ما العمل) إزاء هذه الأزمة وما هي أفضل الخيارات التي تمثل مخرجاً سليماً وهل يمثل خيار الفيدرالية الخيار الأفضل وكيف!!!نحن إذن أمام محنة ناتجة عن فشل تجربة الوحدة، إذن علينا أن نختار بدلاً من الهروب إلى الأمام أو الانكفاء داخل لحظة الصدمة أو اللجوء إلى دفن الرؤوس تحت الرمال أو البقاء داخل مربع الحيرة نجتر الحسرة داخل كانتون المنطقة الرمادية ومن ثم علينا البحث عن لحظة للخروج من المنطقة الضبابية الفكرية إلى مواقع الفكرة الخلاقة ذات الآفاق الإبداعية التي لا تتعسف الواقع ولا تتعالى عليه ولا تمر مرور الكرام على مكوناته التاريخية والثقافية، نحن هنا داخل طاحونة حق الاختيار التي ينبغي أن تُبنى على مشيئة حرية الاختيار للمكلف بحق الاختيار أمام تداعيات أزمة طاحنة مشابهة في آثارها وتداعياتها لمحنة خلق القرآن التي انقسمت بشأنها الأمة ونحن هنا مع ابن رشد الفيلسوف العربي نتمثل قوله “بأن المكلف لابد أن تتوافر له الإرادة الحرة المستقلة”.الباحث يضعنا أمام مسئولية تاريخية لنا معها خيار واحد ولا بديل، فيدرالية ثنائية، حرية الاختيار تموت، تنتهي، تخسف بها الأرض، إن لم تكن مفاضلة بين خيارات وبدائل، خيار الفيدرالية الثنائية الذي تطرحه ورقة الأخ إبراهيم يضعنا أمام تساؤل ديكارتي يشكك في نجاح هذا الخيار، فما العمل إذن إذا تبين إن الظروف وتعقيدات الواقع السياسي بمكوناته الداخلية والخارجية تحول دونه، وما هو البديل الآخر إذن!!؟وجود خيارات بديلة يخرجنا من الوقوع تحت طائلة المفاجآت، وجود بدائل وخيارات أخرى يعني حرية الاحتكام للعقل والخروج من دائرة تعسف الممارسة القمعية التي تجعل للخيار طريقاً أو سبيلاً واحداً إما هذا البديل وإلا فالتهمة جاهزة وساحة القتال تنتظر، نقول هنا إن تقرير حق الاختيار يعني فيما يعني بالمطلق إعمالاً للعقل ومساحة كافية لمشاركة حقيقية للناس في صنع مستقبلها وهكذا مشاركة هي الأكثر أهمية لمثل هذه اللحظات القاتلة التي تمر بها بلادنا.ضمن الورقة التي قدمها للندوة الأخ إبراهيم تعريفات متعددة للفيدرالية كلها تندرج تحت مفهوم الفيدرالية باعتبارها شكلاً من أشكال التوافق على تنظيم سلطة الدولة، التوافق على إعادة تنظيم السيادة وقوة سلطة المركز في ظل دولة حقيقية ولكن المشكلة التي نواجهها ونعاني منها في إطار المركزية القاتلة تتمثل في غياب الوجود الفعلي للدولة بالمعنى السياسي المتعارف عليه للدولة، أي أرض وشعب وسلطة لها قدرة النفاذ بنظامها وقوانينها كما لها القبول من شعبها وهنا مربط الفرس المفتقد فنحن لا نزال نعيش في مرحلة ما قبل الدولة ولا نزال نناضل في سبيل قيامها وبنائها مما يضعنا أمام معضلة حقيقية حيث الكلام عن الفيدرالية في ظل الغياب الحقيقي للدولة يضعنا كمن يضع العربة قبل الحصان.ووضع كهذا يدفعنا للسؤال ماذا نفدرل أصلاً!!!؟ لنجد أنفسنا مدفوعين للبحث عن أسباب غياب الدولة ولماذا عجزنا عن انجازها، لنأتي لطرح الفيدرالية سبيلاً للخروج من أزمات فشل دولة الوحدة فما العمل إذن والحال كذلك!!؟لخيار الفيدرالية الذي تناولته ورقة الأخ إبراهيم حتى يلاقي النجاح المطلوب ثمة شروط ومتطلبات أساسية نفتقد للكثير منها ويمكن الرجوع إليها في الورقة من صفحة 9 إلى صفحة 15 سواء ما تعلق منها بضرورة وجود مجتمع مدني ودور فاعل للشعب في منح وتفويض السلطات ووجود رغبة وطموح لتبني خيار الفيدرالية إلى جانب ضرورة وجود عقد اجتماعي وغيرها من الشروط والمتطلبات التي أضاف إليها الأخ إبراهيم شرطاً يحدد قيام الفيدرالية بين كيانين، أي الجمهوريتين السابقتين وقبلها يضع الأخ إبراهيم شرطاً آخر يحدده بصدور ما يشبه بيان (مانيفيستو) من النخب السياسية الشمالية، بيان واضح وصريح لا لبس فيه يعترف بالقضية الجنوبية والأهم من ذلك كله ان يكون خيار الفيدرالية خياراً شعبياً مجتمعياً.هنا علينا الاقتراب أكثر لنلامس قضايا جوهرية ترتبط باختيار بديل الفيدرالية وكيف سيجري فهمها والتعامل معها وأين تبدأ مركزياً وتنتهي إقليمياً، مسائل السيادة، المواطنة وارتباطهما بمبدأ حق تقرير المصير، هذا الحق الإنساني الواجب فهمه ابتداء وهل هو حق مطلق في كل الأحوال أم أنه حق يلجأ إليه لمعالجة صراعات تنشأ داخل مجتمعات وبلدان تعيش حالات تمزق عرقي واثني وقد نتفق أو نختلف على مثل هذا الأمر في حالتنا الراهنة وما يعتمل فيها من صراعات وتباينات ووجهات نظر متعارضة إلى حد الاقتتال وهل هذا الأمر سينسحب على تكوين حديث التكوين لم يمض عليه أكثر من عقدين من الزمن وتدور بداخله تفاعلات ناتجة عن فشل استمرار هذا التكون خاصةً مع بروز اتجاهات تقرأ الأمر قراءة أصولية تاريخية وأخرى تريد إحداث قطيعة مع التاريخ والجغرافيا كنتاج لإثم السبل والسياسات اللتين عبرهما أُديرت دولة الوحدة وشئونها مما يضع خيار الفيدرالية أمام تعقيدات واقع أكثر صعوبة مما يتصور البعض إذا لم تبن على تفاهمات وتوافقات تحمل في طياتها تفاهمات على المصالح بطريقة لا لُبس فيها أو غموض حيث إن الفيدرالية وتعريفاتها وأنماطها تتباين ولا شكل محدد لها وتختلف من تجربة لأخرى وهي في كل الأحوال وكما أشرنا سلفاً تعبير عن قناعات وتوافقات تُبنى على أساسها وتتحدد في ضوئها جل القضايا السيادية بين السلطة المركزية والأقاليم/الإقليم وأين تبدأ وأين تنتهي، إلى جانب التوافق على قضايا المواطنة الواحدة في حالة الفيدرالية التي تختلف جذرياً عنه في حالة الكونفدرالية خاصة وقضايا المواطنة، الحدود، والجنسية، يضمنها الدستور الموحد، هنا نجد في الورقة التي قدمها الأخ إبراهيم وضوحاً بيناً عن ماهية الشئون التي تخص المركز في الدولة ذات الفيدرالية الثنائية، حيث سيختص المركز بالشئون التالية:• الشئون الخارجية.• شئون الدفاع والأمن.• الجنسية وشئون الهجرة.• المالية والنقد.بينما يترك الباقي للممارسة الفيدرالية.وعليه نرى واعتماداً على أحد المبادئ الأساسية الذي أشارت إليه ورقة الأخ إبراهيم والمتعلقة بقبول وطموح شعبي لقبول هكذا اختيار نعتقد إن أكثر من قراءة وأكثر من جهة ستشير إلى وجود تعقيدات حقيقية ستحول دون هذا الخيار وإذا كنا نعتقد إن طي الصفحات وكأن شيئاً لم يكن إنما هو تبسيط مخل لمشاكل الواقع الأكثر تعقيداً مما يتصور البعض وذلك يدفعنا ونحن نسعى لهذا الشكل أو ذاك من أشكال الترابط الوطني إلى أن نستوعب وندرس بعمق الأسباب الكارثية التي أوصلت البعض للكفر بكل الأسس والوشائج التي ربطت بين الناس لتحل محلها ثقافة نفي وقطيعة مع محطات التاريخ وتأثيرات الجغرافيا وذلك أمر يدفعنا لاستيعاب ما جرى والاتعاظ من خطأ الأساليب المتعجلة والمنفردة والاستعلائية التي نصوغ بها أساليب حياتنا وحياة مواطنينا كما علينا إدراك مقدار التشوهات الكارثية التي رافقت وحدتنا الاندماجية وعلينا إدراك إن تلك الكارثة هي نتاج سياسات نظام وسلطة وقوى مجتمعية وطبقية تتحمل وزر تغيير المزاج الوطني على النحو الذي نشهده ومثل هذا التناقض سياسات النظام التي لا تزال تغذي هذا المزاج وتفرض عبر سياساته وأساليبه غير الوطنية مشاعر معاكسة لما كونته الثقافة الوطنية، ثقافة الانتماء الوطني، وأصبحنا أمام حالة مفجعة زادتها ويلات الحرب والفساد والنهب المنظم والتدمير الثقافي العشوائي دماراً دفع بالناس وخاصة في الجنوب إلى البحث مجدداً عن حقيقة وجودها وتفرد شخصيتها وطبيعة هويتها وأمر كهذا لا شك فيه كارثة ولكنها كارثة نحيلها لكارثة أكبر أنتجتها وتتمثل بممارسات وسياسات تغيب عنها الدولة بمعناها الوطني، سياسات هي تعبير عن نظام إلغائي للأخر بطابعه القبلي العسكري الأمني الذي تعامل مع الوطن والمواطن من قعر منظاره الأمني والأنا القبلية بفكرها المختلف والمتخلف وهذا هو الإشكال الحقيقي الذي أعاق وسيعيق انبثاق الدولة الوطنية المنشودة المفتقد داخل الكيان الموحد، كما أن استمرار هذه التركيبة سيظل عائقاً أمام خيار الفيدرالية الثنائية التي تدعو إليها ورقة الأخ إبراهيم وذلك يتطلب جهداً مماثلاً لما بذله الأخ إبراهيم.[c1]يتبع غداً[/c]* تم تقديم هذه الورقة إلى الندوة التي عقدت بمركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان تعقيباً على الورقة المقدمة للندوة من قبل الأخ المهندس إبراهيم عبدالرحمن يوم الثلاثاء الموافق 17 /1 / 1220 م تحت اسم العنوان أعلاه
|
فكر
هل ستنجح الفيدرالية في اليمن... وكيف!!؟ (1 - 2)
أخبار متعلقة