أخيرا، تأكدت لدول العالم حكمة الرئيس علي عبدالله صالح في إصراره على انتقال سلمي للسلطة وفقا لاتفاقات واضحة تمنع اليمن من الانزلاق الى الطريق الذي سارت فيه ليبيا والصومال، وكذلك حتى لا يتكرر المشهد المصري في بلد له خصوصيته القبلية والمناطقية ولا يحتمل أي مغامرة غير محسوبة.ترك الرئيس اليمني السلطة وفقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية التي باركتها الأمم المتحدة رغم كل ما مورس عليه من ضغوط، داخليا، عبر خصومه، وخارجيا، من بعض الدول كي يتخلى عن موقفه قبل انجاز اتفاق تاريخي يحسب لكل من ساهم في انجازه، لكن كل ذلك لم يثن الرجل عن قناعته لإدراكه الخطورة الكبيرة المترتبة على هكذا خطوة في المجهول، وهذا ايضا ما كان يريده مؤيدوه، وهم بالمناسبة ليسوا قلة، وساندوا موقفه الى النهاية.كان اليمن طوال الأشهر الماضية الشغل الشاغل للكثير من الدوائر في العالم، ولا سيما دول”مجلس التعاون” الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا كبيرة لإخراج البلد، الجار، من المسار الذي كاد يتجه إليه، وهنا لا بد من توجيه الشكر الى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي لم يهدأ له بال حتى اطمأن شخصيا الى سير الأمور في طريقها الصحيح ورعى توقيع المبادرة الخليجية في مكتبه الشخصي.لا شك في أن الأزمة في هذا البلد العربي مرت بكثير من المنعطفات، وفيما كان البعض يراهن على الفوضى كانت هناك غالبية تراهن على الحس الوطني لدى العديد من القيادات اليمنية، ومن هؤلاء رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة الذي اختصر المشهد كله بتلك الدموع التي ترقرقت من عينيه اثناء جلسة مجلس النواب للتصويت على منح الرئيس صالح الحصانة التي نصت عليها المبادرة الخليجية. لقد بكى هذا الرجل الوطني الذي احب بلاده لأنه لم يرغب لحظة في ان تسود لغة التشفي التي لا يفقه غيرها بعض السياسيين، ولا بلاغة اهل المصالح الذين لا تزدهر تجارتهم إلا في الحروب الأهلية وإشاعة الثارات بين القبائل اليمنية.دموع باسندوة كانت صادقة ونقية لأنه يعرف كيف تصاغ الامور في بلاده، وان هناك من كانوا سيتنطحون لنقض هذا الاتفاق حتى لا تكسد تجارتهم الدموية التي راهنوا عليها كثيرا في مجتمع يعيش في جلباب الماضي بكل تقاليده وعاداته وهي مازالت محل أخذ ورد في”المقايل” وفي جلسات قات تستهلك نصف وقت اليمني لا تنتهي حواراتها إلا بـ”تعسيلة” طويلة وبعدها يكون يوم آخر لكنه لا يخلو من ثأر لا ينام عند الغالبية من مواطني بلد السلاح فيه اكثر من عدد السكان بأضعاف مضاعفة.دموع محمد سالم باسندوة ستتذكرها الأجيال القادمة لأنها ضربت الوتر الحساس عند الناس ونبهتهم الى خطورة ما قد تصل إليه الأمور اذا لم ينظروا الى المستقبل بعين المسؤولية، وإلا فإن المصير المجهول الذي كان شبحه يحوم فوق كل الرؤوس ينتظرهم اذا تقاعسوا او تهاونوا او غلبوا المصالح الآنية على مصلحة اليمن ووحدته.[c1]رئيس تحرير ( السياسة ) الكويتية[/c]
|
فكر
حكمة صالح ودموع باسندوة
أخبار متعلقة