بعد قيام الوحدة درجت العادة في الوسط الإعلامي الجنوبي على ممارسة رقابه ذاتية عند إيراد كلمة “جنوب” أو صفة “جنوبي”، فعندما كان يصيغ احدنا خبر، أو يكتب موضوع، يضطر إلى استهلال الكلمة أو الصفة، بديباجه طويلة توضح الاتجاهات ولأبعاد الجغرافية، بحيث يضمن عدم التباس الفهم الجغرافي بالسياسي، ليس لخوف من هذا أو ذاك وإنما لقناعة بأننا نعيش مرحلة بناء مشروع حضاري واعد يتجاوز الأبعاد الجهوية الأربع، ويستحق تلك التضحية بالوطن والهوية، ومما كان يزيد من قلقنا من الفهم الخاطئ بأننا كنا مصنفين في السياسة يساريين، في الجغرافيا جنوبيين وفي الدين ملحدين، بالرغم من إننا جميعا شمالا وجنوبا مسلمين وفي المقيل يساريو “المدكى” وقس على ذلك في بقية الأمور ..أما وان الصورة قد انجلت في 7/7 غداة الحرب التي غدرت بالمشروع الحلم، وعاد منطق الوحدة ليس إلى مربعه الأول شمالي وجنوبي، وإنما إلى مرحلة أسوأ من ذلك بكثير، مرحلة تهديد وجودي للجنوب ارضآ وانسانآ، لذا عدنا للاحتماء بجنوبنا الوطن، وبهويتنا الجنوبية .. نعم للاحتماء بهما ليس من غدر الزمن، وإنما من غدر من توحدنا معهم، من غدر نزوعهم الأسري، القبلي والجهوي من غدر عبادتهم للمال والثروة، من غدر تماهيهم مع السلطة، صحيح ان صالح غادر السلطة والبلد، ولكن معمعان الغدر ما زال جاثم على صدر الوحدة، وكما كان الغدر وسيلة تدمير الجنوب فما زال الشيفرة الجنية للحكم في البلاد السعيدة وهذه حقيقة لا يستطيع إنكارها لا صاحب عقل ولا صاحب قلم ولا حتى صاحب كرش. بعد ( ... ) الجنوب لم نكن نسمع سوى كلمة “حررناكم” وعندما كنا نسأل : ممن ؟ يأتي الجواب الحاسم القاطع : (ما بلا أنت انفصالي) .. تهمة الانفصال التي حاصرونا بها رافقتنا في حلنا وترحالنا وتحولت من تهمة إلى وسيلة تخلصنا من جور ما لحق بنا وكانت المخرج الوحيد بعد ان اقفلوا في وجوهنا كل أبواب التوحد معهم.صحيح إننا اليوم لم نعد نسمع تلك الشعارات المقيتة “الوحدة أو الموت” ولا “ الوحدة المعمدة بالدم” ولكن وفق متطلبات المرحلة أصبحنا نصنف “حراكيين” نسبة إلى الحراك السلمي الجنوبي، ويطلقون علينا نعوت وأقوال لم نألفها من قبل مثل: لم يقرأوا تاريخ بلدهم، اي إننا جهلة لا نمتلك قدراتهم في التمييز بين الهوية السياسية والهوية الجغرافية اي ان الجنوب جغرافيا والوحدة سياسة، وان القضية الجنوبية وفق تصور هذه العقليات المريضة لا تختلف عن قضية شرعب السلام، وبالتالي على الحراكيين ان يبطلوا حراك ويستعدوا للاصطفاف إلى جانب الجعاشن أمام مجلس النواب وسيعمل البرلمان الحالي أو الانتقالي كل ما من شأنه إقناع شيخ مشايخ الجنوب لإعادة الحقوق لـ (أصحابها) وعلى الحراكيين التوقف عن المطالبة بالدولة الجنوبية لأن (العالم لا يهمه ان محافظات الجنوب كانت دولة وشرعب السلام لم تكن دولة) فقد اعذر من انذر!وبناء على ما يذهب إليه هؤلاء المتنطعون فوق ظهر القضية الجنوبية بهدف إعداد الأرضية لحقبتهم، فأن قراري مجلس الأمن رقمي (924) و (931) قد نصا على الوقف الفوري للحرب التي تشنها صنعاء على شرعب السلام وليس على أراضي الجنوب وأن العالم يحتقر أنانية الجنوبيين عندما تنازلوا عن وطنهم من اجل الوحدة ويحترم تضحية الجيوش الجرارة التي (...) الجنوب دفاعا عن الوحدة.ما هذه الفذلكة اللغوية واللعب بالكلمات وعقد المقارنات (القذافية) القائمة على السؤال العدمي “من انتم؟” .. ما هذا الأسلوب الذي يستسخف شعب عرف بسيادته على أرضه حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي؟ ما هذا الابتذال الذي تحاولون من خلاله الحط من قدر ومكانة جهد جماهيري سلمي متواصل منذ أعوام ستة لشعب في بلد كان في الأمس القريب يترأس مجلس الأمن الدولي؟ ما هذا التعالي النخبوي القائم على الربع والثلث والمخلاف؟ ما هذه القسمة الضيزى التي تحول 4/3 إلى 4/1 ما هذه الهرطقة والـ(هذرفة) والـ(هلفطة) .. على رسلكم أيها المستعجلون على قسمة البلد والثروة عن بعد، تمهلوا شويه رأفة بأنفسكم أيها المندفعون إلى الخلف. خلاصة القول دعونا من حلولكم الفضائية الخلاقة، التي وان كنا لا نغمطها عليكم، ولكن دعونا قبلا نعترف بحقوق ببعضنا البعض، فمثل ما ابن الجنوب مسلم بحق كل شمالي بأرضه على الثاني ان يبادل الأول ذات الموقف راضي أو مكره، ومن ثم على الشمالي ان يعيد لابن الجنوب كل ما اغتصبه من حقوقه كصاحب لهذا الوطن الذي عرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتراجع عن كل ما بسط عليه بالإكراه منذ ان ( ... ) الثاني لبلد الأول بقوة السلاح في 94/7/7م.بعد ذلك نتفاهم كطرفين بندية وقناعة كاملتين حول كيفية الشراكة بالطريقة التي ترضينا جميعا، فهذا ما سيجنبنا تقسيم الدولة أو تقسيم الهوية اليمنية التي تذرفون عليها دموع التماسيح، ما لم فالحق بيّن والباطل بين ولا يهمني كجنوبي ان أكون انفصالي أو حراكياً أو اي تسمية تجود بها قريحتكم، فوحدة صالح أصبحت من الماضي والشعب الجنوبي هو صاحب الحلول الإبداعية.. نعم الشعب الجنوبي الكامل الأهلية وليس (الشعب الربع) كما يتوهم بعض من مقدمي أوراق النفاق للقائمين على مرحلة الوفاق.
|
فكر
الجنوبيون ومنافقو الوفاق!
أخبار متعلقة