علمتني يا والدي ومنذ نعومة أظفاري كيف أقرأ الكُتب وأستمتع وأتلذذ بقراءتها ، لازلت أذكر أسماء الكتب التي أهديتني في كُل المجالات ، لازلت أتذكر كتاب الرادار ، في العلوم الفيزيائية، وكتاب جواهر الأدب والذي كان أول كتاب أقرأه كاملاً ، وبالطبع أتذكر كتابي الأول في المواضيع غير الطفولية كما كان يحلو لي أن أسميها ، الكتاب الّذي أهديتني إياه عن أحداث يناير 86 ، لا أتذكر الكاتب ولا أتذكر الكثير عن الكتاب أو غلافه غير اللون الأزرق الفاتح، على ذاك الغلاف المهترئ نوعاً ما لكثرة المرات التي قرأت أنت فيها الكتاب . فقد كنت في العاشرة من عمري وعلى مشارف المرحلة الإعدادية . كبرت وصورة القتل بين عيني ، وسؤال يدور في صدري ، إلى متى يستمر كُل هذا ، إلى متى تعيش الناس بقهر وألم يموت من الناس الآلاف ،لأن هناك شخص أو جماعة أعمتهم شهوة السلطة ، إلى متى يقاتل الناس على عصبية ، فعلاً إنها نتنة ، سبب سخيف لتقتل أو تقتل ، خسرت اليمن رجالاً هم من خيرة رجالها ، نزفت اليمن كثيراً ، وأستمرت آثار ذاك اليوم المدمرة ردحاً من الزمن ، بالنسبة لي شخصياً أحسست يا والدي أنك والقدر حملتماني أمانة كبيرة ، فلازلت أشعر أنه من واجبي أن أقدم لليمن والعالم ما لو عاش من ماتوا في تلك الحرب الطاحنة أن يقدموه ، سنوات عمري تجري ولازلت أبحث عن طريقة تمكنني من عمل عملِ يساوي ما يستطيعون جميعاً.لازلت أسمع كل يوم ، أخباراً ومعلومات عن ذاك التاريخ وعن الجرح الذي خلفه في قلوب وعقول ونفسيات الناس ، وحياتهم، أسمع بعض اليمنيين ، يحدثون من يتحدث عن الجنوب بأن هؤلاء هم الجنوبيون، وأنهم سيقتلون بعضهم بعضاً دائماً، و أرى هذا الحدث يلقي ظلاله على كل ذكرى في عمر جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، تحكى ، أو يناقشها الناس.أبي عودتني في كُل سني حياتي أن تقدِم لي كتاباًَ حين أكون محتاجة لمعلومة ، أو حائرة أمام طريق ، لا زلت أتذكر في الصف الأول الثانوي كتاب كيف تكتب بحثاً ، وفي الثالث الثانوي أذكر فقه الأئمة بأجزائه الأربعة ، ما نصحتني بقراءته للرد على بعض التساؤلات في رأسي ، لازلت أذكر بعض الكتب التي شكلت فارقاً في حياتي مثل مدارج السالكين، و ديوان أبي القاسم الشابي الذي أهديتني إياه عندما أخبرتك إني تهت عن طريقي .أبي لكنك والناس نسيتم أن تهدوني شيئاً عن المصالحة بعد 20 عاماً ، عنها في 2006 ، عن رغبة الناس في دفن الماضي ، عن تجاوزهم وصفحهم، عن إغلاقهم لذاك الباب ، فعلاً إنها ذكرى عظيمة، والدي أن يكون لديك القدرة على أن تغلق ملفاً عاش في داخلك عشرين عاماً ، متجدد الآلام ، فتح أبواباً لا تغلق ، أو كذلك ظننتها ، يعني أنك تغلبت على غرائزك ، أبي لا زلت لا أعلم سر إهمال الناس لهذه المصالحة ، وتعاملهم معها على أنها حدث ثانوي برغم أنها من أجمل الأحداث التي قد يمر بها الوطن ، نحتاج لمصالحات أخرى مثلها ، لا نحتاج لإتفاقات دولية ولا لمعاهدات ، ولا لمبادرات ، بل نحتاج لمصالحة شعبية ، نسقط فيها الثأر نصفي فيها القلوب ، فعلاً في نظري هذه المصالحة يا والدي والتي أسقطت الثأر الذي خلقته تلك الحرب ، هي من أرقى قرارات البشرية ، لأهلها مني كل احترام وتقدير وأتمنى أن أراها اليوم في كل ربوع اليمن.أبي سأهديك أنا أول كتاب أراه أو يصدر عن هذه المصالحة لأقول لك ، أني اليوم وجدت كثيراً من الناس يمكنني العمل معهم لتحقيق حلمي بعمل يوازي ما كانوا سيقدمون لو لم يموتوا في ذلك اليوم ، نعم أهتم كثيراً بذكرى مولدي وما حدث فيه لأنك أنت علمتني ذلك ، فلك مني كل الحب.
|
فكر
أبي .. نسيت أن تهديني كتابا عن المصالحة
أخبار متعلقة