لا يكون التغيير منطقياً في حال إن ارتبطت قنواته بأناس تزدحم أفكارهم وأمانيهم بأمور تتجاوز الواقع وتفاعلاته الحية أو أنها تتخذ مسارات ضيقة تتجاهل ضرورات ومتطلبات الفاعلين الحقيقيين وكذا الثانويين فيه ، حتى لا تذهب حينئذ مجمل المهام الى غير مكانها ولا تبدأ حتى تنتهي وتعود مرة أخرى إلى خانة البداية وهكذا تظل مفرداتها الموضوعية- أي عملية التغيير- بعيدة عن كل ما يلتقي مع حقيقة الفعل الذي تنشده الجماهير واحتياجها لكل فعل متزن يبنى على مصالح الجميع وليس البعض فقط، مع إدراكنا أنه من الصعوبة التجرد الكلي من المطلب الخاص في سبيل تحقيق العام ، فالذات الإنسانية دوما هي السباقة لتحقيق مصالحها ولكن لا يعني ذلك أن يقيد الشخص نفسه بقيود مصالحه دون النظر إلى أبعد من ذلك لان أي محاولة من هذا النوع سيكون مصيرها الفناء والانحسار. لا يختلف اثنان في أن حكومة الوفاق الوطني جاءت كمنقذ للحالة اليمنية المتردية، التي كادت أن تتعدى جراحاتها حد المعقول والمقبول والمحتمل وكان لتلك التنازلات المقدمة من أطراف العملية السياسية اليمنية - ولا يستدعي الأمر ان نعيد ونكرر من كان أكثر تنازلاً عن الآخر- ومع هذا التشكيل الحكومي تشكلت أحلام وطموحات المواطنين بانفراج عاجل يعيد لأوردتهم المتصلبة على جدران الخوف والفقر والمأساة شيئاً من حيويتها وبعضاً من ديمومتها التي كادت أن تتلاشى وتموت في صراع هزلي مقيت يختزل كل العوامل في عامل واحد تطبيقاً للنظريات الاختزالية ذات النظرة الأحادية التي تولد الكثير من الصراعات الأيديولوجية وأشكالاً من العنصرية السياسية التي نحن في غنى عنها. إن الأحلام والأمنيات التي تشبث بها المواطن وظل يعلق عليها الكثير والكثير رغم إدراكه اليقيني أن ما بقي من مسارات الحل هو الكثير والكثير ،في ظل تداخل وتشابك خيوط العملية السياسية - إن جاز تسميتها بالعملية حتى الآن - فيما هي في رأي المواطن لا تعدو مجرد لعبة أكثر منها عملية سياسية تغييرية ,لافتقارها لأدوات العمل السياسي الحريص على الدفع في اتجاه التقدم والارتقاء وقبل ذلك حلحلة الأوضاع السياسية والأمنية وكذا الاقتصادية المنهمرة بمآسيها على الجميع إلا من غرد خارج السرب بمواقفه المتزمتة ضد أي تغيير من شأنه أن يقوي مفاصل الدولة ويعيد لمؤسساتها الفاعلية والديمومة .بعض الساسة اليوم باتوا يتصرفون وكأنهم يبحثون عن آمال ضائعة أو أحلام بات من الصعب ان تتحقق فيشعرون ان الزمن يتسرب من بين أصابعهم ويحيل الكثير مما كانوا يحلمون به إلى كوابيس ،ما يجعل من هؤلاء بعيدين عن مجريات التحول المطلوب للغالبية من فئات الشعب ويذهبون دون حرص الى مصالح فئة دون غيرها،وهي الحالة التي جسدتها الأزمة اليمنية منذ بدايتها وهاهي اليوم تفصح بجلاء عن هذه الحقيقة التي ما فتئت تفرز مشكلات جديدة كلما اقتربنا من الحل والمخرج الذي يلتقي عنده الجميع أو حتى عند بعض جزئياته.نعم.. لم نسترح بعد من شدة ووطأة أزمة ما يقارب العام ، ولم نلمس - ومعنا كل فئات الشعب اليمني - نتائج الاتفاق الذي عقدنا عليه الآمال في تغيير أحوالنا وفتح نوافذ العيش الكريم أمامنا من جديد، ولم تستكمل بقية خطوات اللجنة العسكرية والأمنية في إزالة المتاريس وإخلاء العاصمة وبقية المدن اليمنية من المظاهر المسلحة في سياق الوصول للتهدئة العامة التي ستمكن الجميع من إعادة الأوضاع إلى مسارها السليم والطبيعي,فها نحن وللأسف الشديد( كلما داويت جرحاً سال جرح).ولان حلحلة الوضع اليمني المتأزم لم تواكبه على ما يبدو قناعةً بضرورته أولاً، وإرادة لتحقيقه ثانياً، وخطة لإدارته واستيعابه ثالثا،فقد تسارعت الأحداث في الأشهر الماضية على نحو غريب حتى لتبدو اليمن وكأنها ساحة اختزلت فيها كل أحداث العالم..هذه الأحداث تنوعت بين الشخصانية في بعض فصولها والمشاريع المتصارعة في فصول أخرى! لنجد فجأة أن هذا الطرف يشذ بمواقفه خارج دائرة المنطق والمفترض وذاك يجتهد دون عقل إلى لممارسة الإقصاء ضد الآخر لمجرد رأي أو موقف آمن به، وهذا لاشك يبعدنا خطوات بل مسافات عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فالتهدئة الإعلامية والسلوكية هي جسر العبور لتنفيذ المبادرة والخروج من الأزمة لكن واقع الحال والحلول المرتبطة بالراهن اليمني تبدو غير منسجمة حتى اللحظة، بل تذهب بقوة إلى التباعد والتنافر بين مكونات المنظومة القيمية وحتى الوطنية خاصة أن ما مر به الوطن من أزمة وما صاحبها من ترسبات سياسية واجتماعية وفكرية وثقافية يصعب أن تزول بمجرد اتفاق في ظل هكذا ممارسات. يذهب الكثير الى أننا على موعد جديد مع أزمة أخرى اشد ظلاماً ووقعاً وأكثر غربة في قادم الأيام خاصة إذا لم يتداعَ الجميع إلى البحث عن حلول جذرية تعيد رسم شكل الدولة وفق تشخيص دقيق وواقعي وصادق لمكونات ومفردات العمل السياسي وفق رؤية وطنية خالصة - وأوكد هنا خاااالصة - للقضاء على سلبياته المتراكمة والمتوالية وأيضاً العمل بتجرد من أية أهداف فوضوية متمصلحة وانتقائية .وأؤكد مرة أخرى أن الوضع اليمني يستدعي بالضرورة إحسان النوايا والتجرد من الذات ومعالجة مجمل مشاكلنا بوضوح وشفافية ، قبل استفحالها وتحولها إلى واقع نجبر على تحمل تبعاته الوخيمة وحتى لا نقود أنفسنا كالقطيع إلى متاهات الفوضى والضياع في الخاتمة... اللهم هل بلغت .. اللهم فاشهد.
أخبار متعلقة