حكومة الوفاق الوطني ليست شركة مساهمة، إنها حكومة اليمن، واليمنيين معنيون بنجاحها وإنجاحها كما أنها معنية بإنقاذ اليمن وحماية مصالح اليمنيون والدفاع عن حقنا الجماعي في التعايش والخروج سريعاً من أجواء الصراع والضدية المحتقنة. وغني عن الذكر والتذكير بأن الوزراء من الساعة التي قبلوا التكليف وذهبوا لأداء اليمين، لم يعودوا ملك أحزابهم وتحت تصرفها بل ملك اليمن وفي خدمة شعبه. إنهم لا ينتمون في هذه اللحظة إلى أحزاب وجماعات دفعت بهم إلى كراسي الوزارة، وإنما يمثلون الجماعة الأم والكبيرة، في النهاية يقال «الحكومة اليمنية» وليس شيئاً آخر! خلال الأسابيع الماضية برزت كتابات غريبة بنزعات أغرب، هنا وهناك، البعض اعتبر نفسه معنياً بدرجة رئيسية بالدفاع عن الوزير فلان وتبرير قراراته ومهاجمة مهاجميه ومنتقديه مقابل العكس مع الوزير علان من الحزب الآخر! هل صارت الهوية الحزبية بمثابة جنسية قائمة بذاتها تسبق الهوية الوطنية وتعوض عن الجنسية اليمنية؟! لا المؤتمر الشعبي ولا أحزاب اللقاء المشترك يملكون الحكومة والمؤسسات الرسمية والوزارات الخدمية والسيادية .. والأصح أنهم وجدوا في هذه الأماكن والمناصب لخدمة البلاد والعباد ويستمدون شرعيتهم من هذا الاعتبار .. ونحن لا نريد تكريس منطق الندية والضدية حتى لا نسلم الأحزاب رقابنا ومصير بلادنا فنصحو على واقع مؤلم عنوانه الشقاق وأول ضحاياه هو الوفاق! أحياناً، بل غالباً، تجيء الأخطاء الكبيرة في مراكز ومواقع صغيرة وربما غير مرئية وغير مشاهدة بالنظر إلى المسئولين الكبار والوزراء شاغلي الواجهة والوظائف العليا. المتجملون واللاعبون المغمورون يبادرون إلى إفساد الأمور وتعكير الأجواء في الساعات الأولى على بداية الامتحان والتحدي الجماعي. يعتقدون أنهم بذلك يمارسون نشوة المنتصر (...) أو حق المضاف في التحدث باسم المضاف إليه فيقولونه ما لم يقل وينسبون إليه ما لم يفعل ويفكرون وينظرون باسمه ونيابة عنه بل ويبررون سلوكيات وقرارات لم يتخذها أو يقدم عليها بعد، على سبيل الإلزام والإيحاء الضاغط، وهكذا جملة من المعارك والصخب المبكر تحيط بالمسئولين وتحاط بأسمائهم ويتحولون سريعاً إلى عناوين خلافية يؤججها الصغار ويروجون لها بحسن أو بسوء نية وتحسب على الكبار خصماً من النوايا الحسنة والطيبة لدى هذا أو ذاك من المدفوعين إلى واجهة المسئولية وبالكاد بدؤوا العمل! ولست أدري أي نصر (شخصي) يستحق الزهو لأجله أو التفاخر به، في الظروف السيئة والصعبة التي تشهدها البلاد الآن، ونحن نعلم ما نحن فيه وأدرى من غيرنا .. ونعلم أن المنظمات الدولية على اختلاف مسمياتها ومجالاتها أجمعت على إعلاننا كائنات جائعة ومريضة ومجتمعاً شارف على الكارثة وبلاداً تتهددها الأزمات من كل نوع وشكل؟! من المعيب في ظروف وأحوال كهذه، أن يفكر المرء مجرد التفكير في التفاخر واستعراض رماد البطولات الخائبة والكاذبة وتجميل قبح ما نحن فيه وما وصلنا إليه وكأننا وقد شارفنا على الهلاك صرنا في أفضل حالاتنا، وليس أننا صرنا، ولله الحمد، هدفاً أولاً لمنظمات الإغاثة وتمويلات المانحين وننشد الأقارب والآباء عوناً وقوتاً!! بعض الكتابات والآراء المشحونة بالعدائية والتحريف والتعريض المسيء والمسف، مقابل التزكية والتمجيد في الجهة الأخرى، تجعلك تشعر وكأننا لم نفهم ولم نتعلم شيئاً مفيداً خلال عام كامل من الصراع والأزمات والتخريب الجماعي لقواسم العيش المشترك والمصير الواحد والوطن الجريح الجامع. منطق الاستعداء والاستعلاء ولغة الحرب والتحريض والإدانة المتبادلة، هو ما ساقنا إلى ما نحن فيه، والعلة ليست دواء على الإطلاق! يجدر بالوزراء في حكومة الوفاق أن يحتاطوا لأنفسهم ولنا من مضار ومفاسد المجاهرين بالشقاق، والمحتفلين في المريخ أو زحل بانتصارات الغبار الكوني خارج العالم والوطن الذي نعيش ونعرف. أسوأ البطولات التي لا بطولة فيها إلا المقدرة العجيبة على التملك بالفراغ وإعادة إنتاج الأزمات والخيبات دفاعاً عن حق اللهب في الإتيان على الحطب عن آخره، حيث الحطب ليس إلا وطناً اسمه اليمن!
أخبار متعلقة